راهن مبارك بدفتر انجازاته لدعم استراتيجية القوى الامبريالية فهل شفعت ليردوا له الجميل فى قبالة الرهان بمصالحهم ؟
العالم اليوم بقف مزهولا وهو يشاهد على الشاشات البلورية تهاوى نظام أكبر دولة عربية , وصاحبة عاشر أكبر قوة عسكرية فى العالم , أمام أرادة الشعب المصرى الاعزل الا من الايمان بالخلاص من طغمة الظلم والفساد التى جسمت على صدره لعقود خلت , لدولة تبلغ قوة الشرطة وجهاز الامن فيها 2 مليون فرد , أى مايعادل حوالى سبعة أضعاف عدد جيشها . فوفق أتفاقية كامبد ديفيد هنالك حدود معينة لاعداد الجيش وحجم معداته وطبيعتها , والعكس صحيح بالنسبة للشرطة وبدرجة أكبر الاجهزة الامنية . وفى قبالة دعم من الراعى الرئيسى للاتفاقية (امريكا) بدعم سنوى يقدر بحوالى 2 مليار دولار , جلها ذا طابع عسكرى والمتبقى يغلب عليه ماهو أخطر (القمح) بحيث يتم تسليمه على دفعات أسبوعية ( للاخلال بالامن الغذائى) , فأى أخلال بالاتفاقية لن يجد الشعب المصرى خبز يومه فى أقل من أسبوعين , وفى قبالة عدم السماح أطلاقا بتواجد أسلحة ثقيلة بسيناء المحررة .
فاليوم وبعد أن كبل نظام مبارك الشعب المصرى بجيش ثالث أخطبوطى يتمثل برهن أقتصاد الدولة من خلال شراين البلاد المالية والاقتصادية بمنظومات القوى الامبريالية , فلكم أن تتصوروا ماذا يعنى أنهيار هذا النظام فجأة على الواقع المصرى . فتشبيه الامر بالكارثة وصف مخفف جدا لما سوف يحدث , فأنسحاب مراكز القوى الاقتصادية والمالية , وكذلك ايقاف الدعم الامريكى لاكبر دولة مستوردة للقمح فى العالم , وجهاز أمن متضخم , ونسبة بطالة وفقر عالية , وهروب المستثمرين الذين يدورون أصلا فى فلك الامبريالية , وانهيار سوق المال المصرى , وتدهور الجنيه المصرى فى قبالة العملات الحرة , فلكم أن تتصوروا حجم الانهيار .
وهنا نتسائل , أى محاكمة عادلة يمكن أن تكون عادلة بحق الرئيس مبارك واركان نظامه ؟ فشنق هؤلاء وصلبهم لايفى للشعب المصرى حقه . فأى حكومة تعقب هذا النظام لكم أن تتصوروا حجم التحديات التى تنتظرها أذا ما حاولت الفكاك والخلاص من أرثه . فالجميع اليوم ينظر فقط للجزء الملىء من الكوب ولايبصرون الجزء الفارغ منه وهو الاعظم .
لقد رسخت القوى الامبريالية مراكز قوى ومعطيات بالانظمة الاستبدادية بالمنطقة العربية , بحيث يصبح الفكاك منها أمرا بالغ الخطورة على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية . وهى عملية أمتدت لسنوات طوال . ومانشهده اليوم وعلى ضوء ذلك الواقع , تجرى عملية تجميلية بالغة الدقة , ومن أهم متطلباتها التضحية بالحرس القديم , حيث أنه أصبح لايواكب أدبيات الالفية الثالثة التى صاغتها القوى الامبريالية بذكاء ودهاء شديدين ( الديمقراطية , صيانة حقوق الانسان , الشفافية , النزاهة , محاربة الفساد , الحكم الرشيد , المشاركة , منظمات المجتمع المدتى , العولمة ...الخ الخ الخ ) , ظاهرها يزكرنا بالمدينة الفاضلة , ومخبرها وماتعكسه الاستراتيجيات والسياسات الوجه القبيح لهذه القوى .
فهاهى مواقف القوى الامبريالية حيال ماجرى ويجرى بكل من تونس ومصر , يقف المراقب مذهولا لمايسمع ويرى , فهاهى الادارة الامريكية تناشد بأن تتم عملية الانتقال للسلطة بشكل سلس توطئة للتأسيس لحكم ديمقراطى , والانحياذ لارادة الشعب المصرى , يجرى كل ذلك والرئيس مبارك لازال فى السلطة , تصريحات وتلميحات تشكل بلغة مغلفة لترفع الثورة من سقف مطالبها يوم بعد يوم , بحيث يبدو المشهد للتغير خالصا نتيجة للحراك الشعبى , ويتضح تماما أن كافة النظم الاستبدادية بالدول النامية لاتتعلم من التجارب التاريخية حول طبيعة العلاقة بالقوى الامبريالية , بأن المصالح اولا , فأى كرت يستنفذ أغراضه لاضير فى احراقه , وبالعادة يكون البديل قد أعدّ سلفا , وبالنسبة للحالة المصرية الراهنة , لايمكن فى قبالة تعنت الرئيس المصرى بالاستمرار بالسلطة , أن تلجأ الاستخبارات الامريكية لاعتماد سيناريو القضاء على السادات وبأخراج مختلف , وهذا ان حدث فربما حينما تستنفذ القوى الغربية كافة وسائل الضغط على مبارك للرحيل , وهو أمر لايمكن أستبعاده , وهو ماقد يقود الى توجيه ضربة قوية للاستثارات بمصر , وهو ماقد يقود لتدهور أقتصادى غير مسبوق , وهو هدف ينصب فى مصلحة القوى الامبريالية حتى تصبح السلطة الجديدة فى أمس الحاجة للدعم الخارجى , وهى بوابة النغلغل مجددا وبأرادة السلطة الجديدة , ولكن فى ثوب قشيب يدعى دعم الاصلاح .
خلاصة الامر , أن مبارك وأمبراطوريته ماعادت تلبى متطلبات سيناريو القوى الغربية للعقد الجديد , وجاءت الخطوة التالية لامبراطورية مبارك وليس الاولى , حتى لايتكشف ابعاد السيناريو , وفى نفس الوقت يسّهل من اجراءات تغيير الانظمة الاخرى التى يشملها السناريو بشكل سريع وسلس وبأقل الاضرار , بحيث بين ليلة وضحاها تتحول القوى الامبريالية الى مساندة الشعوب بالمنطقة الذين يعانون من أنظمة مستبدة فى احداث التغيير , وبمايجمل صورة تلك القوى بين هذه الشعوب , والعمل على احراق الكروت التى أستنفدت أغراضها , فهل استوعبت بقية الانظمة المستبدة بالمنطقة أهداف الاستراتيجية الجارى تنفيذها أم لايزالوا يراهنون منعة امبراطورياتهم أمام أعصار التغيير من الدرجة الاول أو اللون الاحمر المزلزل المدعوم غربيا .
والله من وراء القصد
عاطف عبد المجيد محمد
عضو المنظمة الدولية لشبكة المعلومات والعمل لاولوية حق الغذاء – هايدنلبرغ – المانيا
عضو الجمعية الدولية لعلوم البساتين – بروكسل – بلجيكا
الخرطوم بحرى – السودان
تلفون:00249912956441
بريد الكترونى:[email protected]
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة