رذاذ ولغة الأرقام
بقلم : عمار محمد صالح
ما أصابنا حتى الآن من أعاصير الأزمة المالية مجرد رذاذ يضرب شواطئ إقتصادنا بلطف .. يحذر ولا يدمر وينبه .. ولا يعنف
وميزة الرذاذ الآتي من وراء البحار أنه يتيح لك دوماً فرصة للتحضير لزيارة ضيف ثقيل .. فما يخفف من ثقل هذه الزيارة قدرتك على الإستعداد لها لكننا وحتى الآن لم نحضر لها جيداً فكل النذر تقول لنا إن هذا الرذاذ لن يبقى رذاذاً .. لكننا ولأسباب كثيرة آثرنا أن نستقبلها بما كان ينبقى أن نقوم به سواء كنا نستقبل ضيفاً ثقيلاً .. أم حبيباً .. فكل العناوين تحت تشجيع الاستثمار صالحة دوماً .. إلا أنه وفي حالات الأزمات العالمية فإن ثمة ما هو أهم من تشجيع الاستثمار .. إنه الحفاظ على ما هو قائم على الأقل الآن مستفيدين من المال السوداني الذي سيكون أكثر شعوراً بالأمان في أحضان أمه .
فالإستثمار لغة عالمية عندما يتعذر النطق بها فعلينا أن لا نتوهم إننا قادرون على إقناع المال الأطرش بالحديث بها وعنها الآن .. والمال في حال الأزمة يصبح أبكم وأصم .. لكنه لا يصبح أعمى , هي لغة الأرفام والمعلومات أيها السادة تخوننا أحياناً أو نخونها بفعل الذاكرة والزمن ولا هي لغة مكاييل وموازين ترتاب مرة وتصدق مرة ولا هي حتى لغة تبجيل وعطايا بلاط ..حيث لم تنجح حتى الآن الإجتماعات المتلاحقة لزعماء ووزراء المال في الدول الصناعية الكبرى ولا الإجراءات المتخذة سواء لجهة ضخ مزيد من المليارات في السوق , أو لجهة خفض نسب الفائدة والإعلان عن دعم المصارف وشركات التامين في أن تهدىء من روع المستثمرين والمواطنين على السواء في المجتمعات الغربية خصوصاً وفي العالم عموماً بعد الإجتماع الأخير والموصوف بالناجح لقمة العشرين , حيث أخفقت هذه الإجراءات مجتمعة في التصدي لتسونامي المال الذي إجتاح البورصات العالمية أو في مواجهة أثار الأزمة على أسواق المال في أمريكا وكندا وأوروبا وأسيا والوطن العربي , حيث ما زالت الإنهيارات وحالات الإفلاس وشبهة وخسائر غير مسبوقة متواصلة , وحل الأزمة وتطويق آثارها وتداعياتها على الإقتصاد ربما كان ينبغي أن ينطلق من وجوب الإجابة على التساؤلات التي تدور حول كيفية حصول الأزمة وحول الأسباب التي حالت دون نجاح الحكومات في حلها رغم التدخلات الحاصلة .
وهنا يمكن القول : إذا كانت أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة شكلت السبب المباشر لظهور وتفجير الأزمة كما هو معلوم فإن ذلك لا يقلل من أهمية النظرية التي تؤكد أن الأزمة بنيوية وليست طارئة وهي معقدة إلى درجة تستدعي إجتراح حل يعاد النظر بمقتضاة في نشوء وعناصر تكوين النظام المالي العالمي الذي يعتمل عوامل نشوء هذه الأزمة ذلك أنه من السذاجة الإعتقاد بأن تضخماً في الرهون العقارية تسبب وحده في الأزمة فهي أكثر تعقيداً من ذلك ولو كانت كذلك لكان بالإمكان مواجهتها بضخ أموال في المصارف أقل بكثير مما تم ضخه حتي الآن في السوق ولكان بالإمكان إستعادة ثقة المستثمرين وإعادة الهدوء إلى البورصات العالمية والقدرة على السيطرة على أسعار النفط من الإنهيار والذهب في التقلبات وطمأنة الجميع من أن الإمور تحت السيطرة , لكن عندما تخفق الحكومات ومعها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في إعادة الثقة بسياساتهما المالية وبقدرتها على تمكين المصارف العملاقة من تجاوز خطر الإفلاس ومواصلة الإقتراض وتوفير السيولة يكون طبيعياً الإستنتاج بأن الثقة قد إهتزت ( أو فقدت ) ليس بالحكومات والسياسات المالية فحسب وإنما بالنظام الرأسمالي والآليات الليبرالية غير المأمونة التي تحكم الحالة الإقتصادية
والمصرفية .. من هنا فإن أي خطة تضعها الولايات المتحدة أوغيرها ستكون بلا جدوى ولن توقف مسلسل الإنهيارات والخسائر ما لم تطرح نظاماً متكاملاً ينأى عن تناقضات النظام الرأسمالي وعلى أن يتضمن آليات واضحة تفرض رقابة منهجية على المصارف بما يضمن حقوق المستثمرين والأفراد وعلى أن تشتمل هذه الأليات أيضاً على ما من شأنه أن يضع حداً لعمليات المضاربة والبيع والشراء غير الواقعية للإصول والرهون والقروض والفائدة على القروض ..الخ ومن ما يجري من ممارسات مالية وتجارية وهمية لا تخضع للتدقيق والتقييم الحقيقي للسلعة والسهم والعقار والإصول وهو ما يجسد شكلاً من أشكال الفوضي في النظام المالي العالمي المحموم الذي يبدو والحال كذلك طبيعياً أن ينتج أزمة بهذا المستوي .
عندما ترنح العالم تحت تأثير السقوط المثير للبناء الذي أنجزته الثورة العالمية متمثله بالإتحاد السوفييتي سابقاً والدول الإشتراكية كتبوا مرسوم الحداد .. وأعلنوا الإنتصار مبشرين بولادة النظام العالمي الجديد ( كان جديداً) تراجعت الثورة .. تراجع الفكر الثوري .. وبشر المفكرون الرأسماليون بنهاية التاريخ .. خفتت الأصوات المقاومة .. وأي محاولة لم تتعد كونها سباحة عكس التيار .. لقد واجه المفكرون الثوريون طغيان وجبروت الرأسمالية إما بالنكوص والتحول .. وإما بالذهول والخذلان .. على حين صمتت القوى السياسية المناهضة لوحشية الرأسمالية مرتبكة لا تعرف طريقاً للتوجه .. حتى بدت في أحيان كثيرة عرابة للإنقلاب العالمي الذي بدأ مع تسعينيات القرن الماضي .. لنكن منصفين .. فقد كانت الصدمة أكبر من الإستيعاب المنطقي والتوليد الفوري للتحليل والبديل .. سكتت الثورة وتكلمت الرأسمالية ومضت في غيها لا تسمع تعليقاً ولا تخشي طريقاً رغم مظاهر الرفض الشعبي هنا وهناك .. هذا الصمت الذي مضت فيه حركة الرأسمالية بعد سقوط الإشتراكية ومعها الي حد كير الثورة العالمية .. جعل الرأسمالية تواجه مرضاً ذاتياً .. تراكمت الأخطاء وتضخمت الحالة وتفاقمت المشكلات حتي كان السقوط الأخير وهو سقوط لا يقل أبداً عن سقوط الإشتراكية فكان ما نحن عليه اليوم حيرة إرتباك .. إنتظار لآثار مليارات مليارات الدولارات تؤخد من دافعي الضرائب لتصب في طاحونة الرأسمالية محاولة إنقاذ مؤسساتها المتهالكة .
الأمم العظيمة والشعوب المعطاءة تختزن في داخلها قوى كامنة تنتظر اللحظة المناسبة لتعبر عن الوجه الحقيقي لذلك الشعب .. والجماهير التي عانت وذاقت أشكالاً من القهر والإضطهاد كانت دوماً بإنتظار الخلاص الوطني الذي يمثل الكل الإجتماعي ويعكس المعني المجتمعي لأمة تمتلك من عوامل التوحيد والقوة ما يمكنها من تحمل الكثير من محاولات الضغط والإستغلال ومحو الذاكرة لمئات السنين والعودة بعدها لفض تلك المحاولات وكانها مجرد غبار تركتة رياح الصحاري على وجه أسمر عبر مفازاتها ذات قيظ ليصل مقصده في إحدى الواحات الوارفة .. وببساطة ودون أي إبتزال أو تكلف ودون أن نشحذ الذاكرة أو ننقب عن أرقام ودلائل وحجج .. ودون أن يشهد شاهد من أهلها ولا من أصدقائها .. ولا حتي من خصومها .. ومثل بذرة غضة ألقيت في تربة خصبة إنتشت ونمت وتبرعمت صارت ثماراً تنالها اليد .. وهتافاً تلهج به الحناجر كما الأفئدة صارت ضميراً آثر ينحني له العقل ( هي دعوة لفتح المجال أمام الألآف من السودانيين الإقتصاديين وغيرهم من الركائز والدعائم في كثير من الدول بالمساهمة بالنصح أو المشورة في خلق إقتصاد وطني حر يستفيد منه الجميع بعيداً عن الحصص الحزبية الضيقة وإفرازاتها السلبية الدائمة التي أوصلتنا إلي ما هو علية الأن رغم التصريحات المتوالية والمطمئنة بالواقع الإقتصادي والمكابرة في عدم كشف الحقائق , لن تكون هناك وحدة وطنية كما نزعم إن لم نفسح المجال للجميع معارضاً كان أم غيرة من التصنيفات التي تطلق إن لم تكن المواطنة هي الأساس وأن تكون بيانا عملياً بأرض الواقع وليست كلمات تطلق هنا وهناك وفي مناسبات عديدة .. وكما هي الدعوة في المجال الإقتصادي يجب أن تكون كذلك في كل المجالات دونما إستثناء يجب علينا أن نضع أيدينا على الجرح ولا نتلمس من حولة ونترك القضية الإساسية .
إن الملايين يشتاقون إلى رغيف خبز ليس فية طعم الدم أو نكهة الدموع .. كما يشتاقون إلى تعلم تهجئة الحروف لتقراء النور وتكتب رسائل الحب .. كما يشتاقون إلى جرعة الدواء دون منة أو صدقة أو إرتهان .. إن الملايين يشتاقون إلى إنتماء آخر غير الإنتماء الحزبي أو القبلية أو العشيرة .. وكما نريد الإنعتاق من الأزمة الإقتصادية العالمية التي تعتبر كآلهة الصنم التي لبثت قروناً تنتج العبيد والقهر وكتائب المرابعين المرغمين كل فجر على إقتسام الرغيف كما الكرامة لينظر كل منا حوله .. وليقف كل منا مرة أمام مرآة الذات .. ويسأل كم من المال بذل ليتم دورة التعلم من التهجئة إلى إطروحة الدكتوراه .. وكم من المال بذل لينأى عن مرض تفاوت بين حمي وقلب مفتوح وكم من الكرامة إدخر ينأى بها عن فكي حاجة أوبراثن عوز .. وكل ما سبق ذكره لا يتحقق في قادم الأيام إلا في ظل قيادة واعية وشجاعة .. وشعب داعم ومؤيد لها .. وجيش ملتزم .. وقيادات وتنظيمات وأحزاب ترتبط إلى بنية قانونية تستمد جميعها قوة فعلها وتأثيرها من ترابط شعبي يدفع المجتمع كله للإستمرار في نهج العطاء والتصميم على تجاوز العقبات والحفاظ على السيادة الوطنية .
والصورة اليوم صورة البيان القوي المتين تعكس تاريخاً من المعاناة والتصميم على تجاوز الخلافات والتقسيم .. مع مواجهة الضغوط الخارجية التي تحيط بالدولة من جميع الإتجاهات .. كما لابد من الإشارة لموضوع هام لا يقل شأناً عن الأزمة الإقتصادية وهو من خلال المتابعة لآليات الردود من قبل المسؤولين في الحكومة ومؤسساتها تجاه التحقيقات والتقارير والمتابعات الصحفية التي تتناول أنشطة وأعمال المسؤولين بشكل اساسي والمؤسسات التي يرأسونها بالتالي .. والغريب في الأمر والمستمر بصورة دائمة إن معظم مسؤولينا يتعاملون مع الإعلام بردود أفعال شخصية تبتعد كثيراً عن الموضوعية وتنأى في مضمونها عن النهج الموضوعي الذي يفترض وضع معايير ومقاييس محددة توضح حدود الخطأ والصواب في الكتابات الصحفية بمختلف أشكالها .. ووفقاً لهذا التقييم يفترض أن تأتي الردود الرسمية منسقة مع المعايير الموضوعية المشار إليها دوماً في الأحاديث والكفاءات الرسمية فيما يتم الإبتعاد عنها كلياً في الممارسات العلمية .. وغالباً ما يتفنن المسؤولون في ردودهم في كيل الإتهامات والإفتراءات للصحفي المستقصي ومحاولة إلصاق الأكاذيب الملفقة به وربط كتابته وإستقصاءاتة وتحقيقاته بالشخصانية وكأن أمراً خاصاً يحدد العلاقة ما بين هذا الصحفي من جهة والمؤول أو المدير شخصياً من جهة ثانية .. ووفقاً لهذه العلاقة تصاغ المواد الصحفية وكأن المحرر يتفرد وحده فيما ينشر وليس هناك أي وجود لهيئة تحرير تتولى متابعة كل ما يردها وهي تدقق وتفحص تتأكد من صحة المعلومات الواردة وتقف على مراميها وتصنع تصورات لنتائجها وتميز بالنهاية ما هو صالح للنشر من غيره .
وبمعنى أن العلاقة في حقيقتها أكثر مما يعتقد بعض المسؤولين بأن هذه الصفحات البيضاء يمكن تسويدها بأي معلومات أو أخبار دون التحقق من دقتها وصحتها وحداثتها .. وهكذا يصبح بمقدور الإعلام أن يواجه أي إدعاءات يمكن أن يتفنن بها بعض المقصرين ومطلقي التصريحات والمحاولة من التملص منها بحجج وآهية والمتاهونين والواقعين في أخطاء أو المرتكبين لخطايا تهون أمامها الجرائم الكبيرة .. وقد نشهد بعضاً من مسؤولينا يتبارون في القدرة على الإفتراء فبعد نجاحاتهم في إستعراض القوى الجوفاء وعناصر الخواء المسؤولياتي يدخلون ميادين الإفتراء ومحاولات التشويه سواء في الحقيقة والواقع أوفي العلاقات والدوافع والأهداف ..وهنا لا بد من وجود أسئله كيف نقف ؟ وكيف نواجه ؟ وكيف نتصرف ؟ والإجابة بسيطة جداً فبالقدر الذي نمتلك من صدق الإنتماء ونبل الأهداف نستطيع أن نمتلك القدرة على المواجهة مشحونة بالكثير من المعلومات الدقيقة البعيدة عن الشخصانية لكى يتم توظيفها في الصالح العام والخدمة الوطنية .. وكما في السياسة هناك إحتمالات.. وهناك قارئون مهرة لهذه الإحتمالات يقرؤون ما وراء الأسطر المعلنة ويقاطعون .. ويستنتجون فيصلون إلى تصور قريب لما يمكن أن تخفيه الإحتمالات فكذلك هناك كثيرون غيرهم وفي كل المجالات الأخرى .!؟
[email protected]
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة