زفرات حرى
الطيب مصطفى
[email protected]
بين حسم مندور وتخرصات عرمان!!
سعدتُ كثيراً للتصريحات التي أدلى بها د. مندور المهدي والتي حسم من خلالها الجدل حول بقاء الحركة والجيش الشعبي في الشمال عند الانفصال فقد أغلق مندور الباب تماماً أمام الرويبضة عرمان ورفاقه حيث أكد أن الحركة والجيش الشعبي لن يبقيا في الشمال حال الانفصال مشيراً إلى ترتيبات لمعالجة وضعية منسوبي الحركة والجنوبيين الذين فازوا في دوائر انتخابية بولايات الشمال في الانتخابات الأخيرة.
سعدت أكثر أن مندور قال إن المؤتمر الوطني سيحل أجهزته بولايات الجنوب وإن عضوية منسوبيه من الجنوبيين ستنتهي فور إعلان الانفصال وهو بالطبع أمرٌ طبيعي أن يفقد الجنوبي الذي سيصبح أجنبيًا عضويته في المؤتمر الوطني والأحزاب الشمالية الأخرى وبالتالي فإن المؤتمر الوطني يكون قد ألقم الحركة وباقانها وعرمانها حجراً كبيراً إذ كان من الممكن أن تتعلل بوجود المؤتمر الوطني في الجنوب وكذلك وجود جنوبيين ضمن عضوية المؤتمر الوطني لكي تطلب المعاملة بالمثل خاصة وأنها قد استنفدت وسعها في المطالبة بالجنسية المزدوجة وحين عجزت عن الحصول على هذا المستحيل طالبت بمنح الحريات الأربع لأبناء الجنوب!!
مندور كان حاسماً حين جزم بعدم بقاء الجيش الشعبي بالشمال لا سيما في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وكذلك عدم بقاء القوات المسلحة في الجنوب وقال إن ذلك كله متفق عليه.
حديث مندور أكده أو عزّزه تصريح من الناطق الرسمي باسم الجيش الشعبي العميد فيليب أقوير الذي ذكّر بأن اتفاقية السلام وبروتوكول الترتيبات الأمنية نصّا على أن يختار أبناء شمال السودان في الجيش الشعبي البقاء أو تسريحهم والذهاب إلى الشمال وبالتالي فإن تخرصات عرمان واستقواءه بالشماليين في الجيش الشعبي تصبح بلا قيمة.
اقرأوا بالله عليكم حديث عبدالعزيز الحلو الذي نسي ما فعلته الحركة الشعبية بالمدافع الحقيقي عن حقوق أبناء النوبة تلفون كوكو المعتقل حتى الآن في سجون الجيش الشعبي منذ أكثر من سنة، فالرجل يقول إن «أعضاء الجيش الشعبي من أبناء جبال النوبة والنيل الأزرق لا يزالون يحملون أسلحتهم وإنهم يتمتعون بشرعية دستورية».. يتمتعون بشرعية دستورية رغم أنف نيفاشا وترتيباتها الأمنية!! لكن ألم يقل إن نيفاشا باقية حتى بعد أن شبعت موتاً بعد الانفصال؟ لماذا إذن لا يقول بذات المنطق إن الجيش الشعبي يتمتع بشرعية دستورية؟!
الآن أشعر ويشعر أبناء السودان الشمالي بالاطمئنان أن أحصنة طروادة ستُنتزع وتُقتلع من الشمال وإذا كان غريباً بحق أن يكون هناك جيشان في دولة واحدة مما أفضت إليه نيفاشا كسابقة تاريخية فريدة فإن من المستحيل أن يوجد جيش أجنبي في دولة من الدول إلا إذا كانت محتلة كما هو الحال بالنسبة للعراق وفلسطين وغيرهما!!
مندور قال كذلك إن منسوبي المؤتمر الوطني من الجنوبيين لن يستمروا أعضاء في الحزب إلا إذا حصلوا على جنسية دولة الشمال وهو أمرٌ لا خلاف عليه لكن مندور قال كلاماً آخر خطيراً أرجو أن يكفّ عن تكراره حتى لا يُفهم خطأ فقد أعلن أن الدولة ستنظر في منح الجنسية السودانية للجنوبيين الذين دافعوا عن الوطن والوحدويين!!
أقول للأخ مندور إن كلامه هذا قد يُفهم على أن المؤتمر الوطني باعتباره يمثل الدولة هو الذي سيحدِّد معيار منح الجنسية بما يحقق أجندته الحزبية إذ إن عبارة «الجنوبيين الذين دافعوا عن الوطن» يمكن أن تُخضع لتكييف حزبي ضيِّق لا يعبِّر عن معايير متفق عليها من جميع القوى السياسية فضلاً عن أن عبارة «الوحدويين» كذلك تحمل مفهوماً «مفخّخاً» يمكن أن يتسلل منه الأعداء بما يشكِّل تهديداً للأمن القومي ولهُوية البلاد فعلى سبيل المثال فإن أليسون مناني مقايا وآلاف غيره تقلبوا في نعيم الإنقاذ لكنهم سرعان ما انقلبوا عليها بمجرد فقدانهم مواقعهم مما يدلل على هشاشة الولاء المرتبط بالمصالح الشخصية فضلاً عن أن الجنوبي يظل جنوبياً سواء كان وحدوياً أو انفصالياً فما هو السبب الذي يجعلنا نمنح الوحدوي الجنسية السودانية الشمالية كما لو كانت وحدويته هذه تُثبت انتماءه للشمال أكثر من انتمائه للجنوب وهل سيكون ولاؤه للشمال في حال نشوب حرب بين دولتي الشمال والجنوب؟!
إن هذه تعتبر نقطة الضعف الكبرى في حديث مندور الذي سبق أن قال إن المؤتمر الوطني سيمنح عضويته الجنسية حال الانفصال لكنه عاد ونفى أنه قال ذلك ولكنه يعود ويكرره بصورة أو بكلمات مختلفة لا أجد لها مبرراً بأي حال.
على كلٍّ فإن حديث مندور ألقم الرويبضة عرمان وغيره حجراً ضخماً وقطع قول كل خطيب فهذا العميل البغيض يقول لصحيفة الأهرام اليوم «إن الحركة الشعبية لن تلجأ إلى العمل السري لأنها حركة حاكمة لديها حاكم منتخب في ولاية النيل الأزرق ونائب حاكم في ولاية جنوب كردفان ورؤساء لجان في البرلمان الحالي»!! حاكم منتخب بالتزوير وبغفلة المؤتمر الوطني لكنه حاكم يستطيع الوطني أن يقضّ مضجعه بأغلبيته في المجلس التشريعي.
تخيلوا جرأة هذا الأحمق الذي ظل يحارب أهله وبني جلدته على مدى العقود الماضية منذ منتصف الثمانينات ثم ها هو يتوعدنا حتى بعد أن غادرت الحركة بل غادرنا الجنوب غير مأسوفٍ عليه.. يتوعدنا بأنه باقٍ بيننا وأن الحركة تتولى حكم ولايات شمالية!!
أرجع لمندور لأقول إن على المؤتمر الوطني وقد ورطنا في التنازلات التي جعلت عرمان يستقوي بوجود الحركة في النيل الأزرق وجنوب كردفان بل وببرلمانيي الحركة.. أقول إن على المؤتمر الوطني أن يفي بما وعد به مما أشرنا إليه في هذا المقال فقد تمادى عرمان والحلو وعقار حين هددوا بأن الحركة التي تحكم الجنوب باقية في الشمال فهل بربكم من جرأة وقلة حياء أكثر وأكبر من هذه؟! بل إن عرمان والحلو توعّدانا بجيش الحركة الذي كان ينبغي ــ لولا التساهل ــ أن ينسحب خلال الفترة الانتقالية لكنه بقي في الشمال بينما انسحبت القوات المسلحة السودانية من الجنوب فسبحان مغير الأحوال!!
الحركة الشعبية والجيش الشعبي اللذان لم يقويا خلال فترة الحرب قبل نيفاشا على دخول مدن الجنوب يدخلان الشمال ويبقيان فيه حتى اليوم بل حتى بعد أن انفصل الجنوب!!
فهل من شيء يفقع المرارة ويهرد الكبد أكبر من ذلك؟!
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة