تونس الحمراء
بقلم: منتصرمحمد زكي
لم يدر بخلد الكثيرين من المتابعين لمجريات الأحداث في تونس الخضراء ما آلت إليه النهايات بفرار بن علي .. وحالة الإنفلات الأمني .. والشلل شبه التام الذي أصاب البلاد .. بعد الإحتجاجات التي إندلعت قبل شهر .
محمد بوعزيزي .. إسم سيظل يردد كلما تطرق الحديث إلى الثورة الشعبية التي أطاحت بحكم زين العابدين بن علي الذي إستمر لأكثر من 23 عاما .. ( بوعزيزي ) القشة التي قصمت ظهر البعير .. والشرارة التي أشعلت الشارع التونسي .. لو كانت سلطات البلدية تعلم الغيب وأنى لها ذلك .. لما صفعت الشاب المكافح ( بوعزيزي ) وهو يطالبهم برد عربة الخضار المتواضعة التي صادروها منه .. بل لما أقدموا على مصادرتها منه من الأساس .. لكن لا يعلم الغيب إلا الله .. لم يحتمل الشاب الجامعي الذي دعته الظروف وإنعدام فرص العمل الى أن يدفع أمامه عربة بائسة يبيع عليها الخضار وبعض الفواكه ليعول أسرته .. لم يحتمل أن تستكثر عليه السلطات أن يمارس المتاح من العمل بعد أن غضت الطرف عن توظيفه الوظيفة التي تليق به كخريج جامعي .. وبكل القسوة والظلم الذي لاقاه من الحكومة أشعل بوعزيزي النار في جسده .. وإشتعلت من وراءه تونس .
في كل الثورات عبر التاريخ .. دوما هنالك من يدفعون ثمن التغيير .. حادثة ( بوعزيزي ) رغم مأساويتها وتصنيفها ضمن أكثر الأفعال الصادمة والمروعة التي يقدم عليها الإنسان في اقصى لحظات يأسه .. ورغم أنها حالة فردية ولم يكن مخطط لها .. إلا أنها بلا شك مثلت ساعة الصفر للإنتفاضة الجماهيرية التي غمر طوفانها المدن التونسية .. فأهتزت الأرض تحت أقدام السلطة الحاكمة .. وبعد سقوط العشرات برصاص الشرطة وقناصة النظام وغيرهم من المندسين وسط الحشود .. كانت النهاية بمغادرة بن علي وأسرته للبلاد خلسة في جنح الليل .
وكما علمتنا التجارب التاريخية عبر الحقب المختلفة .. فإنه لا تخلو ثورة شعبية من أصحاب الأجندة الخفية .. ومن متربصين ينتظرون عند زوايا الطرق .. يتدثرون بالعتمة .. يتحينون اللحظة المناسبة للإنقضاض على الثورة الوليدة .. التي مهرتها الجماهير بدمائها وأرواحها .. لإختطافها وسرقتها وإذا تعذر ذلك توجيهها نحو الفوضى والحرائق والإنفلات الأمني .. ربما يقول قائل أن ذلك فاتورة واجبة السداد عند إندلاع الثورات في أي بقعة من الأرض .. ويصعب تفاديه .. مثله مثل الآثار الجانبية للدواء side effects عند العلاج .. لكن لدينا في حاضرنا السياسي نموذجان ماثلان هما ( الصومال – العراق ) يجعلانا أكثر تشكيكا وحذرا في البدائل المتاحة لسد الفراغ .. سوى كان ذلك في أعقاب ثورة شعبية أو تدخل خارجي .. وهو إسم الدلع للغزو الخارجي .. ترى ما ذا سيكون خيار الشعب العراقي لوخير بين العودة الى ما قبل الغزو الأمريكي البريطاني وباقي الدول المتآمرة .. وبين الحالة التي أعقبت ذلك بكل تداعياتها ومآسيها .. ونفس الشيئ ينطبق على الصومال في صراعاته الداخلية . . قبل الفوضى وبعدها وصولا الى حالة التشظي وضياع وطن . . ثم البكاء على واقع كانوا يظنونه سيئ ... فإذا بهم يواجهون ما هو أسوأ .
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة