مهندس/ أيمن التوم حسن
[email protected]
صور مقلوبة من الشمالية .... !!
يوم أن رفعت شعارات التنمية والاستقرار ورفع المعاناة عن كاهل المواطن وتحقيق العدالة الاجتماعية.كنا نظن- وإن بعض الظن إثم- أن حكومة الولاية الشمالية لن تدخر جهدا ولاطاقة فى توفير الاحتياجات الاساسية لانسان هذا البلد وأن التنمية التى تنتظم كل ارجاء السودان ستضع حدًا (لصبر أيوب) فى أرض الشمال وتوقف سيل المعاناة من الفقر والمرض والأميّة فضلاً عن مشاكل لاحصر لها.
منّينا النفس بالأمانى العذبة وحلمنا كغيرنا بالخير فى ولاية الخير . لم نكن يومها نعلم اننا نمسك بخيط العنكبوت الواهن ولم نكن ندرى أن هذه الفورات الحماسية والوعود البراقة ماهى إلآ (ذوبعة داخل فنجان).
لقد ظلت حكومة الولاية- كعادتها دومًا- تغرّد خارج السرب...
×× بدأت بمشروع طريق دنقلا-أمدرمان وتعاقدت مع شركة شريان الشمال لتنفيذ الطريق وبعد حين حدث ماحدث ولملمت الشركة أطرافها إلى غير رجعة, وهاهى الشركات المنفذة للطريق اليوم تقتلع ماصنعوه بالأمس من جذوره وتعمل على تشييد الطريق على أسس صحيحة .. .
×× ثم جاءت شركة (ماسة) لتنفيذ الطرق الداخلية لمدينة دنقلا، ومرة أخرى توالت الاخفافات الانشائية فى الطريق وذهبت الشركة الى غير رجعة...وبالمثل حدث فى الطرق الداخلية بالدبة.
×× أما فى مطلع العام الحالى فى مدينة دنقلا حاضرة الولاية الشمالية.. جاءت حكومة الولاية وسلطات محلية دنقلا بمشروع أسمته (مشروع تجميل مدينة دنقلا ) والذى يشمل عمل خلطات ساخنة بالطرق الداخلية الرصوفة سلفا والمنفذة بواسطة شركة (ماسة) وإنارتها . وتم الاتفاق مع إحدى شركات المقاولات لتنفيذ المشروع بتمويل من وزارة المالية بالولاية بتكلفة تقدر بخمسة عشر مليار جنيه فى مدى زمنى لايتجاوز الستة أشهر فى الفترة من مارس وحتى اغسطس. والمشروع فى مراحله
الاولى رحل معتمد دنقلا السابق الشريك الأصيل فى فكرة مشروع التجميل دون سابق إنذار ودون ان تلوّح لوداعه كف ، وحتى اصدقاء الأمس الذين أقاموا مهرجانات الإستقبال عند قدومه تواروا عن وداعه. ويبدو ان ماتمر به كواليس السلطة مختلفٌ عمّا هو واقع وأن الفئة القابضة على السلطة فى هذا البلد تعانى ماتعانيه بداخلها من عوامل من اختلاف فى الرأى والمواقف .
أما الآن مضى على موعد الانتهاء المقرر لهذا المشروع أكثر من شهرين بموجب العقد المبرم ، مازال هذا المشروع طفلاً يحبو.. الى حين إشعار آخر.. وهنا تبقى فى الخاطر عدة تساؤلات........
* ماهى الضرورة التى تملى قيام مثل هذه المشروعات فى الوقت الراهن وإنسان هذه المحلية مايزال يعانى فى أبسط مقومات الحياة فى ظل احصائيات تقول ان نسبة الفقر تفوق ال50% ؟؟.
* هل تصبح النقوش والمساحيق التى تضعها السلطة على وجه المدينة غلافا سميكا يخفى ما بداخلها من معاناة وسط اولئك الذين فى عيونهم يختبئ الضباب ويحتبس الماء وتسكن ألف دمعة؟؟
* الذين روّجوا لهذا المشروع فى كل المنابر المتاحة؟؟ لماذا لم يجرؤو على ذكر تداعياته عندما تلكأت مراحل تنفيذه؟؟؟
×× إن وزارة المالية (الراعى الرسمى والحصري) لمثل هذه المشروعات تحاول جاهدةً ترقيع الواقع بمثل هذه الهلاميات وتنفرد باتخاذ ماتراه مناسباً.لدرجة أنها تعاقدت مع شركة (السُّـرّاى) كجهة إستشارية لاستلام مراحل المشروع وأرجعت المهندسين التابعين لوزارة التخطيط العمرانى أدراجهم فغاب الجسم الاستشارى الحكومى تماما فى المشروع.ولما رأت الوزارة عدم قانونية صنيعها جعلت الاشراف مناصفة مابين وزارة التخطيط العمرانى والشركة الذكورة.
×× اما وزارة التخطيط نفسها فهى ليست بعيدة كثيرا عن (مسرح) هذه الأحداث فقد ظلت تلعب دور (الكومبارس) فى كل المشروعات التنموية بالولاية . ولك ان تتخيل- عزيزي القارئ - أن هذه الوزارة تعجز حتى عن المطالبة بحقها فى الإشراف فى المشروعات الممولة ولائيا. ولم تحرّك ساكناً عندما يُقصى مهندسوها من المشروعات الهندسية. (وإمبراطورية التخطيط) هذه أقصت كل من لايدور فى فلكها الحزبى الضيق – من بينهم كاتب هذه السطور- ضاربة عرض الحائط بكل مقدراتهم وخبراتهم ودقت بينها وبينهم اسفينا فى الوقت الذى تعجز فيه عن المطالبة بمخصص طبيعة العمل لمهندسيها . هذا الحق الذى يتقاضاه كل مهندس فى انحاء السودان
×× هذا وظلت تتوالى تداعيات الواقع لتطال كل فرد وحتى المزارع المسكين لم يسلم من من زراعة الوهم وحصاد السراب .فمنذ العام تم الاعلان عن مشروع
النفرة الخضراء واسنفرت له وزارة الزراعة بالولاية كلّ مالديها من بريقٍ وألوان لشرح جدواه وبدأت فى التنفيذ .الآن وبعد عام من إنطلاقة المشروع المفترض انجازه فى عامين توالى الحديث عن فشل محصول البرسيم ولسان حال المزارع قول العقاد
كاد يمضى العام ياحلو التمنِّى او تولّى*** مااقتربنا منك الا للتمنى ليس الاّ
لتبقى الامنيات هى دائما مايحصده انسان هذا البلد . سمعنا ان لجنة اقتصادية من المركز ستزور الولاية فى القريب العاجل لمعرفة أسباب تداعيات المشروع بعد ظهور بوادر نجاحه فى بقية انحاء السودان.
×× عموما أن القائمين على أمر البلاد والعباد فى هذه الولاية فاتهم ان يعلموا ان الانسان هو موضوع العملية التنموية وليس مجرّد أداةٍ من الأدوات المستخدمة فيها.. وأن تشجيع المشار كة الفعلية-لا الديكورية- للمواطنين فى عملية التنمية وتطوير واقعهم هو من صميم واجبهم.. كما ان تحقيق التنمية يتطلب أعطاء الاولويّة للمشروعات التى تمليها ضرورات الواقع لاضرورات الكسب السياسى وغيره.
ولكن إنسان الشمال لايمكنه ان يكون هوأساس وموضوع العملية التنموية مادام ما بينه وبين السلطة ليس عامرا. وكيف لجسور الثقة أن تمتد بينه وبينهم وقد أعطاهم كل شئ ولم يعطوه شئ . فضلا عن ذلك فهو مطارد دوما من سلطات المحليات التى هى له بالمرصاد يقتسمون معه رزقه اليسير ويسنون من القوانبن مايخرج كل قرش من جيبه بقوة القانون وجبروته. لكن (الحمد لله الذى لم يجعل الهواء بيد احد) قالها أحدهم غير مبالٍ وهم يغلقون متجره بدعوي عدم سداد الرسوم, هذه العبارة التى لن تنساها مخيلتى جعلتنى اقول لنفسى يومه إن انسان هذا البلد سبيعث من رماده..وهو النهر الذى سيظل محتفظا باسمه حتى وإن جفّـت مياهه.....