هذه الدعوة مرحباً بها ولكن.. بقلم/ نصرالدين علي أحمد
لعل من سخرية الأقدار والمفارقة حقاً أن يكون الدكتور حسن عبدالله الترابي هو الأكثر جهراً وجسارة في المطالبة بالتحول الديمقراطي الذي طال انتظاره وما يزال. ومكمن السخرية في أن الترابي، الذي أطلق عليه الأستاذ الدكتور منصور خالد لقب "بول بوت السودان" تشبيهاً لما ارتكب من فظائع وما أهدر من دماء هو وزمرته من الإسلامويين الحاكمين بأمرهم- منذ الانقلاب العسكري المشؤوم الذي دبروه بليل وأطاح بحكومة شرعية ومنتخبة في الثلاثين من يونيو 1989- ومقارنة له بما خلفته فترة حكم الخمير الحمر الدموية في كمبوديا بول بوت، كل ذلك يجعل الترابي بلا شك صاحب السجل الأكثر دموية من بين كل سياسيينا على اختلاف مراحل تاريخنا السياسي. غير أننا وإنصافاً للترابي ينبغي أن لا نحمله الوزر كله، فقد شهدنا مجازر في أجزاء متفرقة من بلادنا، نال منها الجنوب نصيب الأسد، وعرفنا أهوال وحمامات دم في فترات حكم لم يكن الترابي وتنظيمه طرفاً فيها، ولا تزال ذكراها عالقة بجيل يأبى نسيانها حتى الآن، كحمام الدم الذي حدث في قصر الضيافة عشية انقلاب الحزب الشيوعي المضاد لحكم السفاح جعفر نميري عام 1971، وكقتل الأنصار بالطائرات المحلية والمستجلبة من الخارج في الجزيرة أبا وكإبادة النوبة في قرى جبال النوبة بالأسلحة الكيميائية وكسياسة الأرض المحروقة التي تعرضت لها القرى في جنوب السودان، ثم آخر المطاف ما يجري في دارفور الحبيبة اليوم من قتل وإهلاك للزرع والضرع وتشريد وتهجير قسري، ناهيك عن الفقر المدقع الذي يتولى من أفلت من هذه الكوارث التي صنعها من لا يرحم ولا يترك رحمة الله تنزل، هذا بالطبع بالإضافة إلى انهيار جهاز الخدمة المدنية بعد مذابح أخرى نالت أهل الكفاءة في مقتل وطردتهم من وظائفهم وشردتهم في الآفاق فيما أسموه بالحالة إلى الصالح العام ومطاردة الأكفاء بسيف سن المعاش المسلط على رقاب من لا يثق النظام في ولائهم، والذي طال حتى أساتذة الجامعات في بادرة هي الأغرب من نوعها في كل أنحاء الدنيا، إذ كيف تطرد دولة لا تزال تنشد النمو وتطوير التعليم أستاذاً جامعياً من وظيفته بدعوى بلوغ سن المعاش، وهل هناك تقاعد من العطاء في مجال العلم الذي أمر به النبي الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، فأوصى به من المهد إلى اللحد؟ هذه حقائق لا يسلم الترابي وجماعته من إسلاميي السودان منها ولن يرهب الناس جبروت أجهزة أمنهم الطاغية في الصدع بالحق وتوجيه أصبع الاتهام لهم مباشرة بالمسؤولية عنها الآن وغداً بإذن الله، هذا أمر نعلمه نحن أهل السودان ونلمسه حاضراً في أثاره التي تمشي بيننا ولا نحتاج فيه لدروس وخطب من غرباء من أي جهة أو مصدر. ولئن أعجزتهم هذه التركة الثقيلة عن تحقيق مطلوبات المصالحة والوفاق، وهي خيبة أخرى تسجل لهم على الرغم من الفرص العديدة التي أهدروها عنتاً وتعسفاً وزهواً بخييلاء زائلة، فإن ساعة الحساب قد دنت وحان أجلها في الانتخابات المرتقبة.
دعوة الترابي في محلها، ولكنها للأسف جاءت من الشيطان نفسه، الذي يدعي البراءة من دم الغنم الآن وينصب نفسه داعية للديمقراطية. هذه هي قمة المأساة وهي مأساة في خضم فشل ذريع لمعارضة اختارت سوء الخاتمة؛ السكون والتوالي واختيار الكلام الأنيس في حضرة السيد الرئيس. أي انتخابات في ظل دولة بوليسية تسيطر عليها جماعة واحدة تحتكر كل الفضاء وتكمم الصحافة وتحرم الأغلبية من كل شيء، من الذي يملك المال ويهيمن على أجهزة الإعلام وأين أبسط الحريات وماذا عن آلاف الأمنجية داخل البلاد وفي السفارات، هؤلاء الذين يحصون على الناس أنفاسهم ولا يتركونهم لشأنهم حتى بعد أن تركوا لهم مغانم الداخل بل والسودان كله، يطاردون الناس في أرزاقهم ويشكونهم هنا وهناك ويستعدون عليهم الدول والأجنبي ويضيقون عليهم في كل شئ، حتى جوازات السفر عادت منة يتفضلون بها على من يشاءون حتى بعد أن أضحت كالهم المقيم الذي يستودعونك إياها بما يحمله من ضرائب وأعباء مرهقة وبدعة اسمها تأشيرة الخروج رغم حتف الدستور الذي ينتهكونه كيفما يريدون، تمييز صارخ بين أبناء الوطن الذي يفترض أن يكون واحداً، هذا مقيم في السعودية يوالينا فأعفيناه من الضريبة ومنحناه الامتيازات والتسهيلات والمسكن وذاك المقيم في البحرين والإمارات وغيرها متمرد علينا فليدفع الجزية عن يد وهو صاغر، وسيموت دون أن يحصل منا على أي امتياز.
يا شيخ حسن أكفينا شرك ودعنا نواجه قدرنا ونواجهكم في معركة الحسم، ونأمل أن تديرها جهة محايدة ليس على رأسها مجرم مطلوب للعدالة ولا يؤثر في مجراها مجرم آخر حتى وإن كان يتخفى تحت دعاوى استعادة الديمقراطية التي لم يؤمن بها يوماً.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة