من خان «جون قرنق» في قبره .. ؟
يوسف عبد المنان
أخيراً خر الأزرق طويل الباع صريعاً بالانقسام الهاديء، الذي قررته الحركة الشعبية إنابة عن الشعب السوداني، وذهبت كل شعارات الوحدة التي مات تحت راياتها ودفاعاً عنها الآلاف من أبناء الشمال والجنوب، مدفوعين بأماني أن يشرب الراحل جون قرنق فنجان قهوة في المتمة عاصمة الجعليين!
وأن يغرد صالح أبو قرون «ابن البادية» من مريدي السمحة لمحة ومن نخيل الباوقة طرحة..
قالت صناديق الاستفتاء كلمتها حتى في ولاية الخرطوم، لم تجد الوحدة من يناصرها ويقف بجوارها، وأكبر نسبة لصالح الوحدة كانت 46% مقابل 54% للانفصال في الخرطوم، التي تولى جيك بيتر منصب المحافظ فيها في سنوات ما قبل نيفاشا، و «ما أدراك ما نيفاشا»، وخيبة أمل الوحدويين من أهل الشمال ليست في الأقبال الواسع للجنوبيين نحو الانفصال، ولكن الخيبة الحقيقية في قوافل العودة الطوعية التي رفعت شعار «عد لوطنك»، كأن النازحين يوجهون لطمة للذين كانوا ينتظرون تصويت الجنوبيين للوحدة من أجل الوحدة في ذاتها..
يباهي المؤتمر الوطني بانجاز تحقيق السلام في عام 2005م، ويعتبر نفسه الوحيد من بين أحزاب السودان الذي استجاب لمطالب أهل الجنوب «تلك نصف الحقيقة»!! وللحقيقة وجه آخر، حيث أخفق المؤتمر الوطني، كما أخفق حزب الأمة، والاتحادي الديمقراطي، وجعفر نميري، وإبراهيم عبود، في «ادخار» عملة صعبة ليوم الحساب، حيث فشل المؤتمر الوطني في حشد قوى جنوبية سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية لها مصلحة في وحدة السودان، فالأحزاب الجنوبية من «سانو التاريخي» وحتى «يوساب» قتلوها في رابعة النهار الأغر، بالتجاهل، والإهمال، والضغوط، والاعتقالات، فتسلل قادة الأحزاب الجنوبية نحو الحركة الشعبية كما تتسلل النساء العاشقات للقاء من يحبه القلب في الصباحات الندية، أو في هجعة الليالي القمرية في الريف، وانتخبت سارة أليجا أول رئيس لاتحاد المرأة في «الزمن بدل الضائع»، بعد أن قال الانفصاليون كلمتهم، ولم يتزوج وزير شمالي كبير من فتاة جنوبية، ولم نشاهد في قنوات التلفزة.. سيدات كبار رجالات الدولة يتبضعن حتى في أسواق دبي وشنغهاي معاً، وربما لا يجمع بين حرم الرئيس البشير، وحرم القائد سلفاكير، وحرم د. نافع، وفاقان أموم، حتى سقف احتفال واحد.. فكيف ننتظر الوحدة والقضية الاجتماعية ليست «حكراً» على السياسيين والحكوميين.. فهل السيد الصادق المهدي حينما يحتفل بعيد ميلاده يوجه الدعوة للجنوبيين والجنوبيات؟ وهل أحد أبناء الشيخ حسن الترابي يمكنه الزواج من بنات الشيخ الراحل منقو أجاك؟ وماذا ينظر عبد الباسط سبدرات لمولانا أبيل ألير..
} وأين هم رجال الأعمال من الجنوبيين الذين يملكون ثروات مالية مثل أولاد النفيدي، وصديق ودعة، ورأسمالية الإنقاذ الجدد من جمال الوالي والبرجوب، وحتى عادل مكي الذي احتكرت له العطاءات، فأين هم الجنوبيون من سوق المال غير صبية وشباب سوق «نيفاشا» بشارع الجمهورية، الذي نشأ في ظروف غامضة وبدأت- الآن رحلة النيفاشيين من صغار تجار الأجهزة الكهربائية الرحيل جنوباً.
} لم يجد الشمال في الاستفتاء من يرد إليه مجرد التحية، والاستثناء الوحيد لترجيح كفة الوحدة على الانفصال كانت صناديق جنوب دارفور، لكنها صناديق وأصوات مثل أصوات الإسلاميين في مصر.. نظيفة وطاهرة ولكن غير مرخص لها مشروعية ولوج بوابات المحافظات.. فآت أوان النحيب على وحدة ضاعت بسوء التدبير والتقدير، وضاعت بخيانة «الرفاق للرفاق» ود. جون قرنق لو كان يسمع أصوات الانفصاليين وجلبة وضوضاء الذين صنعهم في ليل الأسى وسنوات الكفاح المُر، لاهتز القبر غضباً على نكوص الرفاق عن المشروع القديم، ولو كان الأموات ترتجف قبورهم احتجاجاً على سلوك أموات الضمائر، وأحياء الأبدان لأصبح وصف مقبرة د. جون قرنق وسط مدينة جوبا تماثل وصف الراحل نزار قباني لحال العرب حينما اختار رئيس عربي زار سوريا المرور على بلدة حمص، وزيارة قبر خالد بن الوليد حينما قال..
قبر خالد في أطراف حمص نلامسه
فرجف القبر من زواره غضبا
رب حيَّ رخام القبر مسكنه
ورب ميت على أقدامه انتصبا
أيا ابن الوليد هل من سيف تؤجره
وكل سيوفنا قد أصبحت خشبا..
وقد اتخذ قبر د. جون قرنق مركزاً لاستفتاء جنوب السودان إمعاناً في الإساءة لوحدوية الرجل، الذي لو كان طامعاً وراغباً في فصل الجنوب عن الشمال لما دفع فاتورة قتال الانفصاليين منذ عهد صموئيل قاي توت، وحتى حرب مثلث الموت الشهير «واط أيود كنقر»، حينما سقط من القتلى ضعف عدد الذين سقطوا منذ نشوب الحرب في عام 1983م بين الحركة والجيش السوداني، ولكن حرب مثلث الموت كانت بين قرنق الوحدوي وثلة الانفصاليين وليم نون، ود. رياك مشار، وتعبان دينق، وآخرين من حلفاء الخرطوم حينذاك!!
انقلاب على هارون أم شهر العسل!!
قبيل الانتخابات التشريعية والتنفيذية بولاية جنوب كردفان، بدأت الحركة الشعبية حملة سياسية وتعبوية واسعة تحت غطاء «شباب من أجل المشورة»، كنسخة للحملة التي قادتها الحركة الشعبية في الجنوب لتعبئة قواعدها تحت شعار آخر «شباب من أجل الانفصال»، وبحثت الحركة الشعبية عن ذريعة في جنوب كردفان لقطع الصلة مع شريكها المؤتمر الوطني، وتعكير صفو علاقة رئيسها عبد العزيز الحلو برئيس المؤتمر أحمد هارون، ولم تجد غير بوابة الانتخابات والمطالبة بالغاء سجل الناخبين السابق، الذي بموجبه جرت انتخابات المجلس الوطني، وحشدت الحركة الشعبية طاقاتها في الدلنج، وكادقلي، ولقاوه، وكاودة، وتظاهرت في وجه الحكومة ومفوضية الانتخابات، ومطالب الحركة الشعبية أن يتم فتح سجل جديد وفصل موظفي المفوضية بتهمة الانتماء للمؤتمر الوطني، وإعفاء المفوض «عابدين» الذي نالت منه الشعارات التي رفعتها الحركة الشعبية حتى في وجه الوالي أحمد هارون، وأمام مكتب أمانة الحكومة «طير طير يا عابدين» «أين حقوقنا يا هارون»، وفي كاودة تم حرق علم السودان في أول ظاهرة تنم عن احتقان شديد في أوساط منسوبي الحركة الشعبية، وفي الخرطوم عقدت الحركة الشعبية مؤتمراً صحافياً بدارها هددت فيه بالعودة للحرب مرة أخرى، ولوح كل من د. عبد الله تية وزير الصحة، والجنرال إسماعيل خميس جلاب بخيارات عنيفة حال رفض المؤتمر الوطني تنفيذ مطالبهم.
وبدأ من حديث د. جلال محمد أحمد الأمين العام لمفوضية الانتخابات، إن إلغاء السجل من سلطة المفوضية ولكنه تساءل إن كان السجل ستتم إعادة فتحه، حتى تتاح للأعداد الكبيرة من السكان تسجيل أسمائهم، وفتح باب الطعون بعد نشر الكشف النهائي، فلماذا المطالبة بالسجل الجديد؟ الأجابة وجدتها عند المتحدث الرسمي باسم الحركة الشعبية في جبال النوبة حمدين إبراهيم، الذي قال: نحن نطالب بالسجل الجديد لأننا نحن وحليفنا المؤتمر الوطني اتفقنا قبل التسجيل السابق تضخيم عدد المسجلين حتى نحصل على عدد أكبر من دوائر المجلس الوطني، لذلك نحن الآن نحتاج لسجل جديد..
واصطفت معظم أحزاب المعارضة من الأمة القومي، والاتحادي، وحزب المؤتمر الشعبي، والعدالة، والحزب القومي، واتحاد جبال النوبة، خلف مطالب الحركة الشعبية بتجديد السجل، بينما يمشي المؤتمر الوطني وحده في شوارع مدن ولاية جنوب كردفان، التي بدأت أحزابها في الإعداد لمعركة اسمتها الحركة الشعبية «بمعركة المصير الواحد» وقبل أن تبدأ حملات الانتخابات تمظهرت الانقسامات والتيارات، حتى داخل الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، فالحركة الشعبية تموج دواخلها بالخلافات ما بين الجنرال عبد العزيز آدم الحلو من جهة، وتيار أبناء النوبة بقيادة الجنرال خميس جلاب وحليفه دانيال كودي، وغير بعيد عن هؤلاء مفصولو عبد العزيز من الحركة، مثل صديق منصور، وعمر منصور، ويوسف جبارة، ولكن الجنرال عبد العزيز الحلو بيده ولاء الجيش الشعبي والمقاتلين، بينما بيد منافسيه قواعد الحركة الشعبية، وبدأت الضغوط على الجنرال الحلو باتهامه باحتضان هارون له، لأغراض الحرب النفسية وإحداث تباعد بينهما يضعف الشراكة، وبالتالي تصبح موجبات التغيير ضرورية، فيما يواجه هارون تحدياً مماثلاً باستقالة اثنين من الدستوريين في الحزب من مواقعهما، د. حامد عقب، ونايل أحمد آدم، وتنامي تيارات تغذيها بعض القيادات المتنفذة في المركز، لخوض معركة مع هارون لتغيير وتبديل ترشيح المؤتمر الوطني له بآخر رغم ضعف هذا التيار إلا أن متغيرات السياسة وعواصف شتاء جبال النوبة قد تضرب تماسك تحالف الحلو وهارون من جهة، وتضرب قبضة الرجلين الحديدية كلٌ على مفاصل حزبه!!
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة