زفرات حرى
الطيب مصطفى
[email protected]
أرجـــــــــو أن تــقـــرأوا هـــــــذا المقـــــال!!
أُقسمُ بمن فطر السماوات والأرض إنه لو كنت أضمن أن السودان سيكون في مستوى حاله اليوم من الاستقرار أو لو كنت لا أعلم علم اليقين ما سيصير إليه حال السودان إن تم إسقاط هذه الحكومة لكنت من المبادرين بالخروج إلى الشارع لإسقاطها والذهاب بها إلى مزبلة التاريخ وما ذلك إلا لقناعتي الراسخة بالحكمة التي تقول: «إن بعض الشر أهون من بعض» أو بحكمة: «أخف الضررين» أو: «أفضل السيئين»، وكذلك امتثالاً للحكمة التي خرجت من لسان من سُئل: «إيه اللي جابرك على المُر» فقال: «الأمرّ منه» فقد كنت من أكثر الناقدين لبعض «جلائط» هذه الحكومة بما في ذلك جليطتها الكبرى المتمثلة في اتفاقية نيفاشا التي قلت فيها أكثر مما قال مالك في الخمر، لكن رغم ذلك أجدني اليوم أحذِّر من اللعب بالنار... تلك التي يسعى بعض الموتورين إلى إشعالها في هذا المنعطف والظرف التاريخي الخطير الذي يشهده السودان مما لم يحدث مثيل له في تاريخه الطويل.
بربكم تفرّسوا في وجوه من يدعون الجماهير إلى الخروج لإسقاط الحكومة لتتصوروا ماستؤول إليه البلاد إن جاء هؤلاء على أنقاض هذا النظام... عرمان والحركة الشعبية التي ظلت منذ قيامها تسعى إلى تدمير الشمال والانتقام منه ومن أهله الطيبين الذين ظلوا يستقبلون أبناء الجنوب حتى إبّان احتدام المعارك في شمال السودان.. عرمان والجيش الشعبي الذي بلغت وحشيتُه درجة إحراق مواطني الجنوب لمجرد إقدامهم على الهجرة من موطنهم البائس فراراً من جحيم جيش الغابة الذي يحكم الجنوب الآن بالحديد والنار كما ترون في الصور المجاورة لهذا المقال!! فكيف بربكم يفعلون بأبناء الشمال الذين ظلوا يُضمرون لهم من الحقد والمكر ما تزول منه الجبال إذا آل الأمر إليهم في الشمال الذي ستعمُّه الفوضى إذا حدث اإنفلات أمني وتنتهز الحركة وجيشُها الحاقد الفرصة التي لطالما تمنّتها للانقضاض وإقامة مشروعها العنصري الاستئصالي البغيض مستعينةً بالحركات الدارفورية المسلحة لتذيق الشمال وأهله بعضاً من مشاهد يوم القيامة وتدمِّره تدميراً وتمزِّقه شرَّ ممزق ولن يعود الشمال بعدها إلى ما كان عليه وإنما سيصبح مسخاً مشوّهاً غريب الوجه واليد واللسان!!
إن مما يغفل عنه بعضُ قصيري النظر أن الخرطوم ليست كمصر وتونس اللتين لا توجد قطعة سلاح واحدة في أيدي شعبيهما ولذلك لكم أن تتخيلوا ما ستصير إليه الأمور إذا انفلت عيار الأمن في بلاد تمتلئ دُور كثيرٍ من مواطنيها بالسلاح الذي يُباع في قارعة الطريق في بعض أسواق الخرطوم وأم درمان وتعجُّ بالحركات المسلحة التي دخل بعضُها بسلاحه الثقيل بموجب اتفاقيات موقَّعة بين الحكومة وتلك الحركات!!
إن من يسعون إلى تحريك الشارع لا يتجاوز نظرهم أرنبة أنوفهم ولا يصدرون إلا عن أجندة حزبية أو مرارات شخصية: فما الذي يحرك كمال عمر المزروع في المؤتمر الشعبي مستغلاً اعتقال الترابي ومرارات قيادات الشعبي، وما الذي يدفع فاروق أبوعيسى الشيوعي القديم غير عداء سافر للشعارات الإسلامية التي ترفعها الإنقاذ من يوم مولدها، ومن يحرك عرمان غير حلمه القديم المتجدِّد المصادم للإسلام والساعي إلى إقامة مشروع السودان الجديد الذي يعمل عرمان وأولاد قرنق باقان ودينق ألور وإدوارد لينو وغيرهم من خلاله على تمكين الحركة الشعبية من حكم الشمال؟!
قد يسأل المراقبون خاصةً من خارج السودان لماذا يا تُرى لم يخرج الشعب السوداني على غرار ما حدث في تونس ومصر خاصة وأن الصورة التي رسمها الإعلام العالمي والعربي عن الأوضاع في السودان تُظهر صورة مأساوية لبلاد ترزح في الفقر والحروب الأهلية والتمردات بينما تُظهر صورة وردية لتلكم الدولتين اللتين يسكت الإعلام عن معاناة جماهيرهما؟!
قبل أن أجيب أقول إن ذلك يعطي مثالاً صارخاً للحقيقة المُرة.. حقيقة أن الصورة التي يرسمها الإعلام لا تعبِّر البتة عن الواقع ذلك أنها صورة شائهة مزوَّرة تلعب الأجندة السياسية دوراً بارزاً في رسمها.
ليت قناة الجزيرة وقناة العربية وغيرهما تُخضعان سياستيهما التحريريتين للمراجعة فقد كشفت أحداث مصر وتونس وواقع الأحوال في السودان بوناً شاسعاً بين الرسالة الإعلامية التي كانت القناتان تقدمانها للعالم كما كشفت عن مدى السقوط المدوي لمهنية القناتين اللتين كان يفترض أن تقدِّما الصورة الحقيقية للأوضاع السياسية في كلٍّ من مصر وتونس والسودان بعيداً عن الأجندة الخاصة المتحاملة أحياناً أو المتعاطفة في أخرى مع نظام سياسي دون آخر.
إن على المؤتمر الوطني أن يعلم أن شعب السودان الشمالي الذي فوّت الفرصة على أصحاب الأجندة المعادية التي تستهدف البلاد لم يفعل ذلك لأنه يعيش في هناء وعيش رغيد وإنما لأنه يوقن أن البديل سيكون حريقاً ودماراً وموتاً زؤاماً فقد جرّب ما حدث عقب سقوط نظام عبود الذي بكى فيما بعد عليه بالدمع السخين وردد مخاطباً الفريق عبود: «ضيّعناك وضعنا وراك» ولذلك على المؤتمر الوطني أن يبادر بإحداث تغيير كبير في بنية الحكم بأن يعطي الفرصة لدماء جديدة خاصة وأن بلادنا تشهد تحولاً تاريخياً كبيراً بعد خروج الجنوب من خريطة السودان فحواء السودان ولود كما عليه أن يعمل على توسيع قاعدة الحكم باتخاذ خطوات جريئة وعاجلة مع اتخاذ تدابير عاجلة لمحاربة الفساد وتوسيع الحريات وإقامة حكم القانون.
إن مما قاله لي بعضُ السفراء العرب خلال لقاء جمعنا مؤخراً إن طبيعة الشعب السوداني «الشمالي طبعاً» مع شخصية الرئيس البشير القريبة من الشعب المشاركة له في أفراحه وأتراحه والتي تحظى بقبول كبير جراء ذلك هما العاملان الحاسمان في تجنيب البلاد ما حدث ويحدث في البلاد الأخرى التي تعيش قياداتُها في أبراج عاجية بعيداً عن شعوبها.
إن على البشير أن يوظِّف تلك النعمة التي اختصّه الله تعالى بها لإزالة الاحتقان من خلال اتخاذ خطوات عملية جريئة وكبيرة يصحِّح بها الأخطاء ويعيد بها الأمل في سودان جديد مستمداً قوته من شعبه ومن هُويته الحضارية وقاعدة حكمه العريضة كما عليه أن يخفف من أعباء المعيشة من خلال الاقتراض من الدول الصديقة والشقيقة أو غير ذلك من التدابير ريثما تستقر الأوضاع ونُنهي هذه الحالة الانتقالية بعد أن انفصل الجنوب ولا أريد أن أكتب الآن عن مشكلة الجنوب والقضايا العالقة وكيفية التعامل مع حكومة الجنوب الوليدة التي نرجو أن تسود معها علاقة جوار أخوي بعيداً عن الكيد والتآمر الذي ينبغي أن نتحسب له ونعد العدة ونتوخى الحذر ونقبض على الزناد.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة