مضادات الثورة ...... و لهذه الأسباب لن يسقط النظام بالإنتفاضة
كوري كوسا / السودان
لعل البعض في هذه الأيام يتحدثون كثيراً عن نذر ثورة شعبية باتت وشيكة و عن ضرورة إنتفاض الشعب لإقتلاع نظام الإنقاذ المستفحل الفساد من جذوره و الإلقاء به في مذبلة التأريخ، ذاك التأريخ الآسن الذي سود صفحة السودان و دخل به إلى حقب دنيئة لن نفتك من تبعاتها الخطيرة في المستقبل القريب و لا حتى بعد عدة عقود قادمة. وحتى لا يكون هذا الكلام مجرد تنظير فحسب اومحض خواطر دعونا أن نورد بعض الأسباب و الدلائل المنطقية التي سوف تحمل الشعب للقعود عن الثورة المزعومة إلى يوم الدين. في البدء إذا تطرقنا إلى الحالة العامة للشعب من الناحية التي تتعلق بتماسك الجبهه الداخلية فحدث و لا حرج، فسنكتشف ان التشظي و ثقافة (الكوته) هي السائدة على نحو مطلق و هي كذلك ذات العقيرة الأعلى. و لا أتحدث هنا عن الكوته بفهم المجموعات السياسية او مجموعات تختلف في رأي سياسي محدد و تتنافس حول كيفية إيجاد النموذج الأمثل لحكم البلاد و الشعب كما يحدث عادةً في المجتمعات المستقرة. بل أعني هنا الكوتة العرقية و الكوتة القبلية الممزوجة بالكوتة الدينية. فلو عدنا بالذاكرة قليلاً نحو الماضي إلى زمن ثورة إكتوبر (تشرين) عام 1964م و حللنا دوافعها لسرعان ما وجدنا أن من ضمن الأسباب القوية جداً التي إشتعلت من أجلها الثورة في وقتها بل و التي مثلت الشرارة القادحة كانت هي مشكلة جنوب السودان و موقف حكومة الجنرال عبود منها. حيث لم يكن الشعب يحابي نظاماً أو يتستر عليه و كان ولاؤه كذلك للوطن وللأرض و ليس للأنظمة و لجهويتها التي تنتمي إليها و هو الأمر نفسه الذي يمكن أن نطلقه على الجبهة الداخلية للشعب و هو يهب منتفضاً ضد نظام (النميري) في مارس/أبريل 1985م. أما الآن فالكل يعرف إلى أي مدى يمكن أن تصمد الجبهة الداخلية أمام أي تحدي يواجه مستقبل السودان. فإذا أخذنا على سبيل المثال قضية الجنوب و طرحنا سؤالاً عما إذا كان الأصلح للسودان أن يذهب الجنوب أو يبقى، فسنتلقى إجابة من معظم الشعب (شماليين و جنوبيين) يغلب عليها ترجيح لخيار الإنفصال على الوحدة و سنسمع ردود من شاكلة.. الحمدلله لقد عافانا من الأذى.. و خليهم يروحوا و يريحونا.. دون تكليف النفس بوقفة تأمل للأسباب و المآلات. و هنالك أيضاً الإنتباهة و العنصريون و أهل الفتن و منبرهم المُثقل بعقليات مريضة و جبانة. و كذلك الحال بالنسبة إلى مسألة دارفور فهي عند الشمال لم تكن تمثل أكثر من مجرد مجموعة من قُطاع طُرق منفلتين يجوسون الأرض خراباً فحسب، ومن ثم بعد أن ثبتت قضية دارفور و بان المستور و إمتلأ العالم جلبة و ضوضاء بما كان يرتكبه المجرمون خفيةً هناك، لم يعد الأمر مرة أُخرى أكثر من مجرد إتهام بالعمالة لدول البغي و الإستكبار و محاولات للصق صفة الخيانة بأهل دارفور أصحاب القضية.
هذا هو على نحو دقيق حال السودان و مجتمعه اليوم. فنظام الإنقاذ الحاكم لم يألو جهداً في نحو أي منحى يستبقي دعائم حكمهم العنصري و يقوي سطوته و أُحاديته. عن طريق إعادة البعث و بصورة و اضحة لميزة قديمة ظلت ملازمة للمجتمع السوداني منذ زمن بعيد، منذ زمن القرون الغابرة و عهود الولاء القبلي البغيضة. تلك العادة المنفرة التي جلبها الشعب السوداني معه و أدخلها في عهد الإنقاذ إلى السياسة و الحياة الإجتماعية و المفاخرة و الولاء العنصري الأعمى. و لذلك جاء هذا الثالوث (جعلي،شايقي،دنقلاوي) المُتعمد إظهارهم كعلية القوم في السودان و من يقع تحتهم ممن يطربهم سماع حديث أنهم عرب و أولاد بلد وإن هذا النظام منهم وإليهم و يجب أن يبقى دائماً لأنه يمثل عرقهم و ثقافتهم، و من لم تعجبه النغمة العروبية تلك و أحس الغُربة فله في (بنج) الإسلام عزاء يبقيه تحت سيطرة الثالوث ذاك، فكان لابد لنظام الإنقاذ حمل شعار الدولة الدينية خاصة في أيامها الأُولى كتخدير كامل للشعب، و ما إن إستنفذ الأمر غرضه و لم يعد لذلك الشعار التمويهي من حاجة و إجتاز النظام المرحلة بسلام، لجاء نظام الإنقاذ إلى تكنيك التخدير الموضعي بإثارة منطق الولاء العرقي لدى عامة الشعب المنتمين للثالوث آنف الذكر. و هو الأمر الذي يمكن كشفه بوضوح تام في سلوكيات و تصرفات أفراد النظام، الذين يتعمدون الربط بين شخص رئيس الجمهورية كرمز للسيادة في المناسبات و اللقاءآت الجماهيرية العامة و بين كونه (جعلي من حوش بانقا) من خلال الإيقاعات الحماسية و العرضة التي توحي بجعليته. و كذلك الأمر بالنسبة للبقية المكملة للثالوث لأنهم على نفس المركبة و التوجه واحد و يمكن ملاحظة ذلك في أحاديث المجتمع الإعتيادية.. ديل ناسنا.. و ده شايقي زولنا و ولدنا. و ليقل لي أحد القراء ان الشئ نفسه كان يتم بنفس الشاكلة في العهود السابقة التي إقتلعها شعب السودان بالثورات و الإنتفاضات إذا كنت مخطئ. ثم يتبع ذلك أن السواد الأعظم من مؤسسات الدولة المؤثرة و ذات الثقل و التي يمكن أن يكون لها الدور الأعظم في إسقاط النظام بالثورة و العصيان المدني يسيطر عليها أبناء ذلك الثالوث الغائب حتى النخاع تحت تأثير (بنج) الولاء العرقي و بفقه أنصر أخيك ظالماً أو مظلوماً!. ختاماً القضية ليست مجرد إنتفاضة أو حتى ثورة يطلقها هذا الشعب في وجه النظام السياسي الحاكم، إنما نحن بحاجة إلى صدمة عنيفة تعيد الوعي إلى هذه الأُمة الوالغة في الغيبوبة.
[email protected]
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة