جسر الوجدان بين إرتريا والسودان ( 3 )
ذكريات حول تأسيس مؤتمر البجة :
محمد سعيد ناود ـ أسمرا
بمناسبة توقيع اتفاقية السلام بين جبهة الشرق والحكومة السودانية في العاصمة اسمرا فلقد حضرت هذا الحدث الكبير وتلك المناسبة هيجت في دواخلي ذكريات تأسيس مؤتمر البجة قبل 48 عاما في مدينة بور تسودان ، حيث شاركت في ذلك الحدث كعضو مؤسس لمؤتمر البجة وكنت من سكرتارية مؤتمر البجة وألقيت كلمة في ذلك المؤتمر .وأثناء توقيع اتفاقية السلام في اسمرا تذكرت لحظات التأسيس الأولى في عام 1958م ببور تسودان .وتراءت أمامي شخصيات كبيرة في مقدمتهم المرحوم الدكتور / طه عثمان بلية الذي كان سكرتير المؤتمر ومن أوائل الأطباء من أبناء ألبجه وكذلك الدكتور/ محمد عثمان جرتلي وشخصيات ذات وزن لدى أبناء ألبجه مثل ناظر الهدندوة / محمد محمد الأمين ترك ، وناظر الحباب/ كنتيباي حسين ، وناظر البني عامر / إبراهيم محمد عثمان دقلل . والمؤتمر مثلت فيه كافة القبائل التي تقطن شرق السودان . وكان ضمن الحاضرين من زملائي السيد / محمد بدري أبو هدية توفي أخيرا وكان صديقي محمد بدري ابوهدية مرتبطا معي في نضالي في القضية الإرترية وكان يقول لي دائما لايوجد فرق كونك تناضل في القضية الإرترية ونحن نناضل في قضية شرق السودان ، وكذلك المؤرخ محمد صالح ضرار وهو أيضا من الشخصيات المهمة التي حضرت المؤتمر ، أيضا الخليفة علي نور إدريس وأيضا السيد / بامكار محمد عبد الله . كل هذه الشخصيات كانت حاضرة أمامي وانا أشارك في فعاليات توقيع اتفاقية اسمرا للسلام . الفرق هو أن المؤتمر التأسيسي لمؤتمر البجة قبل 48عاما حضره رئيس وزراء السودان السيد / عبدا لله خليل ، وحضره وزير الداخلية السوداني الشيخ / علي عبد الرحمن الأمين وحصلت تلك الأحداث أمامهم أما توقيع اتفاقية السلام في اسمرا حضرها الرئيس السوداني / عمر حسن أحمد البشير بحضور وزراء وحكام الأقاليم وشخصيات سودانية أخرى .
في المؤتمر الأول ارتريا لم تكن موجودة كدولة أما يوم التوقيع مثلت دولة ارتريا المستقلة بالرئيس اسياس أفورقي وتلك الأحداث هي أحداث عظيمة لايمكن أن يمحوها الزمن من ذاكرتي .
واذكر في ذلك اليوم القي الدكتور / جرتلي قصيدة عصماء نالت الاستحسان والتصفيق الحار من الحضور وأطلق عليها فيما بعد قصيدة المؤتمر وهذه أبيات منها مازلت أحفظ مقاطعها :
اليوم يومك ياقصيدي فانشد
وتغنى بالشعر الفريد وغرد
ان لم اكن لبني العمومة منصفا
لا كنت ياشعري ولا كانت يدي
ثم ينتقل في وصف أرض شرق السودان قائلا :
أنا لتعلم ان ارض بلادنا
والبحر كنز زاخرا لن ينفذ
قلنا المعادن ثروة مخبوءة
والبحر يزخر بالثراء والمجد
وأنا من الوديان فضل زراعة
ان اصلحنا فاضت بخير مفرد
كم من مياه عذبة هدارة
ذهبت سدى للبحر دون تهجد
ان جمعت فاضت وعم هناؤها
وشدا اللسان بجودها المتجدد
وبطوكر والقاش رزق وافر
يكفي الجياع مدى الحياة
وبكل ركن ان أردتم ثروة
اذا مااستقلت فهي لم تتبدي
وبعد انتهاء المؤتمر شن أحد الكتاب السودانيين في صحيفة الرأي العام هجوم على المؤتمر واصفا إياه بالحركة العنصرية وقد رديت عليه في نفس الصحيفة مؤكدا له وللرأي العام السوداني أن مؤتمر البجة ليس حركة عنصرية.
بل هو حركة مثلت فيه كافة قبائل الشرق واجمعوا على ضرورة أن تصان حقوق أهل شرق السودان .
ورد عليه الدكتور جرتلي بقصيدة عصماء ، وهذه ابيات منها :
قد أول الحساد مؤتمراتنا
دعوى انفصال بئس قول الحسد
انا نطالب حقنا من اهلنا
وبني عمومتنا كرام المحتد
سوداننا تفديه كل قلوبنا
ولحظات توقيع الاتفاقية هيجت في نفسي ذكريات مضت أي قبل 48 عاما وأنا كنت مشترك في تأسيس مؤتمر البجة وبعد أسبوعين وفي نفس العام أسست حركة التحرير الإرترية في 2/11/1958م .
وأنني سعيد جدا لحصول جبهة الشرق على مطالبهم المشروعة وإنني اطلعت على الاتفاقية وأقول إن ماتحقق لجبهة الشرق في اسمرا يعتبر انجازا كبيرا وان مطالبنا حين أسسنا مؤتمر البجة تعتبر متواضعة جدا مقارنة بما تم تحقيقه في اتفاق اسمرا وجهود الحكومة الإرترية في الاتفاقية يعتبر جزء بسيط من دين الشعب السوداني علينا .
للتاريخ أقول إن الشخصية الأساسية في تأسيس مؤتمر البجة كان الدكتور / طه عثمان بليه وإنني حضرت استقلال السودان وكنا من الطبقة الواعية ومؤتمر البجة يعتبر خطوة متقدمة بالنسبة لكافة المناطق التي كانت تطلق على نفسها المناطق المهمشة في السودان . وكان لدينا إحساس بأننا مهمشين واذكر أن المرحوم الدكتور طه عثمان بليه والذي ربطتني به علاقات قوية وآخرون أمثال المرحوم ابوموسى علي أطال الله في عمره وموجود الآن في بور تسودان وكنا نتناقش في قضايانا وكان لدينا وعي سياسي وكنا مجموعة من الشباب من أحزاب مختلفة كانت تجمعنا هموم وقضايا إنسان الشرق وكنا دائما نتكلم ونقول إن إنسان الشرق مظلوم وكنا ندعوا لعقد مؤتمر جامع لكافة أهل الشرق وبالتالي تم إشعار نظار القبائل بذلك وحتى الرشايدة كانوا ممثلين في مؤتمر البجة .
والفضل يعود في التأسيس أولا للدكتور / طه عثمان بليه ثم المجموعة الذين كانوا معه مثل شخصي حيث كنت عضو سكرتارية المؤتمر وكذلك الدكتور / جرتلي وكذلك الأستاذ المربي الفاضل علي أونور عبد الله وكان يساريا . وهذه المجموعة لم تلتفت لمصالحها الاجتماعية بل كانوا يختلطون بأهلهم ويعيشون معهم ويتحسسون همومهم واحتياجاتهم وكانت في هذه ميزة مثقفي الشرق دون تمييز .
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة