البشير بن علي
منتصر حسين الماحي . باحث في العلوم السياسية . القاهرة [email protected]
مقدمة
العنوان للأمانة من وحي عنوان لمقال كتبه اسحاق فضل الله في منتصف تسعينيات القرن المنصرم عندما تمت مصادرة صحيفة السوداني الدولية بإدعاء الارتباط بدوائر خارجية فكان ان كتب اسحق محرضا تجاه صحيفة اخبار اليوم مقالا بعنوان( اخبار اليوم الدولية) اي ان اخبار اليوم تفعل ما تفعله السوداني المصادرة وبالتالي تستحق نفس الجزاء وكنت وصديقي المقرب ابو رزان نتعجب من خبث اسحق منذ ذلك الوقت حتي تسارعت احداث الأمس وهرب بن علي وتهاوي نظامه فوجدتني اخط له رسالة علي الموبايل .... البشير بن علي .
ان التحليل السياسي أقسي ما يكون والأحداث متسارعة وساخنة ولكن ذلك لا يعفي من القراءة السياسية الأولية لما حدث في تونس وربط ذلك بتطورات الأحداث في السودان سيما وان الشرارة التي انطلقت منها وبها الإنتفاضة التونسية هي التدهور الاقتصادي والأوضاع المعيشية المتردية واستشراء الفساد في وحول مفاصل النخبة الحاكمة وهو ما ينطبق علي الحالة السودانية ويضاف اليها المسئولية التاريخية والسياسية لأنفصال جزء من الوطن ومحاولة التنصل ورد ذلك الي التآمر الخارجي والإستعمار الذي تخلصنا منه منذ اكثر من خمسين عام .
والسؤال الجوهري لهذه القراءة هو من اين تستمد الأنظمة شرعيتها وبالتالي مشروعية بقائها وإستمرارها ؟ هنالك العديد من التفسيرات والمقولات والنظريات ولكن دعنا نترفق ولا نوغل فيها ونحاول مباشرة تناول مشروعية وشرعية النظام السياسي التونسي من خلال قراءة تحليل المفكر السوري برهان غليون أستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون بالعاصمة الفرنسية باريس...( لم تفاجئ الانتفاضة التونسية المستمرة منذ نحو شهر في تونس سوى أهل السلطة الذين اعتقدوا أنهم وجدوا المعادلة الذهبية التي تجعل وصولهم إلى قمة السلطة نهاية التاريخ كما تجعل من التغيير الذي حلم به التونسيون بعد تنحية الرئيس السابق الحبيب بورقيبة سرابا بعيد المنال) ويواصل ( وهذه المعادلة الذهبية، المتبعة في أكثر البلاد العربية، هي التي يسمونها بالنموذج الصيني، وهي تعني الجمع بين إغلاق باب السياسة أو إزالتها من الحياة العامة وتحريم العمل فيها، في أي صورة كان، سواء كان عملا سياسيا مباشرا أو نشاطات مدنية، وتحليل الاقتصاد في أي شكل كان، سواء أجاء على صورة استثمارات أجنبية أو مراكمة للثروة بالطرق الشرعية وغير الشرعية، أو الفساد والسرقة العينية ) و( كان الرهان أن تسمح التنمية الاقتصادية السريعة الناجمة عن هذا الانفتاح الكبير بتحسين شروط حياة السكان وتعظيم الأمل في المستقبل وتعزيز شرعية النظام، وبالتالي مقايضة السياسة نهائيا بالاقتصاد، وتفضيل الوجود أو البقاء على قيد الحياة على الهوية والمعنى( انتهي " المصدر : " الجزيرة نت 13-1 - 2001.
وتعزو العديد من التحليلات وصول الانتفاضة التونسية الي نهايتها الماثلة الي ارتفاع مستوي التعليم وبالتالي الوعي و قوة الطبقة الوسطي التونسية ومهنية المؤسسات وابتعادها عن الفعل السياسي وعلي رأسها المؤسسة العسكرية التونسية التي تمثل صمام أمان لمنع (النظام العام )* للدولة من الإنزلاق الي الفوضي .
ان محاولة إسقاط الحالة التونسية علي الحالة السودانية تقودنا ابتداءا للبحث عن منابع الشرعية للنظام السوداني والشرعية هنا لا تعني تلك القانونية او السياسية وانما شرعية البقاء والاستمرار ويمكن القول هنا ان النظام السوداني نجح في اقصاء التيارات والاحزاب عن الحياة السياسية ونجح في فترات والي حد في تحسين الأداء الاقتصادي عبر سياسة التحرير الاقتصادي التي لم يصاحبها تحرير سياسي فكان نتاج ذلك فساد استشري في مفاصل مؤسسات الحكم وغابت واغتيلت الطبقة الوسطي الواعية التي ترفد الأحزاب والمؤسسات السياسية ومنظمات المجتمع المدني وحلت محلها حركات ثورية مطلبية جهوية ترفع سلاحها في وجه المركز القابض والمسيطر.
ويمكن صياغة معادلة بقاء النظام السوداني التي يبدو معها النموذج الصيني ( أعلاه ) الذي قايض النظام بالاقتصاد رحيما حيث اننا في حالة النموذج السوداني امام مقايضة النظام بالأمن تلك المعادلة التي تجعل بقاء النظام في كفة وبقاء السودان و (نظامه العام ) * في كفة اخري اي بمعني اخر اما استمرار النظام او نحن امام صومال آخر ومرد ذلك غياب صمام الأمان في الحالة السودانية حيث ان كل مؤسسات الدولة التنفيدية والنظامية وحتي القضائية أصبحت مسيسة وبعيدة عن المهنية واستحضرهنا مقولة ذكية للأستاذ الحاج وراق ( ان اخطر ما في الأنقاد انها ربطت وجود نظامها بوجود الدولة السودانية نفسها ). ولعل في ذلك تفسيروإجابة السؤال الملح لماذا لا يتحرك الشعب السوداني مثل الشعوب الأخري وهو ذو التاريخ الناصع في الأنتفاضات الشعبية علي مستوي المنطقة .
فنحن الآن امام نظام لا يوفر لمواطنيه ادني متطلبات الحياة الكريمة وإزاء وضع هو الأسوأ من اي وضع انتفض فيه الشعب السوداني ولكن وكأني بمواطن بسيط يعول اسرته الصغيرة يئن من وطأة الغلاء وضيق العيش وانسداد الأفق لا يمنعه من الانتفاض حتي لو ضحي بحياته إلا إفتقاد صمام الأمان وأمام معادلة الضنك والبقاء يختار مرغما الضنك.
حاشا للمقال والتحليل أن يكون مثبطا او مخذلا ولكن غاية جهده التبصرة بمكمن الداء ومن ثم حفز الجهود لإستنباط الدواء ويبقي التحليل اجتهادٌ وعصفٌ ذهني لتفسير مجريات الأحداث التي قد تتجاوزه فيبقي له فقط أجر الخطأ في الإحتهاد .
* النظام العام مصطلح قانوني دستوري ينصرف الي ويعني الحفاظ علي النظام القانوني والدستوري وليس الإدارة الشرطية سيئة السمعة
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة