التعليم وتحديات العولمة
الدكتور / المكاشفي عثمان دفع الله محمد دكتوراه في استراتيجيات تطوير المناهج مدرس بمدرسة عبد الرحمن بن جاسم الإعدادية المستقلة
[email protected]
التربية ليست بمنأى عن حركة المراجعة الشاملة ، ويعتبر ميدان علم اجتماع التربية هو الساحة الكبرى التي شهدت ومازالت صراع النظريات والأفكار التربوية من مختلف الاتجاهات والمدارس .
العولمة وما بعد الحداثة :
عرف بعض علماء الاجتماع المعاصرين العولمة ومن أبرزهم جيدنز( Giddens )
، وهارفي ( Harvey ) ، حيث نظر الأول إلى العولمة باعتبارها تحولا في الزمان والمكان يؤدي فيه تطور أنساق وشبكات الترابطات الدولية إلى تحكم الظروف المحلية في حياة الشعوب ، أما الثاني فقد رأى أن العولمة تتضمن تغيرا في خبراتنا عن الزمان والمكان ، ولكنه أكد تسارع تكثيف ضغط الزمان والمكان .
الحداثة هي الفكرة الأساسية التي تقوم عليها العولمة من منظور بعض علماء الاجتماع وهما تمثلان مرحلتين متتاليتين ومترابطتين ، فالعولمة تشكل إحدى حالات الحداثة التي بدأت في القرن السادس عشر في أوروبا وشهدت مدها العالي منذ أواخر القرن التاسع عشر .
ومع نهاية الثمانينات ، ومع التطورات المعرفية والتكنولوجية ظهر اتجاه مابعد الحداثة ( Postmodernism) ليعلن الثورة على الحداثة والأسس التي قامت عليها ، ويصف العالم ليوتار مابعد الحداثة على أنها رفض للأنساق النظرية الكبرى
( Grand narratives ) ويرتبط معنى مابعد الحداثة في نظره ارتباطا وثيقا بالشروط المتغيرة للمعرفة والتكنولوجيا التي تنتج أشكال التنظيم الاجتماعي العامة الكامنة وراء العادات والتقاليد الاجتماعية الخاصة بالحداثة ، ويرى أن انتشار الثورة العلمية والتكنولوجية واستخدام الكمبيوتر والنصوص الالكترونية سيسهم في تأكيد التنوع والمحلية والخصوصية وتعظيم الإفادة منها .
انعكاس تيارات التغير في عصر العولمة وما بعد الحداثة على التعليم :
1- الاتصال المتبادل :
بمعنى تبادل الاتصال الالكتروني والفيزيقي بين الناس مما يسرع عملية التلاقح الثقافي واختلاط الثقافات .
2- ضغط الزمن :
ويتمثل في تسارع إيقاع عملية صنع القرار ويترتب على ذلك ظاهرة أن العمر الزمني للأفكار والمفاهيم والإجراءات والمنظمات أصبح بالغ القصر ، ومن ثم أصبح النجاح في أي مجال مرهونا بالقدرة على الإبداع والتجديد باستمرار .
3- تفكيك المؤسسات :
فقد أصبح الاتجاه اليوم تحت تأثير التكنولوجيا وثورة الاتصال يميل نحو تفكيك المؤسسات الصناعية الكبرى ، مما أتاح منافسة الشركات الصغيرة للشركات الكبرى
، وانعكس ذلك على مجال لتعليم حيث بدأت بعض الجامعات الكبرى في إنشاء وحدات صغيرة للقيام بمهام علمية وتعليمية محددة ، مما أدى إلى خفض الموازنات الحكومية لتمويل التعليم العالي ، والبحث عن مصادر بديلة ومتنوعة ، وصاحب ذلك ظهور مقاييس جديدة للمحاسبية التي تتضمن رقابة مركزية على المخرجات ، ولامركزية في اتخاذ القرارات المتعلقة بالعمليات والإجراءات التعليمية ، وهذا يشبه ما يجري في دولة قطر حاليا في أحد جوانبه في منظومة المجلس الأعلى للتعليم بالحرية والاستقلالية مع المحاسبية التي يمنحها للمدارس المستقلة .
4- الاقتصاد المعرفي :
في عصر مابعد الحداثة تغيرت طبيعة الاقتصاد حيث أصبح اقتصادا معرفيا ، فصناعات المعرفة وما يرتبط بها من وظائف أصبحت تشير إلى مجمل الأنشطة التي تسعى إلى إبداع المعرفة وبثها واستقبالها مستهدفة إثراء عقل الإنسان وتنويره وتطويره وتعظيم فهمه لطبيعة المجتمع والعالم ، وزيادة كفاءة العمل وعمليات الإنتاج ، ولذلك فإن مكانة أي مؤسسة من مؤسسات التعليم رهن بقدرتها على إنتاج المعرفة وتحليلها وبثها .
الثقافة العربية وجدلية الهوية :
يحاول النمط الاجتماعي دائما المحافظة على مكتسباته وتصبح محاولة التغيير ، ومحاولة الثبات بين طرفين هي الجدلية المستمرة في أي مجتمع بشري .
الإيمان بالتنوع والثقة برفض التبعية يوجب التوقف عند أمرين في الحركة الثقافية هما : فهم الذات ، والتعرف الحقيقي على الآخر .
التفاعل هو العلاقة الصحيحة بين الحضارات والثقافات وهو يعني أيضا النجاة من الانغلاق ، وتحتاج دولنا العربية لكي تتكيف مع العولمة إلى إيجاد منظومة وطنية للعلم والتكنولوجيا لأنهما متغيران يحركان الاقتصاد العالمي ، وقد آن الأوان للنظر إلى العلوم والتكنولوجيا بوصفها متغيرا ، إذ ما زال غالبية العرب ينظرون إليها بوصفها متغيرا عرضيا يكفي استيراد منتجاتها من الخارج ولا توجد ضرورة لتنميتها من الداخل ، وهذا يعني أن البلدان العربية لم تبدأ في التجاوب مع مضامين ثورة التكنولوجيا المعلوماتية بالقدر المطلوب ، وأنها دخلت القرن الحادي والعشرين بتوزيع وظيفي للقطاعات مشابه لما كان عليه في القرن الماضي دون أي تطوير !!
لماذا نجد غالبية العرب خارج مضمار السباق العلمي ؟
يقول الدكتور / يوسف الحسن – مدير معهد الإمارات الدبلوماسي ومن المنشغلين بقضايا الحضارة العربية : أن السبب يرجع إلى تدني نوعية التعليم ، وغياب نظم فعالة للابتكار والبحث وإنتاج المعرفة .
هل من استنهاض للتربية في مجتمعنا ؟
حدد الأستاذ / علي عبد الله المناعي - رئيس التوجيه التربوي بوزارة التربية والتعليم بدولة قطر سابقا - في مجلة آفاق تربوية القطرية ( العدد الأول -1992م ) شروطا لهذا الاستنهاض الذي يحافظ على الهوية ويواكب العولمة بقوله :
1- إنها التربية التي تجعل التربية والتعليم حق مكتسب لكل فرد في المجتمع .
2- إنها تربية العقل والوجدان ، والروح والفكر ، والنفس والبدن ، من أجل بناء الإنسان لهذا العصر .
3- إنها تربية الفرد والمجتمع .
4- إنها التربية التي تنشد المستقبل وتبصر الحاضر وتعانق الماضي .
5- إنها التربية التي ترسخ القيم الإنسانية العليا .
6- إنها التربية التي تتضافر كافة المؤسسات المجتمعية لتحقيقها .
7- إنها التربية الحديثة التي بها يسيطر الإنسان على المستقبل بإبداع .
وختاما ينبغي القول أن التعليم والمحافظة على هويتنا أمام تحديات العولمة مسئولية الجميع أمام الله تعالى وأمام الوطن والتاريخ فلا يستصغرن أحدكم دورا له .
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة