زفرات حرى
الطيب مصطفى
eltayebmstf_(at)_yahoo.co.uk
بين ثابو أمبيكي والرويبضة عرمان!!
لم أستغرب قول الرئيس السابق لجنوب إفريقيا ثابو أمبيكي الذي يشغل منصب رئيس لجنة حكماء إفريقيا «إن السودان في حال الانفصال لن ينقسم لجنوب إفريقي وشمال عربي بل لقطرين إفريقيين تفرض عليهما الظروف احترام التنوع وإدارة التعددية» ثم قوله «الإسلام دين إفريقي أصيل والحركة الإسلامية السودانية هي حركة إفريقية أصيلة والوحدة القائمة على التنوع باتت جوهر الوجود السياسي للدول الإفريقية»!!
ما قاله ثابو أمبيكي في محاضرة بقاعة الصداقة يوم الأول من أمس يكشف الدور الخطير الذي يلعبه هؤلاء المبعوثون في رسم السياسة السودانية بل وفي العمل على تحديد الهُوية السودانية حتى بعد الانفصال وزوال التنازع حول الهُوية!!
لمن لا يعلمون فإن أمبيكي هذا كان من أقرب المقربين للزعيم الأسطوري نيلسون مانديلا الذي قاد ثورة التحرر من نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وكان أول رئيس لجنوب إفريقيا بعد مانديلا ولذلك لا غرو أن يكون مشحوناً ومعبّئاً بشعارات «الأفريقانية» ويصدر عنه هذا الكلام الذي يتجاهل تماماً البُعد العربي الإسلامي في هُوية السودان الشمالي بعد أن يخرج منه الجنوب الذي كان ينازعه ويسعى جاهداً لجرِّه بعيداً عن انتمائه ومحيطه وعمقه العربي الإسلامي الأمر الذي يكشف تعاطف أمبيكي أو اتفاقه مع طرح الحركة الشعبية لمشروع السودان الجديد الذي يسعى لطمْس وإنهاء الهُوية العربية الإسلامية للسودان الشمالي.
لماذا يا تُرى لم يعقد أمبيكي محاضرته إلا في هذا التوقيت قُبيل انفصال الجنوب الذي سيمكِّن الشمال من حسم قضية الهُوية اتّساقاً مع حديث الرئيس البشير الذي تحدث في القضارف عن انتهاء عهد «الكلام المدغمس» وعن وحدة الهُوية في الشمال بما يعيد الشمال إلى هُويته العربية الإسلامية التي كادت أن تُطوى لولا عناية الله ورحمته بهذا الشعب المرحوم وبما يُزيل من عوامل «الدغمسة» بخروج الجنوب من الوحدة مع الشمال وسيادة الهُوية العربية الإسلامية بشريعتها غير «المدغمسة» التي ستحل محل شريعة نيفاشا التي جعلت التوافق الشعبي مماثلاً للشريعة الإسلامية في التشريعات القومية خارج جنوب السودان وبلغتها العربية غير «المدغمسة» والتي حطّت نيفاشا من قدرها حين جعلت من جميع اللغات المحلية بما في ذلك اللهجات لغات قومية بل ومنحت السيادة في تفسير اتفاقية نيفاشا للغة الإنجليزية كما منحتها وضعاً مساوياً للغة العربية في التدريس على مستوى التعليم العالي وأداء أعمال الحكومة القومية!
أقول لماذا لم يقدِّم أمبيكي محاضرته إلا بعد حديث البشير في القضارف وتعليق أعداء الهُوية العربية الإسلامية عرمان وعبد العزيز الحلو ومالك عقار على حديث البشير في مؤتمرهم الصحفي الذي انتقدوا فيه البشير وقالوا كلاماً شبيهاً بكلام أمبيكي تحدثوا فيه عن التنوع الديني واللغوي والعِرقي في الشمال حال انفصال الجنوب وسيادة نيفاشا حتى بعد أن قضت نحبها؟!
أعجب أن يتحدث أمبيكي كما لو كان حاكماً على السودان ويمارس نفس الدور الذي يقوم به الأمريكان جون كيري وغرايشون وغيرهما ممن ظلوا يصولون ويجولون ويتحدثون بلغة المستعمِر بريمر عقب الغزو الأمريكي للعراق وإلا فخبروني بربكم لماذا يقول أمبيكي بلغة حاسمة «إن السودان حال الانفصال لن ينقسم لجنوب إفريقي وشمال عربي» ثم يجزم بأن الشمال سيكون إفريقياً؟!
بربكم أليس من حقنا أن نقول لهذا الرجل «خلاص شكر الله سعيكم فقد انتهى العزاء» أو «شكراً على خدماتكم الجليلة فقد انتهى حفل العرس وانتهت مهمتكم بانفصال الجنوب»؟! أليس من حقنا أن نسأله عن سبب تدخله فيما لا يعنيه ولا أقول حشر أنفه؟!
أجرى التلفزيون السويسري حواراً معي يوم أمس وسألني حول هُوية الشمال بعد الانفصال وظل كلُّ من يُجرون معنا حوارات خلال الفترة الأخيرة يسألون نفس السؤال أما أمبيكي فلم يكن يسأل بل يتحدث كما لو كان الحاكم العام للسودان الشمالي!! ظللتُ أقول للخواجات: وهل تساوي فرنسا وأمريكا وألمانيا وإنجلترا بين لغاتها الأم ولغات الأقليات أو الجاليات الأخرى بل هل يحق للمسلمين الذين يبلغون الملايين في معظم الدول الأوربية وأمريكا أن يمارسوا شعائرهم كما يحلو لهم أو يأمرهم به دينُهم.. هل يُسمح لهم بالأذان في كل مكان أو الصلاة في الميادين العامة في سويسرا مثلاً أو يُسمح بالنقاب في فرنسا وسويسرا ودول أوربية أخرى أو بذبح الأضاحي في بعض الدول الأوربية؟!
انه الاستضعاف «والحقارة» التي تجعل جون كيري يرهن تطبيع العلاقات بالانتهاء من القضايا العالقة التي لا أشك أنها ستشمل الجنسية المزدوجة أو على الأقل الحريات الأربع التي يريدون أن يعيدوا بها صناعة الأزمة من جديد حتى بعد أن أذهب الله عنا الأذى وعافانا مستغلين الرويبضة عرمان والعنصرييَّن المبغضَين لهُوية الشمال العربية الإسلامية الحلو وعقار.
لو كان الأمر بيدي لما فرطتُ في الأوراق التي في يدي كما ظل المؤتمر الوطني يفعل ولا يزال ولأرغمت أمريكا على التطبيع من خلال اشتراط رفع العقوبات ثمناًَ لإجراء الاستفتاء خاصة بعد أن علمت الحكومة تكأكؤ أمريكا وهرولتها ورغبتها الجامحة في إجراء الاستفتاء مهما كلفها ذلك لكن ها هي أمريكا تشترط كما تفعل على الدوام حينما يُهدى إليها بالمجان وهي التي أعلنت على رؤوس الأشهاد أنها لا تدفع ثمن ما يُهدى إليها.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة