زفرات حرى
الطيب مصطفى
[email protected]
هل نحن جديرون بالاحترام؟!
أود أن أسأل قرائي الكرام: بالله عليكم ماذا تظنون بي إن قلت لكم إنني سأعيِّن إثيوبياً أو مصرياً أو تشادياً وزيراً في حكومة السودان، بل ماذا لو قلت إنني سأعيِّنه نائباً أول لرئيس جمهورية السودان يرأس مجلس الوزراء في حالة غياب الرئيس؟!
أخطر من ذلك: ماذا تظنون بي إن قلت إنني سأعيِّن رئيس وزراء إثيوبيا ملس زيناوي أو الرئيس المصري حسني مبارك أو التشادي إدريس ديبي أو الإريتري أسياس أفورقي.. أعيِّنه نائباً أول لرئيس جمهورية السودان ليرأس مجلس وزراء السودان في حالة غياب الرئيس السوداني؟! لا أشك لحظة في أن ظنكم بي لن يخرج عن احتمالين اثنين: إما مجنون وإما عميل!! وهل من مثال أبلغ لحالة تضارب المصلحة Conflict of interest أكبر من ذلك؟!
أقول ذلك بين يدي حدث جلل شهدته بلادُنا هذه الأيام زلزل كياني، فقد غمرني حزنٌ عميق حينما خرجت علينا الحكومة من خلال تصريح لأحد مهندسي نيفاشا بقرار بل بخطيئة أخرى لا تقل خطورة عن خطيئة نيفاشا وهل أكبر من الخروج على القانون وهل يجوز للدولة التي تخرق الدستور أن تأمر الناس باحترام الدستور والانصياع لأحكامه أو أن تحاسب الخارجين على القانون؟!
صدق الله تعالى إذ يقول: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) وما أصدق من قال: (إن فاقد الشيء لا يعطيه)!!
لو كان مفسرو المادة 622/01 من الدستور الانتقالي التي حسمت الأمر تماماً ولم تترك أي مجال لمن يريد التملص منها.. أقول لو كان مفسرو تلك المادة أناسًا عاديين أو جَهَلَة بالقانون أو كانوا من المعارضة التي تتربص بالحكومة لربما كان بمقدور السياسيين أن يجدوا مخرجاً من ورطة تلك المادة في الدستور الانتقالي ولكن عندما يكون من يُفتي في الأمر قيادات من المؤتمر الوطني بل من الذين أسهموا في صياغة نيفاشا فإن الأمر عندها لا يحتاج إلى بيان.
أقول ذلك مستشهداً بالدكتور عبدالرحمن الخليفة نقيب المحامين وأستاذ القانون بجامعة الخرطوم وأحد الذين صنعوا نيفاشا ثم نقيب المحامين السابق الأستاذ فتحي خليل ثم الخبيرة القانونية والمستشارة الرئاسية للشؤون القانونية بدرية سليمان ثم رجل القانون الكبير إسماعيل الحاج موسى ثم الخبير وعالم القانون محمد أحمد سالم هذا بخلاف السياسيين الذين أغلقوا الباب تمامًا أمام أي تفسير يبرر الخروج على أحكام الدستور أو يفسر تلك المادة بما يتيح للفريق سلفا كير رئيس دولة الجنوب حال الانفصال أو أيٍّ من الوزراء الجنوبيين الاحتفاظ بمواقعهم في الحكومة الاتحادية، فقد أكد هؤلاء جميعاً أن المادة 622/01 من الدستور الانتقالي لا تقبل أي تفسير آخر غير الذي أشرنا إليه في مرات سابقات بأنه في حال الانفصال تعتبر مؤسسات جنوب السودان وتمثيله وحقوقه والتزاماته على كل مستويات الحكم الاتحادي والهيئة التشريعية القومية وغيرها ملغاة تماماً.
نحمد الله كثيراً أن هؤلاء القانونيين والسياسيين أصدروا فتواهم وتفسيرهم لتلك المادة قبل أن تقرر الحكومة الانصياع لطلب الحركة الشعبية ومن يقفون خلفها وتُبطل تلك المادة من الدستور أو تعلقها أو تعلق جزءاً منها هو ذلك المتعلق بشاغلي المناصب التنفيذية دون المناصب التشريعية في البرلمان وإلا لما صدعوا بآرائهم تلك الجريئة ولصمتوا خوفاً من إحراج الحكومة وهي ترتكب جريمة الخروج على الدستور ولكم استمع الناس إلى د. مندور المهدي وهو يجيب عن الأسئلة بصورة لا تقبل المراء والجدال بل إلى د. نافع علي نافع بوضوحه وصراحته المعهودة وهو يقطع قول كل خطيب.
ولكم تمترست الحكومة بالدستور والقانون وعابت على الحركة وعلى قوى المعارضة خروجهم على الدستور والقانون لكنها اليوم ترتكب فعلاً تعلم أنه خطأ فادح بل خطيئة ستُكتب في سجلها إلى الأبد.
كان بإمكان الحكومة إن أرادت أن تنصب رئيس حكومة الجنوب ووزراء حكومة الجنوب الأجانب في قمة هرم السلطة في الشمال أن تفعل ذلك بالقانون والدستور قبل أشهر من الآن من خلال تعديل الدستور لكنها لم تفعل لأنها لم تكن قد قررت ذلك حينها وإنما فكرت فيه (فجأة) وبعد تعرُّضها لضغوط من جهةٍ ما وما كان لها إلا أن تلجأ إلى خرق الدستور الذي اضطرتها إليه سياسة إطفاء الحرائق ورزق اليوم باليوم التي اعتادتها منذ زمان بعيد.. تلك السياسة وذلك الأسلوب في إدارة الحكم الذي أوقعنا في كل كوارث نيفاشا بما في ذلك مشكلة أبيي وأزمة ولاية النيل الأزرق التي تحكمها الحركة الشعبية حتى بعد أن انفصل الجنوب وجنوب كردفان التي يتربع على عرشها في مركز نائب الوالي عبدالعزيز الحلو وكل القضايا الأخرى التي نعاني منها اليوم والتي جعلت الحركة تحيي مشروع السودان الجديد بعد الانفصال وتطمع في حكم الشمال الذي كان ذات يوم يسيطر من خلال قواته المسلحة ومجاهديه على مدن الجنوب الكبرى ولا تجرؤ الحركة وجيشُها على أن تحلم مجرد حلم باحتلال جوبا وملكال وواو وغيرها من المدن الكبرى في جنوب السودان!!
سألت فتحي خليل وعبدالرحمن إبراهيم نقيبي المحامين السابق والحالي قبل قرار خرق الدستور عن البترول وما إذا كان محكوماً بذات المادة 622 أو غيرها فجزما بأنه لا علاقة للبترول البتة بتلك المادة ذلك أن البترول تحكمه الاتفاقيات مع شركات النفط الأجنبية ويمر عبر الشمال حتى بورتسودان ولا علاقة له البتة بالمناصب الدستورية التي تخلو تلقائياً لأن شاغليها أصبحوا أجانب أما البترول فإنه من القضايا العالقة التي تحل خلال الفترة الانتقالية لكن (ترزية الفتوى) من السياسيين بمن فيهم سيد الخطيب وثلة من أولاد نيفاشا الذين يصرون على أن يجثموا على صدورنا حتى (يفطسوا) بلادنا، وكأن نساء السودان عقمن عن ولادة عباقرة من أمثالهم، أفتوا بأن يُعفى ويُقال نواب البرلمان دون غيرهم من أصحاب المناصب الدستورية بالرغم من أن الجميع محكومون بالمادة 622/01!!
لقد والله استقلت من منصبي بسبب تافه لكني لم أجد أحداً من عبيد السلطة يحتج ناهيك عن الاستقالة جراء خرق الدستور!!
أقولها ومرارتي تكاد تنفقع والله إن أمة لا تحترم الدستور وتخرقه لا تستطيع العيش ضمن منظومة العالم المتحضِّر إن كانت لا تحترم نفسها وقوانينها ودساتيرها!!
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة