زفرات حرى
الطيب مصطفى
[email protected]
فرية الجنسية المزدوجة بين التجربة الكورية والسودانية!!
مولانا خلف الله الرشيد رئيس القضاء الأسبق رجل جدير بالاحترام فقد كان سجله الوطني منذ شبابه الباكر ناصعاً ومنحازاً لمهنة القانون التي ما قامت إلا لإقامة العدل.. تلك القيمة المطلقة التي اتخذها الله سبحانه وتعالى أحد أسمائه الحسنى وأمر بها قبل غيرها «إن الله يأمر بالعدل والإحسان...».
مولانا خلف الله رغم ذلك أفتى في أمر سياسي خارج تخصصه تمنيت أن لو سكت عنه فقد قال خلال مخاطبته ندوة حول حقوق الأقليات في جنوب السودان «إن كل من يفضل البقاء بالشمال من الجنوبيين يستحق الجنسية السودانية» وضرب مثلاً لن يسعفه في حجته إذ قال إن ما حدث في الكوريتين الشمالية والجنوبية عقب الانفصال يعزز ذلك المنطق!!
دعونا «نفكِّك» هذه المقولة لنتبيَّن حقيقتها فهل حدث ما قاله مولانا خلف الله الرشيد؟!
لعل القراء يعلمون أن كوريا لم تنقسم إلى دولتين باستفتاء شعبيها اللذين ينحدران من اثنية واحدة ويتحدثان لغة واحدة ويعتنقان ديناً واحداً وإنما فُصلت فصلاً «قيصرياً» إجبارياًَ تمامًا كما حدث لألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية فقد قُسمت الكوريتان والألمانيتان بين المعسكرين اللذين فازا بالحرب العالمية الثانية فكانت كوريا الشمالية وألمانيا الشرقية من نصيب المعسكر السوفيتي الشيوعي بينما ضُمت كوريا الجنوبية وألمانيا الغربية إلى المعسكر الرأسمالي الغربي ولم يُستفتَ الشعبان اللذان ينهل كلٌّ منهما من هُوية ومرجعية اثنية وثقافية واحدة ولذلك لا غرو أن يزول الانفصال القسري مع زوال حائط برلين وانهياره وذات الشيء سيتكرر عند سقوط الحائط الذي يفصل بين شعب الكوريتين الموحَّد ثقافياً واثنياً لكنه منفصل سياسياً بفعل فاعل هو المذهب أو النظام السياسي الذي يحكم الدولتين ولذلك فإن الشعب الكوري الذي لم ينفصل ولم يُستفتَ أصلاً يحنُّ إلى بعضه تماماً كما فعل الشعب الألماني الذي كان يجازف بحياته ويجتاز الأسلاك الشائكة المحروسة بالرصاص من جانب ألمانيا الشرقية الشيوعية التي كانت تحكمه بالحديد والنار ليفر إلى أهله في ألمانيا الغربية وذات الشيء يحدث اليوم بين الكوريتين!!
أما في السودان فإن العكس تماماً هو الذي حدث ففي حين فُصل الشعب الواحد في كل من كوريا وألمانيا ضد رغبته ضُم شعب الجنوب إلى الشمال بدون أن يُستشار شعب الجنوب بل بدون أن يُستشار الشعبان الجنوبي والشمالي فقد كان قراراً استعمارياً معاكساً تمامًا للقرار الاستعماري الذي فصل كوريا وألمانيا!!
لذلك أعجب لحديث مولانا الذي يريد أن يمنح الجنسية الشمالية لمن رفضها حين صوّت للفرار منها والانحياز إلى دولة أخرى رأى أنها تعبِّر عنه وتمنحه حقوقه التي قال إنها منقوصة في دولة الشمال بل إنه باختياره هذا قد أعلن انحيازه لدولته الجديدة وموالاته وولاءه لها الأمر الذي يشكل خطراً على الأمن القومي للبلد الذي أعلن عن رغبته في التخلص من جنسيته ففي حال نشوب نزاع أو حرب بين الدولتين فإنه سيكون موالياً للدولة التي اختار الانتماء إليها بكل ما يعنيه ذلك من مهدِّدات أمنية ولذلك يمكن للمرء أن يتخيل خطورة وجود ملايين من الناس يوالون دولة أخرى معادية!!
تأملوا بربكم ما يفعله الشيطان ببعض الغافلين!!
هل سألتم أنفسكم قرائي الكرام لماذا تحتفي الحركة الشعبية والشيوعيون وبنو علمان بالهالك المرتدّ محمود محمد طه ويُحيون ذكراه سنوياً كما تُحيي الحركة ذكرى تمرد توريت الذي ذُبح خلاله مئات الشماليين قبل استقلال السودان وتسمي مجرمي تلك المذبحة بالأبطال؟! هل سمعتم بالحركة الشعبية وحلفائها يحتفون يوماً بذكرى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؟! كيف يحتفون بالرسول الكريم الذي ما قامت الحركة إلا لشنّ الحرب عليه وعلى دينه وعلى ربه سبحانه وتعالى؟!
إن الحركة الشعبية وصحيفتها أجراس الكنائس التي ينبغي أن تغادر هذه البلاد وتنتقل إلى جوبا يوم الإعلان عن ميلاد دولة الجنوب تحتفل بالهالك المرتدّ لأنه ألغى الصلاة بحجة أنه «وصل» وبلغ من القرب من الله تعالى درجة لم يبلغها الرسول الكريم الذي كان يصلي حتى وفاته!! إنها تحتفل به وتحيي ذكراه لأنه نصب نفسه رسولاً بعد محمد صلى الله عليه وسلم!! إنها تحتفي به لأنه جاء بهرطقات أراد أن يهدم بها عُرى الإسلام عروة عروة!! إنها تحتفي به لأنه سمّى نفسه رسول الرسالة الثانية؟!
إنه الضلال البعيد بل إنه الكيد للإسلام الذي كان هدفاً للحركة الشعبية وهالكها قرنق وأولاده باقان وعرمان وغيرهما!!
لا أحتاج إلى تفصيل فقد كتبتُ من قبل حول الهالك المرتد الضلِّيل وكتب غيري كثيرون منهم الأستاذ سعد أحمد سعد ولكني أود أن أضحككم قليلاً وأبيِّن كيف يسوق الشيطان بعض الغافلين ويُضلهم ضلالاً بعيداً فعندما حُكم على الضلِّيل محمود بالإعدام قال تلاميذه المساكين إنه لن يموت وستظهر كرامة له بل معجزة تقنع الناس بصحة «رسالته» وعندما سقط جثمانه «عكس القبلة» تلا أحدهم الآية «وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم»!!
أختم بطرفة نشرتها «أجراس الكنائس» في صفحتها الأخيرة وهي تقيم المناحة على المرتد الضلِّيل فقد قال أحد المتشاعرين مخاطباً الهالك محمود محمد طه:
أخبرني ملاك يرصد الأحوال في قلبي.. بأنك قد عقدت على هوامش جنة الفردوس.. مؤتمرًا صحفياً كان حضوره الحلاج والشبلي.. وعبد الخالق محجوب آل الكد والمجذوب.. لوركا والختم عثمان عميري يرسل الألحان.. ورابعة العدوية التي ذابت مع القبل الإلهية.. وسقراط الذي مازال مسموماً!!
أقول إذن فإن محمود محمد طه حسب هذا الشويعر المسكين عقد مؤتمراً صحفياً في الجنة لا أشك أن صحيفة أجراس الكنائس كانت من بين من قاموا بالتغطية الخبرية!! لكن شاعرنا الهمام نسي أن يضيف من بين حضور تلك الجلسة المحضورة في جنة الفردوس والتي خاطبها الهالك محمود نسي أن يضيف قرنق ولست أدري لماذا فات عليه ــ وقد رصد من بين الحضور في جنة الفردوس سقراط ولوركا وعبدالخالق محجوب ـ أن يتحدث عن وضعية قرنق في تلك الجلسة الروحانية.. هل كان يجلس إلى يمين محمود محمد طه أم إلى يساره كما نسي أن يقول إن محموداً قد بشر بأن الجنة ستشهد في القريب العاجل تلميذي قرنق المحبين لمحمود عرمان وباقان!!
بربكم هل رأيتم ما يفعله الشيطان في بعض الجَهَلَة من الأخسرين أعمالاً الذين ضلّ سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً؟!
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة