التاريخ يعيد نفسه
تم انعقاد مؤتمر برلين لتقسيم نفوذ الدول الأوروبية في أفريقيا في عام 1884 ويذكر في التاريخ حادثة "فشودة"، عندما أوشكت فرنسا وبريطانيا على التصادم، وكان من بين دوافع تلك "الحادثة" توسيع نفوذ الدول الأوروبية في تلك المنطقة.
ذكرت إحدى الصحف السودانية في لقاء مع أحد المسؤولين، قائلاً: "إن الحديث المتكرر الذي يقول إن اهتمام المجتمع الدولي بدارفور نابع من أطماع الدول الكبرى في موارد الإقليم"، إلا أنه ليس هنالك دراسات علمية عن موارد ذلك الإقليم الذي لا يستبعد أن يكون به نفط، لأنه محاط بدول نفطية مثل: ليبيا في الشمال وتشاد في الغرب، وان الإقليم غني بالحديد والنحاس واليورانيوم، وهو أغلى معدن في العالم. والسودان به موارد لم تكتشف بعد، ولكن الأقمار الصناعية لدى الدول المتقدمة تكنولوجياً ترصد ذلك، وان الصراع الدولي حول الموارد هو أحد أسباب اهتمام المجتمع الدولي بالسودان في الآونة الأخيرة.
وإن تكرار العدوان العسكري الأميركي على بعض الدول العربية بدوافع وأزرع إسرائيلية، كشفت حقيقة المخطط الاستراتيجي الأميركي لتدشين "الشرق الأوسط الأميركي الجديد"، الذي تديره تل أبيب، ولم يكن الحصار الاستراتيجي والعدوان سوى خطوات تكتيكية مرحلية لتنفيذ هذه الاستراتيجية الكبرى في المنطقة.
إن الضغوط الأميركية المكثفة على السودان منذ سنوات تدخل ضمن مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، إذ تصاعدت الضغوط أخيراً عليه تم حصاره بسلسلة قرارات دولية، انتهت بفرض تدخل قوات دولية يقودها حلف الناتو، وهنالك حلقة أخرى من الاستراتيجية الأميركية في أفريقيا يجري تنفيذها بالتوازي مع استراتيجية الشرق الأوسط المقبلة، والتعجيل بهذا القرن الأفريقي.
وان مسؤولى الإدارة الأفريقية في الخارجية الأميركية أول من تحدثوا عنه، وفضحوا مخططاتهم منذ 1995، بما عرف حينئذ بمشروع "القرن الأفريقي الكبير" الذي كان يصنف جنوب السودان كدولة مستقلة.
بل إن زيارة وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت لأفريقيا في أكتوبر 1996، ضمن إدارة كلينتون، جاءت ضمن حلقات تنفيذ هذا المخطط القديم، الذي استهدف تدويل الملف السوداني، بدءاً برفض الإدارة الأميركية للمبادرة المصرية - الليبية وإفشالها، ثم دعمها المطلق لمبادرة الإيقاد والحركة الشعبية آنذاك، وحينها تعهدت أولبرايت بتمويل "فصل" جنوب السودان، بما يتماشى مع الاستراتيجية الأميركية الجديدة في منطقة القرن الأفريقي، والتي يعمل لانفصاله من خلف الكواليس.
ونسبة إلى أهمية واتساع مساحة السودان وأهميته الاستراتيجية كرابط ما بين الشرق الأوسط الجديد، والقرن الأفريقي الكبير، جرى التركيز على السودان والتدخل فيه، بالمبادرة بما يشكل نقطة انطلاق للسياسة الأميركية. وألمح لهذا "طبقاً لما كتبه جمال عرفة" في تقرير أعده مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن في يناير 2004، إذ أشار إلى صدور قرار عن الكونجرس بتكوين لجنة استشارية للسياسة الأميركية في القارة الأفريقية، أوصى بأن يكون السودان قاعدة انطلاق جديدة للسياسة الأميركية في القارة الأفريقية.
إن مشروع القرن الأميركي الجديد "أقصد الأفريقي الجديد"، يستهدف خلق موضع قدم أميركية جديدة في أفريقيا، واستغلال وضعها الجغرافي ومواردها الطبيعية الغنية بهدف السيطرة على "مقر" استراتيجى جديد في القارة، والاستفادة من ثرواتها الهائلة، وتحديداً النفط واليورانيوم الذي هو محور المطامع الأميركية، إذ تشير تقارير أن أميركا تسعى لرفع نسبة استيرادها من النفط الأفريقي بحلول عام 2015 إلى 50 في المئة، من مجموع نفطها المستورد ضمن خطط لتخفيف الطلب على النفط العربي.
وإن أمر الأطماع الأميركية لابد أن يتحقق، إذا ما أدركنا أن الاحتياطي الإجمالي النفطي السوداني مرجح أن يصل إلى 3 بلايين برميل، وان القسم الأعظم من آبار البترول السودانية موجودة في الجنوب والغرب والشرق.
لذا نجد أن اهتمام الدول الكبرى بأزمة دارفور له دوافع سياسية واقتصادية واستراتيجية، إذ إن المنطقة تمثل إقليماً مهماً في وسط أفريقيا لها علاقات متشابكة مع بلدان افريقية مجاورة.
وفى دارفور، بالتحديد، هنالك صراع خفي بين فرنسا التي كانت تستعمر بلدان غرب ووسط أفريقيا من جهة، والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، ويستند هذا الصراع إلى السيطرة على القارة الأفريقية ومواردها، خصوصاً البترول والمعادن.
ولأن السودان يجلس على بحيرة نفطية، يستشهد بالخرائط النفطية للسودان التي وضعتها أميركا، إلى التعرف على كمية وحجم البترول السوداني، وان شركة "شيفرون"، بدأت في الشرق ثم أمرت بالتحول إلى الجنوب ثم وجدت البترول في الشرق والبحر الأحمر وشواطئه ودواخله، وحتى الجزيرة الواقعة بين السعودية والسودان. كما ان كميات البترول التي وجدت في حلايب، تكفى لأن تجعل السودان دولة نفطية من أغنى دول العالم.
الدراسات تؤكد أن دارفور غنية بالبترول واليورانيوم، وان البترول يعتبر الثروة الباطنية الوحيدة التي بدأ السودان في استغلالها، إذ لا تزال معظم الثروات السودانية غير مستغلة في باطن الأرض.
لذلك فشلت استراتيجية الولايات المتحدة في الاحتفاظ بالنفط السوداني كاحتياطي في باطن الأرض، حتى يبدأ النفط الخليجي في النفاد، ولم تحظ شركات النفط الأميركية بوليمة "النفط" السودانية حتى الآن، وذلك بسبب قرار العقوبات الأميركية المفروضة على السودان، ومنع هذه الشركات من إبرام أي تعاقدات أو عقود مع السودان.
وبعد ذلك قررت "شيفرون" الخروج من عمليات استخراج النفط في السودان، بحجة انه لم يحن الوقت بعد للاستفادة منه، بحسب ما خططت له أميركا بأن يكون ذلك قبل عام 2015، إلا أن السودان سعى سعياً جاداً في البحث، على رغم الحصار والعقوبات، للتعرف على ثرواته.
الهدوء السائد الآن من جبهة الضغوط على السودان، لاختيار الأطراف لإتباع آلية التشاور للخروج من النفق المظلم لهذه الأزمة الخطيرة، ومع أن الأوضاع بدأت تسير باتجاه التسوية بعد موافقة الحكومة السودانية على مقترحات من الأمم المتحدة بتعديل بعض بنود القوات الأفريقية، إلى تعزيز القوات الأفريقية بعناصر أممية، إلا أن طبيعة الأزمة في الوقت الراهن، تفتح المجال واسعاً إلى التعاطي مع هاجس الأطماع الأميركية التي تختبئ وراء الأجندة الدولية في التعامل مع السودان.
لذا نقول: إن التاريخ يعيد نفسه في صراعات الدول الكبرى الاستعمارية في ممارسة أطماعها الاحتلالية وتوسيع نفوذها في تحقيق أهدافها السلطوية نحو الدول الضعيفة ذات الموارد الخصبة، لاستثمار مواردها الذاتية وإذلال شعوبها، تلبية لرغباتها في إظهار قواها العسكرية بين الدول الأخرى لترهب به عدوها. وها هي الصورة واضحة أمام أعيننا وفي الانفصال الذي تم برعاية أميركا، وما جرى في مصر كل الشواهد تدل وتشير إلى تلك القوى الاستعمارية التي لها اليد الطولى في كل ما يحدث لتلك البلدان العربية وستدور الدوائر.
جعفر حسن حمودة – صحفي - الرياض
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة