(كلام عابر)
وسـط العاصـفة
استضافت قناة بي بي سي العربية الفضائية الروائي والمفكر المصري يوسف القعيد علي خلفية الأحداث الجارية في تونس لدقائق قليلة أين يقف المثقف العربي من حركة التغيير التي تجتاح الشارع العربي قياسا على النموذج التونسي وسألته لماذ يتعين على المثقف أن يلعب دور الشهيد ما دامت الشعوب راضية بواقعها أو هكذا يبدو.. فأجاب القعيد أن المثقف يجب أن يكون صوتا للجماهير وحاديا للتغيير ، وعلى النقيض من المثقف تقف السلطة ، فأي سلطة في الدنيا ترى أن الأمر الواقع هو الذي يجسد كل الشرعية وأن واجبها هو الدفاع عن هذه الشرعية وتكريسها ، وهنا لا يمكن تفادي الصدام بين المثقف والسلطة، ولكن هناك من المثقفين من يلتزم الصمت وهناك من يجهر برأيه. ونفى الأستاذ يوسف القعيد قول محازره من بي بي سي بأن كل مثقف يحمل رأيا حرا إما أن يكون قد أودع وراء القضبان في البلاد العربية أو تاه في أرض الله الواسعة، وقال إنه ليس حكما عاما لأن كثيرا من الرموز الثقافية المعارضة للحاكم أو المختلفة معه في مصر على سبيل المثال وفي بلاد عربية أخرى لم تغادر أوطانها وتستطيع أن تعبر عن رأيها بطريقة أو بأخرى، والأمر في مجمله ليس بهذا السوء.
وصف ما جرى في تونس بأنه ثورة شعبية حقيقية تعبر عن رأي الجماهير وذكر أنها شبيهة بالتحديد بالثورة الفرنسية والثورة البلشفية في روسيا وثورة 1919م في مصر وثورة الخميني في إيران ، وكالعادة لم تتسع الذاكرة العربية لثورة 21 أكتوبر 1964م ولا انتفاضة 6 ابريل 1985م في السودان رغم الجغرافيا التي وضعت السودان أكثر قربا من روسيا وفرنسا وإيران، و رغم أنف الهرولة نحو العروبية والاستعراب التي ستتزايد سرعتها في مقبل الأيام بعد اكتمال عملية انفصال الجنوب من الشمال، وجدل الهوية والانتماء الذي يتحرك صعودا وهبوطا ولا يستقر على حال كما أسواق الأسهم والسندات وهو مرشح للمزيد من الحراك.
الأستاذ يوسف القعيد كاتب مرموق ، وجهة نظره ذات قيمة كبيرة مثل قيمته ككاتب مرموق يجسد في كتاباته شخصية المثقف والكاتب الملتزم بقضايا الجماهير وينحاز إليها، ولكن مهما كان هذا الإنحياز فإنه يظل أسير القليل الممكن الذي تسعه "هوامش" الحريات، وهي نفس الحريات والهوامش التي قال عنها الدكتور يوسف إدريس في يوم من الأيام أن "كل مساحة الحريات المتاحة في العالم العربي لا تسع كاتبا واحدا". المثقف حينما يقف مع صوت الجماهير فإنه يقف لا يقف على النقيض من سلطة قابضة فحسب ولكنه يقف في وجه تيار من المصالح التي سيدافع عنها أصحابها بشراسة في معركة لا يمكن وصفها بغير أنها معركة بقاء وحياة أو موت، فهذه المصالح، بعيدا عن التنظير والشعرات، قد تنطوي على ثروات أسطورية مثلما كشفت عنه مؤخرا الحالة التونسية رغم أن تونس ليست من البلدان الثرية، وهنا يبدو حرج موقف المثقف العربي وهو في وسط العاصفة.
قبل الختام:
قالت غادة السمان" لقد جربنا المفاتيح جميعها واستعصى القفل، فهلا جربنا مفتاح الحرية؟"
(عبدالله علقم)
[email protected]
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة