زفرات حرى
الطيب مصطفى
[email protected]
إلى سلفا كير مـــع التحيـــة !!
احـــذر الفــئران حـــتــى لا يعبثـــوا بالسفينـــة !!
الآن وقد انكشف المستور واتضح أن أكثر من 99% من الجنوبيين المقيمين في الجنوب وأكثر من 89% من العدد الإجمالي لأبناء الجنوب في الشمال والجنوب وخارج السودان قد صوتوا للانفصال... الآن وقد احتفل الجنوب باستقلاله ورقص وغنى وابتهج، فقد آن أوان الحساب ومراجعة مسيرة الجنوب بين الوحدة والانفصال ودور القيادات الجنوبية في كل من الخيارين.
أقول هذا بين يدي ذلك الفرح العارم الذي عبَّر به أبناء الجنوب عن رغبتهم المكتومة منذ فجر الاستقلال الذي تبيَّن لنا الآن أنه لم يكن في مفهوم الجنوبيين استقلالاً للجنوب وإنما كان استقلالاً للسودان الشمالي، فقد كان أبناء الجنوب يقولون عند خروج الإنجليز: «إننا استبدلنا سيداً بسيد» بل إن السيد القديم «الإنجليز» كان ولا يزال أحب إليهم ولو كان الأمر بأيديهم لأبقوا الإنجليز وطردوا الشمال الذي يبغضون، من حياتهم وبلادهم!!
الآن وقد ذهبت السكرة أو كادت وجاء الفكرة ينبغي لأبناء الجنوب أن يبدأوا مرحلة المحاسبة وإعادة كتابة التاريخ وما هو الدور الحقيقي لكل من القيادات الجنوبية في الاستقلال بمن في ذلك جون قرنق.. هذا الذي قتل وصفّى أكبر دعاة استقلال جنوب السودان لا لسبب إلا لأنهم نادوا بالانفصال الذي يحتفل به الجنوب اليوم!!
قرنق قتل جوزيف أدوهو أحد أكبر رموز الجنوب.. الرجل الذي بدأ «نضاله» ربما قبل مولد قرنق وكوّن عدداً من الأحزاب، كلها كان يحمل اسم جنوب السودان.. قرنق صفّى صمويل قاي توت الذي كان من أكبر مؤسسي حركة أنيانيا والذي رفض اتفاقية أديس أبابا وخاض حرباً مستمرة وشارك كاربينو في المعركة الأولى في بور والتي دشنت المرحلة الأخيرة من التمرد الذي تمخض عنه إنشاء الحركة الشعبية لتحرير السودان.. قرنق صفّى المتمرد الأول كاربينو كوانين الذي كان قد خرج عليه ثم عاد إلى صفوف الحركة.. قرنق صفّى وليم نون والقاضي مارتن ماجير وكثيرين غيرهم بل إنه كان يباهي بأنه كان يقاتل الانفصاليين من أبناء حركته ويقتلهم!!
لقد ذهب هؤلاء وغيرُهم ضحايا لأوهام الرجل المتمثلة في مشروع السودان الجديد.. ذلك المشروع الذي أطال أمد الحرب وكان من الممكن أن نصير إلى ما صرنا إليه اليوم من استقلال لكل من الشمال والجنوب وإنهاء لوحدة الدماء والدموع لو كان قرنق استمع لنصيحة أولئك الرجال أو لو كان قد استمع لنصائح د. بونا ملوال الأكثر خبرة وتجربة وعلماً والذي خرج على قرنق وذهب إلى لندن التي كان يدرّس في جامعاتها وكتب مقالات رائعات نُشرت في الصحف البريطانية وتُرجمت في صحيفة الرأي العام كان ينتقد فيها أوهام قرنق ويؤكد على الحقيقة التي نراها ماثلة أمامنا اليوم، حقيقة أن الجنوب لم يقاتل إلا من أجل قضيته وليس من أجل مشروع قرنق.
سؤال أوجهه للقائد سلفا كير: من تُراه يحاسب قرنق على قتله أولئك الرجال الذين كانوا يعبِّرون عن الأشواق الجنوبية بعيداً عن أوهامه وأوهام سادته الأمريكان وبني صهيون.. تلك الأوهام التي أدخلت الحركة في معارك انصرافية أطالت أمد الصراع ولا يزال الجنوب والشمال يدفعان ثمنها؟!
أقول لسلفا كير ناصحاً إن الجنوب يعاني اليوم من انعدام الثقة في حكومته التي تسيطر عليها قبيلة الدينكا التي ينتمي إليها وها نحن نرى الأحزاب الجنوبية تتململ وتطالب بحقوقها وترفض انفراد الحركة بحكم الجنوب ستة أشهر أخرى.. تململ متعدِّد الأسباب يمكن أن نرى جزءاً منه في مطالبة بعض القبائل الإستوائية بتحويل ضريح قرنق من جوبا عاصمة دولة الجنوب التي هي في ذات الوقت عاصمة الإستوائيين الذين يشكون تغول الدينكا على أراضيهم وقد كتبنا عن مذكرة أبناء الإستوائية في هذا الخصوص.
لعل سلفا كير يذكر ذلك الخلاف المدوِّي في مؤتمر رومبيك بينه وبين جون قرنق قبل شهر واحد من توقيع نيفاشا والذي انقسم فيه القادة بين كير وقرنق وكانت الأغلبية مع كير.. في ذلك اليوم اتضح أن التأييد الكاسح لكير على حساب قرنق كان تأييداً لتوجُّهات سلفا كير الانفصالية علــى حساب رؤية قرنق ومشروعه الوحدوي.. في ذلك المؤتــــــمر قال سلفا كير لقرنق «إنك لا تعفو ولا تنسى» You don’t forgive and you don’t forget. وردد عبارة كير في نفس المؤتمر القائد الجنوبي الشهير د. جستن ياك.
إن الجنوب في حاجة إلى إعادة كتابة تاريخه حتى يُخطِّئ قرنق على انحيازه لرؤية تناقض تماماً التوجُّهات التي قام عليها النضال الجنوبي ويحاسبه على مقتل أولئك الرموز الذين قامت على أكتافهم مسيرة «النضال» من أجل «الاستقلال».
الآن وقد انكشف المستور وعبَّر الجنوب عن إرادته الحرة بصورة لا تقبل الجدال بعيداً عن تخرصات دعاة مشروع السودان الجديد خاصة من الشيوعيين الشماليين الذين أرادوا أن يمتطوا ظهر الحركة حتى تحقق لهم ما عجز حزبُهم العجوز عن تحقيقه لهم أقول لسلفا كير إن مهمته التاريخية وقد قاد بلاده نحو الاستقلال وحفر اسمه في جدار التاريخ.. إن مهمته التاريخية تتمثل في حماية هذا الاستقلال من الفئران.. هل يذكر سفا كير خطابه بمناسبة الذكرى 42 لإنشاء الحركة والذي حذر فيه أولاد قرنق من لعب دور الفأر الذي ينخر في مؤخرة المركب الذي يقوده؟! ذلك الاحتفال الذي حضره الفأران الكبيران باقان وعرمان؟!
الحمد لله فقد انحاز باقان كبير أولاد قرنق إلى الانفصال لكن أولاد قرنق الآخرين من «فئران الشمال» لا يزالون يطمعون في دعم الحركة من أجل إقامة مشروع السودان الجديد، بل إن باقان قال إن الحركة تسعى إلى إقامة مشروع السودان الجديد من خلال الوحدة أو من خلال الانفصال.
نصيحتي لسلفا كير وقد هزم «الفئران» هزيمة نكراء في الجولة الأولى أن لا يسمح لهم بالعبث بمركب الجنوب الذي تحول إلى سفينة تمخر عباب البحر وأن ينفض يده عنهم تماماً ويجعلهم يواجهون مصيرهم، ذلك أن واجبه اليوم أن يركز على إنشاء دولته وألا يُدخلها في صراع مع الشمال الذي يعلم كير أن لديه أسلحة كثيرة يستطيع أن يستخدمها في تعويق مسار السفينة، فهلاّ انتصح سلفا كير وهلاّ طرد الفأر «الصغير» عرمان من الجنوب ومن الحركة وسفّره إلى أمريكا حتى لا يعكِّر صفو العلاقة مع الشمال!!
نسيت أن أهنئ من كل قلبي سلفا كير بقيام دولتهم المستقلة راجياً لهم استقراراً وسلاماً وجواراً سلساً مع الشمال.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة