رحلة الى جنينة اندوكا مع قافلة السلام والتنمية في ذكرى دروتي
(6) الشبان الخمس الطوال
قصة القافلة ، هي قصة التمرد ..هي قصة الثورة .. لدى كوكبة الشبان المشاركين فيها .. تعود القصة-و القرن العشرين ينوي المغادرة- إلى نحو خمس وعشرين يوما قبل دخول القافلة أبواب دار المعلم بمدينة الجنينة في في20 من شهر ماي99ف. . ففي 27 افريل من ذات العام . تم عقد لقاء مصغر بمبنى دار الحكم الاتحادي على شارع النيل بالخرطوم بالمقربة من قصر غردون الرئاسي . ضم اللقاء خمس شبان طوال القامة من جانب و من جانب اخر الجنرال النهري محمد مصطفى الدابي حاكم الولاية المكلف و الذي جاء الخرطوم خلال افريل في مهمة عاجلة برئاسة الدولة. وتراس هو الاجتماع المصغر. ونجح اللقاء واضاف.
عند الساعة العاشرة من صباح ذلك اليوم كان هواري محمود ، إبراهيم الوراق ، عصام موسى ، احمد أبوه ، وقابيل ادم في جلسة بقاعة صغيرة ملحقة بدار الحكم الاتحادي مع الجنرال النهري . الشبان الخمس الطوال يمثلون وفد طلبة الاقليم بالجامعات والمعاهد العليا ، ينوي الوفد المشاركة في ترتيبات الصلح القبلي المزمع اجراءه في الجنينة بعد شهر من ذلك التاريخ ، يطلبون ذلك من الجنرال راعي مؤتمر الصلح .
الجراءة في المبادرة هو ما ساعدهم في الترتيب للقاء. لساعة استغرقوها يفترض ان يناقشوا مشروع قافلة طلابية تنوي المشاركة في مؤتمر الصلح القبلي بين شعب المساليت والاعراب البدو . لكنها خرجت عن مسارها ثم عادت ؛ ويلح الفتيان الطوال بصفتهم أبناء إقليم دارفور ، وغالبهم من الولاية المنكوبة بضرورة تقدير موقفهم ومساعدتهم في الوصول والمشاركة .رغبة طلبة الجامعات في تقديم اعمال صفية تطوعية كانت تسكنهم . وعبروا عن رغبتهم الصادقة في مشاركة اهلهم ومساعدتهم في مواجهة الماساة الماثلة .كانت تحدهم رغبة حقيقية عارمة في الاقتراب ومتابعة سير الأحداث المؤسفة التي نقلتها وسائل الإعلام المحلية عن الحرب القبلية الطاحنة بين شعب المساليت وبعض بطون البدو السود في غرب دارفور ، وصورة حالة النازحين الماسوي في استاد الجنينة (الاسطبل).
كان قد رتب لهذا اللقاء المصغر فعليا ، عصام ، هواري ، و الوراق . الذين يسكنون معا وهم اصدقاء منذ الصغر بمدينة (اردا متى) الحي العسكري شرقي جنة المدائن شرقي المطار ، شمالي وادي (كجا). وعبر تنسيقية مقاطعة دارفور الغرب بالخرطوم تم التوصل إلى تحديد أجندة للاجتماع بالجنرال النهري من قبل الفتيان و مكان وزمان اللقاء ، وكانوا قد رسموا خريطة ذهنية تصور لهم اللقاء ونتائجه حسب الاجندة ، لكنهم لم يتصوروا ان يكون اللقاء درس عصر وطني تعيش في الذاكرة الى الابد .
الشبان الطوال الاول
يكون من اليسير الاستفادة من اللقاء ومما تمخض عنه وتبعاته ، وما يفيد لو القينا نظرة على صيغة تعارف الشبان الطوال اول مرة . وعناصر دوافعهم في المشاركة مؤتمر الصلح القبلي ، اللقاء الهب نهمهم ، وولد الرغبات العارمة لزيارة الجنينة . واضافة اجندة جديدة : دراسة المشكلة الحرب والتعرف على دارفور .
في ديسامبر عام 97 افرنجي ، بصحن كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم قدم (ياسر قرافي) وهو فتى طويل اللمة من الدناقلة سكان الاقليم الشمالي احمد ابوه الى ابن ادم قابيل في اطار عمل مشترك بينهم الثلاث تخص الجماعة الاسلامية الطلابية بالجامعة ، وكان قرافي ينوي ان يعرفهما للعمل بانسجام موفقين . وبالرغم من ان قابيل وابوه من اقليم دارفور غير انهما لم يسبق ان التقيا ، ولم يتعارفا فقد جمع بينهما الكلية في عامها ذه. وسرعان ما صارا مقربين جدا بفضل قرافي الذي يبتعد بعد ذا وتطورت صداقتهما الى ابعد مدى. ويغادر قرافي الى ما وراء الطبيعة لاحقا.
كان لا يراهم الناس الا معا . خلال العام قدم ابوه الى ابن ادم الفتيات الاربعة عضوات القافلة الطالبية الى غرب دارفور .والاربعة فقط من الاقاليم المهمشة بالكلية ، والاربعة هن : كندة بشائر، والانسة ابكر ، نضال ، والطالبة هبة الله الاغا ، وصفاء خاطر . وقدم ابوه ايضا الى قابيل الزملاء يوسف يوسف وقاسم جيجي . ولاحقا قدم ابوه الى ابن ادم الطالبة قبريال الما وهي الوحيدة من من اقصى الصعيد. وبدون مادموازيل قبريال الجميع من ابناء الهامش كانوا اعضاء القافلة .
و قام قابيل بدوره والذي كان كثير الصداقات بتقديم هواري محمود الى ابوه واخريين . صار السبعة مقربين بالكلية بينما سكن الثلاثة معا في سكن صار يعرف فيما بعد بالوحدة اربعة عشر(14) بدار الخرطوم السابق للطباعة والنشر تفضلت الزميلات الاربعة باستضافتهم في بيوت عوائلهن وافري الكرم رغم عسر الحال نهايات الاسبوع و مواسم الرمضان والاعياد اذ انهم شبه اجانب في مدينة لم تتعرف عليهم وهي عاصمة بلادهم . ولم يتعرفوا عليها ، وهم ضيوفها بل في وضعية الطلبة الوافدين ريثما يعودوا الى بلادهم غرب السودان .
ولهواري صديقين هما الوراق وعصام .وهكذا ربط هواري بين صديقيه في اليمين بصديقيه في اليسار .وجاءت فكرة القافلة من خلال النقاش الثر الواعي بين الزملاء عن حالة الهامش السوداني وبساطة طلباته . وبدات فكرة القافلة العجيبة الى الجنينة ، كانت لافكار هواري ونشاط عصام تصورات قابيل اثر كبير .
ثلاثة من الفتيان الطوال كانوا بالسنة الثانية بكلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم ، عدا الوراق ، وعصام ، فقد كان الأول يدرس القانون بالجامعة الأهلية . وباستحضار جزء من روية الدكتور ابكر ادم اسماعيل في بعث صورة الغرابة في دخول المدينة على حين غفلة ،يكون قد مضى على الثلاثة الطوال عامان بالتمام في المدينة التي دخلوها على حين غفلة من أهلها وغفلة منهم . ولم يتبين الكثير من معالم المدن الثلاثة حول الخرطوم وخفاياها وما تحت الثرى للثلاثة الا حين دنو من اجل المغادرة منها للوطن اول مرة على ظهر قافلة الجنينة الطلابية .
ولاسيما قابيل الذي لم يمضي له بالمدينة حتى عام واحد ، قروي موغلا في البداوة والسذاجة يصف نفسه . يذكر انه دخلها ماشيا على قدميه من أدغال الجنوب، فقد كان اسيرا لدى الجيش الشعبي ابان مشاركته عمليات عسكرية ، اذ هو كان يتبع للدفاع الشعبي (للمجاهدين) . وانهم اسندوا اليه رئاسة القافلة مع ذلك .
الشبان الطوال قرويين غرابة إلى عمق بعيد بكل صفاتهم. ويكون ممكنا لمثل هؤلاء الفتيان أن يسوى منهم أي شي فما يزالون عجينا كالطين في يد الصبيان يتعلمون وتتفتح مداركهم على الحياة بهذه المدينة.
بالانسة قبريال يبلغ طلبة كلية الاقتصاد في تلك الدورة ذلك العام من الهامش السوداني 27 فردا في دفعة تضم 380 طالبا بالتقريب .
بالطبع كانوا مقربين جدا لبعضهم وكان الثلاثة في صفوف "الجماعة الاسلامية الطلابية " الداعمة للنظام الحاكم وتاتي هذه القافلة ودروسها لتضد حدا تنظيما وفكريا بشكل ابدي لهم في المنظمة الاسلامية بعد سنة وثمانية اشهر كانو فيها ضيوفا . و بينما الاخرين بين بين ، كان الوراق وعصام يساريا . وكان النقاش مفتوحا بينهم بحرية لا يدارى ، مسكونون بالهم العام حتى الثمالة ، ومهمومون بتقديم عمل يغير الواقع الحالي باي ثمن .
ورغم رخوة المفاهيم والافكار تزيد النشوة للحديث حوارا منطقيا جيدا وبناء لقضايا الهامش . ويحتد حلقة النقاش بالوحدة (اربعة عشر) كلما عادوا من الكلية وتزداد عدد رواد الحلقة حتى ضم الدفعة المهمشة بالتقريب في نهاية عمر البكلوريا التي حصلوا عليها.
الجنرال النهري والفتيان
كانوا قد ناقشوا افكار متعددة قبل لقاء الجنرال الدابي ، ضمنها اي شخص هو ؟ وهل من الممكن ان ينجح اللقاء في السماح لهم بالمشاركة الطلابية؟ . كان الجنرال الدابي عضوا مميزا في المؤسسة الاستعمارية الجلابية فيما سيعكس فيما بعد للشبان الطوال ، وتمكن من ان يعكس صفاتها عبره وفلسفتها الوطنية في اطار من خطب رنانة. وعكس في سرده السلس المطول تخلف بعض أبنائها فيما يخص المسالة في إقليم دارفور بصفة دارفور مجتمع عريق في العلاقات الإنسانية الاجتماعية ضارب في القدم بعكس مجتمعات كثيرة مثل النهر الذي قدم منها الجنرال.
وبعد افتتاحيته للجلسة بسؤال ظل عالقا في أذهان الفتيان الخمس إلى الساعة تاخذ طريقها نحو التطور لفهم جوهر الازمةو السودانية . تحدث الجنرال الدابي عن ثلاثة مواضيع خلال اللقاء ، ولم تكن أي من تلك الثلاث ضمن أجندة اللقاء المرتب له سلفا.
يسال الجنرال جلسائه الخمس بحذر عن القبائل التي ينتمون إليها : (كل واحد يقول اسمه لي واسم قبيلته أولا ) يسال يجيبون . ( طيب ما في حد منكم من المساليت او العرب؟ ) اي طرفي الصراع . يستنتج . يعني لم يكن بين الخمسة احد من شعب المساليت أو العربان السود المتحاربين كما كان يتوقع. يجيبون بايجاب. ( اكون معكم صريح انا لا اساعد اي طرف ضد الاخر ) يضيف.
كان الخمس من إقليم غرب السودان عامة الأعراق والنية والتكوين . فهواري محمود موزع بين دارفور و كردفان ، وعصام بين غربي الإقليم وجنوبه ، وإبراهيم الوراق موزع بين الإقليم الأوسط وإقليم دارفور،اما احمد أبوه متمدد من غرب جبال مرة إلى غربي أم المدائن بشمال الإقليم ، وقابيل كلما قال من بلدة في الغرب السوداني أتت أخرى بحجتها عليه ،كما يقول ، فالقضارف موطنه .
غير ان الخمس يصدمون بالسؤال المفاجئ .ولاول مرة يتعرفون على انفسهم بالقبائلية أو يذكرونها لأول مرة في حضرة البعض. وطوال تعارفهم لم يعرف احد عن الاخر قبيلته . في دواخلهم يتساءلون عن أهمية ذكرالقبيلة بالنسبة لمشروع الحل في أزمة غرب الإقليم. فيما بعد يتوصلون الى نقطة مهمة تجعلهم يبداون في تغير افكارهم جزريا وكان ذلك نهاية العام الثاني لهم بالجامعة .
ندوة منهجية الدولة
النقاط الثلاثة محور حديث الجنرال الدابي فقد كانت : عن التخلف الاقتصادي والاجتماعي الذي يضرب القرويين من ابناء دارفور نموذج قرى غرب دارفور وتحدث بصدق ناقلا الحقيقة :أولا .ورصد بدقة الفشل وسؤ تصرف وانتهازية الغربة الكبار اعضاء الاحزاب والاكاديمين واتباع النظام الحاكم (الافندية): ثانيا . عن نفسه بصفته النموذج الذي يجب الاهتداء به ،وبتصرفاته لحل ازمة اهل درفور وتجاوز الافندية وهو لا يريد جزاء ولا شكورا : ثالثا.
الغرابة الدارفوريين في الولاية كما شاهدهم في قراهم يعيشون حياة اجتماعية قاسية يحكياها (أهلكم: آباءكم و امهاتكم وإخوانك وأخواتكم حياتهم الاجتماعية سيئة للغاية : وسيكون أبناءكم على النحو إن لم تدركوا أهمية ما تقومون به ، وانا انصحكم وما اقوم به هو لصالحهم) يعبر عن ذلك بدهشة . ثم افاض في وصف فشل أبناء إقليم دارفور الكبار في إدارة الأزمة وقيادة شعبهم نحو تغير ظروفهم المعيشية والاقتصادية عبر الاحزاب التي انضموا اليها او عبر مشاركتهم في الدولة موظفيها مدنيين وعسكريين ، وختم بقوله (لا فائدة من ابناء اقليم دارفور) (الافندية) .
وكان الجنرال قد نجح في تجاهل موضوع اللقاء الاساسي براي الشبان :الاهمية والكيفية في مشاركة قافلة من طلبة الاقليم بالجامعات والمعاهد العليا في مؤتمر الصلح وما بعده وحول اللقاء الى ندوة مصغرة لم يسمح لاي من الشبان الطوال بالمشاركة في النقاش ، القى درسا مهما ونجح الجنرال في إبراز نفسه النموذج للشخصية التي إذا ما اقتدى به الفتيان الهامشين كالخمس أمامه في بيئات متخلفة امامه كدارفور سينجحون جدا في تغير الظروف الاقتصادية وسط اهلهم . ونقل الجنرال صورة تقريبة عن قادة ابناء اقليم دارفور المشاركين في هذا النظام والانظمة السابقة ضاربا المثل بغريمه الاستاذ إبراهيم يحي الحاكم المدني المعزول او المجمد صلاحياته والموصوف لديه بالفاشل الاكبر من أبناء إقليم دارفور على حسب وصفه .النموذج الاسؤ في دوره وسط مجتمع شعبه.
ولكن الجنرال النهري نجح أيضا في عكس صورة تعزز حالة نمطية حركت في عقول الشبان شيئا مهما هو أن الإنسان الشمالي في شخصه كاملا وكذالك يضرب المثل بكمالية رئيسه المارشال البشير ونائبه على طه والبراقدير الطيب خير الذي سيرأس مجلس الصلح القبلي بجنة المدائن بعد . وما سواهم لا يتمتعون بصفات الكفاءة والاقتدار في هذه الدولة. ولا يرتقون الى درجة ان يذكروا الجلابة الشماليين سلالة الالهية ومساهمين فاعليين في الشان العام. ولربما مثل روايته تكررت طوال السنوات الخمسين مع هامششن صغار مثل الخمس بوجود جلابي اخر مثله . وهذه الطريقة التي حكموا بها البلاد .
تعلم الفتيان الطوال دروسا جيدة من الجنرال النهري في اللقاء الذي تراسه بين الشبان الطول . استنتج ان التميز والتعامل على أساس العرق تفسير مؤسسة الجلابة للصراع في كل الأقاليم السودانية ولا سيما في اقليم دارفور.لا يحسب الفرد برايه وفكره بل بانتمائه الاثني. و لا دور للعرق في الحل إذا كانت هي المشكلة لكنها العصاة السحرية التي تتحكم بها الدولة على مستعمراتها في الأقاليم الخمس و دارفور الاقليم الماثل.
غدا نعود
منعم سليمان
مركز دراسات السودان المعاصر
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة