دعوا الجنوب يتخطي عقبة الفشل
خالد الاعيسر
حدثتني إحدى العاملات في الحقل الطبي عن حالة هيجان انتابت أخ جنوبي مريض (شفاه الله)، وهو يعاني من تليف في الكبد والاستسقاء المستعصية، حيث يرقد طريح الفراش في إحدى مستشفيات أمراض طب المناطق الحارة بالخرطوم. واستدعت حالته الطبية تناول نوع خاص من الغذاء المسلوق قليل البروتين والملح، علماً بأنه يرقد في فراشه على مقربة من عدد من الشماليين مرضى بالدرن (السل) والكلزار وأمراض أخرى تتطلب حالاتهم تناولهم نوعيات مختلفة من الغذاء "كل حسب الحالة" الشيء الذي أثار حفيظة الرجل اعتقاداً بأن إدارة المستشفى تمارس نوعاً من العنصرية ضده بفرزها للغذاء الذي توزعه على المرضى الجنوبيين دون سواهم من إخوانهم الشماليين، مما استدعى تدخل زوجته بعد أن أقنعها العاملون بالمستشفى بالخلفية الطبية التي استدعت التمييز، ولإقناعه بأن الأكل الذي بين يديه سيساعد في بقائه حياً لخلوه من الملح الذي من الممكن أن يسبب له متاعب صحية تسهم في سوء حالته.
السؤال: أي حزب سياسي سوداني قادر على تغيير هذا النوع من المفاهيم؟.. صوت العقل يقول: اتركوا إخواننا الجنوبيين يرحلون ولو إلى حين، حتى يدركوا أنأهل الشمال يريدون لهم خيراً وعافية لا شراً وموتاً.
***
.. وما أن حانت لحظة الحقيقة، وتأكد أن اختيار الجنوبيين للانفصال أصبح أمراً واقعاًً لا مفر منه، خرجت ذات الصحف العالمية التي أججت نيران الصراع في السابق مشككة في قدرات دولة الجنوب على البقاء وتخطي عقبة الفشل التي تحيق بالجنوب وأهله من كل الزوايا والجنبات.
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية كتبت في افتتاحيتها الأسبوع الماضي أن نجاح الدولة الوليدة يحتاج إلى التريث ودعم دولي غير محدود، وأشارت إلى مشاكل جمة تنتظر الدولة الوليدة ، من بينها ارتفاع معدل الأمية الذي يبلغ 80% وندرة المدارس والعيادات الصحية والأدوية وكذلك نقص السيولة والطرق الممهدة، وأشارت الصحيفة للتوترات الأمنية المتجزرة.
من جانبها نشرت صحيفة ذي إندبندنت البريطانية تقريراً كشفت فيه التفاوت بين الواقع والأمل في الدولة المقبلة على الانفصال، وتحدثت الصحيفة عن الشكوك والاعتقاد الراسخ بخروج أول دولة متخلفة وفاشلة في العالم قبل ميلادها ، وذلك بتجربة غير مسبوقة جاءت برعاية دولية. وأشارت الصحيفة إلى النخبة المنعزلة والفساد وانتشار مراكز الدعارة، وخلصت الصحيفة إلى الغموض الذي يكتنف مستقبل الدولة الوليدة.
فيما أشارت صحيفة الغارديان البريطانية إلى أن الاستفتاء حول مصير الجنوب ستكون له انعكاسات سلبية على القارة السمراء وخصوصاً دول غرب أفريقيا حيث الفوارق التي أورثها الاستعمار، ومثال حي لذلك هو دولة نيجيريا. وتواصل هذا التداعي المتأخر بالتحذير الصادر عن منظمة أوكسفام البريطانية الذي قالت: إن الجنوب سيواجه تحديات اقتصادية هائلة ويحتاج إلى دعم دولي لسنوات طويلة ، وأن الدولة الوليدة ستكون واحدة من أقل بلدان العالم نمواً، وموطناً لأشد الناس فقراً. وأن الدولة الجنوبية ستكون مهددة بالعنف الذي سيتتسبب في إفساد حياة الناس اليومية.
السؤال، ونحن على أعتاب هذا الفشل: هل من بين الجنوبيين من يدرك مدى الخطر الذي يحيق بالجنوب والجنوبيين.
***
لسنا حزانى في الشمال بانفصال الجنوب كما يزعم بعض الصحفيين في الصحف العالمية والعربية من أصحاب الأجندات السياسية، لسنا حزانى لأن حبنا للإخوة الجنوبيين لا يموت لمجرد اختيارهم حقاً ارتضيناه لهم بميثاق طوعي نزولاً لرغباتهم، رغم علمنا أن أحد أهم نتائجه الانفصال المنتظر.
المواطن في الشمال أكثر ميلاً هذه الأيام لترسيخ قيم العدالة والأمن واستدامة السلام، بغض النظر عن ما ستفضي إليه صناديق الاقتراع.
صحيفة الاحداث
Khalid Aleisir: khalidi32@yahoo.com
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة