صوت من لا صوت له وطن من لا وطن له
الصفحة الرئيسية  English
المنبر العام
اخر الاخبار
اخبار الجاليات
اخبار رياضية و فنية
تقارير
حـــوار
أعلن معنا
بيانات صحفية
 
مقالات و تحليلات
بريـد القــراء
ترجمات
قصة و شعر
البوم صور
دليل الخريجين
  أغانى سودانية
صور مختارة
  منتدى الانترنت
  دليل الأصدقاء
  اجتماعيات
  نادى القلم السودانى
  الارشيف و المكتبات
  الجرائد العربية
  مواقع سودانية
  مواضيع توثيقية
  ارشيف الاخبار 2006
  ارشيف بيانات 2006
  ارشيف مقالات 2006
  ارشيف اخبار 2005
  ارشيف بيانات 2005
  ارشيف مقالات 2005
  ارشيف الاخبار 2004
  Sudanese News
  Sudanese Music
  اتصل بنا
ابحث

مقالات و تحليلات English Page Last Updated: Jul 11th, 2011 - 15:37:55


مـحـمـــد وردي المطـرب الظاهـرة وآخــر سـلالات قرص الشمس (7 مــن .........) مصعب المشــرف
Mar 22, 2008, 20:36

سودانيزاونلاين.كوم Sudaneseonline.com

ارسل الموضوع لصديق
 نسخة سهلة الطبع

 

مـحـمـــد وردي

المطـرب الظاهـرة

وآخــر سـلالات قرص الشمس

((سلسلة رموز وهموم سودانية))

(7 مــن .........)

 

 مصعب المشــرف                                  

[email protected]

                    

 

مـحـمـــد وردي
... لم أكن في قراءتي لمحمد وردي أرمي إلى مجرد الانشغال بسرد إسمه بالكامل وتاريخ ميلاده وأسماء زوجاته وعدد أبنائه واغنياته ووجبته المفضلة .. إلخ ... فهذه معلومات عامة ربما يكون هناك من محرري ((الصحف والمجلات الورقية التقليدية)) من هو اكثر اهتماما مني بها وأقدر على رصدها والامساك بتلابيبها .... ولكن الهدف الذي دفعني هو قناعتي بان محمد وردي ظاهرة تستحق الدراسة والتحليل ، ودون اعتبار لتاريخ حضوره أو انتظار لتاريخ مغادرته إلى بارئه ... فهو ظاهرة مستعجلة لن تتكرر ... وحين اقول لن تتكرر فلست أضع نفسي موضع ضارب رمل او حاذق بقراءة الطالع وعلم أبراج النجوم ... ولكن لكون الظروف الاجتماعية والسياسية التي عاصرها وردي او عاصرته،  ووجد نفسه تارة محمولا على أكتافها أو تارة مقيدا بالأغلال في غياهب سجونها. أو ثالثة مشردا بين أفريقيا والجزيرة العربية والولايات المتحدة بسبب ثباته على مبادئه وقناعاته أيا كانت  ... فإن كل هذه الظروف مجتمعة ربما لن يكون بالإمكان تكرارها من جديد..... وحتى إذا تكرر بعضها كظرف ، فإنه ليس من المؤكد أن تجد في خضمها محمد وردي آخــر .....

 

آخر سلالات الشمس

ثم أنني لم أشأ مغادرة رحاب حضارتي نبتة ومروي وسيرة ملوكها من ((سلالة الشمس)) دون العطف على سيرة هذا المطرب النوبي او ((الحلفاوي)) كما يحلو للعامة تسميته .... والغريب أن مصطلح ((نوبي)) هذا لا نستخدمه كثيرا في الإشارة إلى أهل النوبة القديمة التي رادت حضارات نبتة ومروي وسوبا ، وكان لها في تلك الحضارة موقع الزعامة ..... ويقتصر مسمى النوبة لدى اهل السودان على قبائل جبال النوبة الحالية الواقعة في مناطق جنوب كردفان بعيدا عن مجرى النيل .. أما النوبة في الشمال فلا أحد يعرفهم بذلك من العامة ، وربما يقفز الذهن والتصور عند ذكر هؤلاء إلى النوبة المصريين ليس إلا .. أما النوبة السودانيين في الشمال فقد تفرقت بهم الأسباب ما بين  محس وسكوت وفروع من الدناقلة وهلم جرا، فصار كل منهم ييعرف بإسم قبيلته على حدة ..... ويكاد وصفهم جميعا بالنوبة ينحصر في نطاق الكتب والمقالات التاريخية والمنتديات العلمية المتخصصة وأروقة وقاعات الدرس في المعاهد والجامعات.

على أية حال ....فإن كان الملك بعنخي هو أول من أستحق أن يطلق عليه لقب ((سلالة الشمس)) ،،، فإن وردي ..... هذا النوبي الماثل أمامنا .... وبقدر ما ضحى وقدم لبلاده وتعرض له من مآسي ؛ فقد حجز لنفسه مكانة ومقاما يجعله بالفعل ((آخـر سـلالات الشمـس)).

 

من هو الحلفاوي؟؟

يخلط أهل السودان كثيرا بين حلفا المدينة وحلفا الانتماء ... فييطلقون مسمى ((حلفاوي)) على النوبي السوداني اعتباطا .... وفي حقيقة الأمر لا توجد قبيلة نوبية بمسمى ((قبيلة حلفا)) ... أما حلفا المدينة أو حلفا القديمة فهي جزء من وادي حلفا .... ووادي حلفا كان رقعة مخضرة تنتشر فيها حقول القمح وبساتين الفاكهة وأشجار النخيل .... ووسط هذه البساتين كانت تقع مدينة حلفا ذات المباني المتعددة الطوابق والتخطيط العمراني المنظم .. ولكنها للأسف غرقت تحت مياه بحيرة السد العالي ....

والحلفا أصلا هو نبات ينمو في البادية ، وجزء من الغطاء النباتي لمناخ السافنا الفقيرة والغنية على حد سواء ، ولكن يتفاوت حجمه حسب المناخ الذي ينمو فيه .. وتستخدم الحلفا في بعض مناطق السودان في بناء الأكواخ ... أو ما جرى التعارف عليه بإسم ((أكواخ القش)) التي كانت سائدة في السودان قديما ، ولكنه تقلص الآن في بعض مناطق النيل الأزرق وجبال النوبة والجنوب .....

وبنقسم النوبة في شمال السودان إلى عدة قبائل أشهرها المحس والسكوت والدناقلة ..... ولكن  برغم ذلك توجد قبيلة عربية أخرى تسمى أيضا بالمحـس ، وهذه تقطن شرق النيل الأزرق وتمتد لصيقة بهذا النهر من جنوب شرق الخرطوم بحري شمالا إلى قرية حنتوب جنوبا ... ويخلط السودانيون كذلك بين محس الجزيرة هؤلاء ومحس الشمالية . ويعتقدون أنهم من أصل واحد ؛ رغم أن هؤلاء غير أولئك ... وحيث ينتمي محس الجزيرة إلى جدهم ((عبد المحسن)) ويتصل نسبهم بالصحابي الجليل وكاتب الوحي أبي بن كعب البدري الخزرجي الحميري ، الذي أرسل إليه الله عز وجل يقرئه السلام من فوق سبع سموات صحبة سيدنا جبريل ؛ كما حدث بذلك المصطفى عليه الصلاة والسلام.... ومن أشهر محس الجزيرة نجد المطرب أحمد المصطفى و سيد خليفة و أولاد الدبيبة و إبراهيم عوض.... ولكن برغم ذلك فلا أحد في السودان يستطيع الإدعاء بأنه عربي نقي ... فهو في نهاية الأمر إما هـجـين أو خـلاسـي فـي أفـضـل الأحـوال.  

 

تشريح الظاهرة

كل إبداعات وردي الفنية هي في حقيقة الأمر محطات سماوية لا يمكن إخضاعها لقوالب الحقيقة المجردة والتاريخ ؛ لأنها ببساطة تجدد نفسها بنفسها .. بل وكأنها تستلهم حركتها التجديدية الذاتية تلك من ثوابت ناموس المجموعة الشمسية داخل درب التبّانة ..... ومن حقيقة كونها خرجت من فكر وعقل حر  إلى سماوات منفتحة ، لتتلقفها مشاعر وأحاسيس مرهفة غير قابلة للصدأ أو الاحتكار ... ...

ولأجل ذلك فهو دون شك مطرب كل الأجيال في أفريقيا جنوب الصحراء .... احترق لأجلهم .. وحمل فوق ظهره وعلى عاتقه بدلا عنهم كل أوزار  وخطايا وإحباطات عواطفهم.

.................

ولكنني برغم ذلك لست هنا بمعرض التحليق عبر محطاته السماوية تلك .... ويكفيني من وردي تناول ظاهرته عبر محطاته الأرضية ... وحيث لابد لكل من يتطرق إلى تحليل ظاهرة وردي في مجاله الأرضي أن يأخذ في اعتباره الحقائق البارزة الآتية:

 

1-     حقيقة أنه نوبي تصالح مع نفسه والواقع المعاش.

2-     حقيقة انه قدم موهبته مستخدما اللغة العربية كوسيلة.

3-     وطنيته الجارفة كسوداني وتحمله هموم قبيلته وشعبه.

4-     الصـدام مــع السلطات الديكتاتورية والشمولية.

5-     حجم معاناة التشرد والهجرة القسرية.

 

عبث الأقدار

محمد وردي من مواليد ((صواردة)) عام 1932م .... نشأ يتيم الأبوين ، ثم عمل مدرس ابتدائية مغمور ... ورغم نوبيته فإنه كان متخصصا في تعليم اللغة العربية ، والدين بالطبع كلاحقة ولازمة لصيقة بمدرسي اللغة العربية في المدارس الإبتدائية والوسطى والثانوي ايام زمان ........ وقد يتملكك الضحك وأنت تتخيله وهو يجاهد نفسه وتلامذته الصغار من ابناء النوبة في حلفا القديمة لتحفيظهم مابين سورتي الهمزة والكافرون ..... ولكن الأكثر دهشة أن محمد وردي عمل بتدريس هذه اللغة والدين أيضا ، وسط قلاع الجعليين بل وفي عقر عاصمتهم شندي .......وبمعنى آخر فإن هذا المطرب الظاهرة ، بدا وكأنه على موعد مع ((عـبث الأقـدار)) منذ بدايات تكوينه المهني.... وكأن هذه الأقدار قد آلت على نفسها عهدا بأن لا يأكل هذا النوبي كسرة خبزه إلا في وعاء اللغة العربية ، وأن لا يعبر عن موهبته النادرة إلا من خلالها كوسيلة..... فكان أن لصق بها والتصقت به ليتجاوز كلاهما ببعضهما الدائرة الجغرافية الضيقة للسودان إلى عـوالم أفريقية منفتحة الأفق مترامية الأطراف. 

 

بداية لا بد منـهــا

لاشك أن وردي قد جاء إلى شندي وهو يحمل في يده اليمنى طنبورا قاعدته من صحن طلس قديم ، قد تشاهده أنت و تأكل فيه مع أصدقائك أو زملائك عنـد أفـرب مطعم فول مصري..... وقد قيل أن وردي كان من افضل الطنبارة ..... ولكن ما كان لوردي ان يكون وردي لو لم يدرك بذكائه الحاد ان التوقف عند عصاتي الطنبور وثالثتهما القصيرة المستعرضة ، لن يفتح له بابا او شباكا لدخول التاريخ على النحو الذي كان يرجوه ويتمناه ويطمح لنفسه . فانقلب إلى آلة العصر الموسيقية في زمانها وتعلم عزف العود ، مبتدئا نضاله الغنائي بتقليد ((الولد الصاروخ)) في ذلك العصر المطرب إبراهيم عوض الذي كان قد وصل إلى النجومية صنو إبراهيم الكاشف ، وهو لا يزال يرتع في ربيع السادسة عشر من عمره .... وظل وردي يجوب أزقة شندي وضواحيها ، يغني في أعراس الشباب وختان الصغار مرددا لأغان ابراهيم عوض وبضعة أغنيات لمطربين آخرين ، فيجد الإستحسان المعنوي والإحسان النقدي ريالات معدودات أو وجبة عشاء دسمة يتوسطها ((ضلـعـة)) وبضع قنينات من مشاريب روحية ، على نحو ما كان يجري التعامل به مع المطربين في ذلك العصر قبل الاستقلال ، وحيث كان لا يزال يطلق عليهم مصطلح ((الصعاليك)).   

ويروي محمد وردي بنفسه حقيقة أنه كان قبل أن يعرفه الناس معجبا بالمطرب إبراهيم عوض ويردد اغانيه ، وعلى نحو استغل حضور إبراهيم عوض إلى مدينة شندي رفقة مطربين آخرين لإحياء ليلة غنائية ، فوجد وردي هناك من يتوسط له عند إبراهيم عوض خلال فترة الاستراحة ليسمعه وهو يردد إحدى اغنياته.

أهم مفاتيح شخصية وردي هي صدقه في مواجهته لنفسه وتصالحه الداخلي معها ..... ولأجل ذلك لم يكن إقبال هذا النوبي في بداية مشواره ، على تقليد مطرب أمدرماني من مواليد حي العرب عام 1933 ناجما عن فراغ .... ولكنه كان دليلا واضحا على أن محمد وردي قد حدّد لنفسه منذ البداية خارطة الطريق الذي سيسلكه في مساره الفني .. وأنه اختار الثقافة العربية السائدة وعاءا رئيسيا للتعبير عن موهبته الفذة ، دون أن يعني ذلك تخليه عن نوبيته في إطارها الضيق أو سودانيته في إطارها الواسع.....  

 

الهيلا هوب

كان محمد وردي على موعد مع القدر ليجنى ثمار ما جاهد من أجله، حين قدم المرحوم الزعيم اسماعيل الأزهري لزيارة شندي عقب استقلال ابلاد . وخلال حفل جماهيري جرى إعداده لمناسبة هذه الزيارة استمع الأزهري بإذن وعقل لا يخفى ذكاؤهما الحاد على احد إلى نبرات صوت محمد وردي وهو ينشد:

((اليـوم نـرفـع راية استقلالنا .... ويسطّـر التاريخ مولد شعبنا))

 

أدرك الأزهري أن هذا المطرب الشاب صاحب الأذنين الكبيرتين والطول الفارع والوجه الصبوح ؛ ليس كمثل غيره من مطربين ... وقد لمس فيه صدقا بائنا وحماسا متوقدا لوطنه ، وحين استفسر عنه وعرف طبيعة عمله أوصى بالعمل على نقله إلى العاصمة ، حتى تتاح له فرصة تطوير موهبته والانتشار جماهيريا . وكي يستمتع محبي الغناء في كل السودان بهذا الصوت الجميل بالطبع..... وهكذا كان عام 1957م هو البداية الحقيقية لمحمد وردي.

 

كسر الحاجز النفسي

لقد كان محمد وردي بهذا التصرف سواء إقدامه على الغناء باللغة العربية امام الأزهري ؛ أو ترديده سابقا لأغنيات إبراهيم عوض ..... كان بذلك يكسر الحاجز النفسي ، وأسوار المعتقل الثقافي الذي طالما ظل النوبي الشمالي متهما يحبس نفسه داخله حين كان ولا يزال يرفض بشدة تقديم نفسه ، وإبراز عطائه الثقافي والحضاري عموما ، داخل وعاء لغوي بعيد عن اللغة النوبية ، برغم ما يشكله ذلك من تضحيات تحرم الساحة السودانية عامة من عطائهم ، وتحرمهم هم أنفسهم من فرصة الانتشار .....

نعم هناك العديد من ابناء القبائل والتجمعات السودانية غير العربية الهجين ، ممن كسر الحاجز النفسي في مجال التعبير باللغة العربية ومن بينهم الشاعر الفيتوري الذي أصبح اليوم في عداد الشعراء العرب القوميين إلى جانب نزار قباني ومحمود درويش وغيرهم

ولا أجد نفسي متفقا مع البعض من الهجين العربي ممن يذهب ((وعلى نحو استفزازي)) إلى القول بانه لولا لجوء وردي إلى اللغة العربية لما وصل إلى ما وصل إليه من مجد وشهرة ..... فمثل هذه المقولات هي في حقيقتها معول هدم وفرملة ، وإحهاض مبكّر لرغبة المبدعين الصادقة من مختلف ابناء السودان على تنوّع مشاربهم  ومنابعهم الثقافية وانتماءاتهم العرقية في التعبير عن موهبتهم الفنية والأدبية باللغة العربية ....

...............

وعلى هؤلاء من الطرفين أن يدركوا ، وعلى نحو لا يقبل الشك أن اللغة العربية ليست ملكا لأحد ..... وأنها بعد تبني القرآن الكريم لها أصبحت فوق المكان والهوية والعرق والجنس واللون .... وأنها بخضوعها لغة للتعبير السماوي في مجال المنهج ولعقيدة ، إضافة إلى ما شكله هذا التعبير من تحدي صريح لقدرات اللسان العربي البيانية ... فإن هذه اللغة أقـل خضوعا لمن أراد التعبير بها في أي ركن أو بقعة على وجه الأرض..... ولو كان اللسان العربي في الجزيرة العربية قد قبل التحدي وأتى بمثل القرآن أو سورة منه أو آية ، لكان الحال قد اختلف واحتفظ العرب لأنفسهم بلغتهم ... ولكنهم حين فشلوا ، فإن هذا الفشل كان إيذانا بسحب بساط امتلاكها واحتكارها لأنفسهم من تحت أقدامهم.

ولو كانت اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم ، والتي كانت تتحدث بها العرب المستعربة في مكة المكرمة وباديتها ملكا لأحد ؛ لأدعى ملكيتها أبناء إسماعيل عليه السلام واحفاده وحدهم دون غيرهم..... لأنه وكما هو معروف فإن هذه اللغة العربية المعنية لم تكن لغة جرهم وغيرهم من العرب العاربة ، وإنما كانت لغة مولدة جرت على لسان إسماعيل عليه السلام ، استقى أصول كلماتها من أمه هاجر وابيه إبراهيم ، ومن نزل في ضيافة هاجر عليها السلام من قبائل جرهم في مكة المكرمة بسبب توافر ماء بئر زمزم ... ثم توارث هذه اللغة نسل أسماعيل وإبراهيم عليهما السلام من العرب المستعربة في مدن وبوادي أرض الحجاز.

ولأجل هذا فعلى كل من يريد التعبير بهذه اللغة أن يكون على ثقة عمياء ، بأنها ليست ملكا لأحد ... ولا أحد يستطيع إدعاء ملكيتها لنفسه ، منذ ذلك اليوم من ليلة القدر التي أنزل فيها القرآن.

عبقرية وردي

كان محمد وردي المطرب .. المثقف ... اكثر انفتاحا وحرية في التفكير والتعبير ... وقد ادرك انه مثلما حظيت اللغة النوبية من قبل بكونها الوعاء السوداني للتعبير منذ 4000ق.م إلى 1505م ، فإنه لا ضير من أن تكون اللغة العربية كذلك في التاريخ الحديث والمعاصر ، ليس لأن اللغة العربية هي الأفضل بالضرورة ، ولكن لربما اسباب أخرى ساهمت ومن بينها تبني السماوات العلا لها أداة ووسيلة للتعبير عن تعاليم القرآن والدين الإسلامي الحنيف الذي يدين به 85% من اهل السودان تقريبا..... ثم لكونها ((لغير المسلمين)) في المنطقة اللغة الأقرب التصاقا بهم تاريخيا وجغرافيا .

وعليه نرى وردي هنا ، وقد تصالح مع نفسه أولا ... نفى عن نفسه العنصرية ثانيا .... فصافح اللغة العربية بيد نوبية وصافحته اللغة العربية كأداة تعبير بأكثر من يد سودانية ثالثا .... فكان ان تجلى كلاهما لسماوات السودان وأفريقيا  ... وطار كلاهما على جناح الاخر من جهة ، وجناح السلّم الخماسي الأفريقي من الجهة الأخرى ... يملآن هذه السماوات الأفريقية العلا طربا تتمايل له أجساد عود الخيزران في لاغوس .... وتتدفق لأجله نهود كواعب الزولو العارمة .... ويطلق أقزام أدغال الكونغو لنشوة خمره سهامهم نحو مآقي سحابة إستوائية حبلى  .... يذبح الماساي أبقارهم ويتقاذفون رماحهم في الهواء ...... وترتمي فاتنات الحبشة أحفاد حضارة اكسوم ومحظيات هيلاسلاسي على العشب الأخضر مغشيات عليهن من فرط الهيام والعشق والشبق وتباريح الهوى.......... فتذوب كتل الجليد في قمة كليمنجارو .... به ترتوي صحراء كاليهاري ... ويلتئم الصدع الأفريقي العظيم.

..........

فلا غرابة ان صار نوبي من صواردة جاء إلى حي من أحياء عرب السودان الهجين ((شندي)) ... جاء يجمل الطنبور في يمينه ، ثم زوج موهبته هناك إلى اللغة العربية والسلم الخماسي .. لا غرابة أن اصبح هذا النوبي النازح من صواردة ، مطرب افريقيا الأول .........

فأي فضل كان لوردي على العربية ؟؟ واي فضل كان للعربية على وردي ؟؟؟ وأي فضل كان للسلم الخماسي الأفريقي عليهما كلاهما ؟؟؟؟ إنها توليفة يضعها لنا وردي على بساط منسوج بخيوط الذهب .. ولو تلقف ((سر هذه التوليفة)) نظام سياسي برهافة حس وردي وذكائه ،  لكانت مشاكل ومأسي سودانية من قبيل انفصال الجنوب الماثل ، وتمرد الزقاوة المثير للجدل ، وتململ البجا وانفصامات مالك عقار النفسية قد تم درئها أو شفاؤها ووأدئها في مهدها.

 

أين محمد وردي من الانتشار عربيا ؟؟؟

ميزة وردي أنه لا يضحك على نفسه ... وكذلك لا يضحك على غيره ... وربما لأجل ذلك يراه معظم الناس صريحا أكثر من اللزوم .... ولا أخالهم في ذلك على خطأ .. ولكنها ميزة تحسب له وليست عليه ، لأنه لا يستخدمها إلا لوضع الحق في نصابه ... وهي خصلة لا ينفرد وحده بها ولكنها خصلة تجمع بين كل أبناء النوبة .....

ونرى وردي لا يهتم كثيرا بمسألة الإنتشار العربي ، وكأن الأمر للوهلة الأولى  لا يعنيه ... ولكن الحقيقة أنه كان أذكى بكثير من غيره حين أدرك أن لا فائدة من الركض واللهث خلف ((المستحيل)) ... وكان بتندر كثيرا ويسخر دائما من ((نفشــات)) بعض المطربين السودانيين الكبار، حين يدّعون أنهم ذاهبون إلى القاهرة أو الخليج لإحياء حفلات غنائية هناك ، وعلى نحو يخيل للبعض ممن لم يشاهد حفلاتهم هناك ، بأن هؤلاء المطربين ذاهبون إلى موعد مع الجماهير العربية الغفيرة التي تحتشد انتظارا لهم هناك .... رغم أن الحقيقة تؤكد أن لا أحد من غير السودانيين يكون في استقبالهم خارج صالات القدوم العادية في المطار ، ولا أحد يتكبد عناء الحضور للإستماع إلى أغانيهم سوى السودانيين .. وربما يحضر على مضض ، أو من قبيل حب الاستطلاع بعض الرسميين المصنفين من الصف العاشر في وزارة الثقافة والأعلام ببلادهم ، بعد إلحاح ورجاء يصل إلى مرحلة ذرف الدموع  من السفارة السودانية ، يجلسون في الصفوف الرئيسية الأمامية المعدة لهم ، وبينهم وإلى جوارهم مسئولي السفارة ، يجهدون أنفسهم في التفسير والشرح بإسهاب وهمة ونشاط ؛ لاسيما عند توجيه كاميرات التلفزة نحوهم .... وكأنهم مضيفين بستقبلون زوارا في متحف التاريخ الطبيعي ، أو مناديب شركات مغمورة في معرض الخرطوم الدولي ، تبحث عن زبائن ومستهلكين لمنتجاتها المجهولة ...... في حين يجلس هؤلاء الرسميين الضيوف وكأنهم فوق صفيح ساخن ، يطالعون ساعة اليد التي تزين معاصمهم بين كل حين وآخر وكأنهم يستعجلون الزمن للنجاة بجلودهم.

وربما يحفظ التاريخ لوردي تأثره بعبد الحليم حافظ ، الذي كان قد ابتدع في فترة من الفترات ، أو بالأحرى تقمص دور ((المايسترو)) للفرقة الماسية الموسيقية التي تعزف خلفه تاركا للمايسترو الأصلي ((أحمد فؤاد حسن)) الرضا من قيادتها بالغزف على آلة القانون مفوضا أمره لله ... ويلاحظ أن المطرب محمد الأمين قد تأثر لاحقا بمحمد وردي في تقمص دور المايسترو فترة طويلة ، ولسان حاله يردد :- ((مافيش حد أحسن من حد)) ....

وكذلك يلاحظ على وردي تأثره بأداء عبد الحليم حافظ عند ترديده الجديد نهاية السبعينيات من القرن الماضي لأغنية أهواك وذلك بالتوقف المتقطع عند بعض مقاطع الحروف والكلمات ... ولكن عدا ذلك فلا يزال محمد وردي محتفظا بتفرده.

 

لماذا نهتم فعلا بما لا طائل من ورائه ؟؟

 

للأسف كنا ولا نزال منذ مؤتمر الخريجين الأول ، وكل اهتمامنا منصب وعلى نحو مثير للشفقة على انتزاع اعتراف العرب بنا ، وكأننا أبناء سفاح نبحث عن اب يمنحنا إسمه... وفي الجهة المقابلة ندير ظهورنا لكل ما هو أفريقي ....لا نعرف الكثير عن ثقافة افريقيا (ولا نرغب في المعرفة) ، ولم نسمع المثقف السوداني ناهيك عن الشخص العادي ، يحفظ او يردد إسم مطرب افريقي واحد أو أغنية أفريقية او شاعر أفريقي ... روائي أفريقي ... مخرج أو نجم سينمائي أفريقي .. على الرغم من أننا نتسابق ونبز العرب أنفسهم إذا جرى الحديث عن المطربين والمطربات العرب والشعراء العرب والأدباء العرب ...

بث التلفزيون السوداني في نهاية سنوات السبعينيات من القرن الماضي مسلسلا أردنيا إسمه ((فارس ونجود)) ، فلم تضع زوجة وليدا لها ذكرا إلا أطلقت عليه إسم ((فارس)) .. ولم توضع أنثى إلا وصار إسمها ((نجود)) ... وحين بث التلفزيون نفسه مسلسل ((الجذور)) أصبح إسم ((كونتا كينتي)) الزنجي مدعاة للسخرية . يطلقه الأطفال على أشباهه من زملاء الدراسة وجيران الحي على سبيل التندر والدعابة.

ومن بيننا من خف عقله وسالت سذاجته من اذنيه وبين شفتيه وفتحتي أنفه وأسفل كوعه ، فاندفع يطالب بالتنازل عن السلم الخماسي ..لماذا ؟؟؟ ... حتى تنتشر الأغنية السودانية وسط العرب......

،،،،،،،،،،،،،،

وبعضنا يصدق مقولة أن الأغنية السودانية لم تنتشر ، بسبب عدم فهم العرب للكلمات وأنها سريعة ... ولو كان الأمر كذلك فلماذا يطرب العرب من الخليج إلى المحيط ، بمن فيهم أهل السودان لأغنيات الشاب خالد والشاب فضيل والشاب مامي وغيرهم من ((شاب)) رغم أن العرب لا يفهمون كلمة واحدة مما يقول هؤلاء ؟؟؟؟؟

إن المسألة أكبر من ذلك بكثير ... فسبب عدم التقبّل نفسي في المقام الأول .....  هو إحساس العرب بأن هذا البوّاب الأسود ملازم أول المطابخ وسلالم الحدامين في بيوت الباشوات والأسر المصرية الثرية ، والذي لا يعرف كيف ينطق اللغة العربية بشكل صحيح كما ظلت السينما المصرية تقدمه لهم بإستمرار وإصرار . يقلب الذكر أنثى ويقلب الأنثى ذكرا .... هذا البواب الأسود الذي يتغنى بألحان من مقام ((زنج)) ليس جديرا بالاستماع إليه .. ولا حري به أو مؤهلا لأن يكون مصدر إشعاع ثقافي أو حضاري .....

هناك حاجز نفسي بحجم سلسلة جبال الهملايا وامتداد جبال الانديز بيننا وبين العرب ، جرى تكريسه وبناؤه من خلال السينما المصرية منذ بدايات عهدها عام 1927م ((لأهداف ومصالح إستراتيجية بعيدة المدى)) . ولن يزول هذا الحاجز وغسيل المخ الذي امتد قرابة (90 سنة) حتى تاريخه لمجرد تغيير سلم خماسي أو مفردات ، أو حتى بكل كريمات تفتيح البشرة ، التي باتت أكبر مهدد سرطاني لبشرة فتياتنا ....

أما نحن الهجين فقد كنا ولا نزال ضحايا إحساس داخلي كاذب بانتماء عضوي في غير محله مع أمة لا نشبهها شكلا ولا لونا ولا نكهة ولا طعما..... ومن لا يزال يهزئ بأن بشرته السمراء سببها الشمس الحارقة ، فليذهب إلى الجزيرة العربية ليشاهد بنفسه سحنات أهلها وألوانهم رغم أنهم يعيشون تحت شمس بدرجات حرارة تصل إلى 52º سنتغريد.   

...............

والمضحك أنه عندما يتحدث البعض الهجين من خلال حوار تلفزيوني أو إذاعي أو من خلال ندوة ادبية ، تراه يضرب لك المثال بالمطرب المصري فلان والأديب المصري علان والممثل السوري فلتكان ، والمطربة اللبنانية كذا والراقصة الشرقية لا ادري ، والشاعر العراقي المرحوم .... وهلم جرا . وكأنه يجلس في إمتحان لجنة شفهي يدافع فيه عن إنتمائه العربي المشكوك في أمره ..... بل وقد وصل الحال بمقدمة برنامج حواري ساذجة في قناة النيل الأزرق ، أن تصف السوداني بانه ((رجـل شـرقـي)) ....

؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛

وطالما نحن كذلك فلن نجد حلا لمشاكلنا الداخلية وسنتفسخ كالسمك الكاسد في عز نهار صيف قائظ .... والبديل الأوحد المتاح هو العودة إلى جادة الصواب ، والعمل دون تأجيل على تعديل المسار الوطني نحو أفريقيا المجال الحيوي الطبيعي للسودان .... ولاضير في الاستمرار بتبني اللغة العربية أداة تعبير وطني دون إرهاق أنفسنا في أوهام علاقة عضوية مع العرب وحدهم ، طالما كان في ذلك مدعاة لتمزيق السودان..... آخذين في الاعتبار أن العديد من القبائل السودانية الأفريقية الأصل ، ليس لديها ممانعة في تبني اللغة العربية وفق هذا المفهوم اللاعضوي مع العروبة ... بل هي في الواقع تمارس فعلا هذا التعايش الثقافي مع الهجين العربي وغيرها من قبائل سودانية غير عربية ، الأمر الذي يعني في النهاية أن المثقف السوداني خاصة ثم الدولة وفقا لمسئولياتها العامة ، ليس مطلوبا منها الكثير لتكريس هذا المفهوم والمسعى فالأرضية المشتركة مهيأة سلفا .... والثمن سيكون استقرارا ونهضة وإزدهار ، لو خلصت النوايا وعمل الجميع لمصلحة السودان وحده قبل غيره ممن لا يرى في السودان سوى بقرة حلوب يجب أن تظل مربوطة بحبل غليظ  ، متصل بوتد حديدي غائر في باطن أرض حديقته الخلفية فبحلبها لنفسه  متى احتاج لذلك ويشرب وحده منها دون سواه.

؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛   

ومن كان يربط تدفق الاستثمارات العربية بالانتماء العربي ، فليكف عن هذا الهراء حتى لا يتهم بالهبل والعبط والتخلف العقلي ... وعليه أن يعلم أن راس المال جبان ومصاب بعمى الألوان ، ولا يعرف سوى مصلحته ، ولا تدخل في حساباته ودفاتره سوى صافي أرباحه أو خسائرة ... وأنه وفقا لذلك على استعداد لتقبيل راس قاتل أبيه ، إن كان في ذلك مصلحة له .... وعلى استعداد للفرار من أمه وأخيه وصاحبته وبنيه وفصيلته التي تؤويه إن كان في ذلك خسارة له.

 

وردي ووطنيتة الجارفة

كل  منصف لابد أن يعترف لمحمد وردي بوطنيته الجارفة ..... ليس لأنه عبر عن عشقه للوطن بأناشيد وطنية رفعته إلى مقام الخالدين فحسب .. ولكن لأسباب كثيرة ليس أقلها كما ذكرنا سابقا من تضحيته بثقافته الذاتية من أجل ثقافة السودان السائدة المتمثلة في اللغة العربية .. فهو بذلك قد فضل السودان على نفسه دون جدال .......

ثم أن لوردي قناعاته السياسية التي تمسك بها وعانى في سبيلها السجن والتنكيل والمطاردة ، وضياع المال وهدم العقار ثم التشرد في بلاد الله الواسعة ، بعيدا عن وطنه دون أن يهتز له رمش أو يطاطي له رأس .....

إن شخص كهذا جدير بالاحترام حتى لو لم تكن على نهجه وقناعاته السياسية.... ويكفيك منه أنه كان وظل صادقا مع نفسه دون اعتبار لقوائم الدخل وحسابات الأرباح والخسائر لنفسه.

ولأجل ذلك أصبح وردي المطرب الفنان في ظل إبداعاته ، أو تحت لهيب سياط العذاب وبطش السلطات ظاهرة تستحق الرصد والدراسة.     

 

الصدام مع السلطة

لم يحدث لمطرب سوداني أن اصطدم بالسلطة السياسية القائمة مثلما جرى لمحمد وردي .. ففي حين كان الغالبية العظمى يستكين وديعا طائعا ((من أوّل نهره)) ؛ كان وردي قناة لا تلين.

وبالطبع لم تكن لوردي مشكلة في عهود الديمقراطية.  ولكن مشاكله كانت تنشأ دائما في ظل الأنظمة الديكتاتورية والشمولية.

وقد كان بداية صدامه هو تجديد اتفاقية مياه النيل بشروطها تلك المجحفة عام 1959م وما أدت إليه لاحقا من اتفاقيات تتعلق ببناء االسد العالي.

...... ومن النوادر التي تحكى ويتسلى بها أهل السودان تلك المتعلقة بالوفد السوداني الذي ذهب إلى القاهرة للتوقيع على تجديد اتفاقية تقسيم مياه النيل .... و ((استمتع)) هناك بطيب الإقامة و المزايا ((السياحية)) التي وفرها له الجانب المصري ((بسخاء)) .... وحيث كان على راس الوفد السوداني نيابة عن المجلس العسكري الحاكم ابان فترة إبراهيم عبود كل من ((اللواء طلعت فريد)) الذي كان وزيرا للاستعلامات ، وتقع على عاتقه مسئولة الأنشطة الرياضية و ((اللواء  المقبول)) ... وكلاهما لا دراية لهما بأمور المياه .... ويرافقهما بعض الموظفين والفنيين في وزارة الزراعة والري الذين قفزوا لمناصب حساسة في الحكومة دون كفاءة ودراية وعلم،  بسبب حداثة عهد السودان بالاستقلال وخروج الإنجليز من الوظائف العامة .... في حين كان أعضاء الوفد المصري جلهم من المتخصصين.

وبعد توقيع الاتفاقية ، التقى عصر نفس اليوم اللواء طلعت فريد باللواء المقبول في ردهة الفندق ودار بينهما حديث تساءل فيه اللواء طلعت فريد قائلا:

-      يعني هسّع الموية اللّدوها لينا دي تكون قدر شنو ؟؟

 

فرد عليه المقبول بعد تفكير ، وبما يفيد تقريب المفهوم ، واضعا في اعتباره اهتمام طلعت فريد بامور الرياضة ، وكرة القدم على نحو خاص:

-      غايتو  كدي  بتملأ  ليك  دار الرياضة.

 

فصمت طلعت فريد مكتفيا بتحريك رأسه من أعلى إلى اسفل باقتضاب ، وعلى نحو يفهم منه أنه اقتنع بانها كمية ((معقولة)).

؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛

وبالطبع فقد كانت دار الرياضة التي يعنيها المقبول حينذاك هي ((دار الرياضة بأمدرمان)) ، أو ما يطلق عليه جزافا الآن ((ستاد امدرمان)) ، رغم انه في حقيقة الأمر لا يصلح أن يكون زريبة لتجميع البهائم السائبة.

 

الترحيل للنوبة والسجن مصير وردي

في بداية الستينات من القرن العشرين ، وبناء على اتفاقية مثيرة للجدل جرى ترتيبها مع نظام 17 نوفمبر العسكري الحاكم في السودان ، تنازل السودان بموجبه عن مساحات شاسعة من أرضه في الشمال لمصلحة مصر ، لتغطيها بحيرة السد العالي الصناعي. وقد كان أول ضحايا تلك الاتفاقية أبناء النوبة في شمال السودان،  حيث غرقت عاصمتهم ((حلفا)) ومئات من تجمعات سكانية ما بين بلدة وقرية وحلة ..... وتعرض أهلها إلى الترحيل القسري دون تعويض مناسب لأهله من أبناء وادي حلفا إلى خشم القربة التي يختلف مناخها جذريا عن مناخ منطقة وادي حلفا . وهناك استقر بها من استقر وتشتت الآخر في الخارج ، أو تفرق داخل مدن وقرى السودان المختلفة ، يلعن حظه وينعى تاريخه وغرق حضارته ويبكي على حاضره يائسا من مستقبله ....

ويروي لنا المعاصرون وشهود العيان لتلك الأحداث ، الكثير مما يثير الدهشة والاستغراب . ليس أقله موقف المثقف السوداني عامة من تلك المأساة. ولماذا جرى ترك أمر الاحتجاجات والتظاهر للنوبة وحدهم ، دون مؤازرة من بقية قطاعات الشعب؟؟؟ هل السبب هو التعتيم الإعلامي في الداخل ، وأبواق الدعاية المصرية المؤثرة في ذلك العهد الذي كانت تسيطر فيه الصحافة المصرية على العقلية السودانية ، وإذاعات مثل صوت العرب على سماوات  العرب؟؟؟ أم أن إعجاب الهجين العربي في السوداني بعبد الناصر كان هو السبب ؟؟؟

كانت مأساة عاشها أبناء حلفا والنوبة وحدهم ... وبعضهم يحكي لك والدموع تنهمر من عينيه ؛ كيف ذهب هو طفلا مع أخوته ورفقائه والناس هناك لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة لقبور من توفى من اعزائهم ... وحيث كان المنظر إذا أحسنت تخيله مؤثرا بالفعل. وربما أتي يوم تسمح فيه الإمكانيات ، فيتمكن فيه مخرج عبقري وكادر سينمائي خلاق من توثيقه . وحيث ترى اليتيم يسجي جسده الناحل الصغير وهو يحتضن قبر ابيه ، ويبكي ويودعه ثم سرعان ما يأتي الماء ليغطي المقبرة ... وهكذا يتكرر الحال والمشهد مع طفل آخر ، أو كبير يحتضن قبر أمه ... أو ثكلى تحتضن قبر إبنها وتقبل كل ذرة من كوم التراب فيه ... أو أب يحتضن قبر فلذة كبده وقد كان الأحياء من قبل يجدون في وجود هؤلاء تحت التراب بعض السلوان عند الزيارة بين حين وآخر، فحرم هؤلاء من كل هذه المشاعر الإنسانية التي لا تقبل المساومة عليها.

لقد كان وردي وغيره من ابناء النوبة ، على راس القائمة التي دخلت السجون رغم انهم لم يكونوا ينطقون سوى الحق الذي ظهر جليا بعد ذلك ، وحيث لم يستفيد السودان حتى تاريخه بشئ من مياه السد أو إنتاجه الكهربائي حسب ما جرى الاتفاق بشأنه على الورق .... ومن المضحك ان تكون الاتفاقية مجحفة والثمن باهظ ، ثم بعد كل هذا لا نجد حتى الفتات من هذا الاجحاف .

 

بل وقد يثور التساؤل حول حقيقة انقلاب 17 نوفمبر 1958م بقيادة الفريق إبراهيم عبود .... وهل جرى تمرير هذا الانقلاب واختلاق الأرضية المناسبة له بترتيب بين طائفتي الأنصار والختمية ، لنفض الأيدي من تبعات تجديد اتفاقية تقسيم حصة مياه النيل بين مصر والسودان وكذلك الاتفاقية المتعلقة بتنازل السودان عن جزء من أراضيه لإقامة السد العالي في مصر؟؟؟

إن الاكتفاء بالقول أن عبد الله خليل قام بتسليم السلطة للعسكر من أجل تفويت الفرصة على الاتحاديين ، في سحب الثقة عن حكومته داخل البرلمان .. يبدو هذا الزعم غير ((مبلوعا)) اللهم إلا إذا كان عبد الله خليل (وهو محسوب على طائفة الأنصار) كان من عشاق الإستجارة من الرمضاء بالنار .....

 

...... ستظل الأبواب مشرعة لتحليل المواقف وترجيح أيها كان أقرب للحقيقة. لاسيما وأن كل من تورط في تلك الأحداث قد مات ودفن معه أسـرار دوره فيها داخـل قـبره.

 

عطاء وردي الفنائي الأكثر عمقا وغزارة

ربما لا يجوز التوقف عند فترة حكم عبود العسكري (1958م – 1964م) ، دون الإشارة إلى أنها كانت الفترة التي شهدت العطاء الأعمق ، والأغزر في رحلة وردي الإبداعية ... وبرغم الصدام الذي جرى بين جهاز أمن نظام عبود الذي كان يسمى ((البوليس السرّي))  وبين محمد وردي ، وبرغم التشرد الذي تعرض له وردي من خلال إضطراره للهجرة القسرية إلى أثيوبيا تارة والقاهرة تارة أخرى ؛ فإن ذلك الزمن كان لا يزال جميلا ، ولم تكن أساليب البطش ومدى التنكيل قد وصل إلى ما هو عليه في عهود ديكتاتورية لاحقة ، وحيث لم تكن أساليب التعذيب قد وصلت إلى مداها الغير إنساني ... وحيث لم يكن قطع سبل كسب العيش والإحالة للتقاعد بدواعي ((الصالح العام)) هي أسهل وأقصر الطرق للجم أصحاب الرأي المعاكس ، أو مجرد المعارض .... وحيث كان الفرق بين المعتقل السياسي في ذلك الزمان مقارنة بالزمان اللاحق ، بمثابة الفرق بين فندق خمسة نجوم وحفـرة من سقـر عليها تسعـة عشـر.

 وقد شكل وردي خلال هذه تلك الفترة ثنائي مشهود مع الشاعر الشايقي الأصل ((إسماعيل حسـن)) ..... ويروي معجبي وردي من المعاصرين لتلك الفترة : أن معظم أشعار إسماعيل حسن الغنائية خلال تلك الفترة كانت صادقة ونابعة عن تجربة حقيقية بسبب إنقصاله بالطلاق عن زوجته حبيبة عمره .... ويتحسر البعض من مدمني محمد وردي ، الذين أعمتهم البهجة الذاتية على نحو جعلهم يلعنون فيه اللواء المقبول عضو المجلس العسكري الحاكم في عهد عبود ، وذلك لسبب أنه توسط بين الشاعر إسماعيل حسن وزوجته ، وألح عليهما حتى نجح أخيرا في رأب الصدع بينهما وأعادهما إلى بعضهما ، مما نتج عنه كما يقول هؤلاء فقدان الساحة الغنائية السودانية لأحاسيس صادقة لم تتكرر مرة أخرى.

 

عطــاء أكتــوبر

كما شهد بداية عهد الاستقلال عصر أناشيد وردي الخالدة في عشق الوطن ؛ فإن ثورة أكتوبر 1964م الشعبية التي أتت بالديمقراطية الثانية ، فتحت لوردي أوسع الآفاق في مجال الأناشيد الوطنية .. بل واتسمت تلك الفترة من عام 1964م إلى مايو 1969م .. إتسمت بإقبال الشعب على ترديد هذه الأناشيد التي تشيد بثورة أكتوبر المجيدة ، بوصفها الثورة التي شاركت فيها كل قطاعات الشعب السوداني ، وقدمت فيها جامعة الخرطوم وعمال السودان الضحايا شهداء في سبيل نجاحها ... كانت الديمقراطية كعهدها دائمة الملهم الأكبر للإبداع ، نظرا لما تمنحه من حرية غير محدودة للتعبير . وقد كان بث الإذاعة السودانية صباح يوم لصوت محمد وردي وهو يردد كلمات نشيده الشهير من شعر الفيتوري ..

أصبح الصبح ....

ولا السجن .... ولا السجان باقي

.... كان هذا النشيد بمثابة إعلان بزوغ فجر الحرية ونجاح الثورة .. وإيذانا بخروج الجماهير السودانية دون ترتيب مسبق تحي ثورتها ... وقد انطلقت القلوب فرحا وبعثا وتمني ......

...... وكان الشاعر الفيتوري على حق حين قال أن وردي كان أشجعنا ... ذلك أنني (ويعني نفسه) ساعة توجه وردي لإستديوهات الإذاعة لتسجيل النشيد تمهيدا لإذاعته في خضم الأحداث ، كنت أنا على متن الطائرة المتوجهة للقاهرة.

 

إشكالية الانتماء والالتزام تواجه وردي

خلال عهد الديمقراطية  الثانية بعد ثورة أكتوبر ، كانت هناك العديد من الأفكار التي وفدت إلى السودان من الخارج، لا سيما من أوروبا الشرقية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي ، خاصة بعد أن خرج اليشيوعي السوداني من تحت الأرض ، وتلاقت إرادته آنذاك تكتيكيا مع يسار القوميين العرب من إشتراكيين وبعثيين،  ليشكلوا لاحقا تحالف اليسار ، الذي حمل العقيد جعفر نميري وحفنة من أصحاب الرتب العسكرية الصغيرة بدباباتهم ومدرعاتهم ومجنزراتهم ورقبائهم وعرفائهم وأنفارهم ، إلى كراسي السلطة إثر إنقلاب عسكري أبيض..... ولكن قبل إنقلاب العقيد نميري كانت الساحة الثقافية السودانية وقاعات الجامعة حبلى بقمولات وافدة من اليسار العالمي ، تتحدث عن ضرورة إلتزام الفنان والمثقف ... والإلتزام هنا بمعنى أن يحدد المبدع الموهوب وكذلك المثقف بجه عام ... أن يحدد توجهه السياسي والعقائدي على نحو واضح وبالتالي يحدد الوعاء العقائدي الذي يصب فيه إبداعاته ......

لم يكن من السهل حتى على سلطات الاتحاد السوفيتي وضع هذه ((التعليمات)) والرؤى الفلسفية الشمولية الجديدة موضع التنفيذ،  فحدثت الكثير من الإنشقاقات وسط المثقفين في الكتلة الإشتراكية. وبدأ العالم يسمع بهروب المبدعين والعلماء وحتى لاعبي الكرة والتنيس والسلة ونجوم السينما من هذه الكتلة إلى رحاب العالم الأول الحر كلاجئين سياسيين ...... ومن لم يسعفه الهرب عانى من الأهمال وكابد الأمرين الجوع والتشرد ، أو دخل غياهب السجون إثر قضايا ملفقة عن طريق البوليس السري.

ولكن في السودان وحيث لم يكن في الإمكان فرض هذه التوجهات بالقوة ، بسبب أن السلطة كانت بيد الأحزاب الليبرالية ؛ فقد كانت الضغوط في البداية تأخذ شكلا معنويا . فظهرت الشللية في المجال الإبداعي ، وبدأت تطل إلى السطح شعارات تنادي بالتطهير مطلب شعبي ... يرددها عمال السكك الحديدية والنقل الميكانيكي وشركائهم داخل تحالف قوى الشعب العامل ، خلال تظاهراتهم التي كانت المسيطرة على الشارع السياسي في عهـد أكتوبـر.

أما الجامعة وكذلك الثانويات فقد جرى التعامل معها وفق أسلوب آخر ، لم يجري فيه إضطهاد الرافضين من الطلاب لنظرية الإلتزام فرضي اليسار من هؤلاء أن يكونوا ((متعاطفين)) و ((Floating)) ، حتى يضمن لنفسه أصواتهم الإنتخابية ... وكان بالفعل تطوير وتحوير لنظرية الالتزام لم تخطر حتى على عقل مخططي الاستراتيجية الحزبية والعقائدية التابعة للحزب الشيوعي في موسكو على عهد الاتحاد السوفيتي المنهار .... كان تطويرا وتحويرا لا يصدر إلا من عقلية سودانية حادة الذكاء ، عرفت كيف تخضع للظروف السياسية تكتيكيا ولو على نحو مؤقت .... أو ربما النفسية السودانية على نحو إستراتيجي دائم.

؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ فأين كان محمد وردي من كل ذلك ؟؟؟؟؟

إختار محمد وردي اليسار. ولكن يبدو أنه لم يكن على ذاك النحو من الالتزام ... أو بمعنى آخر لم يصل إلى درجة عضو عامل في الحزب الشيوعي السوداني ... ولكن ربما كان متعاطفا أو أكثر من ذلك .. ومشكلة المشاهير أمثال وردي داخل مجتمعاتهم أنك كمراقب وراصد ، لا تستطيع تحديد أصدقائهم من ((زملائهم)) من معجبيهم . فأينما يذهبون تجد في معيتهم مجاميع .... وحيثما حلوا تجد في استقبالهم ومرافقتهم مجاميع أخرى .. ولكن صداقات وردي في فترة ما بعد الانتفاضة كانت من الوضوح بمكان وحيث كان أقرب الناس إليه هم الشيوعيون.

 

عطـاء مــــايو

صبيحة 25 مايو 1969م استيقظ الشعب السوداني على البيان رقم (1) الذي تلاه العقيد وقتها جعفر محمد نميري ..... ثم شيئا فشيئا بدأت الملامح اليسارية تضح لهذا النظام العسكري الجديد ... وبدلا من أن تذهب الجماهير المؤيدة إلى القصر الجمهوري إذا بالمسيرات تتوجه إلى منزل سكرتير الحزب الشيوعي المرحوم ((عبد الخالق محجوب)) ....

وكان لوردي دور كبير في تكريس وحشد الزخم الاعلامي والتنشيطي للجماهير ،  فكانت له العديد من الأناشيد التي تمجد ثورة مايو .. بل وكان له وحده القدح المعلى في كمية الأناشيد التي خرجت إلى الساحة السياسية الوطنية في ذلك العهد المايوي ..... ثم ما لبثت الخلافات أن نخرت في عظام هذه الحركة الانقلابية ، فجرى فصل العديد من أعضاء مجلس قيادة الثورة وعلى رأسهم الرائد ((هاشم العطا)) وغيرت مايو توجهاتها بعد أن سيطر على مقاليدها القوميون العرب ...

 

إنقلاب هـاشـم العـطـا

في تمام الساعة الثالثة والنصف عصر يوم 19يوليو 1971م حدث ما لم يكن يدور في خيال أكثر السياسيين تشاؤما ، حين أقدم الحزب الشيوعي في بلد كالسودان ، على تنفيذ إنقلاب عسكري كان سببا بعد ذلك في نثر بذور الخلاف بين أعضاء لجنته المركزية بسبب أنه لم يجري إستشارتهم في هذا الأمر ... وقد نجح الرائد ((هاشم العطا)) في تنفيذ الانقلاب المثير للجدل تحت شعار ((الثورة التصحيحية)) واستلم القصر والقيادة العامة والإذاعة والتفزيون لمدة ثلاثة أيام ظهر خلالها محمد وردي عبر ميكروفون الإذاعة خلال مقابلة أجريت معه. فأكثر وزاد من سخريته المعهودة على جعفر نميري ، وقال فيه ما لم يقله الجاحظ في البخلاء .... ومن بين تلك التهكمات التي جرت على لسان وردي أنه و ((أخيه)) المطرب محمد الأمين (على نسق أنا وأخوي الكاشف) ، توصلا بعد فترة من مسيرة مايو إلى قناعة بأنها لا تمثل أحلام وطموحات الشعب ، وأنهما كانا ينفسان ((من خلال دويتو)) عن تلك القناعات بـ ((تحريف)) العديد من كلمات الأناشيد التي كان وردي قد سبق وأن رددها احتفاءا بثورة مايو ، وقائد إنقلابها جعفر نميري .... ومن بينها نشيد كانت تقول افتتاحيته:

يـا حارسنا وفارسنا .... يا جيشنا ومـدارسنا

كنا زمن نفتش ليك .... وجيتنا الليلة كايسنا

؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛

فأعاد وردي ترديد النشيد على النحو الآتي:

 

لاك حارسنا ولا فارسنا ... جيت براك كايسنا

؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛

وبالطبع كان المقصود بـ ((حارسنا)) و (( فارسنا)) هو جعفر نميري ..... وقد أثارت هذه السخرية ضحك الشعب السوداني،  وأصبحت تتردد على لسان كل تلاميذ المدارس وقطاعات واسعة من الشعب بعد ذلك.

 

محنة وردي الكبرى

لم يستمر انقلاب هاشم العطا طويلا ... فلم يلبث أن تمكن جعفر نميري من العودة مرة أخرى في عصر يوم 23 يوليو 1971م ...... وبدأت على إثر ذلك حركة تصفيات دموية مثيرة راح ضحيتها المئات .. وجرت العديد من الاعتقالات وكان محمد وردي في عديد هؤلاء بالطبع ..... ولم يجري اعتقاله فحسب بل جرى تكسير عربته الصالون ، وتخريب منزله نكاية به من قبل أنصار وأزلام النميري ..... وظل وردي حبيس سجن كوبر دون محاكمة شهور عديدة .... ثم تذكر جعفر نميري وجود العديد من المعتقلين دون محاكمة في سجن كوبر ممن لم يشارك على نحو فعلي في انقلاب هاشم العطا بقدر ما كان اعتقاله لأسباب تتعلق بإنتمائه لليسار ، أو إعلانه عن آرائه المؤيدة للإنقلاب ، أو جرى حوله همس بأنه يؤيد الانقلاب من بين اليادات النقابية والشخصيات الفنية والاعلامية والصحفية .....

جاء نميري إلى سجن كوبر ، وتجمع حوله معظمهم يسألهم فردا فردا ويعنفهم ويلومهم .... فمنهم من ينكر التهمة ويزعم أنها كيدية ، ومنهم من يعتذر له ويطلب الغفران والصفح الجميل  .... فعفا عن كثير منهم وأمر بإطلاق سراحهم فورا ..... ولكن جعفر النميري لاحظ أن محمد وردي كان يقف بعيدا وسط قلة من القيادات اليسارية الملتزمة دون اكتراث ، ودون رغبة منه في الاقتراب من جعفر نميري ، فذهب إليه نميري بنفسه في نهاية المطاف ، وبدأ في تعنيفه واصفا إياه بأنه ((شعب كل حكومة)) منوقعا منه الاعتذار ، ولكن وردي كان غير ودي في ردوده على جعفر نميري ، ولم يبدي الخنوع ولم يعتذر ولم يطلب الصفح والغفران . فأدار له النميري ظهره وتركه مغادرا السجن دون أن يصدر تعليمات بشأنه .... وهكذا ظل وردي وبقية ممن كان معه قابعا داخل معتقل سجن كوبر.

 

ليس دفاعا عن وردي

ولكنه مجرد تحليل .... ذلك أن العديد من أبناء الشعب لم يكن متعاطفا مع محمد وردي ، بدعوى أنه كان من أشد أنصار ثورة مايو وأنشد لها أجمل ما قدم في هذا المجال ...... وكأن البعض يتهمه بعدم المصداقية جراء تحوله بمقدار 180 درجة عن تأييد مايو الاشتراكي إلى تأييد انقلاب الشيوعي ...... ثم تسجيله فورا لنشيد يمجد هذا الانقلاب الشيوعي رغم أن النشيد في الأصل كان يشيد بثورة مايو ... وقد ذكر وردي خلال ذلك اللقاء الإذاعي ، أنه لم يستكمل تسجيل هذا النشيد بسبب توصله لقناعة بعدم مصداقية ثورة مايو ، وأنه لأجل ذلك جرى  تعديل في بعض كلمات النشيد ليعبر عن ثورة 19 يوليو التصحيحية الجديدة. ويقول مطلعه:

نرفع سد ونهدم سد         وإشتراكية لآخر حد

كانت قراءة وردي للواقع السياسي السوداني متأثرة بأدبيات الجزب الشيوعي السوداني ، التي كانت تحلق فوق سماوات براقة عراض بأجنحة من شعارات وخطب ديماجوجية غير صالحة للتطبيق في مجتمع يجري الإسلام منه مجرى الدم من العروق . ويعتبر أن الشيوعيـة والكفـر بالله صنـوان لا يفتـرقـان....

وفي حقيقة الأمر ؛ فإن كافة الانقلابات العسكرية التي مرت على السودان منذ استقلاله وحتى تاريخه لم تكن لتأتي أو تنجح لولا وجود محرض أو سند حزبي أو طائفي.

ولكن ... وفي جميع الأحوال ، فإن تطبيق الفكر الشيوعي على أرض السودان إن كان أحد يحلم بتطبيقه ، فليس من العقل محاولة فـرضـة بإنقـلاب عسكري.

وفيما يتعلق بمحمد وردي ، فإن من الواضح أنه كان قد قطع شوطا طويلا في قناعاته اليسارية ، وعلى نحو لم يعد بإمكانه إحفاؤها .... ثم أن موقفه من مايو في 19 يوليو لم يكن طارئا كما هو متبادر إلى الأذهان ، فهو قد حدثت بينه وبين مايو جفوة استمرت طويلا قبل انقلاب 19 يوليو الشيوعي بسبب اختلاف نميري مع اليسار داخل نظام مايو ، ولإقصاؤه لرموزهم عن مقاليد السلطة ومراكز اتخاذ القرار.

وعلى أية حال فقد كانت فترة مابعد 23 يوليو 1971م من أقسى الفترات التي مر بها الحزب الشيوعي السوداني في الداخل ، وبدأ الأمر وكأنه قد تعرض للنحر من الوريد إلى الوريد بسكين حادة ... وظلت كوادره من الصفوف الخلفية رهينة سجون مايو سنوات طويلة عانت فبها الأمرين .... وكان محمد وردي من بينهم.

وقد كانت الفترة التي قضاها محمد وردي داخل أسوار كوبر، بعد 23 يوليو هي الفترة الأطول والأسوأ التي مرت عليه منذ تجاربه الأولى والثانية والثالثة مع نظام إبراهيم عبود ... ولكنه كان رغم كل ذلك يرفض تحرير رسالة استرحام واستعطاف إلى جعفر نميري يطلب فيها الصفـح والغفـران.

::::::::::::

.... يقول بعض محترفي العمل البوليسي السياسي : أنك إذا أردت أن تخلق سياسيا . أو تحول فردا ما من مواطن بسيط عادي إلى سياسي عنيد فما عليك سوى إعتقاله وإدخاله السجن ...... كان وردي في معية الصف الثاني والثالث وحتى العاشر من الكوادر الشابة للحزب الشيوعي المعتقلة في كوبر خلال تلك الفترة قد تحول إلى سياسي محترف ، ومطرب على جانب كبير من الالتزام .. وقام داخل السجن بتلحين العديد من أغنياته العاطفية ذات التوجه الوطني فيما بعد رغم حرمانه من جلب آلة عود موسيقية للسجن ... .. ولكنها هكذا الموهبة المبدعة لا يثمر حقل كرمها ولا يتعتق خمر عطائها إلا في دهاليز وأقبية الظلم والبطش والمعاناة والحرمان ......

؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛

والطريف أن رسالة الرجاء والاستعطاف الوحيدة التي كتبها كانت من أجل السماح له بإحضار آلة العود من خارج السجن ، وقوبلت بالرفض الفوري ((الحار)) من الجهات المسئولة العليا .....

ومهما كانت الحجج التي ساقها نظام مايو لتبرير أمر اعتقاله لمحمد وردي دون محاكمة ؛ فإنه لا يوجد مبرر يسوغ اعتقال مواطن لمجرد إبدائه رأيه .... ولكنها المأساة والمعضلة أن تجلس السلطة الحاكمة القرفصاء بأدب وخشوع ((الحيران أمام شيخ الطريقة)) مع كل من يحمل السلاح ؛ في حين تبطش وتضرب بيد من حديد على كل من يتجرأ و يبدي مجرد رأي معارض بالكلمة المكتوبة أو الصوت أو الصورة ..... ولأجل ذلك فإن علينا أن ننتظر قرونا قبل أن نلحق بركب الأمم المتقدمة طالما ظل الأمر كذلك.

 

الرئيس تمبل باي يتوسط لأجل وردي

الأمر الذي لا يدركه كثير من السودانيين أن تشاد وإن كانت تقضي ليلها في سرير فرنسا إلا أنها وفي عنفوان سحاقها معها ، تضع عيونها في السودان وتصغي آذانها لدبيب النمل في شوارع ومكاتب ودهاليز الخرطوم .... وكذلك تفعل أديس أبابا وأسمرا .... في حين تنشغل الخرطوم عشقا ولهفة وتمني بكل ما يدور في القاهرة.

؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛

وفي عام 1973م لاح لوردي بريق الخلاص أخيرا حين جاء الرئيس التشادي إلى الخرطوم بناء على دعوة رسمية من جعفر نميري للمشاركة في احتفالاته بأعياد مايو .... وكان من ضمن برنامج الزيارة حضور حفل غنائي ساهر .... جلس نميري وإلى جانبه تمبل باي يستمعون لمطرب بعد مطرب ثم جاء دور البلابل فبدأن بأغنية ((أب عاج أخوي يا دراق المحن)) فالتفت نميري إلى تميبل باي قائلا:

-      أب عاج ده مقصود بيهو أنا.

ولكن تمبل باي لم يبدي نوعا من التعبير سوى مفاجأته لنميري بالقول:

- ويـن محمد وردي؟؟

فظهر الضيق على وجه نميري وتعكر مزاجه . لكنه تمالك أعصابه أمام ضيفه المهم ورد عليه قائلا:

-  وردي سايب الغنا وعامل فيها سياسي وشيوعي .. وكان حسب اعترافه بلسانه في الإذاعة بيشتمني مع مجموعة من أصحابه في القعدات الخاصة بتاعت الشيوعيين.

فرد عليه تمبل باي قائلا:

-      يا نميري المطربين ديل زي النسوان .. في راجل بيزعل من النسوان؟؟؟؟

ثم أضاف قائلا:

- سلموا لي في إيدي أنا آخدو معاي انجامينا وأريحك منه وما حأخليهو يتكلم ضدك أو في السياسة.

فسكت نميري ولاذ بالصمت بعد أن أسقط في يده ، وعقدت مفاجآت تمبل باي لسانه .... ولكن الذي لا يعرفه نميري أن تمبل باي مثله مثل معظم الأفارقة كان من أشد المعجبين بمحمد وردي ، وأنه كان يعلم ما جرى له بعد 23 يوليو ، وأنه قابع في سجن كوبر لسنوات دون محاكمه . وأنه حتى لو جرى تفصيل اتهام له فإنه لن يخرج عن كونه ((معتقل رأي)) ليس إلا ... ولكن تمبل حاول إعطاء نميري الانطباع بأنه ((جاهل ببواطن الأمور)) ، فلجأ إلى أسلوب الاستطلاع الغير مباشر بدلا من الدخول مباشرة في الموضوع ، حتى ينفي ما قد ينشأ من حساسية إذا فهم منه نميري أنه يحاول التوسط عن سبق إصرار وترصد ، في شأن مواطن سوداني لدى حاكم سوداني ....

وعلى أية حال فقد استجاب نميري بعد فترة لمطلب تمبل باي ... وجرى إطلاق سراح وردي دون أن يسمح له بالسفر ، وشريطة أن يوافق على إجراء لقاء إذاعي يعتذر فيه عن ما بدر عنه من  إساءة لنميري. وبالفعل أجرى ذلك اللقاء الإذاعي المذيع المعرف عمر الجزلي . وحين سأله عمر الجزلي بعد لأي وجهد عن رأيه في ما جاء على لسانه حول مايو ، وتأييده لانقلاب هاشم العطا لم يشأ وردي الخوض كثيرا في الإجابة وإنما أجاب إجابة دبلوماسية نصها بالحرف الواحد:

-      والله أنا قولوني كلام ما قلتو.

ولم يحاول عمر الجزلي مضايقة وردي أو تضييق الخناق بمزيد من الأسئلة حول هذا الموضوع واعتبرها إجابة كافية من وردي ؛ فقد كانت المسألة بالفعل لا تستدعي كل هذه الإجراءات التعسفية تجاهه ، لاسيما وأنه لم يشارك في التخطيط ولم يكن يعلم أسرارا  عن الإنقلاب وأخفاها ولم يشارك في حمل سلاح أو احتلال موقع.

 

السجن خارج المعتقل

لم تنتهي مأساة محمد وردي بخروجه من السجن ، ولكنه وجد نفسه بعد فترة عرضة للعديد من الممارسات التعسفية وتضييق الخناق عليه والتحرش به بعد انقضاء كل حفلة زواج أو مناسبة يحييها .. وزادت المسألة سوءا يعد حادثة مشاجرة وتدافع بالأيدي جرت بينه وبين الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم عضو مجلس قيادة الثورة في عهد نميري ، والذي كان قد تقلد عدة مناصب من بينها وزير الداخلية ووزير الصحة ، ووصل إلى منصب نائب رئيس الجمهورية .... وتعود قصة هذه المشاجرة إلى أن وردي كان مدعوا للغناء في مناسبة خاصة أو ما يطلق عليه مصطلح ((القعـدة)) يقيمها أحد رجال الأعمال في الخرطوم .... وبعد فترة فوجئ البعض ومنهم محمد وردي بحضور الرائد أبو القاسم إبراهيم .... ولكن القعدة استمرت على نحو ودي دون ما يشير إلى ما قد يعكر الجو ومحمد وردي يواصل بين فترة وأخرى تقديم أغنياته ... ولكن بعد فترة وبعد أن أمتد الليل ولعبت الخمر بالرءوس طالب الرائد أبو القاسم وردي بترديد بعض أناشيده الخاصة بتمجيد إنقلاب مايو فرفض وردي بالطبع وبدأت الملاسنة بين الطرفين إتهم أبو القاسم وردي خلالها بأنه ((شعب كل حكومة)) فرد عليه وردي أنه لم يعد يعترف بحكومة ونظام مايو فامتدت يد أبو القاسم إلى كأس شبه فارغة أمامه وقذف يها وردي الذي تفاداها لحسن الحظ ، ثم تحرك أبو القاسم نحو محمد وردي يريد صفعه ولكنه أيضا لم يفلح بعد أن بدأ واضحا أن وردي لن يكون بجسده الضخم صيدا سهلا لأبو القاسم ، واشتبك الطرفان (الفـن والعسكـر) في معركة بالأيدي نجح الأجاويد من الحضور في فضها بعد الترجي السوداني المعهود للطرفين في مثل هذه الأحوال ....

ما كان أمر هذه المشكلة لتمر بسلام لولا خوف أبو القاسم من أن يبلغ الأمر إلى مسامع النميري فيعنفه على وضع نفسه في هذا الموضع على الرغم من أبو القاسم وقتها لم يكن متقلدا منصبا حكوميا ولكنه كان على الأقل عضو مجلس قيادة ثورة في نظام شمولي ديكتاتوري لا يزال قائما .....

لكن كان لأبو القاسم أصدقائه وكلمته المسموعة داخل أروقة النظام وعلى نحو خاص وزارة الداخلية التي كان وزيرا لها قبل سنتين ...... ولا يعرف على وجه التحديد ما إذا كان الذي بدأ يتعرض له محمد وردي بعد تلك الليلة من مضايقات وتحرش وتخويف له ولمن يوجد في معيته .. هل كان ذلك من كيد جهاز الأمن القومي أم القوات الخاصة أم وزارة الداخلية ؟؟؟ أصبح محمد وردي كل ما فرغ من إحياء حفلة غنائية في مناسبة زواج أو غيره ، وبعد أن يقود سيارته عائدا إلى منزله ، يجد خلفه من يطارده ويوقفه في الشارع الخالي ، وينهالون عليه ضربا بالأيدي والأرجل وتكسير مصابيح وزجاج سيارته ... ومغادرة الموقع بعد تركه فاقدا للوعي مضرجا في دمائه السائلة من فمه وأنفه.

وهكذا اصبح واضحا لوردي وأصدقائه المخلصين أنه خرج من سجن كوبر ليقضي حياته في سجن آخر أكبر ، مع أسلوب جديد من التعامل ؛ وكأنه يواجه فتوات وعصابات شوارع ، وليس بوصفه معارضا لنظام سياسي يفترض فيه الحد الأدني من المؤسساتية.

توسط الأجاويد من عشاق موهبة وردي القريبين من النظام ، فجرت الموافقة على سفره للقاهرة بدواعي العلاج .. وهكذا غادر وردي بلاده مرغما لتبدأ مرة أخرى مشاوير الاغتراب القسري بين عواصم أفريقيا ... ولكنه برغم ذلك كام يعبق أجواء تلك العواصم بمزاميره التي لا يضجر الأفارقة من سماعها في مدينة الكاب ولاغوس وأديس أبابا وأسمرا وغيرها ، وحيث لم تنقطع أوجاعه وآلامه إلا بعد انتفاضة أبريل 1985م.

 

لماذا وردي دون غيره

لم يكن وردي هو الموهبة الوحيدة التي تعرضت للإيذاء والمطاردة والتشرد ... هناك كثر في مجالات متعددة ..... ولكن وردي كان مطربا نسيج وحده ، وصاحب كاريزما من نوع خاص. وكانت مشكلته أنه اختار الصدام مع الديكتاتورية قدرا له ..... كان الوطن السودان عشقه الأول .. كان السودان هو ((الجميلة والمستحيلة)) في آن واحد ، بسبب الهيمنة المستمرة للديكتاتوريات وتغييب أغلب أبنائه عن المشاركة في إدارته أو مجرد إبداء الرأي الحر ..... وكان الغناء بالنسبة لوردي ولا يزال تعبير ذاتي عن هذا العشق ... ولأجل ذلك جاء صدقه ((المهـر والصداق)) الذي دخـل بـه قلب كل سوداني .....

كان بإمكان وردي أن يقصر نفسه على حمل آلة العود بيمينه مثله مثل غيره من مطربين ... ينتقي لنفسه فرقة موسيقية خاصة به من ثمانية أو ستة عازفين ..... يجوب شوارع العمارات والرياض وأزقة أمدرمان وديوم بحري .... يحمل في جيبه نوتة صغيرة بمواعيد حفلاته .... يقبض العرابين ويسجل المواعيد عقب استيقاظه قبل آذان المغرب بقليل  ... ويغني ليلا في مناسبات أفراح الشباب وختان أطفال رجال الأعمال وقعداتهم الخاصة ..... يتراقص تحت قدميه الجميع وفي الختام يستلم بقية أجره ويمضي إلى بيته في سلام ليخلد إلى نوم عميق بملء الجفون.

ولكن وردي كان صاحب طموح يسمو فوق مجرد الغناء لأجل تلقيط العداد .... فدفع الثمن غاليا منذ البداية. ولكنه برغم ذلك وبرغم علمه التام بما هو قادم عليه من مغامرة غير محددة المعالم ، أو محسوبة العواقب من جراء خبرته في التعامل مع العسكر داخل السلطة السياسية ؛ فكأني بوردي وقد اختار لنفسه وبمحض إرادته ((درب العطش)) داخل مساحة مليون ميل مربع من السودان العظيم ....

؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛

كانت الاستحقاقات مؤلمة بالنسبة لوردي بقدر ما هي مخزية لهذه الأنظمة الشمولية الدكتاتورية ..... وكان المضحك المبكي أن تضطر وردي الظروف ليعيش في مدينة الرياض بالسعودية فترة طويلة من عقد التسعينيات بدون إقامة .... ثم هجرته إلى الولايات المتحدة وتعرضه هناك لمرض الفشل الكلوي ...... ولكن برغم ذلك ظل هذا النوبي صامدا واقفا على قدميه طودا شامخا ، وحضارة 6000 عام بالتمام والكمال تسند ظهره  ... يتكئ عليها بيديه دون أن يرفعهما مستسلما للقهر ومحاولات التدجين وتحويله إلى مجرد مطرب ((لا يزعل منه الرجال)) على نحو ما ذهب إليه تمبل باي  ...... ثم لأجل ذلك كله استحق محمد عثمان وردي أن يكتب عنه ويشاد به في سلسلة الرموز والهموم السودانية بوصفه المثال الأصدق للمواطن السوداني الغير قابل للصدأ .... الغير قابل للاحتكار والتخزين والتوزيع ؛ فهوز بحق ....... آخر سلالات الشمس.    


© Copyright by SudaneseOnline.com


ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

أعلى الصفحة



الأخبار و الاراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات و تحليلات
  • تشارلز تيلور يكتب من لاهاي هاشم بانقا الريح*
  • تنامي ظاهرة اغتصاب الاطفال ...! بقلم / ايـليـــا أرومــي كــوكــو
  • مؤتمر تمويل التنمية/د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
  • بين مكي بلايل والعنصرية والحركة الشعبية /الطيب مصطفى
  • قالوا "تحت تحت" الميرغنى ماااااا "داير الوحدة"/عبد العزيز سليمان
  • الصراع الخفي بين إدارة السدود والمؤتمر الوطني (4-12) بقلم: محمد العامري
  • قواعد القانون الدولى المتعلق بحصانات رؤساء وقادة الدول/حماد وادى سند الكرتى
  • هل يصبح السيد مو ابراهيم حريرى السودان بقلم: المهندس /مطفى مكى
  • حسن ساتي و سيناريو الموت.. بقلم - ايـليـا أرومـي كـوكـو
  • الجدوي من تعديل حدود اقليم دارفور لصالح الشمالية/محمد ادم فاشر
  • صلاح قوش , اختراقات سياسية ودبلوماسية !!؟؟/حـــــــــاج علي
  • أبكيك حسن ساتي وأبكيك/جمال عنقرة
  • نظامنا التعليمي: الإستثمار في العقول أم في رأس المال؟!/مجتبى عرمان
  • صندوق إعادة بناء وتنمية شرق السودان .. إنعدام للشفافية وغياب للمحاسبة /محمد عبد الله سيد أحمد
  • )3 مفكرة القاهرة (/مصطفى عبد العزيز البطل
  • صاحب الإنتباهة ينفث حار أنفاسه علي باقان: الصادق حمدين
  • جامعة الخرطوم على موعد مع التاريخ/سليمان الأمين
  • ما المطلوب لإنجاح المبادرة القطرية !؟/ آدم خاطر
  • الجزء الخامس: لرواية للماضي ضحايا/ الأستاذ/ يعقوب آدم عبدالشافع
  • مبارك حسين والصادق الصديق الحلقة الأولى (1-3) /ثروت قاسم
  • ماذا كسبت دارفور من هذه الحرب اللعينة !!/آدم الهلباوى
  • الأجيال في السودان تصالح و وئام أم صراع و صدام؟؟؟ 1/2/الفاضل إحيمر/ أوتاوا
  • النمـرة غـلط !!/عبدالله علقم
  • العودة وحقها ومنظمة التحرير الفلسطينية بقلم نقولا ناصر*
  • المختصر الى الزواج المرتقب بين حركتى العدل والمساواة والحركة الشعبية لتحرير السودان /ادم على/هولندا
  • سوداني او امريكي؟ (1): واشنطن: محمد علي صالح
  • بحث في ظاهـرة الوقوقـة!/فيصل على سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر
  • سقوط المارد إلى الهاوية : الأزمة مستمرة : عزيز العرباوي-كاتب مغربي
  • قمة العشرين وترعة أبو عشرين ومقابر أخرى وسُخرية معاذ..!!/حـــــــــــاج علي
  • لهفي على جنوب السودان..!! مكي المغربي
  • تعليق على مقالات الدكتور امين حامد زين العابدين عن مشكلة ابيي/جبريل حسن احمد
  • طلاب دارفور... /خالد تارس
  • سوق المقل أ شهر أسواق الشايقية بقلم : محمدعثمان محمد.
  • الجزء الخامس لرواية: للماضي ضحايا الأستاذ/ يعقوب آدم عبدالشافع
  • صاحب الإنتباهة ينفث حار أنفاسه علي باقان أموم/ الصادق حمدين
  • رحم الله أمناء الأمة/محجوب التجاني
  • قصة قصيرة " قتل في الضاحية الغربية" بقلم: بقادى الحاج أحمد
  • وما أدراك ما الهرمجدون ؟! !/توفيق عبدا لرحيم منصور
  • الرائحة الكريهة للإستراتيجي بائتة وليست جديدة !!! /الأمين أوهاج – بورتسودان
  • المتسللون عبر الحدود والقادمون من الكهوف وتجار القوت ماشأنهم بطوكر /الامين أوهاج