هيئة علماء السودان وياسر عرمان

     من خلال قراءتي للدين الإسلامي ، ومن خلال تأملي لتاريخ العلماء المسلمين عبر الحقب المختلفة  ، توصلت لقناعة هامة أنه لا " بابوية " أو كهنوت في الإسلام ، فقد رفض الإمام مالك بأن يُفرض كتابه " الموطأ " على الناس ، وحتى الإمام البخاري رمى صحيحه في الماء مخافة أن يكون فيه شيء لا يحتمله الدين ، وهناك قول مأثور بين جمهور علماء المسلمين وهو : أن كل صاحب قول يُؤخذ منه ويرد ما عدا صاحب هذا القبر ، والمقصود بصاحب القبر هو الرسول ( ص ) ، ومن علماء المسلمين هناك من واجه الحجاج بن يوسف الثقفي ، وقد واجه الإمام أحمد بن حنبل ثلاثة خلفاء ، وقد أشتد عذابه لمدة عشرين عاماً لأنه رفض الفكر السياسي والديني لجماعة المعتزلة والتي تحلقت حول الخلافة العباسية  فيما عُرف وقتها بمحنة خلق القرآن ، وحتى الإمام إبن تيميه والذي واجه غزو التتار دخل السجن وحُبس إلي أن مات فيه ، إذاً لا مجال للأدعاء بأن العلماء المسلمين  يزينون للحكام ما يريدونه ، لكن هذا لا يمنع من وجود تفلتات محدودة بدرت من بعض ضعاف النفوس ، فهناك من أفتى بعدم جواز محاربة نابليون لأنه يمثل الخليفة العثماني ، والسبب في ذلك أن نابليون بونابرت عندما غزا مصر قابل العلماء والمشايخ وأجزل لهم العطايا ، مما جعل بعض العلماء يؤكدون أن نابليون قد أسلم وأختتن في السر حتى لا يفقد عرشه في فرنسا ،إذاً فإن قتاله يكون خروجاً على الحاكم المسلم ، نحن في السودان لسنا بمعزل عن حركة التاريخ ، فالدين حاضر والفتوى جاهزة عند الملمات ، فهناك من أفتى بإسلام بيو أكوان ، وهناك من زعم أن اللواء أروب تونق والذي لقى حتفه في حادث طائرة قد أسلم أيضاً في الخفاء ، ولترويج مثل النوع من البضائع تم تكوين بما يُعرف بهيئة علماء السودان ، وهي هيئة تمثل المرجعية الدينية والسياسية لحزب المؤتمر الوطني ، وهي لا تضم كل قوميات السودان المختلفة ، مثلاً لا يوجد من بين أعضائها جنوبي مسلم أو مواطن من دارفور ، كما يتعاطى أعضائها إكراميات ومخصصات من الدولة السودانية ، بل بعض أعضائها يعيشون مثل الوزراء والمستشارين ولا يستطيعون تحديد هل يجوز أكل مال الفتوى ؟؟ وقد قامت هذه الهيئة بعد إنهيار هيكل الإسلاميين الذي بناه الدكتور حسن عبد الله الترابي ، كان حزب المؤتمر الوطني في حاجة إلي مرجعية دينية تعوض غياب الدكتور حسن الترابي ، ومن المفارقات الغريبة أن كل  أعضاء هيئة علماء السودان هم من المغمورين وبعضهم لا يحسن عقد المقارنات الفقهية ، وقد افتضح أمرهم بعد فتوى " المخارجة " التي دعت الرئيس البشير بعدم  السفر  إلي الدوحة ، وتمت مقارنة الرئيس البشير بحالة سيدنا أبو بكر الصديق في حروب الردة عندما دعاه بعض الصحابة بعدم الخروج للقتال ، هذه الفتوى المضحكة لم تجد الآذان الصاغية حتى من الرئيس البشير نفسه والذي سافر من غير يأبه لفحواها هي مثال حي للذهنية التي لا تجد القبول من أحد  ، غير كل ذلك لا نعرف ما هي حجم المؤهلات العلمية لفقهاء هيئة علماء السودان  ، وهل لهم كتب أو مطبوعات فكرية في مختلف مجالات الفقه أم هم جماعة دينية تحرس فقط عقيدة حزب المؤتمر الوطني ؟؟ وما هو رأي هيئة علماء السودان فيما يجري في دارفور ؟؟ وما هو موقفها من جرائم الإغتصاب والقتل وحرق القرى ؟؟ وما هو حكمها في شراء اليخت الرئاسي من بيت مال المسلمين  ؟؟ وماذا يقول الدين في وزير بنى عمارة أنهارت فوق رؤوس بعض الأبرياء ..فهل يجوز له الإحتفاظ بالمنصب ؟؟..أم يجب محاسبته بدفع دية القود لأسر الضحايا ، ليس على أن الهيئة أن تمارس الإرهاب الديني في شخص الأستاذ/ياسر عرمان ، لأن الدولة في السودان وفق إتفاقية هي دولة مدنية وليست دينية ، وهي دولة قائمة على المساواة في الحقوق المدنية ، فالشعار المطروح  للمواطنة هو الوطن وليس الدين ، وإن كانت هيئة علماء السودان ترى غير ذلك فعليها إصدار فتوى جديدة تدعو فيها الناس للحرب بصيغة ساحات الفداء ، والمفارقة الغريبة أن معظم أعضاء هذه الهيئة ليسوا من المحاربين القدامى  بل بعضهم عائد  من دول الخليج  ،مما يعني أنهم يعيشون في جو مخملي يقع خارج إهتمامات المواطني السوداني ، وحتى الإنجاز الذي حققته بفتوى زواج الإيثار يعتبر سرقة أدبية لفتوى زواج المسيار في دول الخليج .

سارة عيسي