سيد احمد الحسين وشريعة جد الحسين
المرحلة التي يمر بها السودان جديرة - لحساسيتها وأهميتها - أن تجعل كل القادة السياسيين وجميع الوطنيين في الأحزاب المختلفة بالتخلي عن آمالهم الشخصية وتناسى أطماعهم الحزبية في سبيل المصلحة العليا للوطن والمواطن فأي حادب على مصلحة شعب ، وكل حريص على مستقبل بلد من البلدان ، وأي مناضل شريف وأي مجاهد عفيف ، يكون له سقفا من المبادئ لا يتخطاه حتى وان كان الثمن هو بقاؤه بعيدا عن سدة الحكم طوال عمره ، وتكون له خطوط حمراء لا يتجاوزها وان كان المقابل هو أن يبقى واقفاً على جمر الحرمان من الوصول إلى كرسي السلطة ابد الدهر ، ذلك السقف هو بقاء الوطن وكرامته ، وتلك الخطوط الحمراء هي أمنه ، وتماسكه ، وسلامته ، ولكن هاهي أحزاب المعارضة ترفض في هذا الظرف البالغ الدقة والحرج دعوة السيد الرئيس لتكوين حكومة عريضة وتطالب بدلا عن ذلك بحكومة انتقالية وبتنحي حكومة الإنقاذ عن السلطة لتؤكد لنا – مرة أخرى – أن الوطن لا يهمها ، وان مصالحه العليا غائبة تماما عن كل برامجها وخططها ، وان جل اهتمامها منصب على الوصول إلى قمة الهرم الحاكم حتى وان كان الثمن هو الخوف والفوضى وضياع الأمن والأمان ، ولتثبت لنا أيضاً أنها غير قادرة على قراءة الواقع وانها عاجزة تماماً بل و جاهلة جهلا ًكلياً ليس باللعبة السياسية وحسب ولكنها جاهلة حتى بالنفسية السياسية للحزب الحاكم الذي تعارضه - والذي لا نقول تسعى ( لانها لا تمتلك القدرة ) ولكن نقول تتمنى إزاحته - ولثبت لنا بما لا يدع مجالا للشك أنها غارقة في أحلام يقظتها وذلك لعمري سفه ما بعده سفه وطيش ما بعده طيش فأحلام اليقظة قد تريح صاحبها ولكنها قد تكون شرا مستطيرا وقد تكون مؤشرا خطيرا لمرض عضال لا برء منه ولا شفاء , فالعاقل لا يطلب مستحيلا وقديما قيل إذا أردت ان تطاع فأمر بما يستطاع .
ان المكاسب السياسية في أي بلد من البلدان وخاصة في بلد مثل السودان ليس بالضرورة أن تأتي جملة واحدة والحكومة العريضة باب واسع يمكن تلك الأحزاب بعد ان تدخل منه من المطالبة بالمزيد من الحريات والديمقراطية والتعددية والعدالة التي تنادي بها ويجعلها قادرة على نيل المكاسب يوما بعد آخر حتى تصل إلى كل ما تصبو إليه ولكن قادة تلك الاحزاب لا يتعلمون لا من التاريخ ولا من الحاضر ولو كانوا توقفوا للحظة عند تجربة الحركة الشعبية مع حزب المؤتمر الحاكم لما رفضوا ذلك العرض في هذا الظرف الدقيق وحقيقة الأمر أن ذلك الموقف هو موقف متوقع من أحزاب ظلت تتخبط طوال تاريخها السياسي فجعلت الوطن يتخبط من ورائها لذا فهو لم يسبب أي نوع من أنواع الدهشة اوالتساؤل لكل من يدرك اسهامها المباشر في تعقيد الواقع السياسي السوداني خلال الحقب السابقة ويعرف فشلها في وضع برامج سياسية مقنعة تحمل رؤى واضحة وتكون لها أسس ومبادئ بناءة وتشتمل على ثوابت لا يجوز تخطيها أو تجاوزها في أي ظرف من الظرف ولكن المدهش كان هو حديث السيد سيد احمد الحسين بمناسبة إعلان ذلك الرفض والذي ارتدى مختارا ثوب الدكتاتورية الأسود ونافى قواعد الديمقراطية التي ينادي بها عندما طالب بتقديم المتسببين في انفصال الجنوب حال حدوثه للمحاكمة مثلما ارتدى رداء العلمانية الأحمر وهو ينتقد خطاب السيد الرئيس بخصوص تطبيق الشريعة السمحاء .
لقد طالب الجنوبيون بالانفصال قبل الاستقلال وحقيقة الأمر أن الانفصال كان أمراً معاشا على ارض الواقع طوال العقود التي مضت فالمواطن الجنوبي ظل يعيش حالة عزلة مستمرة عن المواطن الشمالي بالرغم من ان الأخير فتح له ذراعيه ، وضمه إلى صدره وربت على كتفه ، والمواطن الجنوبي بقى يعيش حالة انفصال دائم بالرغم من انه كان يعيش في الخرطوم التي ضمت أبناء السودان من مختلف السحنات والأشكال والأعراق فامتزجوا واختلطوا وانصهروا وذلك ليس لان عناصر التلاقي بين الجنوبيين وبين بقية أبناء السودان ضئيلة إلى ابعد حد وحسب فذلك كان يمكن تجاوزه ان وجدت الإرادة ، وتوفرت الثقة ، وخلصت النيات ولكن لان القادة الجنوبيين - بالإضافة إلى ماذكر- قد تلاقت أفكارهم ومصالحهم الشخصية مع المجتمع الغربي الذي يتصيد الفرص ويقتنصها في أي بقعة من بقاع العالم لينال المزيد من المكاسب إلى درجة التطابق فاستمروا في إذكاء نار الشقاق والانفصال في نفوس مواطنيهم البسطاء وبقوا يصورون لهم قيام الدولة الجديدة على انه حلم جميل بقى يراودهم في ليلهم ونهارهم وما المسيرات التي خرجت في مختلف المدن الجنوبية تنادى بالانفصال صباح مساء وما النتيجة المتوقعة التي خرجت بها صناديق الاقتراع إلا دليلاً أكيدا على ذلك .
ان ابسط قواعد الديمقراطية يا سيد سيد احمد هي ترك الآخرين يختاروا ما يريدون وليس من حق طرف من الأطراف ان يجبر طرفا آخر على البقاء في وطن لا يريده ولا يقبل بالبقاء فيه فلتكن ديمقراطياً قبل أن تنادي بالديمقراطية فعا عليك أن تنهى عن خلق وتأتي بمثله . والسيد الحسين لن يستطيع ان يقول لنا انه كان يقصد بحديثه المتسببين في وصول المواطن الجنوبي إلى القناعة بان الانفصال هو الأفضل إلا إذا أراد الحسين أن يحاكم القادة الجنوبيين ومن ورائهم الدول الغربية التي تدير الملفات من خلف الستار .
أما عن انتقاد السيد سيد احمد الحسين لخطاب السيد الرئيس فلقد ذهب الحسين بعيداً متبنياً ذات الإستراتيجية الخبيثة لانتقاد الشريعة السمحاء بالطرق الملتوية الغير مباشرة لأنهم لا يجرؤن على انتقادها صراحة فلقد قال السيد الحسين متسائلا - لست ادري - في جهل ام في خبث : هل تطبق الشريعة على الفقراء والجوعى والمرضى ؟ ونقول لك يا سيدنا أن الشريعة تطبق وتصلح للتطبيق في أي مجتمع من مجتمعات الإسلام فقيرا كان أم غنيا بدويا كان ام متحضرا بل ربما تكون الحاجة لتطبقيها في المجتمعات الفقيرة أقوى من الحاجة لتطبيقها في مجتمعات الرفاه والغنى ذلك لأنها رحمة وتحمل بين أحكامها الرحمة فحتى في عام الرمادة الذي لم يمرعلى الأمة الإسلامية في تاريخها الطويل عام مثله من حيث الفقر والجوع كانت الشريعة مطبقة ولم يعطل الفاروق الذي وافق كلامه الوحي غير مرة والذي لا يسلك فجا إلا ويسلك الشيطان فجا غيرة لم يعطل غير حد السرقة وذلك لا لشئ الا لخشيته أن يقطع يد سارق قد اضطره جوعه لان يسرق وظني انه لو كان يعيش بيننا اليوم لما عطل حتى ذلك الحد بصورة كاملة لان الناس في عهدة ان سرقت فقد كانت تسرق لتأكل أما اليوم فان الناس يسرقون ليغتنوا ويتفاخروا ويسرفوا ويبذروا .
ان الشريعة ليس فيها الا حكما واحدا يتعلق بالجوع والفقر فلماذا نعطلها بكاملها ؟؟ وحتى تتضح الصورة نسال السيد الحسين ونسال كل المتشككين قائلين : إذا وجد رجلا وامرأة في حالة زنا ودفعت المرأة بأنها زنت بسبب الحاجة فماذا سيكون سبب زنا الرجل في تلك الحالة هي هو الجوع والفقر ؟؟ وهل يستحق ذلك الزاني أن نطبق عليه الحد ؟؟ وإذا خطف مستهتر صبية في الثالثة من عمرها ثم قام باغتصابها وقتلها فهل للفقر والحاجة علاقة بارتكاب ذلك الشخص لجريمته ؟؟ وهل يستحق ذلك المغتصب ان ينال العقاب ام انه لا يستحق ؟؟ واذا قام شخص بقتل آخر من اجل النزاع على ارث أو بسبب التنافس على امرأة هل للفقر والجوع علاقة بارتكاب ذلك الجرم ؟؟ وإذا قام آخر يقوم سيارة فارهة سعرها مائة مليون بدهس شخص آخر وهو يقود بسرعة مائتي كيلو متر في الساعة فهل للفقر والجوع علاقة بوقوع ذلك المستهتر المسرع في الخطأ ؟؟ وإذا اجتمع شباب من الجنسين فغنوا حتى طربوا وذبحوا واكلوا حتى تخموا وشربوا حتى ثملوا وتعروا و...و...و....و فهل للفقر والجوع علاقة بما قاموا بارتكابه ؟؟ وهل يستحقون ان نطبق فيهم امر الله ام نقول لهم برافوا أحسنتم بارك الله بكم ؟؟ وإذا مات شخص وترك إرثا ضخما هل نتوقف عن توزيعه بما امر الله به بسبب الفقر والجوع ؟؟ وإذا أردنا أن نتزوج وإذا أردنا أن نطلق وإذا أردنا أن نحارب وإذا أردنا أن نصالح و الخ فأي قانون أصلح من قوانين الله لنقوم بكل ما ذكر ؟؟ قانون ماركس ام ستالين ام لينين ام كونداليزا رايس ام بلير ام فرنسوا ميتران ..
إن الشريعة تنظم حياة المسلم بكاملها وبكل تفاصيلها وما الحدود الا جزءا منها وضعه الله سبحانه وتعالي للمزيد من التنظيم وهي قد وضعت لعقاب القلة الشاذة في مجتمعات المسلمين وليس من المعقول استنادا لاي مبدا من مبادئ المنطق مبادئهم نفسها ان نتخلى عن نظام كامل لتنظيم الحياة في مجتمع من المجتمعات من اجل القلة الشاذة في ذلك المجتمع مثلما لا يجب ان ننادي بإلغائها حتى لو حدثت أخطاء في تطبيقها فوقتها علينا أن ننادي بتصحيح التطبيق وليس بالإلغاء .
وكل مسلم يقوم بانتقادها تلميحا او تصريحا عليه ان يراجع إيمانه .
(( ولو ان أهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض )) . صدق الله العظيم .
بهاء جميل
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة