ألم يحن الوقت لتغيير خطابنا السياسي والديني ؟!
دكتور عابدين محمد شريف
بعد ثلاثة وأربعين رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية اختار الشعب الأمريكي باراك أوباما بمحض إرادته الحرة
ليكون رئيسهم الرابع والاربعين .. وكان الشعب ذاته قد اختاره سناتورا(نائبا) عنه في ولايته .. هذا إختيار حر مع سبق الإصرار، لم يكن فيه مجال لتحيز للون أو عرق أو دين(لما تم ترويجه عن خلفية والده الدينية) .. إنما كان معياره الموضوعي الوحيد "المواطنة" والإلتزام وصدق المواقف والثبات على المبدأ، وفوق كل ذلك التمسك بروح الديمقراطية والعمل بموجبها.
لست بصدد محاكمة الديمقراطية الأمريكية و ازدواجية المعايير والسياسات التحيزية تجاه بعض القضايا، فتلك قضايا ترجع لموازين الأمور التي حكمت وتحكمت في سياسة الرؤساء السابقين لباراك أوباما .. كما أنني لا أجيز تلك السياسة ولا أسوق لها
مسوغات ، ولكن عينها تلك السياسات التي تتناقض وروح الديمقراطية والمواقف الرسمية المنحازة تجاه قضايا الشعوب ومؤرقاتها، والتي تلبس(بضم الباء) لباس الاضطهاد الديني قسرا، فتلهب (بضم التاء) المشاعر الروحية ضد هذا أو ذاك، أو تلبس لباسا إثنيا أو جهويا فيتنادى الضحايا ان هيا إلى السلاح ، كل هذا موضوع هذه الزاوية.
من
خطابات الرئيس باراك أوباما - خلال الحملة الإنتخابية وبعد توليه السلطة، وخلال زيارته لتركيا – نستشف صدقا أمريكيا لم نعهده، ونشعر براحة نفسية لم نشعر بها، وتوجها ديقراطيا حقيقيا يحفظ حق الآخرين في حياة كريمة كما يحافظ على مصالح أمريكا(الشرعية)، وكأنه يدير عجلة السياسة الأمريكية الى العالم الإسلامي والعربي،بمنطق التصالح والتكافؤ والعمل المشترك، بنفس الروح التي توجه بها إلى كوريا وأمريكا اللاتينية وإيران، ذلك لأن الولايات المتحدة قد سئمت حمل العصا وتأديب الشعوب وسوقها عنوة إلى حظيرة الغرب،، وهو لا شك سيجد الكثير من المقاومة والاستهجان، والشماتة
من زملائه في الغرب ومن حلفائه في العالم الثالث إن لم يجد التجاوب الإيجابي المتفهم من طرفنا .. فإذا عاد خائبا كان رد الفعل مرا ومؤلما، فهو في النهاية إنسان يفرح ويغضب، يأمل ويحبط. وربما تكون ندامته من عدم تجاوب المعنيين بدعوته السلمية ، وبالتالي ردة الفعل المصاحبة، أشد وقعا مما نتصور ..
على الرئيس الأمريكي أن يتبع أقواله بالأفعال، ولو على سبيل "العربون"، عليه أن يرينا عربونا في فلسطين ، وآخر في أفغانستان، وثالث في هضبة الجولان ورابع في سياسة البنك الدولي تجاه الدول النامية وخامس في قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية الرأي وصراع الشعوب مع الحكام في العالم الثالث والعالم العربي ،ويختم ذلك بتبني "مكيال" واحد، وليحدد هو مواصفاته ومعاييره وطوله وعرضه وارتفاعه ، شرط واحد نريده منه وهو استخدامه في كافة القضايا الانسانية والسياسية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ، ولا نرفض ان يراعي في ذلك مصالح بلاده أينما كانت ، فنحن ندرك تماما أن للولايات المتحدة مصالح في كافة دول العالم، كما للدول الاخرى، من واجبها رعايتها والحفاظ عليها، شريطة ألا تكون على حساب
مصالح
الآخرين..
على الرئيس أوباما ان يوسع نطاق زياراته للعالم الإسلامي، في آسيا وإفريقيا .. عليه ان يزور دولا مثل السعودية و أندونيسيا وماليزيا واليمن ونيجيريا ومالي والسودان، ناهيك عن أهمية زيارة سوريا ولبنان ودول الخليج الأخرى، حيث يسمع من شعوبها ومن حكامها ما يؤرقهم في سياسة الغرب مع الشرق، وما يقترحون من أجل إزالة ذلك الأرق، وهو أمر بسيط .. بسيط .. الاحترام المتبادل.
على الرئيس أوباما أن يعيد النظر بموضوعية وتجرد وأمانة إلى موقف المحكمة الجنائية من رئيس دولة عربية إسلامية في وزن الرئيس عمر البشير، وعليه أن يحث حلفاءه في الغرب على العمل الإيجابي لمساعدة السودان على حل قضية دارفور بحمل كافة الاطراف إلى مائدة التفاوض وإضفاء الشفافية الكاملة على كل تفاصيل القضية ،بدلا من توسيع الخلاف بين أبناء الوطن الواحد ، ليعرف شعب السودان أولا وشعوب العالم ثانيا من المخطئ في حقه: الرئيس أم حملة السلاح من أبناء دارفور، ومن ثم يأتون إلى كلمة سواء، تحقن الدماء، وتئد الفتنة، وتعيد أبناء السودان إلى أحضان بعضهم البعض.
في المقابل علينا في العالم العربي والإسلامي أن نجرب تغيير خطابنا السياسي والديني، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .. أن نحاول استرجاع ثقتنا في الغرب وموضوعيتنا في النظر إلى سياسته ، فالغرب لم يكن هكذا قبل 11 سبتمبر.. ولا قبل غزو نظام صدام حسين لدولة
الكويت العزيزة .. علينا الكف – ولو مؤقتا حتى نرى النتائج – من نعت الغربيين بالكفرة الفجرة أو بالشيطان الأكبر ( كما عليهم أن يكفوا عن مصطلحاتهم المستفزة كمحور الشر وغيرها).. علينا أن نوحد مجتمعاتنا على المحبة والتعايش والمواطنة، ونكف عن تكرار ما يعكر صفو التآلف والتحابب في المجتمع الواحد.. في مجتمعاتنا مسيحيون ولا دينيون ويهود، هم مواطنون لهم ما لنا من حقوق وعليهم ما علينا من واجبات، فلا أرى مبررا لتطمين بعضنا البعض عن ظلم الغرب لنا بتكرار الآية الكريمة" ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" .. فالآية الكريمة قد نزلت على الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في حال غير الحال، وفي ظروف مكانية وزمانية غير ما نعيشها اليوم، وفي مجتمعاتنا أهل كتاب راضون عنا كما نحن راضون عنهم مواطنة وجيرة وصداقة وزمالة بل
زواجا ونسبا.. الناس كأسنان المشط سواسية لا فضل لعربي على أعجمي
إلا بالتقوى، وقد خلق الله الناس ليعبدوه ، وقد خاطب الله رسوله الكريم قائلا:" إنك لن تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء"،
لقد نهى الرسول الكريم عن سب الأديان، فلا يجوز أن تسب غيرك حتى لا تسب في دينك، وعن المبادرة بالعداوة، بل بالعفو عند المقدرة، فهلا وعينا الدرس وحملنا قضيتنا بفطنة لا مدخل يدخلون منها لمهاجمتنا .. لماذا يصر بعض أئمة المساجد على الدعاء بفناء اليهود ، ولماذا يرملون نساءهم وييتمون أبناءهم، ولماذا الحديث عن شجر الغرقد والحجر الذي ينطق!
إن محاسبة الناس – مهما كانت معتقداتهم - من شأن
المولى عز وجل، خالقهم وخالقنا، ولا ينبغي ان ننصب أنفسنا للحكم على أمم بكاملها، فتلك أمم قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت. كيف نتوقع أن يسالمنا ويستمع إلينا غير المسلمين وهذا خطابنا تجاههم !! خلال الغزو الإسرائيلي الغاشم على غزة خرج المسيحيون واليهود في بعض الدول الغربية في احتجاج و إدانة لدولة إسرائيل نقلته الفضائيات العالمية، بل "أفتى" بعض اليهود بعدم جواز قيام دولة لليهود، كما أن يهودا وأحزابا سياسية داخل دولة إسرائيل
تعترض يوميا على سياسة دولتهم تجاه الفلسطينيين، فلماذا لا نستغل هذه المواقف استغلالا سياسيا حكيما!
إن قضيتنا مع الغرب قضية سياسية لا ينبغي أن تلبس لباسا غير ذلك، وقضية العرب مع إسرائيل قضية سياسية لا ينبغي
أن تستغل بشكل ديني او عنصري يزرع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين واليهود فكلهم أهل كتاب.. نعم ، أدرك تماما ما يقوله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن "الدولة اليهودية" ، وفي اعتقادي أنها مناورة سياسية، وهو – في كل الأحوال -
معني أيضا بدعوتي هذه.
وفي الآونة الأخيرة ارتفعت الدعوة لحوار الاديان، وفي تلك شعور ذاتي واعتراف ضمني بسعة الهوة بين معتنقيها، الامر الذي نرى إرهاصاته هنا وهناك، في مقالات ورسومات تسئ لديننا، من أناس مسلمين تأثروا بخطاب غير المسلمين، ومن غير المسلمين الذين أرادوا الرد على الموقف العدائي لبعض المسلمين تجاه غير المسلمين.
علينا أن نتعامل بموضوعية وجدية مع توجهات الرئيس
باراك أوباما بدلا من البقاء في بئر التشاؤم والتشكيك في نواياه ومقاصده، فليس هناك ما يدعو الرجل إلى توجيه طاقته خارج بلاده إلا صدق النوايا وقوة العزيمة.
أرجو أن يفتح هذا المقال مجالا للحوار الموضوعي المتأني ، بعيدا من العواطف والمتاجرات والمهاترات.
دكتور عابدين محمد شريف
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة