زفرات حرى
الطيب مصطفى
هل نُبقي على اسم «السودان» بعد الانفصال؟!
تقرير جميل «ومخدوم» قدَّمه الصحفي النابه فتح الرحمن شبارقة في صحيفة «الرأي العام» حول اسم «السودان» وما إذا كان الشمال السوداني سيحتفظ باسمه أم أنه سيحذو حذو الجنوب الذي أظن أنه كوَّن لجنة للنظر في الاسم الجديد بعد الانفصال.
بالرغم من أن شعب السودان الشمالي في الغالب «ولوف» بطبعه وعاطفي ويقاوم التغيير وهو ما جعله أسيراً للحلول التقليدية المُسكِّنة التي استبعدت تماماً النظر في جذور مشكلة جنوب السودان ومن ثم تشخيص العلة بغرض البحث عن الدواء الناجع على خلاف ما حدث في دول أخرى كثيرة لم يُرهقها البحث عن حل لمشكلاتها الكبرى وعمدت إلى العلاج «الكيماوي» عوضاً عن «البنادول» في معالجة السرطان.. بالرغم من ذلك فإن شعب السودان الشمالي انتقل أخيراً من خانة التردد في أمر قضية الجنوب إلى خانة العلاج الجذري المتمثل في الانفصال بين زوج وزوجة ظلا يعذبان نفسيهما في عش زوجية ملغوم بالشقاء والتعاسة.
شبارقة لم يقل هذا الكلام «العديل» وإنما رصّع حديثه بعبارات أديبنا الكبير الطيب صالح عليه الرحمة وهو يتحدث عن اسم «السودان» للتعبير عن الرقعة الجغرافية التي تضم السودان الحالي قبل الانفصال حيث قال: «إن هذا الاسم موروث من العهد الاستعماري فقد أطلق المستعمِرون هذا الاسم على كل الرقعة الممتدة من حدود الحبشة شرقاً لغاية بلاد السنغال غربًا وبقينا نحن نحمل هذه التركة الاستعمارية الجوفاء»!!
إذن فإن الطيب صالح سمّاها بالتركة الاستعمارية الجوفاء التي ترددنا ولم نجرؤ أو نقرر الخروج أو الفكاك من قيدها تماماً كما ترددنا كثيراً وعجزنا لردح من الزمن وتنكبنا الطريق في بحثنا عن التركة الاستعمارية التي لا خلاف حول الدور الاستعماري البريطاني في توريطنا وحبسنا في سجنها المعتم ألا وهي تركة ضم الجنوب إلى الشمال بدون أي حيثيات موضوعية وإنما هو «حشر ماكر» للذئب في حظيرة الأغنام!!
أعود لحديث الطيب صالح فأقول إن اسم السودان أقدم من العهد الاستعماري الأوروبي فقد سمّى العرب قديماً كل الرقعة التي أشار إليها أديبنا الكبير «أرض السودان» أي الأرض التي يقطنها السود في مقابل «أرض البيضان»، والعجيب أن كل دول تلك الرقعة لم تحتفظ بالاسم الذي التصق بالسودان الحالي وحتى دولة إفريقيا الوسطى التي كانت تتسمى بالسودان الفرنسي اختارت اسمها الجديد الذي لا يعبِّر عن مدلول الاسم «إفريقيا الوسطى» فلا هي إفريقيا ولا هي وسطى لكنها احتكرت اسم إفريقيا مع شقيقتها الكبرى جنوب إفريقيا بعيداً عن اسمها القديم.
بهذه المناسبة أود أن أذكر أن عبارة «إفريقيا» هذه التي يتغنى بها دعاة العنصر الزنجي حتى غدت رديفة للزنوجة لدى كل الأفارقة جنوب الصحراء تقريباً كانت تسمَّى بها أرض «تونس» الحالية وهو اسم عربي قديم ويمكن لدكتور حسن مكي عالم التاريخ أن يفتينا أكثر حول هذا الأمر.
أقول إن ما نادى به الطيب صالح الذي استنكر إطلاق هذا الاسم «السودان» باعتباره تركة استعمارية جوفاء قد آن الأوان للنظر فيه من جديد وهذه المرة يمكن أن نسميه نحن أبناؤه بقرار منا فإما أن نستبقيه وإما أن نعمد إلى اختيار اسم جديد يخرج من هذا التصنيف «العنصري» الذي ينسبنا إلى لون أسود أو أبيض أو أحمر!!
شبارقة استنطق السيدة وصال المهدي حول اسم السودان فقالت إن جدها الإمام محمد أحمد المهدي «لم تكن لديه فكرة عن السودان وحدوده التي رسمها المستعمِر فيما بعد فقد كان يقال إن «المهدي حرر الأمة الإسلامية» وقالت السيدة وصال إنها كانت تحتج على اسم السودان منذ وقت طويل ودعت إلى اغتنام الفرصة المتاحة الآن للجلوس والتفكير في اسم جديد للسودان وأضافت، حسب شبارقة، «إذا انفصل الجنوب فلا بد من أن يكون لدينا اسم جديد غير السودان فنحن عندنا ثقافة عربية إسلامية زنجية ولا نريد أن يصبح اللون الأسود هُوية لنا فبيننا قبائل أشد عروبة من تلك الموجودة في الجزيرة العربية» على حد قولها.
شبارقة أورد رأي الدكتور بهاء الدين مكاوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين الذي دعا إلى «اسم جديد يتجاوز الألوان والأشكال ليعبِّر عن المضامين والقيم والتجارب التاريخية للشعب» واقترح تكوين لجنة من علماء التاريخ والاجتماع والآثار والسياسة لدراسة الأمر وتقديم مقترحات لاسم جديد بعيد كل البعد عن الأوصاف».
كذلك ذكر شبارقة أمثلة لعدد من الدول التي غيَّرت أسماءها مثل بلاد فارس التي تحولت إلى إيران وفولتا العليا إلى بوركينا فاسو وروديسيا الجنوبية إلى زيمبابوي والشمالية إلى زامبيا وداهومي إلى بنين وسيام إلى تايلاند وسيلان إلى سيريلانكا وأضيف زائير إلى الكونغو الديمقراطية.
صحيح أنه من غير المنطقي تسمية بلد من البلدان باسم لون ساكنيها مثل الحمران أو البيضان أو غير ذلك كما أن اللون الأسود ليس حكراً على الشعب السوداني في شمال السودان وإنما هناك شعوب أخرى أحق بهذا الاسم منا كون شعوبها جميعها من السود الذين يعتزون بسواد لونهم وبزنوجتهم بل ويكتبون أشعاراً يتغنون بها لتمجيد عنصرهم الإفريقي الأسود، بل إن نيجيريا والنيجر تنتسبان إلى كلمة «نيجرو» التي تعني الزنجي وأظن أن الاستعمار هو الذي نسبهما إلى ذلك الوصف «أي أرض الزنوج» تماماً كما أطلق اسم السودان على هذه الرقعة الجغرافية دون غيرها من البلاد أو الرقعة التي عُرفت تاريخياً باسم السودان بمعنى أرض السود.
أرجو أن أضيف أن اللون الأبيض لا يختلف عن اللون الأسود في الإسلام من حيث التفضيل أو التبخيس كون كل الألوان من خلق الله تعالى كما أن آدم عليه السلام كما ورد في بعض التفاسير نُسب إلى «الأُدمة» التي تعني السواد كما أن نبي الله موسى الذي اختصه الله تعالى بتكليمه وقال فيه دون غيره من الرسل: «وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني» وقال «واصطنعتك لنفسي»، موسى هذا كان ذا لون أسود بالتعريف الغربي الأوروبي للسواد أي ربما يكون لونه مثل لون أوباما أو لوني أنا مثلاً، وكذلك لقمان الحكيم الذي كان حسب علمي أسود اللون بل زنجياً وكذلك الكعبة المشرفة والحجر الأسود وليت د. جعفر ميرغني يُتحفنا بشيء من هذه المعلومات ويضيف من علمه الغزير، لكني أقول إن كل الحضارات كانت تستخدم اللون الأسود في الذم ويقال مثلاً «القائمة السوداء» ويُذم الظلام الذي يكسوه السواد ويُستبشر بالضياء والنور ويُمدحان، ولعل ذلك ما جعل كل الكتب السماوية تذكر أن أهل النار ستكون وجوههم مسودّة بينما أهل الجنة عكس ذلك تماماً بما لا يعني أن اللون الأبيض أفضل عند الله تعالى من الأسود كونه حدَّد بشكل قاطع أنه هو سبحانه من خلق الناس مختلفي الألسنة والألوان وقطع بأن الأفضلية عنده ليست للون إنما للتقوى «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» فهو مجرد اختيار وابتلاء من الله تعالى لذلك كان بلالاً أكرم عند الله من أبي لهب الذي كان شديد البياض كما يتضح من لقبه وكنيته.
أقول هذا حتى لا يفهم الناس أن اسم السودان ينتقص من هذه الرقعة الجغرافية التي تضم السودان الشمالي بعد الانفصال بغض النظر عن المفهوم السائد في العالم الذي يعظِّم اللون الأبيض كونه لون الحضارة الغالبة اليوم من أهل أوروبا وأمريكا.. فهل تُرانا نخضع لمنطق البشر الذين لا يعتبرون اللون الأسود أمراً يُعتز به وتتسمّى به أمة من الأمم على غرار ما فعل الجاحظ وهو يكتب، ربما بعقدة أراد أن يصحح بها المفهوم السائد، وهو يكتب كتابه «فضل السودان على البيضان»!!
لأسباب عاطفية وخوفاً من أن يُفهم الأمر على غير ما تريد لا تستطيع الحكومة النظر في شأن اسم الدولة الجديدة بعد أن يغادرها جنوب السودان فهلاّ تصدّت جامعة أو منظمة أو مركز أبحاث لهذا الأمر وكونت لجنة من الخبراء والعلماء لتقديم مقترحات تُبقي على الاسم القديم أو تنصح بأسماء جديدة تقترحها وتنظر في تبني أحدها وهل يمكن أن يُستفتى الشعب في أمر اسم السودان، هل نُبقي عليه أم نصير إلى غيره؟!
على كلٍّ أقترح على الأخ السفير عثمان السيد أن يقوم مركزه النشط بتكوين لجنة من الخبراء والعلماء للنظر في هذا الأمر وأرى أن تضم ضمن آخرين كلاً من بروف يوسف فضل حسن ود. حسن مكي ود. جعفر ميرغني ود. عبدالله علي إبراهيم.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة