شوقي بدري، سمح الكتبت شهادتك بدري
محمد الأمين نافع
الأستاذ/ شوقي بدري، رباطابي كامل الدسم، ولم تفلح سنوات بقائه الطويل رضيع الألبان الاسكندنافية الطازجة والمعلبة كاملة الدسم في محو موروثاته الرباطابية، وعلي رأسها الصدق وقول الحقيقة ولا شيء غيرها، تحري الصدق حتى ولو ألقى الصدق النفس في الكرب العظام، ولذلك وعلي الرغم من فرحه الطفولي الصادق والساذج بميلاد الجبهة العريضة، لم يتوان لحظة في الهجوم عليها لدى أول اكتشاف له أن الجبهة تتنكب طريق الصدق والشفافية وتضع أولى خطواتها في متاهة الأساليب السياسية والتقنية البالية، لكنه تناسى أنه سبق أن شهد علي نفسه وجبهته هذه في أول أيام تأسيسها أنهما الاثنان يتعمدان المبالغة والتهويل في سرد حسنات الجبهة وتعديد سيئات الإنقاذ، وأتينا به في مقالنا الشهير ( حسنين: وسام الخدمة الطويلة المـــــــــــــا.... ) شاهداً من أهلها، عندما وضعنا شهادته ضمن أدلة وشهادات الفشل الذي تحمله الجبهة في أحشائها، فقد أثنى يومها علي فلاحة ونجاضة الجبهة ومؤتمرها في عرض الوضع السوداني الراهن عرضاً حاذقاً قد لا يتحرى الصدق فقط في العرض والتزيين، إنما يضيف علي بضاعته بعض الطلاء والأقنعة الجذابة وربما الكذابة والبراقة بغرض كسب الزبائن أو العملاء واستقطاب السذج وقطع بعض مسافة المشوار بهم.
والأستاذ/ شوقي مع صدقه وحدة ذاكرته، ماشاء الله لا قوة إلا بالله، وعيني عليه باردة، كان هو أول من نقض عهد الجبهة بالإصرار علي إسقاط النظام بكل الوسائل بما في ذلك الوسائل الشبيهة بوسائل إسقاط نظام صدام حسين وبتحريم التفاوض معه تحريماً مطلقاً، فهو قد كتب قبل حسنين وغيره ناقضاً تلك الاتفاقات، أن وسيلة العنف، الحرب، وسيلة ملعونة في كل الأحوال والأزمان، وبالتالي نطَّ من الشرط الأساسي للبقاء عضواً بالجبهة، وذلك أنه مادام يرفض الحرب بالوسائل والإمكانات الذاتية السودانية وبين السودانيين أنفسهم فمن البدهي أن يرفض العنف الخارجي الذي يقضي علي الأخضر واليابس وعلي العدو والصديق معاً، فكم من قتيلٍ أو شهيدٍ مات بنيرانهم الصديقة وكم من حميمٍ سقي من حميمٍ حميم. ومع ذلك لم يتهمه حسنين ولا غيره بأنه تنصل من مبدأ جذري ومقوم أساسي من مبادئ ومقومات الجبهة، وربما عدَّ القراء أن المقال حكاية سردية واقعية من حكايات البرَّاي الأعظم/ شوقي بدري، يقدم فيها قصة تأسيس منظمة الصليب الأحمر الدولي من باب تعميم الفائدة المعرفية، ولذلك لا تنسحب الخلاصة المستخلصة من القصة علي أمر السودان ( في الحتة دي والوكت دا بالذات )، أو هكذا اعتقد رفاقه جبهجية السودان الجديد، وكنت تقريباً الوحيد الذي أشار في مقال ( الي من يحاولون عبثاً إبطال سحر البطل ) الي أن مقال شوقي هذا يعتبر تحولاً في توجهاته وشهادة إضافية ثانية من خاصة أهل الجبهة علي عدم واقعية شعاراتها، بما في ذلك شعارات الواقعية الاشتراكية التي يرفعها أو ينحاز اليها أستاذنا شوقي اليوم متهماً الحزب الشيوعي عراب الاشتراكية والوصي عليها بأنه غير واقعي يتعالى علي شركاء النضال.
لقد ذكر الأستاذ/ بدري أنه كان يفضل الاحتفاظ بعذريته السياسية، ولكنه مع ذلك كان أول السباقين كما ذكر الي تكوين جبهة وطنية سياسية بالضرورة وليست جمعية خيرية، ولكنه أسس أو عمل علي تأسيس تلك الجبهة علي أسس وطنية بحت تستدعي نكران الذات والبدء بالنفس قبل الآخرين في التضحية بأي شيء والمبادرة الي كل شيء أو خدمة أو نشاط، وعدد مآثره فيما قدمه من إيثار للآخرين وما لقيه من عنت أثرة الآخرين ممن آثرهم علي نفسه وتجشم عناء هذا الإيثار تجشم القديسين والرهبان، وهو من فرط صدقه الفطري وسذاجته السياسية جمع في أول جبهة له كانت البيضة التي تفرخت عنها الجبهة الجديدة العريضة، جمع كل النقائض والمتناقضات السياسية في السودان علي أساس أن الجميع مهما اختلفوا منتوجات ومصنوعات سودانية، وذكر بالأسماء من حوتهم لجنته التأسيسية من أقصى النظام الحاكم الي أقصى الحركات المسلحة غير الموقعة علي اتفاق سلام مع الحكومة، وتعامل بصدق في أن يجمع هؤلاء علي مائدة حوار سياسي فكري متجرد من المصلحة الشخصية، الحزبية أو أية مصلحة ذات طابع أو لون خاص، علي أن لا يفكروا جميعاً إلا في المصلحة الجامعة بينهم وصون الكيان والمأوى الذي يستظلون بظله. وتلك فكرة لا تنتطح عليها عنزتان، ولو تأسست الجبهة الجديدة عليها، أي علي تلك الفكرة، بحيث تكون وعاءاً سودانياً جامعاً لا يدعو الي إلغاء ولا الي إقصاء أيٍّ كان، ولا يحرص علي التخضـُّـــب بلونٍ سياسيٍّ أو فكريٍّ معين، ولا التجلبب بقفطان طائفةٍ دينية أو جهوية بعينها، لكانت الجبهة بل وكل السودان في غنى عما سقطت فيه الجبهة اليوم من مستنقع التشرذم والانقسام.
كما ذكرت سابقاً فإن الأستاذ شوقي قال إنه أعذر سياسياً ولكنه كما يبدو غير عقيم فكرياً، لذلك رفض كل الأوعية السياسية الفاقعة الألوان وهاجمها بالاسم وذكر عيوبها بالتفصيل، لكنه ها هو يقع في حبائلها ويعاني من أمراضها، ومع حرصه علي رفض السلطة في الجبهة الكبيرة الأعرض من جبهته الحالية وسرده أنه كم أبدى جرسةً وتحايلاً وشفقةً علي نفسه من المجيء علي سدة سلطة الجبهة، ها هو يتقلد سلطتها عندما احتاج الأمر الي سلطة تنفيذية تنفذ عمليات الإعدام، أقصد إقصاء الآخر المختلف معه تنظيمياً أو فكرياً، أو ربما فنياً وذوقياً، ويلبس جلباباً فكرياً يقدل به في هيبة لافتة للأنظار، ثم يشتم صديقه ودفعته في العمر ومتعلقاته الجركمية ( نسبةً الي أم جركم ) ويصفه بأقذع الألفاظ التي ربما تعرضه للمساءلة القانونية حتى في البلد الاوربي الذي يقيم به، بلد الحريات التي لا ضفاف لها. لذلك يا أستاذ بدري وأنت الذي بــــــدَّرت وبكــَّـــرت بنقد أسس ومؤسسي الجبهة قبل الجميع يجب أن تكون صادقاً مع نفسك كما أنت صادق مع الآخرين وتزيل عنك ما ران بقلبك من أدران الألوان السياسية البراقة وتتجلبب كالعهد بك علم السودان وتنذر كابنك عرمان باقي عمرك لرد السودان سيرته الأولى، واحداً موحداً، حتى ولو تفرقت بجبهاته وأحزابه وحركاته وبركاته السبل وتمزق بعد توحد كل ممزق.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة