السلاح الطبي أمدرمان.................... قاعدة الأمل ودار ملائكة الرحمة
بقلم/عمر عبدالرحمن عبدالله البشاري/الخرطوم
E-mail:[email protected]
إنهم يبذلون جهدهم ولا يجد اليأس سبيلا ليتسلل إلي منافذ الضعف البشري في أنفسهم ولا الملل طريقا عبر مسارب الرهق والأعياء من السهر على رعاية مرضاهم.
يتابعون الحياة وهي تدب بلا صخب ولا ضوضاء في أجسام المرضى عبر عددا من المستويات ولا يستسلمون إلا عندما تزوي وتخبو شعلتها وتنطفئ على مستوى الخلية فتتوقف عملية الأيض أي نشاط الهدم والبناء في داخلها إيذانا بحلول الموت وإنهزام الحياة الدنيا.
ولكنهم قبل ذلك يتحسسون نبضها وهو يسري من الخلايا عبر الأنسجة إلي الأعضاء والنظم الحية الذي تعكسه المؤشرات الحيوية من نفس وحرارة وضغط للدم وخفقان للقلب .
وفي مستوي أعلى من ذلك يقيسون الوعي من خلال القدرة على الأحساس والحركة وهم الصابرون المثابرون ليل نهار وعلى مدار الساعة يحدو ركبهم الأمل بأن يبدو في أفق صحراء الموت التي يجوبون فيافيها ، شيئا من هام واحات الحياة فيهرعون بمرضاهم نحوه علهم يجدون فيها قسطا من الراحة والأستجمام وينعمون تحت ظلالها بالقليل من عبق الحياة ورحيقها ولو إلي حين فسنة الكون أن الرحلة من الحياة إلي الموت ماضية ولن تتوقف إلي ما شاء الله .
ليس ملائكة من يقومون بذا الجهد الخارق وليست طواقم طبية في أمريكا أو أوروبا أو اليابان أوغيرها من بلدان العالم المتقدم ، إنهم فتية وفتيات سمر الوجوه نحاف الأجسام ،تعلو محياهم إبتسامات ودوده تعبر عما يفوح في حنايا نفوسهم العامره من رياحين الرضاء عن الذات والقناعة بالعمل ، إنها الطواقم الطبية الفتية العاملة بوحدات العناية المختلفة بالسلاح الطبي بأمدرمان .
وقد شاهدت خلال رحلة الأستشفاء التي رافقت خلالها خالتي المريضة (قيد العناية) شفاها الله والتي أستمرت ولازالت لأكثر من شهر شاهدت أربعة وحدات للعناية واحدة بوحدة الطوارئ والأصابات والتي يمكث فيها المريض لأجل محدود ثم تمت إحالتنا إلي وحدة أخرى داخل المستشفى في مستشفى الضباط وعندما أستقرت الحالة تمت إحالتنا مرة أخرى إلي وحدة ثالثة للعناية بالقرب من العنابر وأيضا توجد بالقرب من هذه وحده رابعة مخصصة للعناية بمرضى القلب وقد ذهبت إليها إحدى المرات أبحث عن وصفة دوائية تحتاجها خالتي .
وفي كل وحدة من هذه الوحدات تتناوب الأطقم الطبية بشكل غير منقطع ويقومون بواجابتهم بشكل متكامل كل يسند دور صاحبه فمنهم من يقوم بمتابعة المؤشرات الحيوية للمريض على مدار الساعة ثم إعطائه الجرعات الدوائية اللازمة حسب المواعيد والجداول المعدة من قبل الأخصائي المتابع للحالة وأخذ العينات الطبية التي تذهب للمعمل ليقرر كيفية وصحة عمل الأعضاء والأنظمة الحية للمريض ،ومنهم من يقوم بمتابعة التغذية المستمرة لمريض العناية العاجز عن تناول الطعام ليتم رصد ما تناوله ومقدار ما أخرجه وحساب الفرق بينهما ليكون هو صافي الفائدة التي دخلت جسمه ومنهم من يقوم بتنظيفه من الفضلات وإبدال الأغطية له وحتي تحريكه ليبدل الجهة التي يرقد عليها وكل ذلك العمل يتم بإشراف أخصائي ونائب مشهود لهما بالكفاءة والأخلاص في الأهتمام بالمرضي وتحري العلم والحكمة والأخلاق في رعايتهم وهذا الفريق الطبي يصدق فيه قول الله تعالى (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) فالتحية لهم لأنهم يقومون بهذا الجهد الخارق ولا أعتقد أن الدولة مهما قيضت لهم من العطاء المادي ستكون قادرة على الوفاء بما يستحقون وأناشد كل مسؤول عنهم بألا يبخس جهدهم وأن يسعى لتوفير مايضمن العيش الكريم لهم ويصرف أنظارهم عن التفكير في البحث عن فرص بديلة في خارج السودان أو في مؤسسات الأستشفاء الخاص .
وأقول لهم أن ما يقومون به ليس له من مقابل مادي يكافئه
ولكن حسبكم أن المجتمع ولا سيما ذوي المرضى لكم ممنونين وعن الشكر والجزاء عاجزين وأن الله في ملكوته يعلم بما تصنعون ولعل في قول الشاعر :-
من يفعل المعروف لن يعدم جوازيه
لايذهب العرف بين الله والناس
لعل في ذلك القول بعضا من العزاء لكم وأنتم تكابدون معاناة هذه المهنة الشاقة والعظيمة في آن معا .
ولا يفوتني في هذا المقام أن أبعث برسائل الي إدارة السلاح الطبي هذا الصرح العريق لعلها تجد أذن صاغية فتعطى الأهمية من بين جدول أعمالها الملئ بالأعباء والمسؤوليات .
الرسالة الأولي متعلقة بالعلاج الأقتصادي والمقصود به من هم خارج شبكة التأمين الصحي العسكري وهم كثر أناشد إدارتكم العامرة بالسعي لدراسة السبل الكفيلة بتقليل تكاليفه حتي يتثنى لكافة فئات الشعب السوداني الصابر أن يستفيد من الخدمه الطبية الراقية والحاسمة من حيث الأهمية لحياة الناس في هذه القاعده الطبية التي توافر فيها من الأمكانات والأجهزة والمعدات والأدوية والمعينات والكوادر الطبية ما لم يتوافر في غيرها.
الرسالة الثانية تتعلق بمرضي العناية الذين تجاوزوا المراحل الحرجة والدقيقة من المرض والتي تقتضي عزلهم والعناية بهم علي المستوي الحيوي إلي مراحل أرفع تحتاج إلي جانب العناية الحيوية إلي جوانب آخري تقع تحت طائلة العناية النفسية والأجتماعية وهنا أقترح أن تخصص لهم عناية منفصلة تكون بها نوافذ زجاجية مطلة علي الفناء الخارجي للمستشفي ولا سيما المساحات الخضراء والمزهرة ويطل عبرها ضوء النهارمما يعطي المريض إحساس بإيقاع الحياة والناس إلي جانب دعم الكوادر العاملة فيها بمتخصصي العلاج الطبيعي و العلوم النفسية والأجتماعية المدربين بشكل جيد للخروج بالمريض من حالة التيبس والجمود الحسي حركي والنفسي الأجتماعي التي يعانيها في حالة العزلة في وحدات العناية الحيوية مما يسهم بشكل أكيد في التعجيل بالشفاء والأستجابة للعلاج.
مقترح أخير وهو تخصيص عناية منفصلة لمصابي الأمراض المنقولة بالدم كالأيدز وإلتهاب الكبد الوبائي كما هومتبع مع مرضي الكلي الذين يخضعون للغسيل وذلك لتقليل فرص إنتقال العدوى وبالتالي محاصرة المرض ومنعه من الأنتشار .
نعلم أن هذه المقترحات لم تكن لتفوت عليكم وأن ضيق الأمكانات غالبا ما يقف حائلا دونها ولكن ما تم من إنجاز شهدناه بأم أعيننا ليس بالأمر الهين ويبرهن علي أن الإرادة الصادقة تقهر المستحيل ونحن معكم نرصد خطاكم ونشد من أزركم ونحتفل معكم بكل بإنجاز جديد .
كنت فد شرعت في كتابة هذا المقال أثناء فترة إستشفاء خالتي(حواء محمد آدم) التي شاءت مقادير المولى لها الرحيل عن هذه الدنيا الفانية ، ذهبت( أم الكل) وقد كانت أما حانية وصدر رحيم نستريح إليه من وعثاء السفر في رحلة الحياة الشاقة،عدت كنسمة عجلى في صيف طويل تسوده ريح السموم وعزانا أنها قد أنفقت حياتها وهي ترعى صغارا زغب الحواصل لا ماء ولاشجر على قول الحطيئة فكانت لهم الظل الوارف بالحب والحنان ، والأمل الذي يدفع بهم ليشبوا عن الطوق رجالا ونساء ينالون نصيبهم من الحياة ويسهمون في إعمارها بطيب جنيهم من ثمار الخير والمحبة التي غرستها فيهم، فلكم (أحمد وحاتم وإخلاص وحسن ) العزاء في فقدنا الجلل ومصابنا العظيم ونسأل الله لها الرحمة والمغفرة ولنا حسن العزاء ونشكر كل من زارنا بالمستشفى سائلا عن صحتها أ و شاركنا الأحزان معزيا أو إتصل مواسيا بعد وفاتها.
ونخص بالشكر كل وحدات العناية بالسلاح الطبي أمدرمان وبشكل خاص جدا الدكتور ربيع حسن ونائبه الدكتور محمد وكل الطاقم الطبي المعاون الذي بذل ولا يزال يبذل من وقته وجهده وراحة نفسه الكثير لأجل خالتي وأمثالها من المرضي.
عمر عبدالرحمن عبدالله البشاري
15/يناير/2011
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة