الانظمة الاستبدادية بالمنطقة العربية ومكامن قوتها , ووسائل تقويضها
الثورة الشعبية بكل من تونس ومصر بقيادة الشباب أثبتت مدى هشاشة الانظمة الاستبداية بالمنطقة العربية , وأمام دهشة العالم والقوى الامبريالية الداعمة لهذه النظم . مما أدى الى أننا أمام مشهد عالمى جديد يرسم معالمه شباب مجتمعات ظن الكثير من المراهنيين بأن جرعات عناصر الخور التى تضخ عبر العديد من وسائل الاعلام والتعليم وأدوات بناء الشعوب وسط هذه المجتمعات عبر أستراتيجيات لا تتعلم من التاريخ , بأن أذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر .
ونتناول اليوم أين تكمن عناصر قوة هذه الانظمة الاستبدادية , ونستشهد بالمجتمعين التونسى والمصرى , وتتفق معظم هذه الانظمة فى السمات العامة نوجزها فى الاتى :
اولا : وفق سياسات واستراتيجيات صندوق النقد الدولى والبنك الدولى والمؤسسات المالية التى تدور فى فلكهم , ومنذ منتصف التسعينات , تم طرح فلسفة سياسات الخصخصة واعادة الهيكلة لمؤسسات القطاع العام , وأشاعة حرية قوى السوق , تحت ستار سياسات الاصلاح بالدول النامية , لتهيئة المناخ الملائم لهيمنة أجهزة السلطة الحاكمة بهذه الدول على مفاصل الاقتصاد بمجتمعاتهم , مما يوضطد سطوة سلطتهم , وكذلك العمل على تنمية الموارد المالية التى تسهم فى دعم ركائز النظام , وعلى رأسها المؤسسة الامنية بمختلف مسمياتها .
ثانيا : الضغط على ماتعرف مجازا بالرأسمالية الوطنية لدعم هذه الانظمة , واعلان ولائها للسلطة الحاكمة , فى مقابل تقديم العديد من الامتيازات لها , وهو ماجرى تسميته مؤخرا ( تزاوج السلطة ورأس المال )
ثالثا: العمل على ابعاد كافة العناصر غير الموالية للسلطة وهذه السياسات من كافة المؤسسات الامنية (الجيش – الشرطة – ومختلف الاجهزة الامنية الاخرى ) , وترفيع درجات العناصر الموالية بهذه المؤسسات , لتصبح ماتعرف ( بالصف الاول ) . فى قبالة منحهم العديد من الامتيازات الاقتصادية , من قبيل تأسيس العديد من الشركات , بحيث يتحول معظم الصف الاول , لرجال أعمال وليس رجالات منوط بهم توطيد أركان الامن بالبلاد وحماية الوطن , مما يصعب عليهم مستقبلا وتحت أى ظرف التضحية بهذه المكاسب .
رابعا : أعادة صياغة وهيكلة الاقتصاد بحيث يظل الهيمنة الاساسية بمفاصل الاقتصاد بيد ازرع السلطة , المتمثلة للكيان السياسى المهيمن والراسمالية الموالية والجهاز الامنى .
خامسا : السيطرة على النقابات بغض النظر عن الوسائل , والعمل من خلالها تهميش الدور الحيوى لهذه البنيات بما يؤمن أضعاف دور كافة القوى السياسية الاخرى المتمثلة فى الاحزاب ومؤسسات المجتمع المدنى .
سادسا : وأد القطاع التعاونى وتهميشه وأضعاف مؤسساته , بحسبان القطاع التعاونى يمثل أهم قطاعات الحماية الاجتماعية بالدول النامية , والذى يمثل أهم قطاعات المجتمع لسياسات الهيمنة الاقتصادية على الشرائح الضعيفة بالمجتمع والتى تمثل السواد الاعظم لهذه المجتمعات .
سابعا : العمل على تهميش دور المثقفين وقيادات الفكر , وارساء سياسات التعتيم من خلال توجيه اعلامى مضلل .
ثامنا : نأسيس مؤسسات تشريعية صورية , متل البرلمان , وذلك عبر عمليات تزوير الانتخابات , لاضفاء شكل ديمقراطى على المسرح السياسى , مواكبة للتيار الدولى الذى يدعو لصيانة حقوق الانسان .
تاسعا : العمل على تأمين كافة العناصر أعلاه من خلال مباركة من قبل القوى الامبريالية , حيث تتلاقى المصالح المشتركة , وتتنوع طبيعة هذه المصالح من حيث الاقتصادية أو السياسية ...الخ , فربط الاقتصاد بهذه القوى أمر جوهرى وحيوى واستراتيجى , فى قبالة الدعم السياسى والاقتصادى والعسكرى .
يتضح مما تقدم حجم تجزر هذه النظم الاستيدادية , وتشكيلها أمبراطورية بالغة التعقيد بهذه المجتمعات , وليس كما يتصور الكثيرون بأن هذه النظم يمكن بكل بساطة كما يحدث فى الدول المتقدمة بخروج مظاهرات سلمية بالملايين على أسقاط هذه المنظومات .
وهنا يفرض تساؤل مشروعا نفسه وهو , كيفية تقويض مثل هذه الانظمة ؟
من خلال التجربة التونسية والمصرية يتضح جليا غياب القيادة والرؤية الواضحة المعالم لكيفية مواجهة هذه النظم لتقويضها , وكذلك غياب ماسوف تسعى هذه القوى للاضطلاع به بعد تقويض النظام وفق الثوابت التى يدعون لها , من قبيل ماهو الدستور الامثل فى قبالة الدستور القائم , مسودات القوانين التى يرونها ضرورية لتأمين ترجمة الدستور على ارض الواقع لاحقا , السياسات الاقتصادية والمالية الواقعية التى يمكن أن تؤمن أعادة هيكلة اقتصاد الدولة بما يؤمن المصلحة العليا للبلاد والنأى عن مداخيل عناصر الهيمنة والتبعية . على أن تنشر كافة هذه الاصلاحات على شبكة الانترنت والوسائل الاعلامية المختلفة حتى تلتف حولها القاعدة العريضة , وتمثل مرتكزا حقيقيا لفحوى التغيير الذى ينشدون .
الخطوة التالية , هى تبنى مبدا المحاسبة القانونية والعادلة لكافة الذين أفسدوا الحياة السياسية والاقتصادية , وارتكبوا جرائم فى حق المواطنيين , وتقديمهم للمحاكمة , كمبدأ أساسى وليس ثانوى , وذلك لتأكيد أنهم حقيقة ينادون بالتأسيس لدولة القانون .
الخطوة الثالثة : العمل على تأسيس قيادة للقوى التى تتبنى هذا الطرح تتمثل بها كافة شرائح المجتمع ومنظمات المجتمع المدنى والاحزاب السياسية .
الخطوة الرابعة : أنتهاج سياسة متدرجة فى أحداث التغيير , وذلك من خلال اجتماع قيادة حركة التغيير بقيادة هذه النظم الاستبدادية للاتفاق على منهج احداث عملية التغيير من خلال الحوار وفق ماتطلبه حركة التغيير . وفى الغالب الاعم ستميل مثل هذه النظم الى سياسة المراوغة واللالتفاف حول الحركة ومحاولة اضعافها أو شقها وما الى ذلك وهو مايجرى اليوم بمصر مثلا , وهنا , تأتى الخطوة التالية وهى تسيير المسيرا ت الشعبية والاعتصامات الشعبية للتدليل على حجم حركة التغيير فى أوساط الجماهير العريضة . وفى الغالب الاعم , ستستمر عمليات المناورات من قبل هذه الانظمة , لابل ومحاولة الترهيب من خلال استخدام الازرع الامنية المتنوعة فى مواجهة هذه التحركات , فهى من خلال مراكز القوى الفاعلة بهذا النظام ستستميت من أجل الدفاع عن مكاسبها التى أمنتها لعقود , مسنودة بالقيادات العليا للاجهزة الامنية المتحافة معها وصنيعتها , فى مواجهة التحرك الجماهيرى لحركة التغيير . وحين بلوغ هذه المرحلة , تكون حركة التغيير قد بلغت مرحلة المخاض , وهو الذى يستوجب الامر ثلاثة اجراءات متلازمة لحسم الامر وهى كما يلى :
أ- مزيد من التعبئة الجماهيرية , والمزيد من المسيرات الشعبية لتشمل كافة ارجاء الوطن بمايشتت قوة الزراع الامنى للنظام .
ب – التحرك من قبل قيادة حركة التغيير على المستوى الاقليمى والدولى لمزيد من الضغط على النظام , وذلك على المستويين الرسمى والشعبى .
ج – مطالبة الجيش بتحديد موقفه من حركة التغيير , فاما الانحياز لحركة التغيير وأما الانحياز للنظام . وفى حالة انحياز الجيش لنظام الحكم , فهذا يخول شرعا لقيادة حركة التغيير تبنى خيار المواجهة المسلحة بجانب الحراك الجماهيرى , فقد أثبتت التجارب فى التعاطى مع مثل هذه النظم , ان المواجهة المسلحة الفاعلة أكثر نجاعة لبلوغ حركات التغيير لاهدافها بالدول النامية , ويكون النظام من قاد الى تفاقم الاوضاع الى هذه المرحلة , وفى النموزج المصرى مثلا , فالتعويل على الصف الثالث بالقوات المسلحة المتمثل فى الرتب من رائد فمادون هم الذين يمتلكون ذمام المبادرة الان لاحداث تغيير والالتفاف على الصفين الاول والثانى بالقوات المسلحة و هو ماسيعجل بالتحرك القوى للمجتمع الدولى بالتدخل للتعجيل بسقوط النظام المصرى .
الخطوة الرابعة: الفترة الانتقالية يجب تحديد طبيعتها من حيث , فترتها , شكل الحكومة الانتقالية المناسبة التى تلبى تحديات المرحلة , واشتمالها على دستور انتقالى , يتم تضمينه بالموقع الالكترونى الذى أشرنا له اّنفا , بحيث لايجرى الالتفاق على حركة التغيير بعد اتمامها .
بناءا على ماتقدم , يتضح ان تغيير الانظمة الاستبدادية لابد ان يمر عبر بوابة مواجهة متكاملة , وليس من خلال الحلول الجزئية , وهى تأتى فى عملية تصاعدية طبيعية لكل مرحلة من مراحل المواجهة , وماتناقلته وسائل الاعلام اليوم من الانفجار بخط انابيب الغاذ الرئيسى المصرى لاسرائيل يمثل واحد من اشكال التصعيد فى المواجهة مع النظام المصرى , والضغط على المجتمع الدولى لضرورة المزيد من الضغط على النظام للاستجابة لحركة التغيير .
ختاما , نسأل الله العلى القدير نصرة الشعوب المستضعفة فى مواجهة الطغاة .
والله من وراء القصد
عاطف عبد المجيد محمد
عضو المنظمة الدولية لشبكة المعلومات والعمل لاولوية حق الغذاء- هايدنلبرج – المانيا
عضو الجمعية الدولية لعلوم البساتين – بروكسل – بلجيكا
الخرطوم بحرى – السودان
تلفون:0024912956441
بريد الكترونى:[email protected]
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة