التناسب العكسى بين سقف مطالب المعارضة والحكومة مع بدء العد التنازلى لتاريخ 9/يوليو /2011
السودان وهويخطو خطواته الثقال نحو تاريخ 9/يوليو/2011م , يجمع كثير من المراقبين للشأن السودانى بأن هذه المرحلة ستكون من أحرج تاريخ السودان على الاطلاق , وذلك على ضوء حجم التحديات الجثام الماثلة والتى لاتحتاج لكثير عناء لتلمس حجم تداعياتها المرتقبة . وبين هذا وذاك يقف الشعب السودانى وهو تعتريه حالة أشبه بفقدان الوعى والذهول معا , فمعارضة تنزر وتتوعد بالاطاحة بالحكومة , وحكومة تتوعد بالنزال متى دعت الضرورة الى ذلك , فهاهى وسائل الاعلام تتناقل الاعدادات الامنية على كافة المستويات والكل يود أن يبرز مقدراته . فيبدو أن ماجرى بتونس قد الهب المشاعر , من خلال احداثها المتسارعة الوتيرة . ولكن يبدو أن الطرفان لم ينتبهوا الى حقيقة لا يخطأها أحد , وهى أن السودان ليس تونس . فالسودان لايقع على ضفاف المتوسط وفى قبالة الجنوب الاوربى . تونس ليس بها شطر قاب قوسين أو أدنى ليعلن أنفصاله وبرعاية دولية . تونس ليس بها أقليم مثل دارفور أصدر فيه مجلس الامن الدولى قرابة العشر قرارات . تونس لاتلاحق من قبل المحكمة الجنائية الدولية وفق احالة من مجلس الامن . تونس لاتواجه ببقية مستحقات أتفاقية مثل نيفاشا (المشورة الشعبية بكل من النيل الازرق وجنوب كردفان وقضية أبيى ) , تونس لاتجاور دولا تتقاسم معها شريان حياتها من المياه وسعت لعقد أتفاقية جديدة للتقاسم بدونها ) , تونس لايتكون نسيجها الاجتماعى من أكثر من خمسمائة قبيلة , وتتعدد فيها الديانات والاثنيات بهذا الحجم الضخم . تونس لاتقوم على مساحات بهذا الاتساع , ولا غابات وجبال وتضاريس بهذا الحجم الضخم . تونس لم تعايش حروبا أهلية وصراعات مسلحة من خلال أمدادات أسلحة من محتلف مشارب الارض , وعشرات الالاف من الذين عاقروا المعارك الطاحنة لسنوات , وفى ظروف طبيعية قاسية , وكانت تتدفق عليهم الاسلحة والعتاد دونما فواتير حساب , فالحساب مفتوحا دوما . تونس لم تعش معارك خطط وشارك فيها )أشتاينر الالمانى وجى جيفارا الارجنتينى ) . تونس لم تعش يوما المجاعة الحقيقية , ولاحق شعبها النمل فى جحوره للسيطرة على قوته . تونس لايرابط على أرضها أكثر من عشرة الاف جندى أممى باسلحتهم على أراضيها . تونس لاتجاورها عشر دول وبحدود تتجاوز الالاف من الكيلومترات , لايقوى على مراقبتها كبريات الجيوش , ودول جوار يعيش معظمها الفقر والجوع والمرض والصراعات المسلحة وتغلغل القوى الاجنبية وقبائل تقبع على جانبى الحدود لاتعترف بالحدود السياسية . تونس لاتحتضن العشرات من الالاف من اللاجئين من الدول المجاورة لها . تونس ليست مثقلة بديون تناهز ال40 مليار من الدولارات الامريكية . وترزخ تحت وطأة أقتصاد يعانى من أزمات مزمنة تتصاعد يوما بعد يوم , ومستوى بطالة وأمية ونسبة تتجاوز ال70% من شعبها يعيشون دون خط الفقر ان لم يكن أكثر . والكثير الكثير من الفوارق الشاسعة بين الدولتين , فكل ذلك يمكن وصف ماجرى بتونس مقارنة بمايمكن أن يجرى فى السودان اذا لا قدر الله وانفجر الوضع , يمكن وصفه (بسياحة ثورية ) , فهل تضع نخبنا السياسية كل هذه المعطيات نصب أعينهم وهم يلهبون ساحة البلاد ويدفعونها نحو مصير لايختلف أثنان على ضوء هذه المعطيات بأنه سيكون أحلك من سواد الليل . فالذين يتوعدون بالعودة للمربع الاول , نتمنى عليهم بالعودة اليه لو يستطيعوا , فالمربع الاول ستصبح العودة اليه ضرب من المستحيل , فحدود الشمال السودانى وبأشراف دولى وبحماية المجتمع الدولى كما يسمونه تقدمت كثيرا نحو الشمال , والجيوش ليست الجيوس ,لا من حيث العدد ولا العتاد , وفى المربع الاول الجبهة واحدة ولكن اليوم لاتستطيع التكهن بحجم الجبهات . ومرحلة المربع الاول كانت التكتلات الدولية وتشابك المصالح بعيدا جدا من الاوضاع الراهنة بعد السماء عن الارض , فهاهى الصين توقع بالامس مع قائدة المجتمع الدولى وصاحبت اليد الطولى فى الشأن السودانى على صفقة لشراء 200 طائرة بوينج بمبلغ 90 مليار دولار , فى مقابل مزيد من فتح اسواق الاخير اما منتجات الطرف الاول ليتجاوز ال200 مليار دولار الحالية فى التبادل التجارى , وهى التى كرمت بتوسيع عضويتها بصندوق النقد الدولى ,حيث أضحت المساهم رقم 3 به , وتتطلع للمزيد من خلال توغلها وصفقاتها الاخيرة بالغرب الاوربى التى لاتقل وزنا عن الاولى , فهل ياترى ستضحى بهذه المكاسب فى قبالة 115 ألف برميل بترول يوميا بعد يوليو القادم . أم ستتراجع الحكومة المصرية ودول شمال أفريقيا عن المشاركة الفاعلة لمحاربة الارهاب والذى يعى الجميع مايعنيه هذا التعبير فى حقيقته , وان الامر كذلك فلماذا أنشئت الافريكوم منذ أكثر من عام , وتنافست دول الشمال الافريقى لاحتضانها بأراضيها بدلا عن المقر المؤفت بأحدى القواعد العسكرية الامريكية بألمانيا . هل أستوعبت الحكومة جيدا ماصرح به مساعد وزيرة الحارجية الامريكية عقب انتهاء الاستفتاء حول شروط الادارة الامريكية المطلوب الايفاء بها قبيل 7 يوليو القادم كشرط للتطبيع مع واشنطن ورفع العقوبات عن ماسوف يتبقى من السودان ,والتى زكر أن جلها مرتبط بقضية دارفور , وضرورة أكمال البنود المتبقية من نيفاشا بصورة مرضية فيما يتعلق بالمشورة الشعبية وقضية أبيى . وتصريح الاتحاد الاوربى حول الوضعية للاخوة الجنوبيين المطلوبة بالشمال .
على ضوء هذا المشهد الذى كما أسلفت لم يشهده السودان طوال تاريخه منذ قرون , هل كلا الطرفين الحكومة والمعارضة مدركة جيدا لابعاد هذا المشهد وهى تشحذ قواعدها لمايصفونها بالملاحم المقبلة فيمابينهما ؟ أم سيتداعى الحكماء من الطرفين والجلوس لرسم خارطة طريق تفضى لتمترس الجميع فى خندق واحد لمجابهة هذه التحديات الخطيرة قبل الوصول الى مرحلة يصبح معها بقاء طرف وفناء الاخر أمر حتمى , وقتها يكون الحديث عن الربح والخسارة تسقط كعناصر أساسية بمعادلة صيانة الوطن .
ان الواقع اليوم للبلاد يدعو الى السعى الجاد لاعادة صياغة المرحلة المقبلة بحكمة والنأى عن كل ما من شأنه بث روح العداء والتحدى واذكاء الفتنة وتأجيج عناصر الصراع والاحتراب والتى لم يجنى منها الوطن سوى الخراب والدمار وأهدار ثرواته وتمزيقه , ومن هذا المنطلق أرى ضرورة أتخاذ الحكومة خطوات شجاعة تجاه صيانة أمن البلاد ووحدتها , وتتمثل تلكم الخطوات فى الاّتى :
أولا : دعوة كافة قيادات القوى السياسية الفاعلة على الساحة لاجتماع للتأسيس لحكومة قومية أنتقالية تمتد لفترة أربع سنوات , من خلال صياغة دستور أنتقالى يتفق عليه لتأمين متطلبات المرحلة , وبما يتيح لكافة القوى السياسية للاعداد لانتخابات لجمعية تأسيسية تكون مهمتها التشريع لدستور البلاد الدائم .
ثانيا : حلّ البرلمان القائم حاليا والاستعاضة عنه ببرلمان معين من قبل الحكومة القومية , بحيث تشارك فيه كافة القوى السياسية بالاضافة الى شخصيات قومية وتكنوقراط , بما يؤمن أدارة حكيمة للمرحلة الانتقالية , والاتفاق على مسودة الدستور الدائم للبلاد الذى يتم أجازته من قبل الجمعية التأسيسية المقبلة .
ان اتخاذ الحكومة لهاتين الخطوتين سيؤمن بلا شك التفاف الجميع من حولها فى مواجهة التخديات الخطيرة الماثلة , بما يفضى الى التأسيس لتأمين الجبهة الداخلية , ومواجهة مخططات القوى الاجنبية التى تسعى للنيل من أستقرار البلاد ووحدته , وتفتح الباب واسعا أمام بناء علاقات دولية متزنة مع الجميع وفق تنمية وتطوير المصالح المشتركة , بما يدفع لتدفق الاستثمارات على البلاد وتنمية مواردها , حيث يمثل الاستقرار السياسى أهم ركائز ومتطلبات الاستثمار خاصة الاجنبى والعكس صحيح .
والله من وراء القصد
عاطف عبد المجيد محمد
عضو المنظمة الدولية لشبكة المعلومات والعمل لاولوية حق الغذاء-هايدلبرغ –المانيا
عضو الجمعية الدولية لعلوم البساتين – بروكسل – بلجيكا
الخرطوم بحرى – السودان
تلفون:00249912956441
بريد الكترونى:[email protected]
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة