صوت من لا صوت له وطن من لا وطن له
الصفحة الرئيسية  English
المنبر العام
اخر الاخبار
اخبار الجاليات
اخبار رياضية و فنية
تقارير
حـــوار
أعلن معنا
بيانات صحفية
 
مقالات و تحليلات
بريـد القــراء
ترجمات
قصة و شعر
البوم صور
دليل الخريجين
  أغانى سودانية
صور مختارة
  منتدى الانترنت
  دليل الأصدقاء
  اجتماعيات
  نادى القلم السودانى
  الارشيف و المكتبات
  الجرائد العربية
  مواقع سودانية
  مواضيع توثيقية
  ارشيف الاخبار 2006
  ارشيف بيانات 2006
  ارشيف مقالات 2006
  ارشيف اخبار 2005
  ارشيف بيانات 2005
  ارشيف مقالات 2005
  ارشيف الاخبار 2004
  Sudanese News
  Sudanese Music
  اتصل بنا
ابحث

مقالات و تحليلات English Page Last Updated: Jul 11th, 2011 - 15:37:55


علي إسماعيل العتباني: حسن مكي في ثوبٍ جديد (1/2)/رفيق دفلا كركي
Jan 12, 2008, 16:19

سودانيزاونلاين.كوم Sudaneseonline.com

ارسل الموضوع لصديق
 نسخة سهلة الطبع

علي إسماعيل العتباني: حسن مكي في ثوبٍ جديد (1/2)

 

رفيق دفلا  كركي

[email protected]

مقدمة

الإفتتاحية التي بدأ بها علي إسماعيل العتباني مقاله غير المعنون بجريدة الرأي العام الصادرة بتاريخ 20/11/2007م تستدعي الوقفة والتعليق لتصحيح المعلومات والإستبيان؛ ولُب المقال عبارة عن مرآة عاكسة لحقدٍ وغُبن وتحامل على الجَّنوب والجَّنوبيين، خاصة النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق سلفاكير ميارديت. وإنه لمؤسف حقاً أن ما كُتِبَ بشجاعة متناهية وصدق وافر عن مأساة الجَّنوب والجَّنوبيين في واقع السُّودان وفي المخيلة العربيَّة السُّودانيَّة (1) لم يصد بعض المسترزقين من الكتابة إثارة الضجة في الاسواق بمقالات ليس لها من هدف غير إستمرارية التفاصل بدلاً عن التواصل بين شعوب وأقوام السُّودان المختلفة. فلو أنهم خصَّوا بتلك الكتابات معالجاتٍ لمشكلات الوطن لنهض ولإلتأمت الجراج والقلوب النازفة دماً وقيحاً، أو لو أنهم تناولوا القضايا المطروحة بموضوعية لربما توصلوا لحلول وسطيَّة ترضي الأمة، ولكن: يا لها من أمةٍ ضحكت من جهلها الأمم!

مهما يكن من أمر عدم وجود عنوان واضح للمقال، فيمكن تقسيمه إلى جزئين ذات معالم واضحة رغم الغموض الغالب عليه ورغم تناقض أهدافه ودوافعه الحقيقيَّة. فلقد خصَّ الكاتب في الجزء الاول من مقاله التطاول والتقوَّل على النائب الأول لرئيس الجمهوريَّة الفريق ميارديت بسبب ما قاله أثناء زيارته الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكيَّة، وتطرق أيضاً لمسألة الأسلمة والتعريب ودسَّ في الأمور سُمَّاً وحشواً بمفردات عقيمة وتساؤلات مضللة ومبهمة وغير ذات معنى للسائل. فالمقصود من هذه الأسئلة إما الشماتة أو الجهل بالمسؤول عنه. وقد شملت هذه إستفساراتٍ عن هل بإمكانيَّة فصل "الشخصيَّة القوميَّة عن الثقافة الإسلاميَّة، العلاقة بين الافريقانيَّة والإسلام وذكر في نفس السياق أنه لم تكن هناك عداوة أصلاً بين الإسلام والأفريقانيَّة، ونبه القارئ أن نصارى "اثيوبيا" إستضافوا الإسلام وإن رئيساً مسلماً حكم يوغندا، وكما دلَّل بإحصاءات غير صحيحة – نحسب أنها نُسِجت من خيالٍ ماكر- أن ثُلث سكان كينيا مسلمين وأن غالبية الأفارقة مسلمين إمتداداً من جنوب أفريقيا إلى أثيوبيا، ومن وسط وإلى غرب أفريقيا. ثم ساق التفكير العنصري الضيق كاتب المقال بذكر أن الديانات كلها نزلت في الشرق الأوسط - كأن جادله في الحوار أحد في مصداقيَّة هذه الحقيقة - وشدد دون دواعي لتلك الدعاية البائرة، أنها ديانات شرق أوسطية بين مكة المكرمة والقدس الشريف. هذا الحوار من طرف واحد لإثبات أمراً مسلَّماً به يمكننا أن نرمز له بالصراع الذاتي الداخلي لإظهار المعرفة الناقصة بالثوابت. وختم قمة العنصريَّة بعقدة لسانٍ غير بيِّن وإستكبارٍ وإستعلاءٍ سقيمين بقوله ""كما ان الانبياء كلهم من الساميين وليسوا (خواجات).. وذلك يعني ان العقل (وسطي) وليس عرقيا..ً.وهذا العقل (الوسطي) يستمد مزاجه من وسطية العالم الإسلامي. أما الجزء الثاني من المقال فمليئ بسلسلة مطولة من أسئلة ومواعظ للنائب الأول للرئيس وكما لم يخلو من الإساءة اللفظيَّة لبعض قادة الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان، التشكك في أن يكون للجَّنوب مقومات الدولة والإستخفاف بمقدرة الجَّنوبيين في إدارة أنفسهم إذا ما إنفصلوا عن شمال السُّودان وما سيعترض مسيرة دولة الجَّنوب الجديدة من مصاعب ومتاعب بسبب تحوصلها بين دول شتى دون منفذ خارجي لمسطح مائي إلخ...حملة الإستخفاف بالجَّنوبيين هذه تذكرنا بإستعلاء مرشح الحزب الديمقراطي الأمريكي في النصف الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي بالعنصر الزنجي عامة، قد كان ذاك المرشح هو إستيفن دوقلاس الخصم اللدود للرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن. كذلك ذكر العتباني على لسان "البروفيسور ديد ديشان" أن الخمر أصبح سيِّد الموقف في الجَّنوب. نحسب أن العتباني يقصد ديفيد دي شان وليس "ديد ديشان"، ﻓ "ديفيد دي شان" نعرفه أكثر من العتباني. نحن نعرف كيف ولماذا وبماذا يفكر ومتى وفي أي وسط يتحدث ديفيد دي شان أو بالأصح كيف ينتقي مستمعيه للتحدث إليهم فلا يغتر العتباني ﺒ "البروفيسور ديد ديشان" أو كما قال! وثُمَّ ذكَّر العتباني النائب الأول أنه يعلم " أنه في (الوسط) ليس هناك سكر وترنح بأمر القانون"! عجباً هذا القول من الأمير والأمراءُ كثيرون أو قليلون، كيفما يشاء الفرد أن تكون العبارة! فالسؤال: هل المقصود "الوسط" الخرطوم أُس الداء أم ماذا؟ وإذا كان الأمر كذلك، هل هي خالية من الخمر، وأين الشرع ليمنع السُكر والترنح بأمر القانون؟ نحن نشك أن العاصمة المثلثة (الخرطوم، بحري وأم درمان) خالية من الخمر، ونشك أيضاً أنها خالية من المترنحين السُكارى (مسلمين وغيرهم) رغم أنف أمر القانون. على أية حال إختتم العتباني المقال بالتهديد والوعيد إذا عجزت الحركة الشَّعبيَّة بالإلتزام بتنفيذ إتفاقيَّة نيفاشا وقامت الحرب مرة أخرى قائلاً: هذا أو... على نهج ما قاله المرحوم المغفور له بإذن الله الأستاذ محمود محمَّد طه: هذا أو الطوفان!

إذن، لا شك أن الجزء الأول يتضمن تلفيقات صراح وكلاماً فارغاً مغرضاً - في الأديان والأنبياء ومعلومات غير دقيقة ولا موثقة – لذا رأينا الرد عليه بالتفصيل ما إستطعنا لأن بالمقال كماً هائلاً من التضليل والإستخفاف بعقول القراء وكما تشتم منه رائحة أحاديث حسن مكي القديمة على لسانٍ جديد. وردنا ليس دفاعاً عن سلفاكير ولا عن الحركة الشَّعبيَّة ولكن لإبداء الرأي وتصحيح ما رأيناه معوجاً في كتاب العتباني. ولقد أرفقنا في ذيل جزئي تعليقنا ملحقين من أصل الموضوع لكي يراجعهما القارئ الكريم إن إختلط عليه أمرٌ ما أو تشكك فيما نذكُر. أما الجزء الثاني من مقال العتباني والذي يبدأ بعنوان جانبي "هجمة سلفاكير" وينتهي ﺒ "هذا أو ..." ففيه الَّلمم من الحديث الكثير فلم يروق لنا الرد عليه.

 

  التطاول على النائب الأول مقتٌ

يقول علي إسماعيل العتباني إفتتاحاً: "من المعلوم ان المجتمع السُّودانى ..والنخب السُّودانيَّة شمالها وجنوبها كان حديثها في الايام الماضيات عن اسقاطات النائب الاول لرئيس الجمهورية سلفاكير في امريكا .. وانتهى كثير من السُّودانيين الى أنه كان يريد بها مجاراة رؤية النخبة الامريكية المتحكمة بلوبياتها...ويريد كسب الادارة الامريكية حتى يستعين بها على صراعه في الجَّنوب."

ليس هذا بحديث الهمم العالية وليس فيه علم ولا طهر اللسان وعفته إذ نعلم، أن الطهارة صفة إيمانيَّة حسيَّة أو معنويَّة بمعنى أن يكون الإنسان (أي إنسان) طاهر القلب، عفيف اللسان والنفس طيب الخُلق فلا يخالط أو يكلِّم النَّاس إلا بخُلقٍ حسُن، لا يحقد ولا يحسد، ولا يغتب ولا يمشي بين الناس مستشرياً الفتنة بالتنابز وغيره من آيات الإستخفاف، ولا يتقوَّل ولا ينقل النميمة بين الناس ليرضي بلاط الحكام وبطانتهم، خاصة عندما يكون ذاك الشخص "شخصيَّة إعتبارية". وفي باب الإيمان وعتاباته أيضاً طاعة أولياء أمور العباد – كالرئيس - أومن ينوب عنهم، كنائبه مثلاً لأنه ليس من اللياقة الأدبيَّة أو الأمانة الصحفيَّة ولا من الإسلام ولا من صفات المسلمين أن يتهجم رجلٌ أو أحد الرعيَّة بمقام علي إسماعيل العتباني على النائب الاول لرئيس الجمهوريَّة بوصف ما أدلى بها من تصريحات "بإسقاطات". إذ أصبح مصطلح "إسقاطات" بذاءة لفظيَّة خاصة في الأوساط السياسيَّة السُّودانيَّة. وكنا سنستميح العذر للجاهلين وكنا سنعرض عنهم ولكن لا عذر ولا معذرة للعتباني! فكان عليه – كمسلم ويجب على المسلم الحق التحلي بآداب الحديث والمخاطبة - واجب التقويم نصحاً وعلى النائب الأول لرئيس الجمهوريَّة الإلتزام بما يجب عليه كراعي دون غضبٍ من أيٍّ منهما. وإنا كذلك، لنقسم بالله لا نعلم ما سر العدواة والكراهيَّة الشخصيَّة من العتباني ضد النائب الأول حتى يرميه بهذا اللَّمم وصغائر الحديث وأنْ يستعير كل هذه الكلمات ليرمي بها الفريق ميارديت. قد نفهم أن "بعضاً" من أهل السُّودان غير سعيد بأرآء أو ما صرَّح به الفريق ميارديت لأسباب موضوعيَّة فرديَّة ذاتيّة أو سياسيَّة ولكن ان ينتهي الأمر لحد الملاسنة من العتباني ليس بعلو الهمة ولا بصفة المؤمنين المسلمين كما ذكرنا. كان الأجدر بالعتباني، أيضاً، أن يحكِّم عقله ويكظم ما سيتبطنه من غيظ وضعن وضغن على الرجل الثاني في ولايته أو كان به أن يقوِّمه بالتي هي أحسن وأقوم وينقد تصريحاته نقداً بناءاً وبأبلغ ما يكون من طُهر اللسان وأعفَّه. رحم الله كل من سعى في حل أو تقارب وجهات النظر بين شريكي الحُكم "الخصمين" لفرقعة بالونة التخاصم بالسَّلامة!

ثم نسأل، ما هي الإحصاءات التي بنى عليها العتباني فرضيته بأن "كثيراً من السُّودانيين" خلصوا إلى أن النائب الأول أراد مجاراة النخبة الأمريكيَّة ولوبياتها للإستعانة بها في صراعه في الجَّنوب؟ فلو سلمنا بهذا الإفتراض، حتى ترتسم الإبتسامة على وجه العتباني، فليعلم هو إن إستعانة القائمين بأمر النَّاس والعباد ببعضهم أو ببعض مؤسساتهم الرسميَّة القائمة أو مؤسسات المجتمع المدني أصبحت من سنن الحياة السياسيَّة وخاصة عندما تكون هناك قضايا جوهريَّة مهمة تستوجب الحل، لهذا وذاك نجد كل قادة العالم في سفرٍ وتسفار دائمين. في سفرهم ذاك يلتقوون سراً وعلانيَّة حتى بأعدائهم فيعرض هذا قضيَّته ويعرض ذاك همه ويتنازل هذا ويقبل ذاك وخيرهم الذي يبدأ بالسلام أو يجنح للسلم! هذه هي سنة الحياة، خاصة في المناخ السياسي اليوم! لم يسلم الرئيس البشير نفسه من ذلك، فقد قام هو شخصيَّاً بزيارة بابا الفاتيكان خاصة بعد الإحتراب اللَّفظي بين الحكومة والحركة الشَّعبيَّة على الرغم من خلفية المظاهرات التي إجتاحت العالم الإسلامي تنديداً بما قاله نفس البابا عن الإسلام! ﻓ سلفاكير ليس بملاك وعليه فهو غير معفي من هذه السُّنة بل هو أحوج القادة إليها وذلك لسببين: السبب الأول أنه يرى أن إتفاقيَّة السَّلام التي أوقفت نزيف دم السُّودانيين تترنح من شدة الطعن فيها وعليها وليس من السُكر وتعاطي الخمر. وإذا كان الأمر كذلك فالشريكين إذن لفي ضلال مبين وكان الله في عون السُّودان والفقراء!  أما هم سلفاكير الثاني فذات حدَّين حادين أحلاهما مُرٌ: الحرب مرة ثانية أو الإنفصال.  نحسب أن سلفاكير لا يريد الأمر أي الهم الثاني بشقيه أو بحديه وهو ما ردده سلفاكير وكذلك الرئيس البشير، عدة مرات. إنَّ سلفاكير ليبغي إحياء الإتفاقيَّة لكيما يبقى السُّودان في سَّلام ووحدة على أحسن الفروض أو أن ينقسم إلى قسمين على أسوأ ما يكون الإفتراض. إذن، الرجل همومه كثيرة أي ذي أربعة شعب متوأمة: السَّلام والحرب، الوحدة والإنفصال! هكذا ربما كان يجب ان يكون التحليل ثُّم وضع الخطط التي تحول دون وقوع الأمر الثاني وتحقيق الأول! ولكن أن يعتمد ويعمد العتباني سياسة وثقافة الإتهامات الجوفاء ومحاولة التلاعب بالكلمات وصياغتها لتضليل العالم والتطاول على النائب الأول فيه عدم الإلتزام بأبسط قواعد الفكر والقلم وهذا ما يمكن وُصفه بالمقت.

 

ويقول أيضاً:  "ولعل الكثير ممن نعرفهم يقولون ان ما ذكره سلفاكير لا يمثل قناعاته ويدللون على ذلك بانه لم يحدث قط ان ردد مثل هذا الحديث في السنوات الثلاث الاخيرة مع القيادة السُّودانيَّة.. او مع الشعب الجَّنوبي ...ولذلك ربما تغير مزاجه عندما ذهب الى امريكا ووجد ان المزاج هناك مختلف، حيث وجد ان الرأي العام الامريكي مسمم ضده.. ووجد انه مقيم كمتردد وضعيف. ونحن نعلم ان امريكا اصبحت مهتمة بالمسألة الجَّنوبيَّة، لأنها دخلت على المزاج السياسي والانتخابي الامريكي...كما ان جماعات الضغط سواء اكان اللوبي الصهيوني.. او اللوبي الكنسي.. او الأسود..باتت تسمم الاجواء ضد السُّودان..ولذلك فان اي كلام ايجابي في هذا المزاج او الاشادة بالسُّودان او باتفاق السلام كان معناه (انتحاراً) لسلفاكير. ونحن لا نريد للقائد سلفاكير ان ينتحر في تلك الاجواء المسممة.. ولكن مع ذلك ناخذ بعض مضامين كلامه لنحاوره فيه.."

وكما قلنا، يستغرب المرء في أن يتقول إنسان في مقام العتباني على لسان من "يعرفهم" دون أن يسميهم بأن حديث النائب الاول لم يرد عن قناعة ثم يستدل بقول "المعروفين لديه" أن سلفاكير لم يردد "مثل هذا الحديث في السنوات الثلاث الاخيرة مع القيادة السُّودانية.. إنه حقاً من القضايا الغريبة جداً في مجتمع سياسي تستشري فيه الفوضى والبطش والتخويف وتتنامى فيه ظاهرة أكل لحوم النًّاس وهم أحياء أو أموات ﴿كاد أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه﴾، ومجتمع سياسي يتعاظم فيه نقض العهود والمواثيق وأكل أموال النّاَس بالباطل أنْ يكون قول الحق والتضجر من هذه الخيانات هروباً من القناعات. إن النائب الأول للرئيس والذين معه سكتوا طيلة هذه الفترة إعمالاً بحكمة الصبر والمصابرة على الأذى. فهم الذين حملوا السلاح على وجه الطغيان بأنواعه وأشكاله المختلفة على ما فاق عقدين من الزمان فهل يُحسب عليهم تضايقهم بأن الإتفاق المشهود عليه عالميَّاً يترنح كالرجل "الثمل"؟ ثُمَّ ما هي ردود الفعل الحكوميَّة بعد هذا الإحتجاج المعقول؟ ألم يصدر الرئيس "المشير" عمر البشير في تجمعٍ حماسيٍ شعبي رجيم بمدينة ود مدني قراراً يقضي بفتح معكسرات الجهادية إيذاناً بإشعال حرب العقيدة والإيمان مرة أخرى؟(2)  أوليس في هذا تلاعباً مرة ثانية  بأرواح وحياة أبناء وبنات السُّودان؟ إن مشكلة السُّودان الكبرى هي أن أعيانه لا يهمهم سوق النَّاس ورميهم إلى التهلكة وهم على الأرائكة ينظرون ويتغامزون ويتهامسون بالضحك على الذقون واللحي! ففي الوقت الذي يتنادى فيه القوم بالتدريب، تحسباً وترقباً لخطوة الحركة الشَّعبيَّة التالية وإرهاصات أعداء الوطن، نقرأ ونسمع تصريحات من الجانبين (الحكومة والحركة الشعبيَّة) أنَّه "لا عودة للإقتتال مرة ثانية. (3) وفي زحمة هذه الضجَّة الصاخبة تتسارع الفضائيات ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة أيضاً بنقل ما فائدته أن الأزمة بين الشريكين قد إنفرجت بعد تعليق الحركة الشعبيَّة مشاركة وزرائها وحكام الأقاليم في حكومة الوحدة الوطنيَّة وإنهم عادوا لمزاولة عملهم في السابع والعشرين من ديسمبر. (4) ففي الحقيقة جاءت الإنفراجة بعد تهديد الحركة الشعبيَّة بإستخدام الخطة "ب" وتحديدها التاسع من يناير الحالي حداً نهائياً لتنفيذ المطالب التي أودت بها أن تعلق مشاركتها في السُّلطة، ومن أهمها إنسحاب القوات المسلحة "السُّودانيَّة" من الجَّنوب والذي تم فعليَّاَ في الموعد بربكونا أي غابة من شجر العرديب بحسب لُّغة النوير. يا ليت الحركة الشعبيَّة هددت من اليوم الأول من إبرام الإتفاقيَّة أو حين تسلم سلفاكير منصب النيابة خلفاً للراحل الدكتور جون قرنق. ولكن والله لو تكلَّم النائب الأول في السنة الأولى أو الثانية – ناهيك عن اليوم الأول أو غيره - لكان مصيره التوبيخ، ربما من جميع أهل السُّودان وغيره قائلين: الراجل دا أصلو ما عنده الصبر اللي بيبل الابري! ولقال آخرون: والله ما عندنا مال قرون ولا عصا موسى لمعالجة ما غربَّته الحرب على مدى 21 سنة في سنة أو سنتين. على أية، لقد قالوا عن ميول سلفاكير وروحه الإنفصاليَّة الكثير، وقالوا عنه العجيب والمثير وذلك فور تنصيبه نائباً أولاً للرئيس خلفاً للراحل المقيم الدكتور جون قرنق فما لنا كيف نحكم؟

ثُمَّ، إن الاهتمام بالمسألة الجَّنوبيَّة ليس وليد الحملة الانتخابيَّة الأمريكيَّة وانما الإهتمام هو إمتداد تواصل ومواصلة لضمان وتأمين سريان مصالح الدولة المضيفة للنائب الأول دون اية زعزعة وزوبعة. وهذه السياسة مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بمصلحة ورفاهيَّة شعبها وإن وضع وصياغة هذه السياسات فيهما حرص شديد على موافقة ورضى أصحاب الارض التي تقع فيها وتقوم عليها تلك المصالح. وفي الغالب الأعم ليس هناك حتى هامش القبول بهذه الفكرة، ولا يهم ذلك كثيراً ما دام الأمر يصب في قالب الإستراتيجيات الطويلة المدى. فالاهتمام منذ منتصف العام 2002م – إذا ما حددنا ذلك كسقف زمني إفتراضي- وتبنيها بل وتفعيلها للمفاوضات التي أدت لإتفاق السَّلام (غصباً عن الحكومة السُّودانيَّة خاصة بعد تداعيات الحادي عشر من سبتمبر 2001م) لم يكن هدفه الاول والغاية الاخيرة منه هي المسالة السُّودانيَّة التى يخطأ الكثير من دعاة الحلول الجزئية بتسميتها المشكلة الجَّنوبيَّة، أو القضيَّة النوباويَّة (جِّبال االنُّوبة) أوالأنقاسناويَّة (جنوب النيل الازرق) وأخيراً دار فور، بل جاء الاهتمام تربصاً بالمنظمات الارهابيَّة والانظمة الحكوميَّة التي تدعمها أو تلك المجموعات المسلحة التي تزعزع الامن والإستقرار العالمين؛ ولقد أسمع الرئيس الأمريكي العالم كله بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حينما اعلن الحرب على الإرهاب في خطابٍ ضافٍ قال فيه: إما أنت معنا او ضدنا في الحرب على الإرهاب فعليَّاًً أو بتسليم ما لديك من معلومات عن الإرهاب وكما حدد - بدون لف أو دوران - محاور الشر! في ذاك الوقت وإلى لحظة كتابة هذا المقال ما زالت حكومة السُّودان ضمن القائمة السوداء للدول التي تدعم الإرهاب إن لم تكن حكومة إرهابيَّة. عند نقطة اللا رجعة واللا تلاقي هذه هرول نظام الانقاذ الذي يدعمه العتباني بفكره بتسليم كل ما لديه (او ما أراد أن يسلمه) للمخابرات الامريكيَّة والعالميَّة واصفاً الخطوة بالتعاون التام في تبادل المعلومات الإستخباراتيَّة. هذا الخنوع كشف عنه رئيس الأستخبارات السُّودانيَّة اللواء صلاح محمد قوش بقوله أن هناك "تعاون تام" بين نظام الخرطوم وأكثر من 57 وكالة إستخباراتيَّة عالميَّة (5). كان على العتباني مراعاة معطيات المرحلة والأسباب بدلاً من محاولة أسلوب التضليل القديم بأن الاهتمام الامريكي ناتج عن الإنتخابات المقبلة.

كذلك، أو لم يعِ العتباني أن الغناء والطرب على أنغام اللوبي الصهيوني، المسيحي واللوبي الاسود أصبح "موضة" قديمة؟ العالم كله أصبحت مصالحه تتلاقي وتتقاطع في نقطة واحدة مما حدا ببعض الدول الأكثر عروبةً وإسلاماً من سُّودان العتباني أن تتعامل بطرق مباشرة أو غير مباشرة مع من يسميه العتباني بالصهيونيَّة، المسيحيَّة والسود بصورة أكبر وضوحاً من الدول غير العربيَّة وغير المسلمة. وفي تعامل تلك الدول الأكثر عروبة لا تراعي العروبة أو الاسلام وإنما مصالح شعوبها. يرى الأستاذ الدكتور عبد الوهاب الأفندي وهو [كان] أخاً للعتباني في تنظيم الأخوان المسلمين "إن كثيراً من الدول العربيَّة المحافظة – ربما يعني الإسلاميَّة - قد اعتنقت مبدأ الرأسماليَّة [الغربيَّة] وتسارعت إلي تحطيم كل الحواجز التي تعوق تحصيل الربح الأقصي وكما تخلت بسرعة عن تحريم الخمر في فنادقها وخطوط طيرانها، أو تحريم الربا في مصارفها". (6) وعليه لا نجد حرجاً في أن يتغيَّر مزاج النائب الاول إذا ما رأى أن مصالح الجَّنوب ستتأثر سلباً بسياسات السُّودان خاصة ما يتعلق بالأسلمة والتعريب. أما تسمم الأجواء ضد السُّودان فمسؤليته تقع على الحكومة أولاً وأخيراً لأنها تلكأت في تنفيذها لجعل وحدة السُّودان جاذبة كما عاهدت عليه العالم فهي دائماً في موضع الشك والريبة من كل الدوائر الداخليَّة والخارجيَّة!

 

الأسلمة والتعريب

يقول العتباني في هذا الشأن، ولكل إمرئٍ يومئذٍ شأنٌ يغنيه:

"أولاً: ذكر ان ما يجري في السُّودان هو فقط تعريب وأسلمة.. ونسأله ببساطة هل يمكن فصل الشخصيَّة القوميَّة.. والمزاج الثقافي العام.. عن الثقافة الإسلاميَّة.."؟ على الرغم من أن العتباني لم يكمل الجملة الخاصة بالتعريب والأسلمة وقفز ليسأل، إلا أننا نجزم أن النائب الأول قال الحقيقة وأوفى القول... نعم: إن ما يجري في السُّودان هو تعريب وأسلمة، قديم وجديد ومتجدد! فثورة التعريب بدأت على المستويين السياسي والتنفيذي ولقد كتب وأسهب غيرنا في هذه المسألة كثيراً، ودون الخوض في التفاصيل مالكم لا تذرون الباطل وتقبلون الحق وإلى متى تصرون على دفن الرؤوس في الرمال؟ الأمثلة البسيطة الآتية تدعم حديث الفريق سلفاكير:

 (1) تم تعريب المناهج الدراسيَّة من المرحلة الإبتدائيَّة الى ما بعد الجامعة وتحديد 50% كأقل نسبة لنجاح الطالب في مادة اللُّغة العربيَّة وكشرط إساسي للحصول علي الشهادة حتى لو تحصل الطالب على 100% في كل مواد الإمتحان!

(2) أسماء الناس وبعض المواقع في السُّودان لم تسلم من إعادة التسميَّة للعربيَّة بحجة الدلالة العربيَّة الإسلاميَّة لأن أسماءهم وأسماء تلك المواقع – حسب سياسة التعريب - لا تتماشي مع "المزاج" العربي الإسلامي العام فضلاً عن إستهجان الناطقين بغير العربيَّة ووصفهم بأنهم "رطَّانة" مما جعل كثيراً من السُّودانيين يستحيون أمام أترابهم من الحديث علناً بلغاتهم! ففي هذه السياسة تعمُّدٌ لكشط اللُّغات المحليَّة وإستبدالها بلغاتٍ جديدة دخيلة وغالباً ما تكون لغاتٍ إستعماريَّة، أكان ذلك الإستعمار سياسيَّاً، إجتماعيَّاً، دينيَّاً أو إقتصاديَّاً. في مقالٍ غريب كتب ياسر محجوب ونشك شك اليقين أنه يعني ما كتب، ولكنه كتب يتباكى بأن اللُّغة العربيَّة مستهدفة إستراتيجيًّاً للقضاء عليها، فإليكم نص ما قال في كتابه: "محاولات قهر اللَّغات الوطنيَّة هي إحدى ممارسات القوى الاستعماريَّة في مختلف أنحاء العالم لأجل الوصول إلى محو هوية الشعوب وفصلها عن حضارتها وثقافتها التي تعمق من انتمائهم وتربط بين أفراد الجماعة. وذلك من خلال فرض استخدام لغة المستعمر أو لغة هجينة لتعميق الفصل بين أبناء الأمة الواحدة وخلق ثقافات جديدة متصارعة. وكانت اللُّغة العربيَّة هدفاً استراتيجيَّاً للأعداء، فالقضاء عليها يعني القضاء على أداة الاتصال الرئيسيَّة في العالم العربي والإسلام". إنتهي. (7) لابد أن يكون ياسر قد كتب هذه الفقرة تحت تأثير غضبٍ عارمٍ معترضاً أشد ما تكون لهجة الإحتجاج على حديثٍ حقيق أدلي به الكاتب أبو بكر القاضي في مقابلة تلفيزيونيَّة في برنامج "الإتجاه المعاكس" الذي تبثه قناة الجزيرة العربيَّة من دولة قطر عندما ذكر القاضي أن عروبة السُّودان هي "عروبة لسان". كانت رسالة القاضي تقول بوضوحٍ حق أن السُّودان ليس عربي عرقيَّاً وإنما لغويَّاً نسبة لتركيبته المختلطة بين عناصر عرقيَّة وإثنيَّة متباينة عاملها المشترك هي اللُّغة العربيَّة في الغالب والإسلام بصورة عامة! نعيب على الأخ ياسر أنه لم ينتبه إلى أن اللُّغة العربيَّة لغة دخيلة على السُّودان بشكلٍ من الأشكال التي ذكرناها وعملت بالضبط والربط ما أثبته ياسر في إفتتاحية مقاله التي نقلناها حرفيِّاً مع إضافة الخط تحت الأهم، بأن هناك محاولات لقهر اللُّغات الوطنيَّة أو المحليَّة السُّودانيَّة. ومثال ما ذكره من نتاج التهجين بين اللُّغات الوطنيَّة أوالمحليَّة والاستعماريَّة أو الدخيلة هي اللُّغة [السواحيليَّة] وكذلك العاميَّة السُّودانيَّة ﮐ "عربي جوبا" مثلاً أو "عربي غرب السُّودان"! ومن الأمثلة الواقعيَّة التي تبيِّن كيف لعبت سياسة التعريب الأدوار التي ذكرها ياسر هي أنه توجد أحياء في الخرطوم، عاصمة الثقافة العربيَّة، تحمل الطابع العربي. نذكر مثلاً وليس حصراً: "الرياض"، "المنشيَّة" وكما تنعدم في الخرطوم أو أم درمان – التي يقال أنها العاصمة الوطنيَّة - أحياء ترمز لوطنيَّة العاصمة؛ فليست هناك "كاجو كاجي" من الجنوب، أو "تلوشي" من جِّبال النُّوبة أو "دنقلا" من الشمال أو "مابان" من جنوب النيل الأزرق أو تُلُس بدار فور إلخ...وكما بالخرطوم شارع الملك إبن عبد العزيز، محمَّد نجيب، وفي جامعة الخرطوم نجد قاعة الشارقة! كما لم قط نسمع بمقترح لتسمية شارع بإسم قرنق ولكنا سمعنا بدبابة إسمها "البشير" و"الزبير 1"  و"الزبير 2" ولم نعلم الدلالة الحقيقيَّة: الزبير باشا أم الزبير محمَّد صالح فكليهما عليهما أقوال كثيرة بما إقترفاه ضد أهل السُّودان! كل هذه الأسماء يتسَمَون بها وكأنما لم يكن ولم يمر على السُّودان رجالٌ أعظم من هؤلاء! فأين الذين دافعوا عن إستقلال هذا البلد منذ 1821م وأين الذين لقوا نحبهم من أجل وحدته وحريته؟ فلقد كانت منهم مهيرة بنت عبود الشَّايقيَّة ومندي النُّوباوية، مثلاً وليس حصراً. وبالمثال أيضاً، كان السُّلطان عجبنا والفكي علي الميرواي، عبد الفضيل الماظ، الإستاذ محمَّد خير وغيرهم. وفي الجَّنوب كان أمبورو، ديو، وليام دينج، يوسف كوه مكي وآخرهم مفجِّر ثورة التحرير من الفكر السقيم: الراحل الدكتور جون قرنق. رحم اللَّه الحركة الشَّعبيَّة في ممثلها الأستاذ ياسر عرمان حينما طلب من الرئيس البشير– ربما بإلحاح والخوف من الرفض– تكريم عبد الفضيل الماظ "بإعادة" تسمية مستشفى العيون بإسم البطل الماظ تخليداً لذكراه ونضاله ضد المستعمر! وواللّه لم نسمع بشيئ سُمي على "جعفر محمَّد نميري" غير جمعيَّة "ود النميري التعاونيَّة" والتي إنتهت بنهاية حكم "القائد الملهم"، على الرغم من أفعاله وأفاعيل نظامه التي تقشعر منها الأبدان. تجدر الإشارة أن "ود النميري" إسم للقرية التي ينحدر منها ذاك الرئيس، فنميري لم يُرزق – لحمكة من الله – بولدٍ. كانت هذه الجمعيَّة واحدة من عيوبه الكثيرة حيث أنه سخَّر أموال الشَّعب في ذاك المشروع القروي الفاشل! هذه الأمثلة هي ما إستحضرنا من مخزون الذاكرة فلا تضجر النَّاس أو القراء من هذه القائمة القصيرة لأن الأسماء التي تستحق التخليد والذكرى لكثيرة ومن كل أنحاء السُّودان؛ غربه وشرقه ووسطه، جنوبه وشماله.

وتثبيتاً لما سقناه عن سياسة التعريب قرأنا للدكتور عبد الوهاب الافندي قولاً صائباً وسديداً عن التعريب في السُّودان حيث قال: "إن اجتهاد الحكومة في تعريب التعليم العالي منذ مطلع السبعينات، وإن الوجود الأجنبي للمعلمين في السُّودان يشير إلي مفارقة ذات دلالة رمزية عميقة في عهد حكومةٍ جعلت شعارها أسلمة البلاد وتعريب التعليم. وهذا بدوره يثير قضية مهمة، وهي أن جهود الأسلمة شهدت مساعي جديَّة في المجال الاقتصادي الذي شهد نشأة المصارف الإسلاميَّة والمؤسسات المشابهة، وهي تجارب لم تخرج عن إطار النموذج الرأسمالي، بل تمثلته وتشرَّبته سواءً في التعامل مع الواقع الاقتصادي في الداخل، أو في سلوكيات المنتفعين بها ونمط الحياة الاستهلاكيَّة المترفة الذي تبنوه، أو في التعامل مع المنظومة الاقتصاديَّة الدوليَّة. (8) وكما للصادق المهدي شأناً عظيماً في سياسة تعريب وأسلمة الجَّنوب حيث حدد خمس طرق لتحقيق ذلك وهي: التزاوج بالجنوبيَّات" (قلنا الجنوبيَّات لأن تعجرف الشماليين يُصعِّب على الذكور الجَّنوبيين من إبتعال الشماليَّات حتى ولو كانوا مسلمين)، إرسال الدعاة الإسلاميين إلى الجنوب، تنشيط وتشجيع التجارة عن طريق التجار الشماليين وخلق "علاقات وديَّة" مع الجنوبيين. (9)

(3) في دار فور، الحرب دائرة بين "الزرقة" والقبائل "العربيَّة" كما أن هناك حملة إحلال للأراضي التابعة لأهالي دار فور بواسطة قبائل ذات جذور عربيَّة مهجرة بواسطة الحكومة السُّودانيَّة، وهؤلاء الوافدون من دول كلٍ من مالي، النيجر، تشاد إلخ... (10)  

أما الأسلمة فلسنا بخائطين فيها كثيراً لنسبة لما قد يتشعَّب ويتفرَّخ من هذا الحديث وسنكتفي بالقول أن أحد أسباب الحروب الأهليَّة السُّودانيَّة كان الصراع الديني نسبة لتسييس الدين أو تديين السياسة حيث كان إعلان الجهاد على مسلمي جِّبال النُّوبة في العام 1992م. (11) ومثال آخر ذات صلة وهو ما كتبه محمود عثمان رزق أن شقيقه الأكبر الداعيَّة الإسلامي الشيخ كمال عثمان رزق قد دعاه لحضور حفل تخريج الدفعة رقم 28 من الدعاة والداعيَّات، وذكر أن من بين الخريجيين 110 شاباً و150 شابة كلهم خُصصوا لولايات جَّنوب كردفان [جِّبال النُّوبة]، النيل الأزرق، ولاية نهر النيل، والولاية الشماليَّة. (12) الغريب أن هذه الولايات كلها تقع ضمن حدود الدولة السُّودانيَّة مما يجعله من الصعوبة بمكان التنكر أن هذه ليست بحملة تبشيريَّة إسلاميَّة لنشر آخر الرسالات التي جاء بها الرسول الأمين (ص). وفي نفس السياق تقول مصادر مؤكدة أن جملة المبالغ التى تبرع بها الكويتيون والإماراتيون لجِّبال النُّوبة في التسعينيَّات من القرن الماضي قد بلغت أكثر من 450 الف دولار، خُصص 80% منها لبناء سبعة مساجد في سبعة مواقع، 13% لحفر بئرين و7% فقط لإعادة تعمير بعض المدارس. (13) أفبعد هذا تقول النَّاس ويتقوَّل بعضهم أو يُكذِّب على من يصرِّح حقيقة إن الأسلمة "ماشة" على قدمٍ وساق في السُّودان؟! لسنا ضد ممارسة نشر الإسلام أو غيره ولكنا – بلا شك – ضد الأقاويل التي تجافي الواقع والحقيقة لأنه من الاصلح أن يصمت الفرد بدلاً من قول الزور، فقد قال الرسول (ص) من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت. 

 

ويسأل العتباني سلفاكير بقوله: ".. ونسأله ببساطة هل يمكن فصل الشخصيَّة القوميَّة.. والمزاج الثقافي العام.. عن الثقافة الإسلاميَّة.."؟ فنحن نسأل العتباني كذلك: ما هي الشخصيَّة القوميَّة والمزاج الثقافي العام اللذان يتصور بأنه لا يمكن فصلهما عن الثقافة الإسلاميَّة؟ فإن كان يقصد الشخصيَّة القوميَّة السُّودانيَّة فعلى الدنيا السَّلام إذ ليس بالسُّودان اليوم تلك الشخصيَّة وإن العتباني أبعد من يحدد أو يتحدث عن الشخصيَّة القوميَّة وعن الثقافة ومزاجها العام[1]. نقول هذا لأن القوميَّة والهويَّة - وتبعاً لذلك الثقافة - في أزمة (14) وذلك لأن الشخصيَّة السُّودانيَّة متصارعة في ذاتها بين العروبة والأفريقانيَّة بدلاً من أن تأخذ السُّوداناوية هوية لها. فمن السُّودانيين طائفة أخذها الغلو بالتطرَّف للعروبة ومنهم طائفة تبالغ في أفريقانيَّتها وهذا الشد العنيف بين الطائفتين أضاع السُّودان وهويته الحقيقيَّة أو التي يجب أن يكون عليها. فمثلاً علي إسماعيل العتباني تركي الاصل ولكن خلع هذه الجلبابة وإرتدى قميص العروبة والتي زيَّنها بزينة الإسلام الطاهر، أما قوميته السُّودانيَّة يعتبرها نافلة الفريضة و"حبة" عند اللزوم. فكنا نتوقع أن يعتز ويتفاخر بالسُّوداناوية ويدعو لها ولكن العجرفة والإستعلاء العرقي والديني منعاه من ذلك. وقد تأخذنا أحسن الظنون أن العتباني ما زال يساوره الحنين وذلك بتمجيد أسماء الجدود! وقد يأخذنا هذا الظن اليقين أن الإسمين "علي" و"إسماعيل" مرتبطان "بإسماعيل باشا" و"محمد علي باشا" التركي الألباني الجذور. (15) وأما عن المزاج الثقافي العام الذي يتساءل عنه العتباني فلنا في تأريخ السُّودان حدثاً فريداً حيث يؤرخ المؤرخون "السُّودانيون" أن قبيلة الشايقيَّة السُّودانيَّة أحرقت إسماعيل باشا بنارٍ حامية بعدما أقام "أعيان" القبيلة مأدبة عشاء ماكرة جلبوا لإسماعيل وجنده ما طاب للقوم من الخمر السكير. فهل هذا هو جانب من الثقافة التأريخيَّة العامة وما إرتبط به من المزاج الثقافي العام الذي يرمز له العتباني؟ إذا كان هو كذلك، فهذه الثقافة بالطبع لابد من فصلها عن الثقافة الإسلاميَّة الطاهرة والتي تدعو لتحريم السُكُر بالخمر المخمور!

يواصل العتباني تساؤله مستفهماً بسخرية متناهية قائلاً: "ألا يخاطب سلفا كير نفسه شعب الجَّنوب باللغة العربيَّة لإيصال رسائله إلاّ يتكلم كل السُّودانيين بالعربيَّة..."؟ نرد عليه ببساطة: نعم والاسباب كثيرة ذكرنا منها في مسألة التعريب والاسلمة عالية (راجع أيضاً  تعليقاً للدكتور تيه كُومارا كوبى على مقالٍ للدكتور حسن مكي إختار له، عن قصدٍ فاسد، عنواناً إستفزازيَّاً: القوميَّة السُّودانيَّة وعصبيات الهامش والشحن العرقي والجهوي). ومهما يكن من الأمر فإن من المفارقات أن أهل الشمال سموا لغتهم التي يتحدث بها أهلنا في الجَّنوب بعربي جوبا إستخفافاً وإستعلاء لُغوي على القوم رغم إجتهادهم لتعلُّم هذه الرُطانة التي نزلت أو تنزَّلت عليهم بقدرة قادرٍ في الخرطوم أثناء الحملة التعريبيَّة التي إجتاحت الجَّنوب بكل ما فيه من أحياءٍ وجمادات خاصة في عهد إبراهيم عبود. (16) فما إنطبق على الجَّنوب سبق وقعه كالصاعقة على كل الناطقين أصلاً بغير اللُّغة العربيَّة في السُّودان من أهل الشمال فأصبحوا يعمهون بعد إندثار لغاتهم الأفريقيَّة.  

 

و يقول أيضاً:  ".. ألم يتناول سلفا كير طعام رمضان مع المسلمين الجَّنوبيين..؟ ألم يدعو رئيس الجمهورية لافطار رمضان ومعه اعوانه من المسلمين والمسيحيين في منزله الجديد بحي المطار..؟ ألاّ يعني هذا ان الاسلام أصبح جزءاً من التراث الجَّنوبي...؟ أليس الإسلام يشكل جزءاً من تراث شرق افريقيا...؟  أليس اللغة السواحلية التي يتخاطب بها أهل يوغندا وكينيا وتنزانيا جزءاً من الثقافة الإسلاميَّة. الأسئلة الخمسة التي طرحها العتباني ليست مؤهلة وليس لها مكان من الإعراب كما أن الصياغة اللُّغوية والنحوية لبعضها مغلوطة! لذا جاءت إجابتنا عليها كلها بالنفي، وأنَّ هناك سؤالاً لم يسلم من المؤاخذة! أولاً إستغراب العتباني بأن سلفاكير تناول "طعام رمضان مع المسلمين الجَّنوبين مغرض وعنصري. فوجه الغرض فيه أنه حصر الحضور في "المسلمين الجَّنوبيين" لإثارة حفيظة المسلمين الشماليين بالتشكيك في أخوتهم الجَّنوبيين لأنهم تناولوا طعام رمضان مع "مسيحي". فلو كان هذا الإفطار مقصوراً على المسلمين الجَّنوبيين فقط ولم يكن بينهم مسلم واحد من "الشمال" – وهذا ما نشك فيه - لسمعنا أن مؤامرة عنصريَّة أفريقيَّة كانت تحاك لتقويض النظام الإسلاموعروبي بمنزل النائب الأول للرئيس.  ثانياً إن دعوة سلفاكير للرئيس للإفطار تعني أولاً وأخيراً تسامح التراث الإنساني الأفريقاني المتجسِّد في الأفارقة حتى مع الذين ظلموهم ويظلمونهم. أما جملة " ومعه اعوانه من المسلمين والمسيحيين في منزله الجديد بحي المطار...؟" فتعبير في حد ذاته غير لائق حيث تشتم منه رائحة نتنة لأن فيه:

(1) إستكثار أن يكون للنائب الأول منزل جديد في حي  المطار الراقي

(2) رسالة للجَّنوبيين تقول: أهو زولكم عمل ليهو بيت في أحسن مكان في الخرطوم من قروش البترول بتعاكم، أي بمعنى آخر أن رئيسكم "فاسد" فلقد إستحوذ على نصيبكم من عائدات بترول الجَّنوب ليبني به منزلاً فاخراً في أحسن أحياء الخرطوم! عار إن كان هذا هو القصد لأن الفساد المالي والإداري تزكم منها الأنوف على مدى حكم الإنقاذ والتي سكتت عنها أفواه وأقلام الأمراء وكتبتهم ليفلحوا في نبش عيوب الآخرين.

مهما تكن الأمور مخلوطة على العتباني أو إن لم يعلم، فإن الرئيس الأمريكي دعا المسلمين لتناول إفطار رمضان السنة الماضيَّة – بل يدعو سنويَّاً - في البيت الابيض، فالسؤال إذن: هل أصبح الإسلام جزءاً رئيساً من التراث الأمريكي مع العلم أن الرئيس المعني ينتمي إلى اليمين المسيحي؟ ثُمَّ لماذا لم يذكر لنا العتباني أن رئيس جمهورية السُّودان المسلم دعا نائبه الأول المسيحي و"أعوانه" المسيحيين والمسلمين من الجَّنوب والشمال لمأدبة الإفطار في بيته القديم أو الجديد أو في بيت الضيافة؟ أو أن أي مسؤول سُّوداني مسلم شمالي دعا سلفاكير و"حاشيته" لتناول طعام الإفطار معه ولو من باب المجاملة وكعرف إعتاد السُّودانيون فعله قبل زمن طويل؟ إن كان الرئيس أو أي مسلم شمالي قد فعل ذلك، جزاهم الله خيراً في سعيهم والعاقبة على من لم يبلغ ذلك حين يكتب بميول شخصي ناقص الحكمة واللباقة.

وفيما يختص بترديد كلمة "تراث" وجب الوقوف عند هذه الكلمة والعلاقة بينها وبين اللُّغة والثقافة حتى نبيِّن للعتبااني أي "حسن مكي قديم في ثوب جديد" ألا يستعمل الكلمات جزافاً. فكلمة تراث بحق وحقيقة "حمالة أوجه" مثلها مثل مفردات كثيرة في اللُّغة العربيَّة لهذا أساء الناس فهمها وإستعمالها كثيراً إلى ان وضعها فرانسوا ليبلانك (Francois LeBlanc) في تعريف دقيق نحسبه صحيحاً وحدد مستوياته، وهو أن التراث يعني "كل شيئ يود أي شخص على المستوي الفردي أو الجماعي المحافظة عليه ونقله من جيل لآخر. (17) إذن اللُّغة تراث، وبالتالي اللُّغة العربيَّة تُراث عربي يريد العرب المحافظة عليه وكما هو الحال بالنسبة للُّغات السُّودانيَّة وما يود أصحابها فعله بها وحيالها. وبما إن الإسلام عقيدة – وتراث حسب التعريف - وغالبيَّة أهل الجَّنوب لا يؤمنون بهذا المعتقد إذن لا يعنى تراثاً جَّنوبيَّاً، أو على الأقل لغالبيَّة الجَّنوبيين. ولا نلومنَّ الجَّنوبيين الذين لا يؤمنون بهذا التراث فكلنا يعرف ماذا فعل "الدبابون الجهاديون" في أرض الجَّنوب للمحافظة على تراثهم العربي والإسلامي! أما الحديث بأن اللُّغة السواحيليَّة جزءاً من الثقافة الإسلاميَّة مبتور وغير دقيق. كنا سنوافق "بعض" الشيئ إذا رمزالعتباني لهذه الّلُغة بأنها تراث وثقافة أفريقانيَّة/عربيَّة إذ أن أهل المناطق الساحليَّة لتلك البلاد إختلطوا بالعرب قبل الإسلام بقرون وإن اللُّغات تلاقحت كما تلاقح وتناكح النَّاس فولدت السواحليَّة ثُمَّ توغلت إلى الأدغال مع الإتجار في الناس ومع إنتشار الإسلام، فعلى هذا وذاك، نسأل العتباني ألا يخلط الأمور فالإسلام له دور وله رسالة سامية غير التي يبثها هو وغيره من دعاة التفخيم والتضليل المعرفي، وسنكتفي أو نختم هذا الجانب بإن الثقافة الإسلامية منبثقة من حزمة مكونات عدة (تقاليد وعادات محليَّة ..إلخ) جاء الإسلام ليخاطبها معالجةً وإصلاحاً.

 

الرئيس المسلم

ويستفسر العتباني بشيئ من المعرفة الجزئية: "ألم يحكم يوغندا رئيس مسلم.."؟ كان الاجدر بالعتباني أن يعرِّف الرئيس اليوغندي المسلم الذي يقصده للقراء. ولئن جنح لإخفاء كل الحقيقة سنكشف جزءاً منها لمصلحة الذين يحاول العتباني خداعهم بإعطائهم نصف الحقيقة. فالرئيس اليوغندي المسلم "المعروف" والذي يرمز له العتباني رمزاً كان هو عيدي أمين.  فمن هو هذا الرجل التأريخي المسلم الذي يتفاخر به العتباني؟ عيدي أمين – بإختصارٍ مفيد – إستولى على حكومة صديقه الحميم ميلتون أوبوتي في إنقلابٍ عسكري في العام 1971م وإستمرت قبضته الحديديَّة على مقاليد الأمور حتى العام 1979م. تجدر الإشارة أن الإستيلاء على السُّلطة بإنقلاب عسكري خيانة عظمى، ناهيك من أنها أتت من صديق "حميم". كيف بالله أن يخون المسلم أمانته وعهده الذي أدى عليه اليمين بالولاء؟ المهم في الأمر، جاءت نهاية حكم أمين عندما وصل إستبداده وطغيانه – كما هو الحال لدى الإنقلابيين الخونة - الى التدخل السافر في شئون تنزانيا الداخليَّة وإستفزازه للرئيس التنزاني الأسبق جليوس نايريري المسيحي فما كان من نايريري إلا إرسال جيشاً عرمرماً جراراً ليقتحم يوغندا وعاصمتها كمبالا ويسلِّم السُّلطة للمعارضة اليوغنديَّة وليفر عيدي أمين بجلده إلى ليبيا ولم يستطع أعوانه وأخوانه إعادته للحكم! عاش أمين في ليبيا – بعد ذاك الهروب - لمدة عشر سنوات ومن ثم رحل أو تم ترحيله أو طرده إلى المملكة العربيَّة السعوديَّة عندما إنتهت مهمته ودوره وأصبح عبئاً ثقيلاً ووبالاً إلى أن وفاته المنيَّة في أغسطس من العام 2003م. ولقد إتسمت فترة حكم عيدي أمين اليوغندي "المسلم" – مثله مثل النظام الإسلامي في السُّودان - بإنتهاكات حقوق الإنسان حيث قدر عدد ضحايا حكمه 500,000 شخصاً وقد أشرف هو شخصيَّاً على التخلص من بعض وزرائه. (18) وعلى المستوى الشخصي الخصوصي فقد كان عيدي أمين ميَّالاً للنساء وكان في عصمته في وقتٍ واحد سبعة زوجات "شرعيَّات" معروفات وكان يريح نفسه- أيضاً - بحضور كثيرٍ من صاحباتٍ لامساتٍ. (19) هذا العدد الكبير من النساء غير شرعي لأن الله سبحانه وتعالى رخَّص أن يكون العدد الشرعي أربعة على الأكثر ﴿ فانكحوا ما طاب لكم من النسآء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة﴾ (النسآء 4/3). لقد سُئل الإبن العاشر لعيدي أمين وإسمه جعفر عن صحة وحقيقة ما قيل في حق والده عن النساء. قال جعفر عيدي أمين "كان والدي لمولعٌ بالنساء حقاً وهذا من صميم التقاليد والتراث الأفريقي أو الافريقاني". (20) بتحليل الحقائق عالية نجد أن هناك تناقض بين هذه الشخصيَّة "المسلمة" التي يعتز بها العتباني وما يمليه عليه دينه وما تطالبه به عاداته الأفريقيَّة أو الأفريقانية.  فعيدي أمين حاول أن يضرب عصفورين بحجر، ولكنه أجرم جرماً عظيماً بمخالفته كتاب الله وشرعه جهاراً حيث جمع بين أكثر من أربعة زوجات شرعيَّات في آنٍ واحد وهذا عين شعث الفساد في الارض، وكما أنه أوفى بالتراث الأفريقاني.  فالسؤال الذي يفرض نفسه على العتباني ومن يخاطب عقولهم هو: أيهما أصح واصلح للمسلم طاعة وتنفيذ أوامر الله أم إتباع ما كان أباؤه - غير المسلمين - يعملون أو يفعلون؟ وهل من الإيمان والدين أو التدين في شيئ أن يفتخر العتباني بهذا الرئيس المسلم الذي يتعدى حدود الله؟

 

للتعليق بقيَّة...

 

أدناه ملحق الجزء الأول موضوع التعليق كما ورد في الموضوع الأصلي.

 

علي إسماعيل العتباني جريدة الرأي العام الالكترونية 2007/11/20 

 

تحت الأضواء

 

* حتى لا تصدق فيك مقولة راح فيها....!

* حوار مع سلفاكير ورسائل إلى دعاة الفتنة...

* ترنحت اتفاقية السلام لأن الخمر سيدة الموقف بالجَّنوب

* نخب حول سلفاكير تدين بولاء أعمى لأمريكا

* لماذا التطاول على البشير وما سر البكاء على المعارضة

 

من المعلوم ان المجتمع السُّودانى ..والنخب السُّودانيَّة شمالها وجنوبها كان حديثها في الايام الماضيات عن اسقاطات النائب الاول لرئيس الجمهورية سلفاكير في امريكا .. وانتهى كثير من السُّودانيين الى أنه كان يريد بها مجاراة رؤية النخبة الامريكية المتحكمة بلوبياتها...ويريد كسب الادارة الامريكية حتى يستعين بها على صراعه في الجَّنوب."

"ولعل الكثير ممن نعرفهم يقولون ان ما ذكره سلفاكير لا يمثل قناعاته ويدللون على ذلك بانه لم يحدث قط ان ردد مثل هذا الحديث في السنوات الثلاث الاخيرة مع القيادة السُّودانيَّة.. او مع الشعب الجَّنوبي ...ولذلك ربما تغير مزاجه عندما ذهب الى امريكا ووجد ان المزاج هناك مختلف، حيث وجد ان الرأي العام الامريكي مسمم ضده.. ووجد انه مقيم كمتردد وضعيف. ونحن نعلم ان امريكا اصبحت مهتمة بالمسألة الجَّنوبيَّة، لأنها دخلت على المزاج السياسي والانتخابي الامريكي...كما ان جماعات الضغط سواء اكان اللوبي الصهيوني.. او اللوبي الكنسي.. او الأسود..باتت تسمم الاجواء ضد السُّودان..ولذلك فان اي كلام ايجابي في هذا المزاج او الاشادة بالسُّودان او باتفاق السلام كان معناه (انتحاراً) لسلفاكير. ونحن لا نريد للقائد سلفاكير ان ينتحر في تلك الاجواء المسممة.. ولكن مع ذلك ناخذ بعض مضامين كلامه لنحاوره فيه.. ونقول له:

 

الأسلمة والتعريب

أولاً: ذكر ان ما يجري في السُّودان هو فقط تعريب وأسلمة.. ونسأله ببساطة هل يمكن فصل الشخصيَّة القوميَّة.. والمزاج الثقافي العام.. عن الثقافة الإسلاميَّة..؟.. ونسأله ببساطة هل يمكن فصل الشخصيَّة القوميَّة.. والمزاج الثقافي العام.. عن الثقافة الإسلاميَّة..؟ ألا يخاطب سلفا كير نفسه شعب الجَّنوب باللغة العربيَّة لإيصال رسائله إلاّ يتكلم كل السُّودانيين بالعربيَّة..؟...ألم يتناول سلفا كير طعام رمضان مع المسلمين الجَّنوبيين...؟ ألم يدعو رئيس الجمهورية لافطار رمضان ومعه اعوانه من المسلمين والمسيحيين في منزله الجديد بحي المطار..؟  ألاّ يعني هذا ان الاسلام أصبح جزءاً من التراث الجَّنوبي..؟..أليس الإسلام يشكل جزءاً من تراث شرق افريقيا..؟ أليس اللغة السواحلية التي يتخاطب بها أهل يوغندا وكينيا وتنزانيا جزءاً من الثقافة الإسلاميَّة؟ ألم يحكم يوغندا رئيس مسلم..؟

 

المراجع:

1- 20.  



[1]  الإسم العتباني ليس هو إسم جد "علي إسماعيل" بل يرجع أصله إلى لقب أحد جدوده نسبة لإمتهان الجد مهنة جباية ضرائب وعشور المنازل/المباني (أو العتب) أي ما يعرف حالياً بالعقارات. ففي العهد التركي – المصري كان ذوات الأصول التركيَّة يقومون بجمع الضرائب الباهظة التي فُرضت على النَّاس حتى كان دافعو الضرائب يقولون في العشاء وبعد يومٍ طويلٍ ومتعبٍ من أجل الحصول على ما يُدفعُ "للعتبااني": التُرُك ديل "أتعبونا". يعني لقد أتعبنا هؤلاء الأتراك! هكذا بنى هؤلاء القوم وغيرهم مملكاتهم الماليَّة ونفوذهم السُّلطوية.


© Copyright by SudaneseOnline.com


ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

أعلى الصفحة



الأخبار و الاراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات و تحليلات
  • تشارلز تيلور يكتب من لاهاي هاشم بانقا الريح*
  • تنامي ظاهرة اغتصاب الاطفال ...! بقلم / ايـليـــا أرومــي كــوكــو
  • مؤتمر تمويل التنمية/د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
  • بين مكي بلايل والعنصرية والحركة الشعبية /الطيب مصطفى
  • قالوا "تحت تحت" الميرغنى ماااااا "داير الوحدة"/عبد العزيز سليمان
  • الصراع الخفي بين إدارة السدود والمؤتمر الوطني (4-12) بقلم: محمد العامري
  • قواعد القانون الدولى المتعلق بحصانات رؤساء وقادة الدول/حماد وادى سند الكرتى
  • هل يصبح السيد مو ابراهيم حريرى السودان بقلم: المهندس /مطفى مكى
  • حسن ساتي و سيناريو الموت.. بقلم - ايـليـا أرومـي كـوكـو
  • الجدوي من تعديل حدود اقليم دارفور لصالح الشمالية/محمد ادم فاشر
  • صلاح قوش , اختراقات سياسية ودبلوماسية !!؟؟/حـــــــــاج علي
  • أبكيك حسن ساتي وأبكيك/جمال عنقرة
  • نظامنا التعليمي: الإستثمار في العقول أم في رأس المال؟!/مجتبى عرمان
  • صندوق إعادة بناء وتنمية شرق السودان .. إنعدام للشفافية وغياب للمحاسبة /محمد عبد الله سيد أحمد
  • )3 مفكرة القاهرة (/مصطفى عبد العزيز البطل
  • صاحب الإنتباهة ينفث حار أنفاسه علي باقان: الصادق حمدين
  • جامعة الخرطوم على موعد مع التاريخ/سليمان الأمين
  • ما المطلوب لإنجاح المبادرة القطرية !؟/ آدم خاطر
  • الجزء الخامس: لرواية للماضي ضحايا/ الأستاذ/ يعقوب آدم عبدالشافع
  • مبارك حسين والصادق الصديق الحلقة الأولى (1-3) /ثروت قاسم
  • ماذا كسبت دارفور من هذه الحرب اللعينة !!/آدم الهلباوى
  • الأجيال في السودان تصالح و وئام أم صراع و صدام؟؟؟ 1/2/الفاضل إحيمر/ أوتاوا
  • النمـرة غـلط !!/عبدالله علقم
  • العودة وحقها ومنظمة التحرير الفلسطينية بقلم نقولا ناصر*
  • المختصر الى الزواج المرتقب بين حركتى العدل والمساواة والحركة الشعبية لتحرير السودان /ادم على/هولندا
  • سوداني او امريكي؟ (1): واشنطن: محمد علي صالح
  • بحث في ظاهـرة الوقوقـة!/فيصل على سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر
  • سقوط المارد إلى الهاوية : الأزمة مستمرة : عزيز العرباوي-كاتب مغربي
  • قمة العشرين وترعة أبو عشرين ومقابر أخرى وسُخرية معاذ..!!/حـــــــــــاج علي
  • لهفي على جنوب السودان..!! مكي المغربي
  • تعليق على مقالات الدكتور امين حامد زين العابدين عن مشكلة ابيي/جبريل حسن احمد
  • طلاب دارفور... /خالد تارس
  • سوق المقل أ شهر أسواق الشايقية بقلم : محمدعثمان محمد.
  • الجزء الخامس لرواية: للماضي ضحايا الأستاذ/ يعقوب آدم عبدالشافع
  • صاحب الإنتباهة ينفث حار أنفاسه علي باقان أموم/ الصادق حمدين
  • رحم الله أمناء الأمة/محجوب التجاني
  • قصة قصيرة " قتل في الضاحية الغربية" بقلم: بقادى الحاج أحمد
  • وما أدراك ما الهرمجدون ؟! !/توفيق عبدا لرحيم منصور
  • الرائحة الكريهة للإستراتيجي بائتة وليست جديدة !!! /الأمين أوهاج – بورتسودان
  • المتسللون عبر الحدود والقادمون من الكهوف وتجار القوت ماشأنهم بطوكر /الامين أوهاج