صوت من لا صوت له وطن من لا وطن له
الصفحة الرئيسية  English
المنبر العام
اخر الاخبار
اخبار الجاليات
اخبار رياضية و فنية
تقارير
حـــوار
أعلن معنا
بيانات صحفية
 
مقالات و تحليلات
بريـد القــراء
ترجمات
قصة و شعر
البوم صور
دليل الخريجين
  أغانى سودانية
صور مختارة
  منتدى الانترنت
  دليل الأصدقاء
  اجتماعيات
  نادى القلم السودانى
  الارشيف و المكتبات
  الجرائد العربية
  مواقع سودانية
  مواضيع توثيقية
  ارشيف الاخبار 2006
  ارشيف بيانات 2006
  ارشيف مقالات 2006
  ارشيف اخبار 2005
  ارشيف بيانات 2005
  ارشيف مقالات 2005
  ارشيف الاخبار 2004
  Sudanese News
  Sudanese Music
  اتصل بنا
ابحث

مقالات و تحليلات English Page Last Updated: Jul 11th, 2011 - 15:37:55


الــجـــد شـعــبان..وأحــد روّاد الدراما والمسرح في السودان ..مايسة محمود بشير الصباغ
Apr 13, 2008, 22:13

سودانيزاونلاين.كوم Sudaneseonline.com

ارسل الموضوع لصديق
 نسخة سهلة الطبع

 

(الــجـــد شـعــبان)

جـــــد السودان

وأحــد روّاد الدراما والمسرح في السودان

 

في الذكرى السنوية الأولى لرحيله

 

 

بقلم :

مايسة محمود بشير الصباغ

المنامة – مملكة البحرين

 

مقـدمـة

 

الــجـــد شـعــبان
تمر يوم 14 أبريل الجاري من عام 2008م الذكرى السنوية الأولى لرحيل الوالد المرحوم الحاج محمود بشير الصباغ الشهير بالجد شعبان ...... الوالد الشفوق الحنون والمربي الفاضل وأستاذ الأجيال وأحد الأعمدة الرئيسية التي قامت على أكتافها النهضة المسرحية في السودان والمعلم البارز في مجال برامج الأطفال والموهبة النادرة في مجال الإعداد الدرامي .  وهو فوق كل هذا رائد لا يكذب أهله في مجال التعليم الحكومي والأهلي. عمل بصمت ونكران ذات منقطع النظير ، ايام ذلك الزمان الملائكي الجميل الذي شهد رواد التعليم. وحيث كان الأستاذ مضرب الأمثال في التضحية من أجل الآخرين دون أن يطلب لنفسه مالا أو جاها .... وحين كان المعلم يهتم بتلاميذه مثلما يهتم بفلذات أكباده .... وحين كان المعلم يهتم بمستقبل تلاميذه  وتحصيلهم العلمي اكثر من إهتمام التلاميذ بأنفسهم ...

 

مولده ووفاته

 

ولد المرحوم الحاج محمود بشير الصباغ في حي أبوروف (البحر) العريق بمدينة أمدرمان عام 1925م . ويرجع سبب لقب "الصباغ" إلى ان مؤسس العائلة الحاج محمد الصباغ كانت لديه مصبغة أيام عهد التركية السابقة في مكان جامع فاروق الحالي بالخرطوم ولأجل ذلك أشتهر بالصباغ ثم صار ذلك لقبا وإسما علما للعائلة .

ترعرع الجد شعبان في حي ابوروف منذ نعومة اظفاره ولم يغادره طوال حياته اللهم إلا  خلال الإجازات القصيرة التي كان يقضيها احيانا وسط بعض ابنائه المغتربين في الخليج أو صحبة الفرق المسرحية التي كانت تسافر إلى الأقاليم داخل السودان ... ولكنه بوجه عام عرف عنه ارتباطه الروحي الوثيق واللصيق بالسودان وحي أبوروف. فكان لا يرضى عن وطنه بديلا ولا يحتمل الغياب الطويل عنه.

ثم شاءت الأقدار أن ينتقل إلى رحمة مولاه وهو على السرير الأبيض في مستشفى المفرق بإمارة ابوظبي  يوم 14 من شهر أبريل للعام 2007م .. بعد أن قام أبنه الأصغر "مدحت" المقيم في أمدرمان بنقله من مستشفى البراح بالسودان إلى مستشفى "المفرق" بمدينة أبوظبي لاستكمال علاجه الذي بدأه في الخرطوم بحري... ورغم الإمكانات الهائلة التي يتمتع بها مستشفى المفرق بأبوظبي ،  ورغم توافر الطاقم الطبي والتمريضي العالي الكفاءة والخبرة والاهتمام والرعاية الخاصة التي وجدها هناك ، فإن قضاء الله المحتوم جاء بعد دخوله مستشفى "لمفرق" بثمانية عشر يوما ، وقد حرص أبناؤه في أبوظبي على نقل جثمانه إلى السودان ليوارى الثرى وسط أهله وعشيرته وقرب والده ووالدته ومن سبقه من أشقائه وشقيقاته في مقبرة أحمد شرفي بأمدرمان المدينة والأرض التي أحبها. وكانت قطعة وثمرة من فؤاده حيث نشأ وترعرع طوال حياته . وحيث لا يجوز لمن كان عطاؤه لأجل بلده بهذا المقدار ولمن كان بمثل قامة الجد شعبان أن يـواريه ذووه في غـيـر تـراب وطنه الحبيب مهما تكبدوا في سبيل ذلك من مشاق.

لقد نشأ والدي رحمه الله يتيم الأم حيث انتقلت إلى جوار ربها وهو لا يزال طفلا . وتولت تربيته ورعايته شقيقاته عمات المحنة والمجمّة  "عيشة" و "بتول" و "التومة" رحمهن الله جميعا. فكان لذلك أثره العميق في أن شب على علاقة لصيقة بهن وببقية أشقائه "خليل" و "سيد" و "علي" وشقيقته "أم الحسين" أطال الله عمرها. فكان لهم طوال حياته نعم الشقيق ، وبمثابة الإبن البار. وكان لأبنائهم وأحفادهم بمثابة الأب والجد الحنون الذي يجعل حل مشاكلهم من أولويات اهتماماته مثلنا نحن أبنائه تماما دون فرز.

ولا يفوتني الإشادة بدور زوجته الفاضلة الوالدة الموقرة (ليلى القوصي) التي وقفت إلى جانبه في السراء والضراء. وكانت المشجع والدافع للعديد من إنجازاته وعمله وإبداعاته الفنية التي كان يقدمها دون مقابل مادي. وإنما فقط من أجل إثراء الحياة الفكرية في السودان لإيمانها العميق بسمو رسالته ، أطال الله في عمرها المديد.

 

عمله رحمه الله في مجال التربية والتعليم

 

أفنى زهرة شبابه معلما للغة العربية والتربية الإسلامية ومربيا للأجيال في مدارس الشعب بالخرطوم بحري. وترقى في مدارجها حتى أصبح وكيلا لها ، ثم موجها تربويا بوزارة التربية حيث امتدت تجربته في هذا الحقل الإنساني مدة ثلاثين عاما متواصلة . 

كان المرحوم الوالد . وانا شاهدة على ذلك يكلف نفسه بعد تناول وجبة الغداء في المنزل بأمدرمان عناء العودة عصرا إلى المدرسة في بحري لتدريس التلاميذ مجانا دروس التقوية استعدادا لإمتحانات الشهادة  وينفق على ذلك من جيبه وقوت عياله ..... كان رحمه الله من جيل البطولات والتضحيات الذين لم يتعللوا بضيق الإمكانات او المكان ..... فالأريحية بينهم سراج منير ، يهديهم ويدفعهم لبذل المزيد من التضحيات رخيصة في سبيل الوطن ورفعة شأنه . تضحيات كانوا يجدون حلاوة طعم ثمارها  في نجاح تلميذ من تلامذتهم ونبوغه. يقدمونه هدية وعطاء في غير من ولا أذى إلى المجتمع. ويرضون من كل هذا بأنهم عملوا وانجزوا وأنهم الأبطال الحقيقيون من وراء الستار.

كان والدي رحمه الله كثيرا ما يحمل هموم التعليم معه إلى البيت ويبوح لنا بكل الجدية رغم حداثة أعمارنا واهتماماتنا الطفولية في ذلك الزمان من سبعينيات القرن الماضي مفصحا عن طموحاته وأحلامه الشخصية في محو الأمية وانتشار العلم والتعليم ليشمل الأولاد والبنات على حد سواء .... ويغطي كافة رقعة السودان . وعلى نحو يجعلك تحس وكأنه يتمنى في قرارة نفسه ، لو كان باستطاعته أن يصبح أربعة مليون أستاذ حتى يوزع نفسه أربعا أربعة على أركان كل ميل مربع من  مساحة المليون ميل مربع ..... ينشر العلم ويجهد نفسه في التعليم دون أن ينتظر أجرا أو يتوقع شكرا .. ويكفيه من كل هذا رضا النفس لينام بعد ذلك ملء جفونه غرير العين مرتاح الضمير وقد أدى بضع ما يرى أنه واجب عليه في سبيل الوطن الذي تبذل الأرواح في سبيله رخيصة .

 

موهبته واهتماماته في مجال الدراما وبرامج الأطفال

 

يعد الوالد (الجد شعبان) رائدا من رواد العمل المسرحي وبرامج الإذاعة والتلفزيون ودراما الأطفال والسينما. فهو مؤلف درامي ومسرحي، وممثل إذاعي وتلفزيوني وسينمائي من طـراز فـريـد وبمواهب متعددة.

كانت البدايات الأولى عام 1937م حين كان تلميذا في المدرسة الأهلية الوسطى بأمدرمان وعمره آنذاك 12 سنة حيث شارك في مسرحية "قيس وليلى" تأليف أمير الشعراء أحمد شوقي ، ثم وبعد تدرجه الدراسي في المدرسة الثانوية المصرية كان يشارك في فعاليات ومناشط جمعية التمثيل بالمدرسة ... ثم كانت البداية الجادة على مستوى المسرح السوداني بتأسيسه  "فرقة السودان للتمثيل والموسيقى" التي استوعبت واحتضنت المواهب الشبابة  فتخرج منها فيما بعد معظم نجوم الدراما السودانية حاليا . منهم عوض صديق ، محمد خيري ، عوض أحمد .. وقد  قدمت هذه الفرقة الرائدة العديد من الأعمال الدرامية والتي كان والدي رحمه الله يقوم بالإعداد لها والإخراج بمشاركة زملائه الآخرين فراج الطيب و العم عثمان حميدة "تور الجر" يوم كانت ظاهرة الفنان الشامل هي السائدة في مجال العمل الفني عموما في السودان .. وقد أثرت "فرقة السودان للتمثيل والموسيقى" الدراما السودانية بالعديد من الأعمال المسرحية التي شهدتها خشبة المسرح القومي بأمدرمان. وجابت محافظات ومدن وقرى السودان المختلفة تنشر الوعي وتناقش قضايا المجتمع و تؤسس لحركة مسرحية هادفة تدفقت مواكبها لتملأ الساحة الإبداعية الفنية بعد ذلك لاحقا وعلى النحو الذي بتنا نشاهده ونرصده اليوم من نهضة مسرحية في كافة مناطق الوطن الحبيب.

ومن أهم المسرحيات التي شارك فيها كانت : "عجائب الفردوس" و "الأشقاء"  و "انتقام وغرام"  و "غرس الأحرار"  و "الأفعى" و  "الناس الغبش"  و "السودان العظيم"  و "سوق مريود" و مسرحية "وفاء" التي تعتبر أول مسرحية يشارك فيها العنصر النسائي في تاريخ الحركة المسرحية السودانية...... كذلك أدى دور البطولة في مسرحية "مبروك عليك"  من تأليف المرحوم عثمان حميدة وإخراج جاد الله جبارة.  وقد عرضت هذه المسرحية في مسرح الجزيرة بمدينة ودمدني وحققت نجاحا جماهيريا وفنيا كبيرا. واستمر عرضها هناك لمدة أسبوعين . كما شارك بدور أساسي في فيلم "عرس الزين" للمخرج الكويتي خالد الصديق. كما شارك في فيلم "الرحيل لا" للمخرج المصري ماجد عبد الله.

 

وفي مجال الدراما الإذاعية اشترك الوالد المرحوم في تمثيل العديد من التمثيليات الإذاعية ... وقدم  كذلك أعمالا  درامية من تأليفه على هيئة مسلسلات تناولت الجانب التاريخي الإسلامي ومنها على سبيل المثال لا الحصر مسلسل "أبطال القادسية" و "سيدنا بلال إبن رباح" . كما قدم تمثيليات قصيرة تناولت سيرة وعطاء عدة شخصيات إسلامية جليلة مثل  "أبو بكر الصديق" و "خالد بن الوليد" و "أبا ذر الغفاري" رضي الله عنهم أجمعين.

كذلك قام بإخراج الكثير من الاعمال مثل "من تراث القرآن الكريم"، و"محراب الشعر".

وقام بإعداد وتمثيل وتقديم برامج تلفزيونية عديدة من بينها "طريق النور" و "قال رسول الله" على هيئة عمل درامي لتقريب أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبسيطها على نحو يفهمه ويستوعبه العامة .... وقد نال هذا البرنامج حظا وافرا من الشهرة فأشاد به الازهر الشريف، وأصبح يبث في التلفزيون المصري إلى جانب تلفزيون السودان.

ومما كان يذكره لنا رحمه الله ؛ أنه كان في فترة ما يقوم مع عدد من الممثلين بأداء البروفات للعمل الدرامي "أبطال القادسية" .. وحدث نوع من التداخل في مواعيد حجز قاعة البروفات لهذا العمل مع بروفات برنامج آخر يقوم بإعداده أحد الأساتذة الجامعيين. فجاء السيد التاج حمد الذي كان وقتها مديرا للإذاعة وأمر بأن ستمر حجز قاعة البروفات لاستكمال "أبطال القادسية" قائلا أن هذه البرامج التي يقدمها ويعدها محمود الصباغ هي التي يلتف حولها المستمعون وتقدم رسالة حقيقية مرتبطة بإيقاع الحياة .... وقد اعتبر المرحوم هذه المقولة التي جاءت على لسان التاج حمد بمثابة شهادة تقدير كان يعتز بها طوال حياته ، وكانت دافعا له في كثير من الأحيان للإستمرار في تقديم رسالته رغم المشاكل والصعاب والمعوقات الروتينية والفنية التي كانت تعترض طريقه بين حين وآخر.

 

برامج الأطفال

 

كان أكثر اهتمام الوالد محمود الصباغ في هذا المجال منصب على تقديم شخصية الجد شعبان. ولكنه إلى جانب ذلك كان يتولى مهام الإعداد والإخراج والتأليف للطفل .. وقد شهد لدوره ونكران ذاته الممثل القدير "بريقع" . حيث ذكر في مداخلة كتابية خلال برنامج "عزيزي المشاهد" من تقديم المذيعة اللامعة "إيناس محمد أحمد" مافيه أشادة مشكورا عليها بدور الفقيد الكبير في ترقية وإثراء برامج الأطفال. وأنه كان يواصل عمله في هذه البرامج بكل ما يمكن تخيله من خصلة نكران الذات. ولدرجة أنه كان يقوم بتاليف العديد من التمثيليات والأعمال وإخراجها دون أن يذكر إسمه . وكان ملحنا موهوبا ويتميز بصوت جميل وقدرات فائقة في مجال الخطابة والإلقاء . فكان يقوم بتلحين القصائد الدينية لتلاميذه في المدرسة. ويكتب النصوص بأسماء مستعاره (بناء على رغبته) ويجري تقديمها في الإذاعة والتلفزيون دون أن يطلب أجرا أو حقوق أداء . والسر الكامن وراء ذلك هو أنه رحمه الله كان غزير الانتاج ةمتعدد المواهب ويكتب الكثير الكثير من النصوص ويخرجها. وكان يرى أن في تكرار إسمه على العديد من إنتاجه الغزير قد يشكل نوعا من الإحتكار لإسمه وكأنه يفرض هذا الإسم على خريطة البرامج اليومية والدورات الإذاعية والتلفزيونية  أو على خشبة المسرح ..... فهو في حقيقة الأمر كان من أولئك الرعيل الأول الذي لا تهمه المادة ولا يسعى للشهرة بقدر ما يهتم بأداء رسالته كإنسان مبدع موهوب ووضع هذه الموهبة والقدرات تحت تصرف المجتمع ومصلحته. وليس سرا أنه رحمه الله كان يعمل مخرجا خلف الكواليس في برامج الأطفال بالتلفزيون مساعدا للمخرج بدر الدين حسني  وذلك حسب ما ذكره الممثل "بريقع" في مداخلته المذكورة خلال برنامج "عزيزي المشاهـد".

 

وتبقى شخصية "الجد شعبان" .. أو كما يوصفه أصدقائه ومحبيه ومعجبيه وتلاميذه بأنه (جد السودان كله) هي الشخصية النمطية التي أبدع فيها وارتبط بها وارتبطت به .. ولقد قدم الفقيد تجربة الجد شعبان في عام 1964م. وللأمانة والتاريخ  فإن هذه الشخصية كما ذكر لنا الفقيد كانت من ابتكار المخرج "أحمد عاطف".

وقد كان للعديد من الزعماء السياسيين والإعلاميين الرواد في السودان علاقات وثيقة الصلة مع والدي رحمه الله. وكان دائما يذكرهم أمامنا بالخير . ويعدد مآثرهم ووقوفهم إلى جانبه. وأذكر منهم على سبيل المثال السيد الإمام الصادق المهدي ....   و البروفيسور علي شمو  ، و د. إسماعيل الحاج موسى ، وميسرة السراج ، وفراج الطيب ... وكان له من الأصدقاء المقربين المرحوم "عثمان حميدة" الشهير بـ "تور الجر" ..... وكذلك من عملوا معه في برامج الأطفال "صفية الأمين" المشهورة بلقب "ماما صفية" ... وأمينة عبد الرحيم ، و سهام المغربي.

 

وعلى المستوى الشخصي داخل نطاق الأسرة كان الوالد  محمود الصباغ رحمه الله مثالا للأب الشفوق الحنون الذي يهتم بتربيتنا. ويسارع إلى حل مشاكلنا وما يعترضنا من صعاب بأسلوب الصديق الوفي دون أن يفرض علينا راي محدد . ولأجل ذلك كان دائما محل ثقتنا ومحط مشورتنا . وكان إذا مرض أحدنا سهر الليل إلى جواره دون أن ينام ، ويحرص على تناول المريض  للدواء في مواعيده التي نص عليها الطبيب ، حيث كان يناولنا الدواء بنفسه . وكان يهتم ويحرص على أدائنا لواجباتنا المدرسية يوميا حتى سندوتشات إفطارنا التي نحملها معنا أيام الدراسة كان يهتم بها . وكان خلال العطلة الأسبوعية يحرض على خروج الأسرة مجتمعة للتنزه في الحدائق العامة وكسر روتين إيقاع الحياة اليومي بتناول وجبة الغداء أو العشاء خارج البيت خلال العطلة  ...

لقد علمنا القيم السمحة والمبادئ السامية . كان يؤكد لنا دائما أن المال زائل وأنه خير للفرد أن يعيش على الكفاف من أن يأكل الحرام. وكان يحكي لنا دائما وكأنه يعدنا لحياتنا الزوجية عن الصحابيات الجليلات رضي الله عنهن اللاتي كن يودعـن أزواجهن عند باب الدار صباحا وهن يستحلفوهم أن لا يعودوا لهم آخر النهار وقد اكتسبوا مالا حرام ليأكل منه أولادهم .... كان يحرص على أدائنا الصلاة في مواقيتها ويغرس في عقولنا وعواطفنا أن الدين يسر وليس عسر ...

كان يحرص أن يكون لنا بمثابة القدوة الحسنة والمثال ، فكان من أهم خصاله هو عدم تناول سيرة الآخرين بالغيبة أو النميمة ويوجهنا دائما بعدم التعود على هذه الخصلة التي لا يرضاها الله عز وجل ولا رسوله صلى الله عليه وسلم .

وواصل اهتمامه بنا إناثا وذكورا حتى بعد زواجنا وانتقال كل واحد مننا إلى بيت الزوجية . بل وكان أيام كانت الاتصالات الهاتفية صعبة ومستحيلة في بعض الأحيان أبان فترة الثمانينيات من القرن الماضي ؛ كان يستأجر التاكسي من حي أبوروف إلى مقر الكبانية في سوق أمدرمان القديم حيث يتصـل بنـا فـردا فـردا ليطمئن على أحوالنا.

كان يهتم كذلك بأحفاده ويسأل عنهم. وعند حضورنا للسودان أيام الاجازات الصيفية كان يتولى رعايتهم وتعريفهم بملامح العاصمة وتاريخ السودان وتراثه . وكان يوصينا بهم ويرشدنا إلى كيفية توجيههم وضرورة ربطهم بأصولهم في السودان.

 

وفي مجال العائلة الكبيرة كان الوالد محمود الصباغ رحمه الله محط مشورة أشقائه وأبناء وبنات أشقائه وشقيقاته رغم أنه أصغر  أشقائه وذلك لما لمسوه فيه من إهتمام بأمورهم وأمور أبنائهم. فهو كان دائما لسان صدق وفاعل خير لا تعلم يساره ما أعطت يمينه. عمل لدنياه كأنه يعيش أبدا وعمل لآخرته كأنه يموت غـدا.

 

رحم الله الوالد الفقيد بقدر ما ضحى وأنكر الذات في سبيل الوطن والرحم والآخرين دون من ولا أذى ودون أن يطلب أجرا أو يسعى إلى شهرة . ولكنه  كان يبدو سعيدا جزلا منشرح الصدر وهو يعود إلى المنزل بعد كل حفل تكريم معنوي وهو يحمل في يده "وسام" أو "شهادة تقدير" من ورق أو قماش .... وقد حصل والدي رحمه الله على "وسام الآداب والفنون" من رئيس الجمهورية عمر البشير وعلى العديد من الأوسمة الأخرى في مناسبات فنية عامة وعدد غير محدود من شهادات التقدير ...... وقد كرمته الدولة في شخص العديد من الوزراء وكبار المسئولين الذين شاركوا في تشييع جثمانه الطاهر سواء  بإرسال رئيس الجمهورية لمندوب رسمي من الرئاسة لتقديم واجب العزاء. أو حضور السيد وزير الاتصالات الإعلام . كما حضر السيد عبد القادر محمد وزير الشباب والرياضة وتحدث في مأتم الفقيد عن دوره الكبير الذي قام به في دعم الحركة المسرحية والنهوض بها. كذلك حضر لفيف من كبار المسئولين بوزارة الإعلام ومجموعة من قادة العمل الإعلامي والمسرحي والفني . وحضور مميز للمسرحيين والهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون ممثلة في مشاركة البروفيسور علي شمو ود. محمد عبد المطلب الفحل ومعتصم فضل وغيرهم من القيادات الإعلامية .. وتحدث د. عبد المطلب الفحل عن مآثر الفقيد ودوره في الحركة المسرحية والثقافية وتميزه في مجال الفن والأدب ونشاط المسرح والدراما .. كذلك بادر السيد وزير التربية والتعليم بنعي المرحوم من خلال الإذاعة والتفزيون بوصفه معلما ومربيا سابقا أفنى زهرة شبابه في صبر ونكران ذات في مجال التربية والتعليم.

وكان في تشييع المرحوم إلى مثواه الآخير موكب كثيف مهيب وجمع غفير من أهالي أمدرمان عامة وحي أبوروف العريق والأحياء المجاورة خاصة. وبكى عليه أصدقاؤه وتلاميذه بالدمع السخين في عفوية تعبر عن مدى التصاقهم به وحبهم له . ومدى ما كان يتمتع به من خلق راقي رفيع في التعامل مع كافة الأعمار ومختلف الثقافات.  فلهم منا نحن أسرة المرحوم محمود الصباغ كل الشكر والتقدير داعين الله أن لا يريهم مكروها في عزيز لديهم.

إنه ليس من السهل أن ننسى الوالد المرحوم. أو يغيب لحظة عن الخاطر. فهو لا يزال دائم الحضور بيننا بذكراه العطره وحرصه على أن يغرس قيم  ومكارم الأخلاق وبر الوالدين وصلة الأرحام ... ويكفيه أنه عاش نظيف اليد قانعا بما قسمه له الله من رزق استغنى فيه بحلاله عن حرامه . وأكمل رسالته على أفضل وجه . ومات راضيا عن  نفسه  مرتاح الضمير مقبلا على آخرته غير مدبر ولا خائف.

فنسأل الله مخلصين ضارعين في هذه الذكرى الأولى لانتقاله إلى جوار ربه أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويفسح له في قبره ويجعله روضة من رياض الجنة ويتقبله قبولا حسنا ويجازيه بالإحسان ويلهمنا الصبر والسلوان . وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

صورة نادرة تجمع الجد شعبان مع بعض احفاده خلال زيارته لإبنته مايسة في مملكة البحرين سنة 1999م

 


© Copyright by SudaneseOnline.com


ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

أعلى الصفحة



الأخبار و الاراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات و تحليلات
  • تشارلز تيلور يكتب من لاهاي هاشم بانقا الريح*
  • تنامي ظاهرة اغتصاب الاطفال ...! بقلم / ايـليـــا أرومــي كــوكــو
  • مؤتمر تمويل التنمية/د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
  • بين مكي بلايل والعنصرية والحركة الشعبية /الطيب مصطفى
  • قالوا "تحت تحت" الميرغنى ماااااا "داير الوحدة"/عبد العزيز سليمان
  • الصراع الخفي بين إدارة السدود والمؤتمر الوطني (4-12) بقلم: محمد العامري
  • قواعد القانون الدولى المتعلق بحصانات رؤساء وقادة الدول/حماد وادى سند الكرتى
  • هل يصبح السيد مو ابراهيم حريرى السودان بقلم: المهندس /مطفى مكى
  • حسن ساتي و سيناريو الموت.. بقلم - ايـليـا أرومـي كـوكـو
  • الجدوي من تعديل حدود اقليم دارفور لصالح الشمالية/محمد ادم فاشر
  • صلاح قوش , اختراقات سياسية ودبلوماسية !!؟؟/حـــــــــاج علي
  • أبكيك حسن ساتي وأبكيك/جمال عنقرة
  • نظامنا التعليمي: الإستثمار في العقول أم في رأس المال؟!/مجتبى عرمان
  • صندوق إعادة بناء وتنمية شرق السودان .. إنعدام للشفافية وغياب للمحاسبة /محمد عبد الله سيد أحمد
  • )3 مفكرة القاهرة (/مصطفى عبد العزيز البطل
  • صاحب الإنتباهة ينفث حار أنفاسه علي باقان: الصادق حمدين
  • جامعة الخرطوم على موعد مع التاريخ/سليمان الأمين
  • ما المطلوب لإنجاح المبادرة القطرية !؟/ آدم خاطر
  • الجزء الخامس: لرواية للماضي ضحايا/ الأستاذ/ يعقوب آدم عبدالشافع
  • مبارك حسين والصادق الصديق الحلقة الأولى (1-3) /ثروت قاسم
  • ماذا كسبت دارفور من هذه الحرب اللعينة !!/آدم الهلباوى
  • الأجيال في السودان تصالح و وئام أم صراع و صدام؟؟؟ 1/2/الفاضل إحيمر/ أوتاوا
  • النمـرة غـلط !!/عبدالله علقم
  • العودة وحقها ومنظمة التحرير الفلسطينية بقلم نقولا ناصر*
  • المختصر الى الزواج المرتقب بين حركتى العدل والمساواة والحركة الشعبية لتحرير السودان /ادم على/هولندا
  • سوداني او امريكي؟ (1): واشنطن: محمد علي صالح
  • بحث في ظاهـرة الوقوقـة!/فيصل على سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر
  • سقوط المارد إلى الهاوية : الأزمة مستمرة : عزيز العرباوي-كاتب مغربي
  • قمة العشرين وترعة أبو عشرين ومقابر أخرى وسُخرية معاذ..!!/حـــــــــــاج علي
  • لهفي على جنوب السودان..!! مكي المغربي
  • تعليق على مقالات الدكتور امين حامد زين العابدين عن مشكلة ابيي/جبريل حسن احمد
  • طلاب دارفور... /خالد تارس
  • سوق المقل أ شهر أسواق الشايقية بقلم : محمدعثمان محمد.
  • الجزء الخامس لرواية: للماضي ضحايا الأستاذ/ يعقوب آدم عبدالشافع
  • صاحب الإنتباهة ينفث حار أنفاسه علي باقان أموم/ الصادق حمدين
  • رحم الله أمناء الأمة/محجوب التجاني
  • قصة قصيرة " قتل في الضاحية الغربية" بقلم: بقادى الحاج أحمد
  • وما أدراك ما الهرمجدون ؟! !/توفيق عبدا لرحيم منصور
  • الرائحة الكريهة للإستراتيجي بائتة وليست جديدة !!! /الأمين أوهاج – بورتسودان
  • المتسللون عبر الحدود والقادمون من الكهوف وتجار القوت ماشأنهم بطوكر /الامين أوهاج