قناة الشروق : نسخة معـدلة وراثياً من الفضائية السودانية
1
عندما بشرت فضائية الشروق بنهج ٍ جديد فى المجال الإعلامي السوداني ومن خلفها هذه المقدرة المالية المهولة التى لم تسبقها إليها معظم الفضائيات العربية ناهيك عن القنوات السودانية ، إبتداءً من التلفزيون المفترض أن يكون قومياً ومروراً بالنيل الأزرق وهارمونى وقطوف وبالتاكيد ليس إنتهاءً بقناة زول التى يردد أهلوها أنها " ما بتنسى زول " .
فقد ظن الجميع أن هناك نواة جديدة قد نبتت فى عالم الإعلام السوداني وربما العربي نسبة للمعدات والإستديوهات الحديثة فى دبى من ناحية ولإنضمام كوادر هندسية وإعلامية من دول عربية أخرى لأسرة القناة من ناحية ثانية ، فقد إنتظر الجميع لحظة الإنطلاق بترقب شديد حتى ظهرت فى بثها الذى تقول إنه تجريبي فى الأول من ديسمبر 2007 م ولم تكتب فى زاوية من زواياها كلمتي " بث تجريبي " كما تفعل القنوات الوليدة عادةً ثم تزيل ذلك بمجرد أن كل شيء قد تم أو يسير على ما يرام ، لكنها جعلت كلمتي بث تجريبي مثل الإعلانات الترويجية للبرامج مما يجعل المشاهد لا يدرى بالضبط لحظة البث الرسمي المعتمد .
فقناة الشروق ورغم إمكاناتها الضخمة والحشد والبذخ الذى يبدو عليها إلا أنها ظهرت كنسخة متطورة من الفضائية السودانية التى تحاول جاهدة هي الأخرى أن تتدارك نفسها وتزيل وصمة التدهور التى وقعت فيها بطريقة ٍ تقدمية ، فبالإضافة لنشرات الأخبار الرئيسة وموجزاتها فإن لدى الفضائية السودانية برامج أخرى تعتبر جيدة فى نسختها الأصلية وكل الذى فعلته فضائية الشروق هنا أنها تحاول أن تقدم الكثير من برامج الفضائية السودانية بإبهار ، مثلها مثل المطربين أو الفنانين الجدد على الساحة الغنائية السودانية وهم يقدمون الغناء القديم بطريقة العولمة ، ومن هذه البرامج التى تدل على أنهما يتسابقان ليصبحا ضرتان الآتى :
الفضائية السودانية تقدم ( الخط الساخن ، ساعة شباب ، البيت السعيد ، ليالى النغم ، عرض المساء ) وفى المقابل تأتينا الشروق ( بحوار على نار ، أوراق شبابية ، بيت الهنا ، سهرة سودانى أو سودانى ، السودان هذا المساء ) ولكن أغرب الغرائب ما فعلته القناتان فى العيد إذ قدمت الأولى سهرة للمطرب ( ترباس ) وأصرت الثانية أيضاً على أن تقدم نفس المطرب ولكن بإسم ( كمال ترباس ) وهذا التطابق فى البرامج بين القناتين سواءً فى الإسم أو المضمون مُخِـلْ على الأقل فى وجهة نظرى ، لأن التطابق بهذه الصورة قد يكون مقبولاً فى الأخبار العادية والعاجلة كالسبق الخبري أو الأفلام والمسلسلات وتوم آند جيرى .
قناة الشروق " والحق يقال " قد دخلت بكاميراتها الرقمية إلى أماكن وصلت إلى بعضها الفضائية السودانية على إستحياء ، ولكن قبل البث الرسمي يجب أن تعيد القناة النظر فى بعض البرامج التى لم تكن بالمستوى الذى بشرت به أو على الأقل الذى إنتظره المشاهد و ( بدل تجيبو محمد موسى واللابرنامج المسمى الشروق مرت من هنا ) أو " الشروق شربت شاى هناك " ومن ثم توزيع هذه الأموال أو الهدايا بهذه الطريقة العشوائية التى لا تنم إلا على عدم القدرة على خلق برنامج قوي ومؤسس جيداً للإستمرار وليس للإستهلاك الساذج لشراء المشاهد بالحظ الناقص والمبتور ، لأن الذين يجيبون على الأسئلة عادة ماتكون إجاباتهم ناقصة بنسبة خمس وسبعين فى المائة ولا تؤهلهم لنيل الجائزة المرصودة ولكن " محمد موسى " كثيراً ما يصر على التغطية الشاملة للإخفاق والفشل فى عدم وجود إجابة مكتملة بالمرور لأكثر من شخص حتى يجد الأقرب للإجابة المفترضة ويرمم ذلك بالنكات المستهلكة والتى إنتهت مدة صلاحيتها تماماً ، فبدل كل هذه الزوبعة فى الشوارع والأسواق كان من الممكن أن يكون البرنامج ضمن برنامج آخر فى إستديوهات مهيأة ومجهزة كما تفعل الفضائيات المتمكنة والواثقة فى نفسها وكوادرها ، إذ ليس هناك عذر لفضائية الشروق بالطبع من حيث التمويل الذى هو عصب العمل الإعلامي خاصة فى بداياته .
مثل هذه البرامج لا تُعمر طويلاً لأن أهدفها ملتوية من ناحية المادة المقدمة مما يظهر مقدمها والقناة فى صورة أن هناك أموالاً " هامله " ولا يدرى القائمون عليها أين تُصرف أو لمن تُعطى مع أن أطفال مركز المايقوما ومرضى الملاريا ورسوم الدراسة لبعض الطلاب " ما تديك الدرب " أما إذا أرادت القناة أن توزع الأموال بطريقة " شختك بختك " هذه فوزعوها دون أسئلة أفضل .
وبالنسبة لمقدمة برنامج بيت الهنا " إيمان بركية " وما أدراك ما إيمان بركية فقد حيرتنى ، وربما حيرت كثرٌ غيرى ، فلا أدرى هل هي تريد نقل العادات والتقاليد ، طريقة العيش ، إعداد الطعام ، تشذيب الأشجار والأزهار ، الإعتناء بالحدائق ، تربية الأطفال ، مناقشة أفلام الخطوبة ، توزيع تركة الأزواج ، وشرب الشاى والقهوة فى حديقة المنزل الخلفية من دول عربية كالأردن ولبنان وسوريا وقريباً مصر والبحرين والجزائر إلى السودان ليتعلموا الطرق والأساليب الحديثة واللفتات البارعة واللمسات الرقيقة فى بلد ٍ يزحف نصف شعبه تقريباً لتناول وجبتين فى اليوم بدلاً عن خمس ؟!! فى إعتقادى أن مقدمة برنامج " بيت الهنا " لم يتبق لها إلا التحدث بلكنات تلك الدول وأن تستبعد القلة القليلة من السودانيين الذين إستضافتهم على مضض ، وتستبدل ثوبها السوداني وتزيل " دقة الحنة " حتى يكون البرنامج موجه إلى شعوب تلك الدول ، والسؤال الذى يطرح نفسه هل هي سياسة القناة الخلفية أم أنه تعاطف بركي محض ؟
لأن إستمرار بركية فى هذا النهج سيفضى بها أو بالقناة إلى أزمتين ، إحداهما أن تفقد المشاهد العربي بطريقة ٍ سودانية لأن مثل هذه البرامج تقدم لهم فى قنواتهم بطرق أكثر جاذبية مع وجود أرقام هواتف مباشرة للإستفسار وطرح الأسئلة " والذى منو " أو تصل للأزمة الثانية وهى أن تفقد المشاهد السوداني بطريقة عربية ، والسبب أن ما تقدمه لا يمت بصلة لشريحة كبيرة من المتتبع والمشاهد السوداني .
2
وفيما يختص " بنسرين سوركتى ، حقيقة إن طلتها مبهرة بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، ضف إلى ذلك أنها " تبحلق فى حلقوم عين الواحد لحدى ما تكسر عينو " وتتركه لا حول له ولا قوة ليقول بعدها كل الذى تريده طائعاً مختارا ولكن ليس لأكثر من خمس أو عشر دقائق ، أما برنامجها فن وسياسة فهو جيد إذا وجد المناخ الملائم له للإستمرار والتطور فى طريقة العرض ولكن برنامج " سودانى " الذى يجب أن يكون سهرة سودانى لأن البرنامج نفسه يقول " كده " فلا يختلف عن ليالي النغم الذى تقدمة الفضائية السودانية سوى فى الهدايا التى توزع فى نهاية المطاف لحاجة فى نفس القناة ، ونسرين من ناحية التقديم جيدة وهي ملمة بقدر معقول بمن تستضيفهم ولها القدرة على المتابعة اللزجة والمحاصرة الرهيبة وهي أيضاً حاضرة البديهة ولكنها أحياناً تعانى من مشكلة القفز فى الأسئلة وعدم تسلسلها وتوقيتها وإعتراض الضيوف مما يجعل إجاباتهم مبتورة أو غير مكتملة ومشكلتها الثانية هي الكلام الكثير لحد الثرثرة مما يؤثر سلباً على نشوة الحضور ويفقدهم لذة الإستمتاع بالغناء مما يساعد بدوره على الزحف المقدس للنعاس بعد الملل .
أما المذيع ومقدم البرامج " الطيب عبدالماجد " ورغم الهالة التى تسبقه أينما حل إلا أنه قد يفشل بإمتياز فى الشروق إذا لم يجد برنامجاً حقيقياً يقدمه لوحده بدل التضارب والإرتباك حتى فى الإيقاع بينه وبين " سلمى سيد " وهبه الغمراوي " فى برنامج التحقيق الذى أظهرهم متنافرين وغير قادرين على التنسيق فى طرح الأسئلة والمداخلات أمام المشاهد ومعتمد أم درمان " دكتور الفاتح عزالدين " وهذا طبيعي لأن لكل منهم أسلوبه وطريقته فى التقديم والطرح ولا يصح هنا أبداً أن يصبح الطيب عبدالماجد " ألفه " فى برنامج تلفزيوني .
والبرنامج فى صورته الحالية هذه " أي التى يقدمها ثلاثة رؤساء " فى حين أن المثل يقول " رئيسين غرّقو المركب " يُظهر القناة كأنها إختارت مجموعة إعلاميين يقدمون برامج متشابهة أو كأنها لم تستطع أن تخلق برامج جديدة لتستوعب من أتت بهم من أقاصى الأرض وأطراف السماء للعمل فى أروقتها ، مما يدل على أن هناك خلل واضح فى شغل الوظائف " التعيينات " وإن كان لابد من أن يشتركوا فى تقديم برنامج التحقيق هذا وأعنى " الطيب ــ سلمى ــ هبه " فليكن ولكن كلٌ على حدا .
ومن البرامج الجيدة للقناة " كاميرا الشروق " الذى تألقت فيه سلمى التى أعتقد أنها ستنجح بإمتياز فى البرامج السياسية الحوارية لجرأتها التلقائية ويجب عليها أن تتعلم المكر أيضاً فى طريقة الأسئلة ، وكذلك برنامج " هموم وأحلام " ومقدمته المتميزة رانيا .
لا أدرى لـِمَ لَمْ تغر ِ الشروق وتوظف " عادل فارس " فى إستديوهاتها بدبي ؟ وتفعل ذلك أيضاً مع مراسلها " جمال الدين على " وإسماعيل تيسو " من كردفان ، أليس ذلك ترسيخاً للوحدة والسلام التى تروج لهما ؟ أو فلتتكرم وتسبق الجميع " لكلثوم دارفور " وتأتى بها لدبي أيضاً أسوة ً بموظفيها وموظفاتها العرب لتطل علينا مثلهم بعد أن رفضت ذلك جميع الفضائيات العربية بما فيها الجزيرة والعربية .
لقد أتيحت لقناة الشروق فرصة التميز ، إلا أنها من حيث تدرى أو لا تدرى قد تفلتها خلف الماكياج الذى يُظهر الضيوف عند تسليط الضوء المباشر عليهم كأشخأص يعملون فى مصنع دقيق " طاحونه " ثم ذهبوا وجلسوا فى كافتيريا على النيل لشرب المثلجات ، وكله بفضل مهندسة الماكياج " أريج " الذى سبقتها إلى ذلك وجربته الفضائية السودانية فجعلت من ضيوفها مهزلة ، فترى الواحد منهم يدخل مبنى القناة فى كامل وعيه وإسمه " يوسف عبدالمتعال " مثلاً ويخرج منها " عوض عبداللطيف الفرّار " وقد لايعرفه أهل بيته إذا عاد إليهم دون أن يزيل ما علق به من معادلات .
قناة الشروق فى بثها التجريبي الذى ظهرت به تحتاج إلى الكثير الذى يهم المواطن وأولها البرامج الحوارية المباشرة التى يشارك فيها المشاهد بالأسئلة والإستفسارات وليس البرامج التسجيلية التى " تُمنتج " أكثر من مرة لإخفاء ما سينكشف من عورات الحكومة الإنقاذية ومنتسبيها .
نحن نتابع الشروق وننتظرها حتى تذهب لمعسكرات دارفور وتعكس المأساة التى يعيشها سكان المخيمات هناك ، وأن تجرى لقاءات مع حملة السلاح فى المنطقة أيضاً وتطرح مشكلتهم وتترك الحكم للشعب المغيب عما يدور حوله ، وأن تحقق " هبه الغمراوي " فى مجزرة اللاجئين السودانيين فى ميدان مصطفى محمود بالقاهرة وهذا أقل ما تقدمه لشعب جنوب الوادى ، وألا تتجاهل القناة أو تقفز فوق مجزرة بورتسودان وسد كجبار أيضاً ، وتحقق على الأقل أو تلقى الضوء كذلك على الأسئلة التى " تزن " فى الرؤوس والخواطر عن ملابسات إعدام شهداء رمضان وأين دفنوا ؟ ولماذا تم الإعدام فى رمضان أصلاً ؟ وألا تنسى أيضاً الأمراض التى تفتك بالناس فى كردفان والشرق ثم تُعرّج إلى مسألة الفساد وتسأل فى إلحاح من أين لك هذا ؟ وعندها فقط نعلم أن الشروق قد كذب المنجمون فيها ولو صدقوا .
عبدالماجد موسى / بريطانيا