انتصرت الثورة الشعبية بمصر فهل وعت الانظمة الاستبدادية بالمنطقة الدرس أم لازالت تتشبس بالشرعية الدستورية الزائفة ؟
عاشت الامة العربية بالامس من المحيط الى الخليج فرحة عارمة أخرى وأى فرحة , فبعد تهاوى النظام الاستبدادى التونسى على أيدى ثورة الشباب , وهروب بن على المذل والمهين , هاهو نظام الطاغية حسنى مبارك (أس الفساد بالمنطقة العربية ) تهاوى رغم المساعى المحمومة من قبل نظم الفساد والافساد بالمنطقة ومن خلفهم الكيان الصهيونى لدعم صمود النظام فى مواجهة هذا الطوفان , فلم تجدى كلماته المستجدية للشعب المصرى الذى عاش الذل والهوان وشظف العيش وبطش أجهزته الامنية المتعددة الاشكال والالوان بأبناء مصر الشرفاء , حيث تحول أكثر من نصف الشعب يعيشون تحت خط الفقر , وأكثر من 30% يعانون البطالة وعلى رأسهم شباب الخريجيين الذين يفترض بهم قيادة عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد , وحيث نظام أمن للفئات الطفيلية الهيمنة على مقدرات البلاد , فكانت السيطرة على كبريات المؤسسات الاقتصادية للقطاع العام وتحويلها لملكياتهم الخاصة تحت سياسات الخصخصة وهيكلة الاقتصاد , وشرد الملايين من العاملين بتلك المؤسسات , ونهبت الثروة وهربت لمؤسسات الامبريالية الغربية بواسطة اركان النظام , واقطاب ماسميت بالرأسمالية الوطنية والتى تبعد بعد الارض عن السماء عن الوطنية , جرى كل ذلك برعاية جهاز تشريعى ورقابى قائم على تزوير ارادة الشعب المصرى , وحزب مهيمن سمى الحزب الوطنى قدم أسوأ نموزج لانتهاك الارادة الوطنية , والتبعية المذلة للقوى الامبريالية بالمنطقة , والاب الراعى لكافة نظم الاستبداد والاقطاع بالمنطقة العربية .
فهاهم حلفاء الطاغية من القوى الامبريالية وكعادتها حينما يتهاوى حلفاءها , تصب الذيت على النار , فتقذف بالكرة تلو الاخرى عن اشكال فساد حليفهم المتداعى , فتسرب للصحف عن ثرة تناهز ال70 مليار دولار ب9 من الدول الغربية , هذا دون اشتمال ارصدته ببنكيك سويسريين , وعن دخل يومى للطاقية مبارك عن استثماراته تصل الى 6 مليون دولار امريكى . لقد ظن الجميع ان الطاغية متشبس بالسلطة كشكل من العناد , ولكن الحقيقة هى حماية ما أكتنزه ونهبه من الشعب المصرى , وسبيل ذلك سفك دماء الابرياء العزل , وجرح الالاف عبر جيوش البلطجية واجهزة أمنه السيئة السمعة , والتى تحتضن اراّزلة القوم وسفاّئه والمتبطلين واللقطاء الذين هم نتاج صنعته , لينكلوا بأبناء الشعب الشرفاء , وهى سمة تمثل فاسما مشتركا بين مختلف الانظمة الاستبدادية .
وامام زحف الملايين من ابناء الشعب المصرى بكل مدنه وريفه وحضره , أثر كلمة خلال كلمة الطاغية الاخيرة والتى كانت مسجلة , لانه لايتجرأ فى ظل تلك الاجواء المشحونة الا ان تنزوى فى ركن قصى , زحفت الملايين لتحاصر مبنى امبراطوريته الاعلامية (مبنى الاذاعة والتلفزيون ) والتى ظلّ كوادرها التى تسبح بحمده , وتزيف ارادة الشعوب , وتلبس الحق بالباطل شأن كافة الانظمة الاستبدادية , وزحفت الملايين لتحاصر قصر واحد من قصور الرئاسة المتعددة , والقابع بالقاهرة , لتشكل ردا عمليا على مضيها قدما للقضاء على الطاغية واركان نظامه , فهرول الطاغية واسرته لقصره بشرم الشيخ للاحتماء به , والذى يبعد مئاّت الكيلومترات عن العاصمة , والذى صمم خصيصا فى هذه البيئة لمثل هذه المقتضيات , بل وحتى كافة اللقاءاّت المشبوهة والعمليات القزرة للحكام الذى يدورون فى فلكه , ومن خلفهم اجتماعات الجامعة الخواء للدول العربية تتم بتلك القلعة النائية تحسبا لما لايحمد عقباه . وهنا وحيال التصاعد المتسارع لوتيرة الثورة وبلغوها الزروة , استبق المجلس الاعلى للقوات المسلحة اللحظة الفاصلة , والتى تبدو فيها اصابع القوى الدولية المهيمنة ليعلن البيان الاول , استباقا لكلمة الرئيس الاخيرة , وجاء البيان رقم 2 ليبدو فى ظاهره متسقا وكلمة الرئيس فى قالب صمم بعناية فائقة بحيث يبدو فى ظاهره عدم التخلى عن مطالب الشعب بالتغيير , وجاءت الجمعة (يوم الحسم ) , ليتفاجاّ الجميع بكلمة لاتعدو السطرين من نائب الرئيس المصرى يعلن فيه تخلى الرئيس عن الرئاسة ,ولكن الملفت فى الكلمة ان الطاغية لم يكلف نائبة الجديد بتسلم دفة الرئاسة بل المجلس الاعلى للقوات المسلحة , وهو بالتلازم مع امتداد الفترة الزمنية بين البيان الاول والثالث ما يوحى بفرضية أن ما اعلنه نائب الرئيس عمر سليمان بتخلى الرئيس عن منصبه أنما لم يصدر من الرئيس اصلا , بل تم اجبار نائب الرئيس على اعلانه قسرا من قبل المجلس الاعلى للقوات المسلحة , بعدما فرضت سطوتها على الحرس الجمهورى الذين بالولاء للطاغية , ورضوخه للامر الواقع , بجانب على مايبدو اقتنع بانحياز القوى الغربية للقيادات الفاعلة بالقوات المسلحة , والضغط من الشارع الذى بلغ زروته . حيال كل ذلك لم يجد عمر سليمان الا الانصياع لارادة القيادات الفاعلة بالجيش بتبنيه لخطوة تنحية الرئيس واخراجها بشكل كريم وكأن الرئيس قد تنحى من تلقاء نفسه حفظا ولو بقدر لما تبقى من ماء الوجه . فهاهى القوات المسلحة تنحاز الى الثورة الشعبية , وحسب البيان رقم 3 بأنهم ليسوا بديلا , ولكن السيادة للشعب , وستخذون من الخطوات ما يؤمن تأمين ترسيخ اهداف الثورة .
واليوم نقول أن مصر الثورة عادت لقيادة مشوار الثورة العربية بالالفية الثالثة , لتقويض اركان الانظمة الرجعية والمستبدة والفاسدة على الساحة العربية , ولابد ان هذه الانظمة عاشت بالامس ليلة من اسوأ لياليهم , وهم يتتحسسون مواطىء اقدامهم , فمصر اليوم ليست مصر مبارك , فهى لن تحتضن بعد اليوم الرموز الرجعية والمستبدة , وهى علامة تاريخية فاصلة , فمن لايستند على قاعدة الشباب الثورى ببلده وتنظيمه فلا مكان له بعد اليوم بأرض الكنانة , ومن لايستند الى قاعدة شعبية عريضة ببلده فليدرك ان طوفان ثورة الشباب ستدك حصونه قريبا , فهل وعى هؤلاء الدرس أم لازالوا يراهنون على قواعد انظمتهم الواهنة , ويغالطون حركة التاريخ , ويكابرون امام شعوبهم وقواعدهم , لهؤلاء نقول عليكم أن تتعظوا من الدرس التونسى والمصرى البليغ , فالذى يقف امام ارادة الشعب فسوف تجتث اركان نظامه وتدكها امام العالم كله , ويخرج ذليلا تلاحقه الخيبة والخزلان , ولعنة الله ورسوله والشعب , ويسعى الشعب عبر ثواره لملاحقته لردّ ثرواتهم المنهوبة ومحاكمة اركان منظومة الاستبداد والطغيان لما اغترفوه فى حق شعوبهم وفق أسس الحق والعدل , والعمل على بناء دولة القانون , ومؤسسات المشاركة الحقيقية , تأمينا وصيانة للمبادىء السامية لحقوق الانسان , وتحرير اقتصادها من التبعية والهيمنة من قبل الطفيليين ومصاصى دماء الشعوب والذين لايعيشون الا فى البيئات الفاسدة , وانتهاج خطا ثوريا يدك حصون الرجعية والعمالة للقوى الامبريالية , وبناء مجتمعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرفاهية .
والله من وراء القصد
عاطف عبد المجيد محمد
عضو المنظمة الدولية لشبكة المعلومات والعمل لاولوية حق الغذاء – هايدلبرغ – المانيا
عضو الجمعية الدولية لعلوم البساتين – بروكسل – بلجيكا
الخرطوم بحرى – السودان
تلفون:00249912956441
بريد الكترونى :[email protected]
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة