التجار النهابون هم أساس الدولة الفاشلة في السودان
إن الصراع علي المال و الموارد علي مستوي القوميات و في المجتمعات المحلية نزولا إلي الأفراد هو أهم محرك في السياسة الداخلية في أي دولة. و بالتالي فان السياسة التقليدية تتبع الاقتصاد و تخدم مصالح أصحاب المال و ليس العكس إلا في حالات مؤقتة تصاحب الثورات الشعبية الحقيقية. و الأمور الفجة السوء في السودان تزداد وضوحا كل يوم مبرزة عوراتها المتمثلة في فساد إدارة الاقتصاد. فالاقتصاد و لزمن طويل جدا يتحرك بمشيئة تجار نهابون ليسوا بذكاء أقرانهم في الغرب و هم يقدموا الأموال للحكومة و أجهزة الجبايات ليس من باب الاضطرار بل لشراء مؤسسات القانون و تشريعات سوق العمل و أنظمة التحكم في المجتمعات.
للتوضيح سأعطي ملاحظة ثم مثال. الملاحظة هي: المقارنة بين التنوع القبلي الذي يلاقي الجميع في الأماكن و المواصلات العامة مقارنة بشبه انعدام هذا التنوع القبلي بين التجار و أصحاب الأعمال في الأسواق و الورش الكبيرة كما يتضح في ملكية الأراضي في المناطق السكنية و الصناعية و التجارية العالية القيمة. هذا الاحتكار القبلي يزداد سوءا بوتيرة متسارعة بسبب سياسات التفضيلية لبعض المناطق و القبائل و التعجيزية لمعظم سواد الأمة السودانية ليس فقط في القطاع الخاص بل علي الأخص في وظائف الأجهزة و الشركات الحكومية و شبه الحكومية. أما المثال المحدد فهو ما يحدث في سوق أجهزة الكمبيوتر و أجهزة الهاتف النقال "الموبيل" و خدمات الاتصالات في الخرطوم و باقي السودان الذي نشأ مؤخرا بشكل مشبوه.
مؤخرا ذهبت لشراء شريحة ذاكرةDDR2 RAM سعة واحد قيقا لجهاز كمبيوتر محمول. بالطبع أطلعت مسبقا علي مواقع الكترونية للبيع و المعلومات فوجدت أن متوسط سعرها هو حوالي خمسة و أربعون دولار للنوعيات عالية الجودة و الماركة. بمراجعة العديد من المحلات في الخرطوم وجدت أنهم علي أتفاق لبيع نوعيات سيئة لها نفس السعة بما يعادل مائة و خمسة و عشرون دولار. هذا أكد لي أنه لا تنافس و لا سوق حر في السودان و أنهم علي أتفاق لنهب المواطن و نهبه بشراسة بتواطؤ مع الشركات و الجهات المسئولة.
في عصر المعلومات و الاتصالات لا يعي هؤلاء المستحدثون أن السوق الجاهل المضطر كما عرفوه قد أنتهي و أنهم يعيشون في سوق بلا حدود دولية. أن محاولاتهم لاستمرار التحكم في السوق و نهب المواطن بالاحتكار و الغش و المغالاة ستفشل بالتأكيد رغم تواطؤ الحكام.
هذا مثال واحد بسيط و واضح و الأمثلة الأخرى كثيرة و بعضها أكثر فحشا. و لكن هل هذا هو فشل غير مقصود في أدارة الأسواق في السودان؟ الإجابة هي لا. أنه عمل نهب متعمد و سرقة باستغلال القانون و النظام و هو شكل من أشكال العنف الناعم. لمعالجة هذه الأوضاع يلزم توزيع المحال التجارية و الأسواق و الشركات و المصانع و الورش علي القوميات السودانية بعدل. كما يجب رقابة الأسواق بشكل فعال و حماية المستهلك من كافة صور الغش. أن تحرير المواطن السوداني من الممارسات الظالمة و من الفقر يبدأ بالأسواق في كافة أنحاء السودان و يستهدف مصالح المواطن المادية في المقام الأول و ليس عبر بيانات إعلامية. و ما السياسة و الأمن و الثقافة إلا وسائل لحماية المصالح المالية و الاقتصادية للمواطن.
إن التجار الجشعون الطفيليون هم أساس بلاء المواطن و بؤس الوطن و ما الساسة سوي أدوات من العسكر و الموظفون و التجار المتقاعدين. أن الحروب في السودان هي انتفاضات ضد السرقة و الاستغلال و العنف المقنن و "العنجالي" الفظ التي تتم تحت عباءات التجارة و الدين و القبيلة. و سيستمر الاحتراب ما استمر الجشع. انه صراع الضمير ضد المال و العدل ضد الظلم و الحق ضد الباطل. أنها حملات ضد فساد القانون و العمل و التعامل.
مهندس/طارق محمد محمد خير عنتر / الخرطوم/ السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة