لن تجد حكومة الإنقاذ فرصة أثمن من منبر الدوحة لإنهاء قضية دارفور .
بقلم : يعقوب آدم سعدالنور
إتصل بي رفيق سابق , سلم علي ّ وسألني قائلاً : يا رفيق نحن نعرف من هم حركة العدل والمساواة , وعرفنا أيضاً أن عبد الواحد ينادي بفصل الدين عن الدولة , ولكن من أنتم ؟؟!!
فضحكت وهو يعلم ما تعنيه ضحكتي وأجيته قائلاً : نحن ثوار وكفى يا رفيق .. وإنقطع الخط .
سؤال هذا الرفيق قد يحير الكثيرين ولكني أعرف ما يعنيه . فمن المعلوم عادة ً عندما تندلع الثورات في البلدان تهلع الأنظمة القائمة في تلك البلدان وتسخر كافة إمكانياتها العسكرية والسياسية والدبلماسية والمالية والإجتماعية لمقاومة الثورة وإخماد شرارتها . ذلك لأن النظام السياسي القائم في البلد والذي إندلعت الثورة لتغييره هو نظام قائم على فكر سياسي محدد .. وعندما تقوم الثورة على هذا النظام هذا يعني أن هؤلاء الثوار يعارضون الفكر السياسي القائم في هذه الدولة ولا يستطيعون تغييره عبر آلة الديمقراطية ولذلك قاموا بتبني فكر سياسي ثوري لتغيير الفكر السياسي القائم بالنضال المسلح بفكرهم الجديد
وعندما يفشل النظام في إخماد نار الثورة ويجبر النظام على الجلوس في طاولة التفاوض مع الثوار لإيجاد حل سياسي للنزاع المسلح في البلد فإن أول ملف يطرحه الثوار للنفاوض حوله مع النظام هو الملف السياسي المتمثل في فكرهم السياسي أي رؤيتهم السياسية فإذا لم يقبل النظام بمناقشة هذا الملف سينهار المفاوضات بين النظام والثوار ويعود الطرفان الى المربع الأول وهو مربع الحرب .. أما إذا قبل النظام بالتفاوض حول هذا الملف يستمر التفاوض بين الطرفين حول هذا الملف إلى أن يصلا إلى إتفاق حوله , بعد ذلك ينتقل الطرفان إلى التفاوض حول الملفات الفرعية التابعة لهذا الملف . وهذه الملفات الفرعية تتمثل في ملف تقاسم السلطة والثروة والترتيبات الأمنية بالإضافة إلى ملفات إفرازات الحرب مثل ملف التعويضات والمحاكمات . وهذه الملفات الفرعية عادة ما تنتهي بإنتهاء الفترة الإنتقالية . و ما يبقى هو الملف السياسي الذي سوف يضمن في الدستور ويؤسس لنظام حكم جديد بفكر جديد في تداول السلطة في البلد وعندئذ يحق للثورة أن تقول أنها إنتصرت ..
ولكن عندما تقول مجموعة تحمل السلاح وتقاتل أنها ثورة , وتجبر النظام على الجلوس معها للتفاوض و وعندما تطرح ملفات تفاوضها تجد أنها أغفلت تماماً عن الملف السياسي عن قصد أو عن جهل وطرحت الملفات الفرعية مثل ملف تقاسم السلطة والثروة والترتيبات الأمنية وملفات إفرازات الحرب وهي تعتقد يقيناً أنها بذلت جهداً خارقاً في الإعداد والدفاع عن هذه الملفات التي أتت بكامل الحقوق وعالجت جذور المشكل القائم في البلد .. يا لسخرية القدر !!!! حين يعلم الذين ينتحلون صفة الثوار وفي الواقع هم طلاب وظائف ومال . تنتهي صلاحية وظائفهم بإنتهاء الفترة الإنتقالية
و ما جري بين الحركات المسلحة الدارفورية في أبوجا و ما يجري الآن في الدوحة هي صورة طبق الأصل من إتفاقيات الوظائف التي لا تغير شيئاً من الواقع السياسي القائم في البلد فالإتفاقيات التي تنقصها الملف السياسي هي ملفات ميتة لأن الملف السياسي هو روح أية ثورة , وحكومة الإنقاذ محظوظة لأنها إستطاعت أن تمرر فكرة الإتفاقيات الميتة هذه في منبر أبوجا ولم يتنبه الثوار الرافضين لأبوجا إلى هذا الخطأ الفاضح ربما لأن فاقد الشيئ لا يعطيه , وجاءوا لتكرار ذات السيناريو في منبر الدوحة , ولأن حكومة المؤتمر الوطني نفسها تقول أن هؤلاء مجرد طلاب وظائف لأن إن كان لديهم شيئ لإستفادوا من تجربة أبوجا وجاؤوا بجديد , وكذلك ساسة العالم أيضاً يتساءلون مندهشين قائلين : أية ثورة هي هذه التي بلا فكر , تقدم أكثر من 250 ألف قتيل وأكثر من ثلاثة ملايين من لاجئين ونازحين ونهب ممتلكات وإغتصابات جماعية للنساء وكل هذا ثمنه نائب رئيس جمهورية وحاكم إقليمي وعدد من الوزارات وشيئ من الدولارات , وكل هذه الوظائف تمارس في الفترة الإنتقالية فقط ضمن دستور المؤتمر الوطني وسياساته الفكرية وسلطاته ؟؟؟!!!!
فلكل هذا لا توجد فرصة أغلى من هذه الفرصة المتاحة حتى الآن بالنسبة للمؤتمر الوطني لتوقيع إتفاق سلام من هذا النوع مع الحركات المسلحة الدارفورية لإنهاء أزمة دارفور و يطالب المجتمع الدولي بأن ترفع يدها عن أزمة دارفور لأنها أنهت النزاع في الإقليم بإتفاق مع الحركات المسلحة وبعد ذلك تنتقل للمرحلة الثانية لإكمال تنفيذ برنامج الإبادة الجماعية تحت مرأى ومسمع الثوار الموظفين في حكومة المؤتمر الوطني .. فلنعتبر يا أولي الألباب . وليعلم المؤتمر الوطني أنها إن أضاعت هذه الفرصة سوف تكون هنالك مرة مقبلة بفكر لا يجلس فيه رئيس الحركة أو نائبه في طاولة التفاوض لأنها لا تستطيع أن تناكف أو تملأ أعين الصف الثاني من الثوار المفاوضين وعندئذ إما أن أصبح السودان دولة لجميع أبنائه أو تجزأت الى دويلات عشائرية قبائلية لا حول لها ولا قوة وأعازه الله من شر ذلك
يعقوب آدم سعدالنور [email protected]
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة