صوت من لا صوت له وطن من لا وطن له
الصفحة الرئيسية  English
المنبر العام
اخر الاخبار
اخبار الجاليات
اخبار رياضية و فنية
تقارير
حـــوار
أعلن معنا
بيانات صحفية
 
مقالات و تحليلات
بريـد القــراء
ترجمات
قصة و شعر
البوم صور
دليل الخريجين
  أغانى سودانية
صور مختارة
  منتدى الانترنت
  دليل الأصدقاء
  اجتماعيات
  نادى القلم السودانى
  الارشيف و المكتبات
  الجرائد العربية
  مواقع سودانية
  مواضيع توثيقية
  ارشيف الاخبار 2006
  ارشيف بيانات 2006
  ارشيف مقالات 2006
  ارشيف اخبار 2005
  ارشيف بيانات 2005
  ارشيف مقالات 2005
  ارشيف الاخبار 2004
  Sudanese News
  Sudanese Music
  اتصل بنا
ابحث

مقالات و تحليلات English Page Last Updated: Jul 11th, 2011 - 15:37:55


منصور خالد وعبد الله علي ابراهيم عزل كيان الأنصار وحزب الأمة/د. عبد الله محمد قسم لسيد/السويد
Aug 26, 2007, 14:05

سودانيزاونلاين.كوم Sudaneseonline.com

ارسل الموضوع لصديق
 نسخة سهلة الطبع

منصور خالد وعبد الله علي ابراهيم

عزل كيان الأنصار وحزب الأمة

د. عبد الله محمد قسم لسيد/السويد

 

تحدثنا في الحلقة السابقة والتي كانت عن منصور خالد وعبد الله علي ابراهيم في جزئية سنرجع لتفاصيلها لاحقا، عن انقلاب أو تسليم عبد الله خليل للسلطة السياسية للجيش وتعمد ابعاد حزب الأمة والأنصار عن أي دور سياسي واجتماعي قد يقود الى توحيد السودان والى اعادة بناء المجتمع السوداني وفق الأسس التي قامت عليها الثورة المهدية والتي كان على رأسها توحيد الجبهة الداخلية للشعب السوداني والتي تمثلت عندئذ في مناصرة الثورة من الغالبية العظمى من قبائل السودان بما فيها قبائل الجنوب كما أشرنا واستشهدنا من كتابات فرانسيس دينق. قلنا ان عزل كيان الأنصار وحزب الأمة في السودان يماثل بالضبط ما عملته المخابرات الأمريكية في تدمير الاتحاد السوفيتي منذ بدء الحرب الباردة والذي أخذ منها ما يزيد عن الخمسين عاما لهذا فليس بمستغرب ان يكون عزل الأنصار وحزب الأمة الهدف لقوى محلية واقليمية ودولية منذ سقوط الدولة المهدية وحتى اليوم. والسبب في عدم قدرة تلك القوى على تدمير كيان الأنصار وحزب الأمة رغم طول الفترة مقارنة بفترة الاتحاد السوفيتي لا ترجع الى قوة كيان الأنصار وحزب الأمة المادية بقدر ما يرجع الى القوة المعنوية المتمثلة في حب الوطن حتى جاء قولهم ( البلد بلدنا ونحن أسيادها ). وهي اشارة ذكية ليس لأنهم الوحيدون الذين يقطنون هذا الجزء من العالم، ولكن لكثرتهم العددية وتضحياتهم البطولية التي اعترف بها سابقا عدوهم تشرشل كما اعترف بها لهم حبيبهم لاحقا المرحوم له باذن الله الشريف حسين الهندي بعد أحداث انتفاضة الثاني من يوليو عام 1976م. وعلى الرغم من أهمية تتبع صور هذا العزل حتى تستبين للقارئ السوداني عامة والأنصار والمنتمين لحزب الأمة خاصة الا أننا سنبدأ ما نود الوصول اليه منذ جمعية الاتحاد السوداني والتي تحولت بعد عامين تقريبا الى جمعية اللواء الأبيض. ثم نتناول بعدها اتفاقية عام 1936م وهي الاتفاقية التي بموجبها رجعت القوى المصرية للسودان بعد طردها اثر مقتل السير لي ستاك في القاهرة عام 1924م. فهذه الاتفاقية توضح لنا الكثير من تناقضات الكتابات التاريخية بين السادة عبد الرحمن المهدي والسيد علي الميرغني والمتعلمين السودانيين. فك لغز هذه التناقضات يعيد الكثير من الأمور الى نصابها كما تعطي كل ذي حق حقه مما يوفر عدلا مطلوبا لوحدة واستقرار السودان. وبعدها سنتناول الحديث عن مؤتمر الخريجين لنرى كيف تم انشاؤه ولماذا وذلك على لسان بعض المنتمين الى لجنته التنفيذية من خلال مذكراتهم الشخصية. ان ما توصلنا اليه من حقائق ومدلولات يعكس جانبا من الأزمة في السودان يتعلق بتاريخ لم يمض عليه الكثير حتى يتعرض الى تزوير لهذا لابد من اعادة النظر فيه. وعندما نقول ذلك فانا كما يقول منصور خالد "لاندعو لمحاكمة الماضى بل نلح على قراءته بوعى نقدى يستنطق الأحداث بهدف سبر أغوار المجتمع للتعرف على القيم التى تملكته، والمفاهيم التى سيطرت عليه، فالتاريخ يمتحن عقلانيا ولا يحاكم أخلاقيا."[1]

 

قامت جمعية الاتحاد السودانى عام 1922م بغرض دعم موقف مصر من أجل الحصول على استقلالها من بريطانيا. وقد سبق انشاؤها موجة من المظاهرات حسب قول المؤرخين، شملت كل مدن السودان تأييدا لمصر وزعيمها سعد زغلول الأمر الذى أزعج الانجليز كثيرا. لهذا نادوا بفكرة "المسألة السودانية" للفصل بين القضية المصرية والقضية السودانية. وكان مبررهم لطرح قضية السودان بأنهم لن يسمحوا برجوع السودان للفوضى والهمجية. وكما يفهم من كتابات الباحثين يقصد الانجليز بالفوضى والهمجية كما سجلتها مخابراتهم اما الدولة المهدية لهذا فان الرجوع هنا يقصد به الرجوع الى الأنصار أى الى الدولة المهدية أو الى الحكم التركي المصري. ولما كان التعاون فى هذه الفترة بالذات أي عام 1922م بين الانجليز وقيادات الأنصار كما يقول الباحثون على أشده فانه من الناحية المنطقية لا يمكن تفسير عدم موافقتهم لرجوع السودان الى الأنصار وهم في تعاون وثيق مع قياداتهم. أما اذا كان المقصود به الحكم التركى المصرى وما تبعه من تجارة رقيق وفساد أخلاقي ومادي فقد كان للدولة المهدية الشرف فى ازالته وبالتالى يكون الأولى أن يرجع الأمر كله للأنصار فى ضوء التعاون بين قيادتهم والحكومة الثنائية.

 

ارجاع الأمر الى الأنصار لم يكن أمرا واردا فمصر تعتبر أن السودان ملك لها وثورة سعد زغلول قامت على هذا الزعم وطالبت بعدم الحديث عن المسألة السودانية لأنه لاتوجد فى الأساس باعتباره جزءا من مصر. ولكنها قبلت التفاوض مع بريطانيا فى "المسألة السودانية" فى عام 1924م عندما اصبح سعد زغلول رئيسا للوزراء فى نفس الوقت الذى تسلم فيه حزب العمال الحكومة فى بريطانيا باعتباره حزبا عماليا وسيقف بجانبهم. فقد واصل زغلول محادثاته مع ماكدونالد رئيس وزراء بريطانيا للاعتراف بسيادة مصر على السودان وتم رفضها من بريطانيا.[2] تبع ذلك مقتل السير لى ستاك فى القاهرة فى نوفمبر عام 1924م ليغير الكثير من السياسات وعلى رأسها كان استقالة سعد زغلول من الوزارة. أما بريطانيا كدولة مستعمرة فقد وجدت فى السودان حلا لمشكلتها التى تعانى منها مصانع القطن فى لانكشير بعد أن واجهتها تقلبات زراعته وانتاجيته فى مستعمراتها الأخرى خاصة فى الهند وبورما ومصر نفسها. لهذا كانت أحداث 1924 فى السودان والتى تزامنت مع مقتل السير لى استاك حاكم السودان وقتئذ فرصة لزيادة المساحات المزروعة فى الجزيرة من قبل الادارة البريطانية فى السودان.[3]

 

أحداث مصر وتأثيرها على السودان بهذه الصورة التي تحكيها المصادر التاريخية تحتاج منا الى اعادة نظر باعادة قراءتها وفق المنطق السائد يومئذ والذى كما تقول تلك المصادر دفع السودانيين الي انشاء أو تكوين جمعية الاتحاد أولا لمناصرة مصر وثانيا للوقوف ضد القوى التقليدية الممثلة فى الزعامات التقليدية والتى ذهبت مؤيدة لملكة بريطانيا عام 1919 وهو الوفد الذى ترأسه السيد على الميرغنى وضم السيد عبدالرحمن المهدى وآخرين من القيادات الدينية والقبلية.[4] والسؤآل الذي يطرح نفسه هنا مع أسئلة أخرى لماذا لم تتكون هذه الجمعية مباشرة بعد قيام الثورة في 1919م ولماذا انتظرت ثلاثة أعوام بعد زيارة الوفد لبريطانيا؟ ولماذا راجعت الحكومة موقفها من قيام وحدة سودانية كما اقترحها الزعماء التقليديون ثم سمحت لهم بعد ذلك باصدار جريدة الحضارة بهدف التبشير باستقلال السودان المنفصل عن التاج المصري؟؟؟؟.[5]

 

السيد عبدالرحمن المهدي والضابط علي عبداللطيف والهوية السودانية

 

نادت جريدة حضارة السودان بشعار "السودان للسودانيين" والذى أصبح لاحقاً شعار الامام عبد الرحمن المهدي المضاد لشعار وحدة وادى النيل الذى تبناه دعاة الوحدة مع مصر. هذا الشعار رفضه الخريجون باعتبار أنه "لم يكن شعارا قوميا محضاً ولكنه شعار أوحى به البريطانيون بقصد ابعاد المصريين عن السودان"[6] كما أنهم أى الخريجون كانوا يشعرون بأن الاستقلال " لا يمكن تحقيقه الا بتحالف السودان مع مصر التى هى (...) جارة مسلمة ذات لسان عربى"[7] ويقول السيد الدرديرى محمد عثمان وهو من أوائل  الخريجين فى مذكراته "وقد كان لنا مبدأ معروف وهو أننا محكومون برجلين أحدهما قوى والثانى ضعيف ... وعلينا أن نستعين بالضعيف للخلاص من القوى."[8] بهذا الحديث للدرديري أدركت بعد كل هذه السنوات من أين جاء المثل الذى تتداوله حبوباتنا ونحن صغار والذي يقول "اتلم التعيس على خايب الرجا" في اشارة واضحة للعجز وتمكنه بين طرفين ضعيفين لأسباب مختلفة. هذا العجز من قبل الخريجين والمتمثل في الارتماء في أحضان الخارج والاستسلام له لم يكن له ما يبرره فالتحرر الذي تكشف الكلمات "مسلمة ولسان عربى" عن البعد الذى لم يكن مرغوبا فى الدعوة أو الشعار "السودان للسودانيين". وهو الشعار الذى يصب فى نهاية المطاف فى التوجه المهدوى الذي لم يفرق بين السودانيين على أساس عرقي أو ثقافي. يؤيد ما ذهبنا اليه ابتعاد السيد على الميرغنى عن تحالفه مع السيد عبدالرحمن المهدي ومن التأييد الذى كان يعلنه للادارة البريطانية منذ دخولها الى السودان والذى على ضوئه نال لقب سير البريطانى ودعم الحكومة المصرية وتأييده للتوجه المصرى وشعار وحدة وادى النيل. فالغزو الانجليزى المصرى للسودان حقق أهداف من يدعي الانتماء الى العنصر العربي الاسلامي  وذلك من خلال ارجاعهم الى السلطة لأن الثورة المهدية ضمت أقواما لا تنتمى الى العنصر العربى من وجهة نظرهم كما أنها هددت مصالحهم وبالتالي فان رجوعها الى السلطة تحت شعار "السودان للسودانيين" ليس أمرا مرغوبا للسيد الميرغنى ومؤيدى وحدة وادى النيل والذين هم فى الأساس يمثلون في ذلك الوقت الأغلبية التى نالت حظوة التعليم بسبب تأييدها للمستعمر. فى هذه الفترة وتحديدا فى مايو عام 1922م نشر الضابط على عبد اللطيف، قائد حركة اللواء الأبيض بعد ذلك، رسالة بعنوان "مطالب الأمة السودانية" في جريدة الحضارة منادياً بـ "قيام حكومة سودانية مؤلفة من سودانيين ووضع نهاية للحكم الأجنبى"[9] لم يشر الضابط على عبد اللطيف الى وحدة وادى النيل بل طالب بخروج المستعمر مما يعنى أنه يقصد طرفيه بريطانيا ومصر. وكرد فعل لهذه المطالب تم اعتقاله واعتقال محرر الجريدة حيث أدين الضابط على عبدالطيف وأخلى سبيل محرر الجريدة.

 

اذن هناك علاقة فكرية سياسية بدأت تتضح معالمها بين السيد عبد الرحمن المهدي والضابط علي عبد اللطيف قبل قيام جمعية الاتحاد السوداني وجمعية اللواء الأبيض لأن جريدة الحضارة التي نشرت رسالة القائد علي عبداللطيف، تمثل السيد عبد الرحمن وقد بدأت ملامح دعوتها لوحدة السودان تتشكل بطرح شعار "السودان للسودانيين". بهذا المنطق نصل الى أن الاختلاف داخل جمعية الاتحاد السودانية عام 1922م كان بسبب عوامل وطنية تتعلق بهوية السودان كوطن.

 

بعبارة أخرى كان السبب المباشر فى الخلاف داخل جمعية الاتحاد السودانى هو تعريف من هو الانسان السوداني ومن الذي يمثل السودان فى محادثات المسألة السودانية بين مصر وبريطانيا ولم يكن خلافا حول العمل المعارض فقط.[10]  بمعنى آخر أن هذا الصراع لم يكن صراعا شخصيا أو صراعا بسبب العلنية والسرية فى العمل ضد الانجليز ولكنه كان بسبب هوية السودان التى عمل البعض على ربطها بالهوية المصرية وجعل السودان محافظة جنوبية لمصر وتناسوا كل الذى حدث ابان الحكم التركى المصرى من رق وتعذيب واهانة كما تناسوا بطولات الثورة المهدية والتضحيات الجسام التى تزامنت مع سقوطها. كما أنه لم يكن صراعا حول وحدة وادى النيل لأن هذا الشعار كان هدف الجمعية خاصة بعد ثورة سعد زغلول والتى نشطت بعدها جمعية الاتحاد لتسيير المواكب والمظاهرات تأييدا لها فى كل مدن السودان رغم اهمال هؤلاء المتعلمين لثورات بلادهم قبلها.

 

فاذا علمنا أن جريدة الحضارة كانت تعبر عن رغبات السيد عبد الرحمن كما يقول الكتاب، من خلال شعارها "السودان للسودانيين" وجاءت رسالة علي عبد اللطيف تحمل نفس المضامين، فان تقاربا كبيرا بين السيد عبدالرحمن وعلى عبداللطيف قد بدا يلوح فى الأفق. هنا لابد من نظرة شمولية لتبين هذا التلاقى بين السيد عبدالرحمن وعلى عبداللطيف فالأول من أم غير عربية وأب من المحسوبين على الثقافة الربية الاسلامية الذين عملوا على استقلال البلاد ووحدتها. أما الثانى وهو علي عبداللطيف فهو من أب دينكاوى وأم نوبية ويلتقى مع الأنصار فى تهميشه من قبل الدعين للانتماء العربي فى مدن أواسط السودان. لهذا فهو يرى مثل السيد عبدالرحمن بأن السودان للسودانيين وليس للفئة المدعية للانتماء العربي فقط والتى تنادى بالاتحاد مع مصر تحت مسمى وحدة وادى النيل. فمفهوم الوطنية عند السيد عبدالرحمن يشمل كل السودانيين دون اعتبار لعرق حسب ما جاء فى شعاره المرفوع "لا طوائف ولا أحزاب ديننا الاسلام ووطننا السودان" وان بدا العامل الدينى واضحا فى الشعار. أما لدى على عبداللطيف فان مفهوم الوطنية يشمل أيضا كل السودانيين دون تحديد للهوية الدينية ويظهر هذا فى جمعية قبائل السودان المتحدة والتى كان ينتمى اليها وتهدف الى التعاون والوحدة بين مختلف قبائل السودان.[11]هذا المفهوم للوطنية يضع الطرفين فى خندق واحد ولكن الكتابات التاريخية لم توضح أى لقاء بين الطرفين يعكس هذا المفهوم المشترك بل على العكس تم تصوير العلاقة بينهما بصورة أقرب الى القطيعة من التعاون خاصة عندما بدأت جمعية اللواء الأبيض تنادى بوحدة وادى النيل عكس ما كان يطالب به السيد عبدالرحمن وهو "السودان للسودانيين" وعكس ما طالب به على عبداللطيف فى رسالته.

 

هنا يظهر التناقض فى الكتابات التاريخية فعلى الرغم من أن كل الدلائل تشير الى أن على عبداللطيف لم يكن منفعلا بوحدة وادى النيل حتى عام 1923م وهو العام الذي دخل فيه فى نزاع مع سليمان كشة الذي خاطب السودانيين بـ"الشعب العربى الكريم" فى احتفالات المولد النبوى الشريف بدلا عن "الشعب السودانى الكريم" كما كان يرى هو،[12] الا أن كتاب التاريخ لهذه الفترة التى تلت تكوين جمعية اللواء الأبيض تظهر على عبداللطيف فجأة من المناصرين لهذا الشعار. ذلك الخلاف هو الذى أدى الى انقسام جمعية الاتحاد السودانى ومن ثم تكوين جمعية اللواء الأبيض التي تزعمها علي مما يضعه فى تناقض تام مع مفهومه للوطنية والالتزام بالهوية السودانية التي تعترف بتعدد الثقافات والأعراق وهو الهدف الذى دافع عنه حتى الموت ليصبح بطلا من أبطال السودان. فهل من الممكن أن يغير شخص ملتزم موقفه من استقلال السودان خلال أقل من عام الى النقيض مما يؤمن به وهو وحدة وادي النيل والذي يعتبر السودان جزء من مصر ثم فى نفس العام  يعارض هذا الموقف من وحدة وادي النيل ويقدم روحه فدءا لما آمن به أولا وهو وحدة السودانيين وحكمهم لبلدهم بأنفسهم؟؟؟ لقد حاولت الكاتبة اليابانية حل هذا التناقض داخل على عبداللطيف من خلال تحول مفهوم وحدة وادى النيل والذى انتقل من شعار يضع السودان كجزء من مصر واعتباره ممتلكات تاريخية مصرية الى شعار ينادى بوحدة قد تكون بين "بلدين"[13] على الرغم من أنها لم تقدم أى دليل يتحدث فيه على عبداللطيف عن وحدة بين البلدين. فهى تشير فقط الى تغيرات سياسية حدثت فى مصر متزامنة مع صعود حزب العمال الى السلطة فى بريطانيا مستنتجة من موقف حزب الوفد المصرى وتصوره أن حزب العمال سيقف بجانب مصر لهذا وافق حزب الوفد على قبول التفاوض بين مصر وبريطانيا باعتبار مسألة السودان منفصلة عن مسألة مصر. ووفقا لهذا سعت مصر للبحث عن حليف بين السودانيين المتعلمين بدلا عن الزعماء التقليديين وفي رأى الكاتبة أن هذا هو السبب الذى جعل على عبداللطيف يقف مع شعار وحدة وادى النيل. التناقض هنا أن المتعلمين أساسا كانوا يقفون بجانب مصر وقاموا بتأييد سعد زغلول وثورته وكان تكوين حركة جمعية اللواء الأبيض أساسا بايعاز من المصريين[14]  وذلك لتأييدهم ودعم ما ينادى به الوفد الذى يتزعمه سعد زغلول وعلى رأس ما ينادى به "اعادة السودان الى الممتلكات المصرية". وهذا التوجه كان ضد توجه على عبداللطيف والذى نادي بقيام دول سودانية مستقلة فكيف يقبل فجأة بغير ذلك.

 

ان الصراع داخل جمعية الاتحاد السودانى وبعد ظهور على عبداللطيف وفى ضوء شعار وحدة وادى النيل أصبحت تحركه عوامل أقرب الى العنصرية لدى البعض فمثلا سليمان كشة كان يعتبر نفسه ومن معه من مدعي العرق العربي من الأشراف وهم بالتالى يعتبرون أنفسهم أحق بتمثيل السودان من المجموعة التى تضم مثلا على عبد اللطيف والتى لا تنحدر من تلك الفئة. هذا الاتجاه كان موجودا وسط المتعلمين حتى قبل تكوين جمعية الاتحاد عام 1922 وهو اتجاه مرتبط عضويا بدعوة وحدة وادى النيل التى تبناها المتعلمون وقتئذ وبالتالى ضد التوجه الذى بدأته جريدة حضارة السودان والداعى الى استقلال السودان من مصر وبريطانيا.  ففى عام 1920 صدرت وثيقة بتوقيع "ناصح أمين" مرسلة الى البريطانيين تهاجمهم  فى استبعادهم للقسم السامى والحر من الأمة[15] وهو المصطلح الذي يقصد به حسب الزمان الذى قيلت فيه، الزعامات التقليدية لأنها هى التى كانت تتعاون  مع بريطانيا. ولما كان السيد عبدالرحمن المهدي زعيم الأنصار بدأ يتعاون مع الحكومة وأن الغالبية من الأنصار تقطن الريف السوداني بعيدا عن المركز خاصة في غرب السودان وبالتالي ليسو "أولاد بلد"، يكون الأنصار هم المقصودون مع زعيمهم السيد عبد الرحمن المهدي. مثل هذه المواقف ما زالت موجودة وسط المثقفين السودانين ولا يصرحون بها وان فضحتهم ممارساتهم ومواقفهم تجاه كل من يبرز مدافعا عن عن رؤية تجمع السودانيين في صعيد واحد. يشير الى هذا الأمر منصور خالد وهو يتحدث عن موقف بعض المثقفين من رئيس الحركة الشعبية جون قرنق.[16] وكان رد منصور على مثل هذه الآراء التى تنتقد وجود شماليين وسط تنظيمات جنوبية يحمل من معانى الكبرياء للنفس والازدراء للآخر الكثير حين يقول " ان هذه زكاة أؤديها لانقذكم بها من أنفسكم وأنا ناهض الى صعدائى، أعطس فى وجوه أهل الريب بأنف شامخ"[17]

أرجع لحديثنا عن الهوية السودانية فى العشرينات من القرن الماضى وأقول انتهت جمعية الاتحاد السودانى وقامت محلها جمعية اللواء الأبيض وتزعمها على عبداللطيف وهو ضابط مطرود من الجيش بسبب مواقف تبدو فى ظاهرها شخصية عندما عامله أحد الضباط الانجليز بغطرسة أدت الى طرده من الجيش[18]ولكنها اذا ما تأملناها فى اطارها ووقتها نجدها أبعد ما تكون عن الشخصية وترتبط بموقف وطنى بدأت ملامحه تظهر فى افق السياسة السودانية. فقبل خمسة أيام من الاحتفال بتكوين جمعية اللواء الأبيض أرسلت لجنتها المركزية برقية الى الحاكم العام تحتج فيه على عدم تمثيل السودان فى مفاوضات مصر وانجلترا والتى ستناقش فيها قضية السودان وهى المذكرة التى تزامنت مع دعوة الحكومة للسودانيين عن طريق حكام المناطق التي ابدوا فيها رغبتهم فى البقاء تحت الوصاية البريطانية. كذلك أصدرت جمعية اللواء الأبيض عام 1924م  بيان "نداء السودان الى الأمة البريطانية" تذكر فيه "أن القادة الدينيين لا يمثلون الشعب السودانى وليسوا مخولين للتحدث باسمهم".[19]

 

نهاية أحداث 1924م المأساوية لم يكن مستبعدة كما لم يكن موقف حكومة مصر فى عدم مساندة الثوار السودانيين بمستبعد وهى نفسها تقع تحت الارادة البريطانية. وبنهاية تلك الثورة " كان كثيرون(هكذا فى الأصل) من السودانيين والقوميين ذوى الميول المصرية قد تجردوا من أوهامهم بفضل حوادث تلك السنة، فاما تركوا السياسة نهائيا أو بدأوا التفكير فى أن أفضل الطرق لتحقيق أهدافهم النهائية هو الاعتماد على جهودهم الخاصة."[20] بل ان الكثيرين من الذين زاروا مصر (...) واجهوا فيها ما لا يسرهم شخصيا ولم يعودوا متحمسين لأن تكون للسودان علاقات سياسية وثيقة بمصر"[21]  اتجه المتعلمون بعد فشل ثورة 1924 الى الجمعيات الأدبية ليبثوا من خلالها القصائد الوطنية " التى كثيرا ما كانت تحتوى على تلميحات الى مصر المحبوبة التى ابعدت"[22]على الرغم من علمهم التام بموقف مصر السابي فيما يتعلق بثورة اللواء الآبيض وخيانتهم لقادتها كما يقول الدرديري في مذكراته. لا يخفى على القارئ الكريم التناقض الذى وقع فيه مدثر عبدالرحيم وهو يتحدث حول موقف المتعلمين السودانيين من مصر وهو تناقض تحفل به الكثير من الكتابات فيما يتعلق بهذه الفترة. تمثل التناقض في الحديث المكرر عن حب السودانيين لمصر بسبب مواقفها مع القضية السودانية وهو ما حاولنا اثبات عدم صحته بل العكس هو الذي كان يحدث من قبل المصريين. فهم الذين غزو السودان مع الانجليز باعتباره جزء من مصر ويعملون على اعادته بعد ثورة سعد زغلزل. لقد حنث الضباط المصريون بوعدهم للضباط السودانيين فى أنهم سيقاتلون معهم ولما اندلعت الحرب بين الانجليز والسودانيين انسحب المصريون. هذا الانسحاب رغم تدوينه فى كل الوثائق الا أن القائمين على أمر المسرح والاعلام في السودان ما زالوا مصرين على غير ذلك اذ أن مسلسل على عبداللطيف الذى بثته قناة التلفزيون السودانى كجزء من برنامجها لشهر رمضان المبارك الموافق لنوفمبر عام 2002م مليئة حلقاته بمثل هذه الأخطاء التي تعطى للجنود المصريين من الايجابيات ما لم يقوموا بها فى تلك الأحداث بل على العكس كما أوضحنا كانت مواقفهم سلبية وانهزامية للدرجة التى ساد فيها الانطباع بان مصر ما هى الا "قصبة مرضوضة" أى فشنق؟ وليس لديها شئ تقدمه للسودان.[23]في الحلقة القادمة نتناول اتفاقية عام 1936م في علاقاتها بتهميش كيان الأنصار من قبل البعض.

 

 

 

 

 

 



 منصور خالد جنوب السودان في المخيلة العربية: الصورة الزائفة والقمع التاريخي دار تراث لندن 2000 [1]

[2]  Hassan Ahmed Ibrahim the Anglo-Egyptian Treaty, KUP Khartoum, 1976, P.13- 15

 مدثر عبد الرحيم 1971 مرجع سابق ص 96 نقلا عن العلاقات الانجليزية المصرية 1800-1953 [3]

 المرجع السابق ص 89 [4]

 المرجع السابق ص 90[5]

 المرجع السابق نفس الصفحة[6]

 المرجع السابق نفس الصفحة[7]

 الدرديرى محمد عثمان 1961 مرجع سابق ص 50 [8]

 المرجع السابق ص 94 نقلا عن تقرير الاستخبارات  [9]

[10] Yoshiko Kurita The Language of class and the Language of Race in Modern Sudanese Politics: the Case of Ali Abdal Latif and the Revolution of 1924. in:

التنوع الثقافي وبناء الدولة الوطنية في السودان. أبحاث الندوة الثانية 1/3 أبريل 1995 القاهرة إعداد حيدر إبراهيم على ط1، 1995

[11] Egypt and Sudan F. O. 371/10905, Political Agitation in Sudan p. 5     

  يوشيكو كوريتا كتابات سودانية 1994مرجع سابق

 حسن نجيله ملامح من المجتمع السوداني الخرطوم 1972 الطبعة 4 ص122 [12]

 يوشيكو كوريتا 1994 مرجع سابق ص 17[13]

 الدرديرى 1961 مرجع سابق ص 50 [14]

 يوشيكو كوريتا كتابات سودانية 1994 مرجع سابق نقلا عن سليمان كشة اللواء الأبيض 1957 ص 33 [15]

 للمزيد في هذا الجانب أنظر منصور خالد 2000 مرجع سابق ص 194-206 [16]

 المرجع السابق ص 194[17]

 مدثر عبد الرحيم 1971 مرجع سابق ص 93[18]

 أحمد إبراهيم دياب ثورة 1924 دراسات ووقائع الخرطوم 1977 ص 22[19]

 مدثر عبد الرحيم 1971 مرجع سابق ص 97 و ص  102[20]

 المرجع السابق ص 103 [21]

 المرجع السابق ص 99[22]

[23] Memo. On the attitudes of the Sudanese Towards Egypt 1905-32(no 122/36/6/21) Khartoum 1932


© Copyright by SudaneseOnline.com


ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

أعلى الصفحة



الأخبار و الاراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات و تحليلات
  • تشارلز تيلور يكتب من لاهاي هاشم بانقا الريح*
  • تنامي ظاهرة اغتصاب الاطفال ...! بقلم / ايـليـــا أرومــي كــوكــو
  • مؤتمر تمويل التنمية/د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
  • بين مكي بلايل والعنصرية والحركة الشعبية /الطيب مصطفى
  • قالوا "تحت تحت" الميرغنى ماااااا "داير الوحدة"/عبد العزيز سليمان
  • الصراع الخفي بين إدارة السدود والمؤتمر الوطني (4-12) بقلم: محمد العامري
  • قواعد القانون الدولى المتعلق بحصانات رؤساء وقادة الدول/حماد وادى سند الكرتى
  • هل يصبح السيد مو ابراهيم حريرى السودان بقلم: المهندس /مطفى مكى
  • حسن ساتي و سيناريو الموت.. بقلم - ايـليـا أرومـي كـوكـو
  • الجدوي من تعديل حدود اقليم دارفور لصالح الشمالية/محمد ادم فاشر
  • صلاح قوش , اختراقات سياسية ودبلوماسية !!؟؟/حـــــــــاج علي
  • أبكيك حسن ساتي وأبكيك/جمال عنقرة
  • نظامنا التعليمي: الإستثمار في العقول أم في رأس المال؟!/مجتبى عرمان
  • صندوق إعادة بناء وتنمية شرق السودان .. إنعدام للشفافية وغياب للمحاسبة /محمد عبد الله سيد أحمد
  • )3 مفكرة القاهرة (/مصطفى عبد العزيز البطل
  • صاحب الإنتباهة ينفث حار أنفاسه علي باقان: الصادق حمدين
  • جامعة الخرطوم على موعد مع التاريخ/سليمان الأمين
  • ما المطلوب لإنجاح المبادرة القطرية !؟/ آدم خاطر
  • الجزء الخامس: لرواية للماضي ضحايا/ الأستاذ/ يعقوب آدم عبدالشافع
  • مبارك حسين والصادق الصديق الحلقة الأولى (1-3) /ثروت قاسم
  • ماذا كسبت دارفور من هذه الحرب اللعينة !!/آدم الهلباوى
  • الأجيال في السودان تصالح و وئام أم صراع و صدام؟؟؟ 1/2/الفاضل إحيمر/ أوتاوا
  • النمـرة غـلط !!/عبدالله علقم
  • العودة وحقها ومنظمة التحرير الفلسطينية بقلم نقولا ناصر*
  • المختصر الى الزواج المرتقب بين حركتى العدل والمساواة والحركة الشعبية لتحرير السودان /ادم على/هولندا
  • سوداني او امريكي؟ (1): واشنطن: محمد علي صالح
  • بحث في ظاهـرة الوقوقـة!/فيصل على سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر
  • سقوط المارد إلى الهاوية : الأزمة مستمرة : عزيز العرباوي-كاتب مغربي
  • قمة العشرين وترعة أبو عشرين ومقابر أخرى وسُخرية معاذ..!!/حـــــــــــاج علي
  • لهفي على جنوب السودان..!! مكي المغربي
  • تعليق على مقالات الدكتور امين حامد زين العابدين عن مشكلة ابيي/جبريل حسن احمد
  • طلاب دارفور... /خالد تارس
  • سوق المقل أ شهر أسواق الشايقية بقلم : محمدعثمان محمد.
  • الجزء الخامس لرواية: للماضي ضحايا الأستاذ/ يعقوب آدم عبدالشافع
  • صاحب الإنتباهة ينفث حار أنفاسه علي باقان أموم/ الصادق حمدين
  • رحم الله أمناء الأمة/محجوب التجاني
  • قصة قصيرة " قتل في الضاحية الغربية" بقلم: بقادى الحاج أحمد
  • وما أدراك ما الهرمجدون ؟! !/توفيق عبدا لرحيم منصور
  • الرائحة الكريهة للإستراتيجي بائتة وليست جديدة !!! /الأمين أوهاج – بورتسودان
  • المتسللون عبر الحدود والقادمون من الكهوف وتجار القوت ماشأنهم بطوكر /الامين أوهاج