منبر السلام واحتفالات الخراب
عثمان احمد الحسن
[email protected]
تنص المادة 50 من القانون الجنائي السوداني عام 1991 على (من يرتكب أى فعل بقصد تقويض النظام الدستوري للبلاد أو بقصد تعريض استقلالها أو وحدتها للخطر ، يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد أو السجن لمدة أقل مع جواز مصادرة جميع أمواله (
ومعلوم بالضرورة ان رئيس الجمهورية هو المسؤول الاول عن حماية الدستور كما وانه قد ادى القسم على ذلك (... وأقسم بالله العظيم، أن أحترم الدستور والقانون وإجماع الرأي العام، وأن أتقبل الشورى والنصيحة، والله على ما أقول شهيد) من ناحية اخرى فانه من المعلوم أن منبر السلام العادل يدعو الي فصل جنوب السودان ويستخدم في ذلك كل ما يتاح له من منابر على الورق او بالدعوة مباشرة من خلال ندوات ومخاطبات جماهيرية ،الواضح اذا ان سلوك صحيفة الانتباهة وكذلك منبر السلام العادل انما هو مخالف للقانون حتى ان صحيفة الانتباهة جعلت من شعارها صورة للسودان بحيث يبدو جنوبه مقسوما عن شماله بواسطة كلمة الانتباهة وهي اشارة واضحة ، اذا هي تخالف صراحة النص اعلاه في القانون الجنائي السوداني ، ولا يمكن الاستناد الي الاتفاقية في تبرير الدعوة للانفصال فهي انما وافقت على ذلك ضمانا" للسلام في حين انها كرّست نفسها للدعوة للوحدة ، كذلك ان ما يجوز في حق الدولة ليس بالضرورة ان يجوز في حق الافراد ، هل من الممكن للافراد مثلا" التفاوض مع جماعة عسكرية تقاتل الدولة كما تفعل الحكومة ؟ّ!!
لا نحاول استعداء السلطة على الصحيفة والتيّار انما نحاول فهم الموقف اللذي منع ايقافهم ، كما نحاول ان نستبين ما يمكن ان يتركونه من اثر ، ونبدأ بتساؤل عن السبب الذي منع ايقاف منهج هذه الصحيفة وهذا التيار رغم مخالفتها للقانون ، الافتراض الاول هو ان تنظيم منبر السلام العادل وصحيفته صحيفة الانتباهة ما هما الا صنيعة واداة للمؤتمر الوطني يستخدمها لتمرير اجندة معينة وهذا الراي تردد كثيرا ولكن نفاه الطرفان واقسم الطيّب مصطفى بعدم صحته ، تدل الشواهد على صحة هذا النفي مع الوضع في الاعتبار ان المؤتمر الوطني قد استفاد من طرح منبر السلام العادل وصحيفة الانتباهة في دعم موقفه التفاوضي في المشاكسات والاتفاقات التي حدثت اثناء تنفيذ الاتفاقية ، كما وانه ربما غض عنها الطرف مؤخرا" لتمهد الشماليين نفسيا" لقبول الانفصال ، بمعنى ان المؤتمر الوطني قد غض الطرف لوقت طويل من الوقت لصحيفة الانتباهة بغرض الاستفادة منها تكتيكيا" ناسيا" في نفس الوقت التأثير الاستراتيجي السلبي لها على مستوى وحدة البلاد او أقلاه على مستوى خلخلة النسيج الاجتماعي المهترئ اصلا"، كما ولم يهتم لما يمكن ان يصيب سمعته من تأثير بخصوص جديته وقناعته الاصيلة بالوحدة حينما يشاع من دعمه لهذه الصحيفة ، من المرجح ان حسابات الوطني ما كانت تعتقد ان ترك المجال مفتوحا للمنبر والانتباهة ستصل بهم الي ممارسة خطاب اقصائي عنيف يستخدم مبررات عنصرية عفا عليها الزمن من نوع وجود اختلافات جوهرية في طبائع الجنوبيين عن تلك الموجودة بالشماليين ، وتطور هذا الخطاب الي درجة محاولة نزع صفة الوطنية عمن قاموا بالتوقيع علي اتفاق نيفاشا إضافة الي دمغهم باتخاذ قرارات دكتاتورية حتى داخل التنظيم نفسه ، وكذلك تهافتهم في التصريح بمحاولة تحميل المسؤولية لمن قاموا بالتفاوض ورفع هذه المسؤولية عن الرئيس وهو كذب بواح لا يليق بالرجال كما انه ينطوي على اهانة بالرئيس من حيث التقدير انه لم يكن على علم بما تم تم توقيعه ، حتى وإن صدقنا جدلا" ان دعوة السيّد الطيب مصطفى ليست دعوة كراهية فإن الاستخدام المنهجي والمنظم لتوصيف حال الجنوبيين مع الشمال بانهم مثل السرطان ، والاذى ، ( الترلة المنفسة ) أوكالعضو الفاسد اللذي يجب بتره واستخدام الفاظ قاسية في وصف الخصوم لتبين بما لا يدع مجال للشك مدى حالة الكره التي يمتاز بها ذلك الخطاب ، وثمة عامل آخر نعتقد انه ذو تأثير وهو طالما ان المؤتمر الوطني يضمن حق الانفصال في الاتفاقية لشركائه في الحركة الشعبية فكيف يضيّق على من يدعون بذلك من غيرهم.
الافتراض الثاني واللذي منع ايقاف هذا التيّار ومنهج صحيفته هوببساطة ان السيّدالطيب مصطفى يمت بصلة قرابة الي السيد الرئيس وبالنهاية نحن لا نزال مجتمع عشائري الي حد كبير والحالة هذه لا يستطيع من بيده المسؤولية اصدار قرار بايقاف الصحيفة متجنبا" اغضاب الرئيس أو ربما تأدبا" منه وكان الاولي بالطيب مصطفى الا يدخل الرئيس في هذا الخيار كما لم يعرف عن الرئيس اي مشاعر كره للجنوبيين انما العكس وتدل شواهد كثيرة على ذلك .
من المحيّر أن منبر السلام العادل لم تسعفه كل هذه السنين لطرح اي رؤية يبين فيها اسس فصل الجنوب التي يدعو لها ، هل مباشرة يطرد الجنوبيين الي دولتهم ونحدد دولة الشمال من حدود 56 مثلا" دون اتفاق ؟ ماذا بخصوص الموارد المشتركة كالبترول باصوله ومنشآته الا تحتاج الي اتفاق ؟ ماذا بخصوص الديون الخارجية ؟ ماذا بخصوص الجامعات والطلاب اللذين يدرسون بالطرفين ؟ ماذا بخصوص العملة ؟ ماذا بخصوص الجنوبيين اللذين يعملون بالشمال ؟ ثم من هم الجنوبيين المعنيين بالفصل ؟ كما ان المنبر لم يتحفنا باي فقه او اساس نظري يعالج اشكاليات مفهوم الوطنية بشكلها المعاصر وكيف يتم التعامل مع المجموعات المختلفة دينيا" والتي تعادل في هذه الحالة ربع السكان على اقل تقدير، الا يحتاج كل ذلك الي اعمال نظر و اتفاق ؟ اوليس غريبا" ان ينادي هذا المنبر صباح مساء بفصل الجنوب دون ان يحدد اي رؤية لكيفية هذا الانفصال ؟ ومن ثم حين تكون هناك اتفاقية يمكن ان يكون احد مخرجاتها ما ينادي به هذا التيّار تلاقى بكل هذا الذم ؟ الا يبدو هذا الأمر غريبا" في بلاد العجائب هذه ؟ ليس من شك ان هنالك الكثير مما هو مطلوب على مستوى التنظيرلتأسيس قاعدة شرعية تعالج مفهوم الوطنية وتقاطعاتها مع الانتماءات الاثنية والعرقية وقد استجابت هذه الاتفاقية لذلك وبادرت بتبنيها لدولة بنظامين تشريعين ، يقيني ان اصحاب الافكارالمتطرفة تاريخيا" من امثال منبر السلام العادل واللذين يعتقدون بملكيتهم لناصية الحقيقة المطلقة هم السبب في وصول مشكلة الجنوب الي هذا الوضع المستعصي الآن.
اخيرا سيكون وصمة عار في جبيننا ان يقوم منبر السلام العادل بعمل احتفالات الخراب يوم انفصال جنوب السودان ، فهذا الموقف وعلى ما فيه من استهانة بمشاعر الاف السودانيين وعلى رأسهم الموقف الرسمي للدولة وحتى احزاب المعارضة فانه ايضا سيظل وثيقة تاريخية غير امينة اطلاقا" تعيد انتاج مشاعر الالم في قلوب غالب الجنوبيين وكثير من الشماليين لتؤكد لهم ان وجودهم بالشمال لم يكن مرحبا" به حتى على المستوى الاجتماعي في وطن هم من مواطنيه واتمنى الا ينجح الطيب مصطفى ومنبره في اختطاف حق الشماليين في التعبير عن حزنهم لمصير وطن ولمخرجات اتفاقية جريئة جدا" و جديرة بحل المعضلة الوطنية المستمرة منذ قبل الاستقلال ووفرت الارضية الحقيقية للوحدة الطوعية وللسلام وميّزت الجنوبيين ايجابيا" ، اتفاقية تستحق الثناء المطلق لوقدر لنا كسودانيين بعض الثقة بانفسنا ووببعضنا ولو قدر لنا التسامي فوق ماهو تكتيكي الي ما هو استراتيجي كما ولو قدر لنا بعض تقدير لصنائع الآخرين ، فان الاحرى بنا اليوم شكر مجموعة نيفاشا على مخاطبتها جذور هذه المشكلة بشجاعة ووطنية عالية ووضع الحلول لها وشكر صنيعهم وحسب المرء مواجهة مشاكله ووضع الحلول لها دونا عن الهروب بل ورمي اللذين يقدمون الحلول بالحجارة ، انني اعتقد ان الانفصال كنتيجة تبدو حتمية فيما هو ظاهر الآن انما هو نتاج مجموعة من العوامل الموضوعية والذاتية ، احد عوامل الانفصال الذاتية انما هو عقلية منبر السلام العادل اللتي لا ترى في الآخر سوى شر محض ، فهذا المنبر لم يألو جهدا في تمزيق ثقة الجنوبيين وقادتهم في الشماليين وعمل على اعادة تذكيرهم على الدوام بما حاولت هذه الاتفاقية معالجته مع عدم اغفال ظروف اخرى موضوعية ليس هذا مجال ذكرها ولا اتحدث عن فترة السنوات الخمس السابقة فقط ، يكفينا من هذا المنبر ما ظل يسكبه من شتيمة وعنف لفظي ولا حاجة لنا باحتفالاته التي سوف تجعل شرخا" بيننا ومحيطنا الافريقي في حين انها لن تقربنا الي محيطنا العربي قيد انملة ، وفيما يخص وثيقة الاتفاق الشامل فانني اتوقع وارجو ان يتم تبنيها وتسويقها كمرجع تعليمي مهم يضاف الي ماهو موجود في علم بات يدرس حديثا" وتجرى فيه الابحاث وتعطى الدرجات العليا وهو فض النزاعات .
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة