نقلاً عن جريدة الرأي العام

مع أطيب تحياتي

قصة الدكتور كامل ادريس

بقلم : عمار محجوب الحسين

إذا إنهم سمعت أن (عمار): مدير شركة كبرى، ماهى أول وأهم معلومة تود معرفتها؟! سن وعمر (عمار)؟! أم يا ترى معلومة كيف يُدير هذه الشركة؟ أهى شركة ناجحة؟ أم تعانى من الأزمات والصعاب المزمنة؟!.

ترك أصحاب النفوذ من دول الشمال الغنى أوثق التقارير التى تعكس عملاً كبيراً أصاب كل الأهداف ورسخها،وخطة طموح لعامين قادمين تكمل ما بُدئ في السنوات العشر الماضية من فترة رئاسة الدكتور كامل إدريس المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية وتجادلوا وإفترقوا ثم إجتمعوا وقرروا أن يتركوا كل التقارير المبشرة وينتبهوا إلى تقارير أخرى قذرة الغرض منها التشكك في نزاهة الدكتور كامل..

خرجت تقارير فجأة قبل وأثناء الجمعية العمومية لـ (WIPO) في سبتمبر الماضى،مجهولة المصدر يستحى أصحابها من الجهر بهوياتهم، تحاول أن تشكك في تاريخ دكتور كامل المهني..وتشوش على فعاليات الجمعية العمومية.

وإدعت تلك التقارير أن الدكتور كذب بشأن عمره الحقيقي عندما تقدم للعمل في لــ (WIPO) في ديسمبر 1982م بإعتبار أنه من مواليد 1945م بدلاً من 1954م وهو تاريخ الميلاد الحقيقي..نحن لا نود أن نخوض في ممن الخطأ هذا،مع العلم أن دكتور كامل هو من لفت الإنتباه الى أن هناك خطأ في كتابة تاريخ عمره وأن هذا الخطأ لم يستفد منه بأى حال من الأحوال، بل قال رئيس قسم المستحقات في صندوق الامم المتحدة المشترك في خطاب رسمي ان المدير العام لـ ( (WIPo، سيخسر بهذا التعديل كثيرا من مستحقاته التقاعدية .. المهم في الأمر أن عملاً كبيراً وجهداً جهيداً يقوده رجل سوداني صاحب مهنية عالية إستطاع أن ينقل الــ WIPO)) نقلة كبيرة واتسعت دائرة الإهتمام بالملكية الفكرية شمالاً وجنوباً،فأصبحت أكثر من (90%) من ميزانية الــ (WIPO) هى من موارد المنظمة الذاتية..وإستفادت دول الجنوب الفقيرة في عهده من برامج التنمية التى وجهت إليها حتى عندما تم ترشيح دكتور كامل لفترة جديدة في عام 2003م تم إنتخابه بشبه اجماع، وقال أحد مندوبي الدول الأفريقية عندما نشأت الأزمة الأخيرة إن كامل فك أسر الــ WIPO)) من نادٍ لدول الشمال الغنية إلى منظمة عالمية بمعنى الكلمة هدفها التنمية.

إن إستهداف د.كامل من قبل المندوب الأمريكي وأتباعه هو نموذج لاستهداف ومضايقة دول العالم الثالث في تطورها ونمائها الذي هو في المقام الاول مربوط باستقلالها.. فكامل لم يخضع للضغوط الامريكية التى تدعو لخفض رسوم البراءات بنسبة (15%) في الخطة الجديدة، ولم يخضع للتذمر القوى تجاه الصرف بسخاء على برامج التنمية في الجنوب الفقير،ولم يستسلم للغضب المستعلي للكبار تجاه تطويق حضارة وتراث (الصغار) الثرية بقوانين الملكية الفكرية حماية لها من الطامعين وسارقي التاريخ . خرج د.كامل بريئاً من كل لجان التدقيق والتحقيق التى تبحث عن هفوات أو أخطاء كامل المفترضة، في سياق حملة منظمة ضارية بدأت قبل بضع سنين، هل تصدق ان لجان التحقيق والتدقيق والمراجعة التي زارت المنظمة أكثر من خمسه لجان في عامين فقط؟! والنتيجة واحدة وثابتة، لم يجدوا سوى مهنية ونزاهة يشهد بها كل الطاقم العامل في الــ(WIPO)، فكامل ضاعف إيرادات الم0نظمة خمسة أضعاف مما كانت عليه في نوفمبر 1997م..

ستمثل إستقالة د.كامل، إن انتهى الامر اليها صدمة كبيرة لدول العالم الثالث فهى لم تدخر جهداً في الوقوف بقوة خلف برامج د.كامل وذلك من خلال التصويت لها في الجمعية العمومية بل والمنافحة في أكثر الأوقات عن شخصية ومهنية د.كامل.

فهذه الإستقالة ستؤكد أن الدول الغنية عازمة على ترك الفجوة التى بينها وبين الدول الفقيرة كما هى بل وزيادتها إتساعاً وعمقاً، وطرح هذه الدول أمامهم أرضاً والركض عليها بأرجلهم..

قال لى أحدهم في هذا الشأن..((إن الخواجات ما بيلعبوا وجنهم وجن الكذب)).. قلت له وهل السياسات التى تحكم العالم الآن إلا كذباً وتحريّاً له،كذب بوش ومعه بلير بشأن أسلحة العراق المزعومة، فاداروا افتك حرب واعظم فتنة على ارض الرافدين، وكذب قبلهم كلينتون بشأن عشيقته في البيت الأبيض، الكذب لا يثبت بالظن والحيثيات الضعيفة والركيكة، لاسيما ان الشخصية المفترى عليها لها تاريخ ناصع ونظيف .. نحن بأى حال لا ندافع عن الكذب الذى د.كامل منه براء، بل الكذب عندهم له مكيالان .. وعلينا ايضا أن نفهم أن ذلك جزء من معركة بين الكبار والأشبال،معركة للترويض لمن يخرج عن الطريق ويشذ عن الطوق..ونفهم أن ذلك ما هو إلاّ كيد ودسائس..وعلى الذين يسألون «في وسط الخرطوم» ما الذى جعل كامل السوداني الجنسية على رأس أكبر منظمة تابعة للأمم المتحدة؟! وما الذى جعل الولايات المتحدة ترضى به؟!..عليهم أن يسألوا انفسهم إن لم يقتنعوا بخبرة د.كامل منذ العام 1982م في الــــ (WIPO) وإمكانياته الإدارية المتميزة عليهم أن يسألوا بنفس القدر، ما الذى أغضب الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى الآن منه؟! على السودانيين ان يقفوا مع سفارة سودانية رفيعة مثلها الدكتور كامل أكثر من عشرة اعوام بأفضل ما يكون، هذا يطالب وزارة الخارجية بدور مساند له، فعدم وجود سفير السودان بجنيف في جلسات الجمعية العمومية الاخيرة في سبتمبر الماضي ، اثار استغراب الوفود الاخرى والقى بظلاله الكثيفة بشأن الموقف الرسمي للحكومة، وعكس انطباعا انها زاهدة في وجود مواطنها على رأس أكبر منظمات الامم المتحدة .

عندما التقيت بالدكتور كامل في خريف هذا العام في السودان ، كان كعادته مرتب الافكار منظم الرؤى، متفائلاً، طموحه ان يجد السودان حظه من التنمية في مجال الملكية الفكرية التي اصبح يقاس مؤشر تقدم التنمية وسط الشعوب بمدى اهتمامها بها، فالصين مثلا في غضون الأشهر الستة الاولى من السنة سجلت ما يزيد عن الستين الفا من براءات الاختراع، وفي المقابل احصائية السودان في العام الماضي كله تزيد عن الالف بقليل، ليس ببعيد علينا ان نتفائل للسودان، فقط نحتاج لوسائل جادة توصل الافكار المبدعة الى شهادة البراءة ومن ثم الى السوق للتنافس .

أخي د.كامل: لا تستقيل،فإستقالتك هى إستقالة طموح وآمال شعوب ضعيفة وقفت برامجك معها..

إستقالتك تعنى فلتان تراث الشعوب النامية من بين يديها لأن برامجك تسعى لتوسيع قوانين الملكية لتشملها ولا يرغب الاغنياء في ذلك..

إستقالتك تعنى رجوع دول الجنوب في هذه المنظمة مرة أخرى إلى سلة المهملات..

أخى د.كامل: رفعت رأس السودان بالتزامك بمبادئك ومبادئ المنظمة التى سهرت من أجلها وأفرغت كل مهنيتك لتكون مثالاً للنجاح.