زفرات حرى
الطيب مصطفى
[email protected]
عندما تغضب الأهــرام المصريـــة!!
صحيفة الأهرام المصرية المساندة للحكومة المصرية شنَّت هجوماً عنيفاً على الحكومة السودانية فيما اعتُبر موقفاً مغاضباً من النظام المصري ذلك أن الأهرام لا تنطق إلا بلسانه ولا تهاجم أو تنتقد إلا بإذن من أولياء نعمتها!!
الأهرام بدلاً من أن تكفّ عن حشر أنفها فيما لا يعنيها صبَّت جام غضبها على تصريحات الرئيس البشير الأخيرة بشأن الشريعة الإسلامية واعتبرت ذلك «مدعاة لدفع الجنوبيين لتأييد الانفصال»!!
مشكلة هؤلاء والعرب جميعاً أنهم لا يدرون شيئاً عن السودان وإلا لما كتب رئيس تحرير الأهرام مثل هذا الكلام الساذج حول تصريحات الرئيس البشير بعد أن أصبح الانفصال واقعاً!!.
رئيس تحرير الأهرام من فرط جهله قال إن الحكومة السودانية قايضت تطبيق الشريعة الإسلامية بحق تقرير المصير بالرغم من أن تقرير المصير هذا أقرته جميع القوى السياسية حتى تلك التي كانت مجتمعة في أسمرا مع الحركة الشعبية ومنضوية معها في التجمُّع الوطني الديمقراطي ولست أدري ما إذا كان هذا الرجل قد سمع بمؤتمر القضايا المصيرية الذي انعقد في العاصمة الإريترية عام 5991م وأقر تقرير المصير!!
بربكم لماذا يهرف هذا الرجل بمثل هذا الكلام ويتدخل فيما لا يعنيه ولا يعلم عنه شيئاً ويطلب من السودان أن يأتمر بأمر القاهرة ويسعى لتحقيق أجندتها السياسية حتى لو كان ذلك يتعارض مع مصالحه الوطنية وهل فعلت القاهرة ذلك ونزلت على رغبة العرب حين وقَّعت اتفاقية كامب ديفيد التي أخرجتها تماماً من الصراع العربي الإسرائيلي؟!
نحن يا هذا لا نقايض شريعة الله سبحانه وتعالى بالوحدة ولا بشيء في هذا الكون ذلك أن رضا الله مقدَّم على ما عداه وكان الأحرى أن لا يصدر عنك مثل هذا القول من عاصمة الأزهر الشريف.
إن قول هذا الرجل يذكِّرني بمثل «الخاتنة غير المختونة» في أدبنا الشعبي وبدلاً من ذرف الدموع على الوحدة بين الجنوب والشمال ليت هؤلاء يسعون إلى الوحدة بين مصر والسودان تلك الوحدة التي فرطوا فيها ذات يوم وضحوا بها استجابة للاستعمار البريطاني الذي ورّطنا في وحدة الدماء والدموع بين الشمال والجنوب.
الجنون فنون!!
الجنون الذي يجعلنا نقرر أن الجنوب لن يسقط من الخطة الخمسية للتخطيط الإستراتيجي حتى إذا اختار شعب الجنوب الانفصال هو ذات الجنون الذي جعل مدير امتحانات السودان يقول لصحيفة التيار الصادرة بتاريخ 03/11/0102 إنهم يولون ثقة عالية لحكومة الجنوب في الحفاظ على سرية الامتحانات والحيلولة دون تسرُّبها قبل موعدها الرئيسي!!
مدير امتحانات السودان قال ذلك على خلفية تأكيده بأن الطلاب الجنوبيين الجالسين للشهادة السودانية لهذا العام لن يتأثروا بانفصال الجنوب!! وقال إن الجنوب حافظ على خصوصية امتحانات الشهادة السودانية تحت كل الظروف طوال الخمسين عاماً الماضية!!
إذن فإننا موعودون بهذا الحديث بأن تُجرى امتحانات الشهادة السودانية في جنوب السودان حتى بعد أن يصبح دولة مستقلة ولا نخشى من تسرب الامتحانات من قِبل حكومة جنوب السودان بما يعني أننا نثق في أن الامتحانات لن تُرسل إلى الشمال أو قل لن تُوزّع على الطلاب الجنوبيين قبل الامتحانات بغرض تمكينهم من إحراز نتائج متميِّزة هذا إذا استبعدنا الكيد الذي مرد عليه القوم في جنوب السودان.
إنه نفس الجنون الذي يجعلنا حتى اليوم نتحدث عن الوحدة بل ونخسر الأموال الطائلة في الدورة المدرسية الفاشلة في جنوب السودان ونتيح المجال لكل من يقدم مشروعًا لتعزيز الوحدة ونغدق عليه الأموال بالرغم من اقتناعنا بأن الأمر بات منتهياً وأن تحقيق الوحدة أكثر استحالة من دخول الجمل في سم الخياط!!
بعد أيام قليلة ستعود العافية إلى الجسد السوداني الذي أنهكه السرطان وبدلاً من الانشغال بالتخطيط للمرحلة المقبلة كما تفعل حكومة الجنوب التي لم تشاركنا أعياد استقلال السودان في القصر الجمهوري بسبب انشغالها في التحضير لاحتفالات استقلالها عن «الاستعمار الشمالي» ها نحن نصرُّ على نصب سرادقات العزاء والنواح والعويل ولطم الخدود وشقّ الجيوب حزناً على انعتاقنا من الاستعمار ونيلنا استقلالنا الحقيقي فهل بربكم من جنون أكبر من ذلك؟!
يُفترض أن ننشغل في إقامة ورش العمل وإجراء الدراسات في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كلٌّ في مجاله بغرض الإعداد للمرحلة الجديدة من تاريخنا وكان الأولى أن تعمل وزارة التربية في إعداد منهج جديد للجغرافيا يغيِّر من خريطة السودان القديمة بما يزيل الجزء المعطوب الذي لطالما أقعدنا وشلّ حركتنا وعطَّل مسيرنا وأسال دماءنا وحطّم منشآتنا وأنهك اقتصادنا وأهدر مواردنا، وإعداد منهج للتاريخ يتواءم مع تاريخنا ويعيد إلى الزبير باشا رحمة سيرته التي تطاول عليها كُتاب الجنوب ومؤرِّخوه ويُعلي من قدر أبطال المهدية الذين وُصفوا بتجار الرقيق.
كان من الأولى أن يستغرق القانونيون في كتابة الدستور الجديد الذي نُزيل به تشوُّهات نيفاشا التي «دغمست» دستورنا بل وشوَّهت هُويتنا... كان ينبغي أن نفرح أننا سنكون لأول مرة في وطن لا يدرس بعضُ تلاميذه مناهج يوغندية وكينية استنكافاً ورفضاً لمناهجنا.. وطن لا يحتفي ويحتفل بقاتلي أبطالنا ويسميهم بالأبطال!
أما نحن فقد أعددنا العدة للاحتفال بالاستقلال الحقيقي.. استقلال عودة الروح إلى جسد السودان الشمالي.. استقلال تصحيح التاريخ وكنس القرار البريطاني الذي أراد أن يستأصل هُويتنا ويبدِّل ديننا ولغتنا.. استقلال إزالة التنازع حول الهُوية... تنازع دولة القط والفار والليل والنهار والشحمة والنار، وسترون قرائي الكرام ما سنفعله إن شاء الله من احتفال يليق بجلال المناسبة التي غفل كثيرون عن تبيُّن عظمتها بعد أن غابوا عن الوعي واستغرقتهم الغفلة وعجزوا عن مشاهدة الملك العريان الذي يرونه أمامهم عارياً ولكن!!!
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة