ولكن هذه هي تونس الشابِّي !!
كنت في شهر مارس الماضي 2010في تونس العاصمة في دورة تنشيطية هندسية أقامها اتحاد إذاعات الدول العربية ، وبرغم قصر المدة التي قضيتها هناك فقد خرجت بانطباع غريب ، كتبت عنه بصورة سريعة في صحيفة (آخر لحظة)،وهو يتلخص في سيطرة عالم المرأة الحريري الناعم على الشأن التونسي بطريقة أكثر مما قرره الشرع الحكيم في أمرها.. هذا الكلام استنبطته من حديث السائق التونسي الذي تحدث إلينا بمرارة عن أنه لا يستطيع أن يتحكم في بنته إذا ما انحرفت وجاءت إلى المنزل وهي تترنح من تأثير الخمر ، والساعة كانت الواحدة صباحا أو بعدها! لا يهم ..فالنتيجة واحدة .. عليه أن يتوقع أن تدخله ابنته إلى المحكمة لتنظر في أمر هذا الرجل الرجعي وتدخله إلى عالم السجون! أخبرني أيضا عن أن أعلى نسبة طلاق في العالم العربي هي في تونس ..وذلك (لتمتع المرأة التونسية بحق تطليق نفسها ).. ولنا أن نتخيل أن هذا الباطل أعطِي للمرأة السودانية ،وسنرى في اليوم التالي لذلك آلاف الحالات من الطلاق لأسباب هي أوهى من خيط العنكبوت .. وذلك لعاطفة المرأة المتأججة ،فإذا ما انتهت ثورة الغضب العابرة ذهبت المرأة تبحث عن (خارطة الطريق)وفتوى لإعادتها إلى زوجها!!
أذكر أنني كنت في الثالثة عشرة عندما أعلن الراحل الحبيب بورقيبة ، الحاكم الأسبق لتونس ، أنه حرّم الصيام في تونس في ذلك الشهر المبارك ، رمضان، بحجة أنه يؤثر في مسيرة العمل العام ،وأتبعه بزمن قليل ، باقتراحات مضحكة مبكية، بضرورة الاعتراف بدولة إسرائيل المغتصبة .. كان ذلك والعالم العربي يئن من أثر الهزيمة في عام 1967مويبحث عمن يضمد جراحاته ، فجاء ذلك ال(بو رقيبة) ليعلن عن تخاذله عن دفع العدوان الإسرائيلي بل والاعتراف بالسارق بأن ما سرقه هو ملك له !! جاء هذا الحديث المتهالك ، بحمد الله ،قبل أن يصفعه العالم العربي بمؤتمر اللاءات الثلاث بالخرطوم ..وسارت الوتيرة على هذا المنوال إلى أن وصل إلى تحريم الزواج بزوجة ثانية !!جملة واحدة ، فمتى علمت الزوجة الأولى بهذا الزواج هرعت إلى المحكمة الجنائية ، لا الشرعية ،لتدخل الزوج المسكين غيابات السجون ، ولكن يأتي الزوج المسكين المغلوب على أمره بالحجة التي لا رادّ لها لتبرئته !! زوجتي المسكينة لا تدري أن المرأة الأخرى ليست زوجتي ، بل هي عشيقتي !! فيضطر القاضي إلى إعلان براءته!!
الغريب في هذا القانون أن منشئه هو زوجة بورقيبة الثانية ، الوسيلة ، التي كانت راقصة في ملهى ليلي ، ونسجت حبائلها على الرئيس المهرِّف ،إلى أن تزوجها زوجة ثانية على زوجته الأولى ، وأقنعته أنه لا يمكن الجمع بينها ، وهي الفاتنة ، وبين الزوجة القديمة ، وما أن طلَّق الأولى حتى أومأت إليه بإصدار القانون المخالف للطبائع البشرية والدين الإسلامي جملة وتفصيلا، بمنع وتجريم الزواج بامرأة ثانية !!
المرة الثانية التي التقيت فيها بتونس كان خلال مهرجان الشباب العربي السابع عام 1987 المقام بالخرطوم ، وأذكر أنه عندما دلفنا لمشاهدة المعارض المصاحبة فوجئت بكثرة الكتب التي (كتبها الزعيم الملهم القائد الحبيب بورقيبة).. حتى وجدت نفسي أسأل :كيف وجد الرئيس الوقت لكتابة كل هذه الكتب؟هل الرئيس حقا عنده القدرة العقلية لكي يكتب في هذه المواضيع المتعددة.. في الدين والسياسة والاقتصاد والشعر والمسرح؟ وتذكرت أنه ربما تأثر بالقائد المحبوب لثمانين مليون كوري .. كيم إيل سونغ!! ولم نكمل مشاهدة المعرض عندما سمعنا أن هناك انقلابا في تونس يقوده ضابط يسمى زين العابدين بن علي ، و..عاد الوفد الشبابي التونسي إلى بلاده ومعه كتبه المضحكة المحزنة ولم يشارك في أي نشاط شبابي !!
وجاء الخليفة الجديد أشد انفلاتا من سابقه .. تضييق على الحركة الإسلامية والإسلام وعلى حقوق الرجل حتى صار الرجل مجرد خيال مآتة بجانب المرأة الغاصبة أو هو على أحسن تقدير ، أداة لإمتاع المرأة التي ما أن تملَّ منه حتى تُطْلِـقَــَه وتُطَلــِّقَـَه.! وزير الإرشاد يأمر بمنع الأذان في المساجد فهذا يزعج النائمين والطلاب الذين يستذكرون دروسهم ! خطب الجمعة تكون بمايكروفونات داخلية لكي لا يتجاوز الصوت الخارج الذين في المسجد !! منع الطالبة الجامعية من الدخول للحرم الجامعي وهي ترتدي حجابا .. لا داعي للأضاحي في عيد الأضحى المبارك ، لأن في هذا إهدارا للثروة الحيوانية ثم هو ضد قوانين الرفق بالحيوان !! الاستفتاءات المبرمجة جيدا والتي ما أن ينتهي مدة الرئاسة حتى تتجدد تلقائيا باستفتاء جديد نتيجته معروفة سلفا!! ونسي الحاكم أنه من يحكمه هو الشعب التونسي الذي منه الشاعر أبو القاسم الشابي ، صاحب ( هكذا غنّى بروميثيوس)والذي منها البيتان الأشهر
إذا الشَّعْــبُ يومًا أرادَ الحياة فلا بدّ أن يستجيبَ القدرْ
ولا بدّ للّــــيْلِ أن ينجـَــلي ولا بــُدَّ للقيْــــدِ أن ينكَسِرْ
الدرس الذي طالما لا يفهمه الطغاة في عالمنا العربي هو أنهم عند أسيادهم ككرت اللعب (الكوتشينة)، ما أن تنتهي فائدته في يد السيد حتى يَرمىَ به على الطاولة .. وكم منّا نسي مصير الشاه الإيراني رضا بهلوي، المدلل لدى أمريكا وإسرائيل، الذي أمدّها بالبترول الذي حاربت به عام 1967 الدول العربية .. وكم منّا نسي دانيال أورتيغل الذي رمت به أمريكا في غياهب سجونها باعتبار أنه بائع مخدرات أو مروِّجها! والحاكمون الآن بأمرهم في العراق وأفغانستان ..هل هم إلا مجرد ديكور شائه سيلقى به إن آجلا أو عاجلا؟وذلك الحاكم العربي الذي قال إنه مستعد للتحالف مع الشيطان لصالح بلده ، هل يظن أن الشيطان يودّ حلفاءه بعد أن أوردهم موارد التهلكة ؟ هل يعتقد أن إعطاءه المنح غير المستردّة هي حبٌّّ لاخضرار عينيه وزوجته الأجنبية الأمّ ؟ هل هي راضية عن استخلاف الأبناء إلا إذا تأكدت من أن الابن هو نسخة طبق الأصل من خيانة أبيه ؟
أعتقد جازما أن هذه الوثبة ليست بسبب رغيف يزداد سعره أو صاحب كشك صغير أغلق بسبب أنه غير ملتزم باللوائح التي تحكم التصديق بالعمل ، فانتحر!! ولكنه هو الشعور بأنه قد بلغ السيل الزبى ، وأن باطن الأرض خير من ظاهرها .. فكانت ..والبقية ، إن شاء الله ، تأتي !!
عبد السلام كامل عبد السلام .. تلفزيون السودان ... أم درمان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة