سودانياتٌ ما قبل قرار ٍبقابل الأوطان
"ما أعظم غضبك يا شعبي"
من أناشيد الموسيقار محمد الأمين
محجوب التجاني
الثلاثاء: 11 يناير 2011
لا يزال تعليقي قائما علي بيان الدكتور لينارد مادو، رئيس بان أفريكا كونفرنس في الولايات المتحدة، بشأن "جنوب السودان جاهزٌ للتصويت علي الإستقلال" (8 يناير 2011).
هل الجنوب حقا علي طريق الإنفصال؟
كتب رئيس مؤتمر بان أفريكا: " المتوقع الذائع أن صوتهم سيذهب للإنفصال. فبعد حقبٍ من القتال الذي ُفقد فيه ثلاثة مليون إنسان، ما من خيار للجنوبيين سوي الإنفصال. وقد تعرضوا لتمييز ٍشامل ٍضدهم، وعُوملوا كالعبيد في صّحن دارهم، وأجبروا علي قبول الإسلام ديناً لهم."
لا يُختلف علي هذه العبارة المؤلمة المريرة، خاصة وأن حجمها لم يقتصر علي الجنوب وحده؛ فالتمييز الشامل بين مركز الدولة السودانية والهامش في السياسة والتنمية والثقافة صَاحَب تاريخ السودان الحديث، وتبنته أنظمة مستبدة ما بعد الإستقلال، وقاسي من آثاره الكالحة علي الديار والناس أهلنا في الشمال والشرق والوسط والغرب.
تكبد أهلنا في الجنوب التمييز الدموي بحربٍ أهليةٍ هي الأطول عمرا، والأزهق للأرواح، والأنكي تدميرا وانتقاما من الأبرياء. وبشمول التفكير وإمعان التدقيق في الحل الأوفي لهذه الرقعة الهائلة من الجراح والأحزان، في أرض واحدة التاريخ والجغرافيا والإجتماع، لا يسع المرؤ نصحاً للأهل بغير الوحدة والديمقراطية، وإمضاء الحياة بما يأتي به الإجماع الوطني من مواثيق لدولةٍ دستورية حديثة.
في الدول الكبيرة يُطرح المستقبل التوحد والتكامل. والسودان دولة إفريقية وعربية كبيرة. ما للسودانيين خيارٌ غير الوحدة إذا توحدت كلمتهم لتحريم: 1) الإنفراد بالحكم و 2) الإساءة إلي السلطة، فهما العاملان السقيمان البليدان اللذان أوقعا القطر في هاوية الحرب والكره والإنقسام، ديكتاتورية وراء أخري. الإحتكار يجعل من غير الساسة حكاما عابثين في غياب الإرادة الشعبية - ممثلة في برلمانها المنتخب الرسمي إنتخابا نظيفا غير مزيف، وحرية حركتها الجماهيرية المستقلة. والإساءة للسلطة هي النتاج اليومي لسير الحكم وسيرته فساداً وقمعاً بلا رقابةٍ أو مراجعة.
فإذا تم الإتفاق علي الوحدة بالفطرة، والمصلحة المشتركة، والوطنية المثلي، يتلاشي الإنفصال كحل ٍسياسي لإشكالات الوطن، حسبما اجتمعت كلمة الأفارقة عليه. فالإنفصال لن يحقق ما حققته الوحدة الطوعية بين قوي السودانيين في التجمع الوطني الديمقراطي في التسعينيات، وما بعدها من تشكيل قوي الإجماع القومي الحالي من إنسجام فكري، واندماج نفسي، وتنظيم تكاملي، ووضوح سياسي في برنامج إلغاء تخريحات نظام الإسلاميين الإنقلابيين الإستبدادي، ووضع البلاد من جديد علي طريق الكرامة الإنسانية والحريات الأساسية والحقوق الجوهرية، التي تتمتع بها البشرية في كل مجتمع صحي.
ليس للإنفصال من هذه العوامل الإصلاحية الجذابة شئ، مما تملكه قوي الوحدة الديمقراطية حاليا من قدرات. ولم تستطع سياسات الوحدة الجبرية وحروبها العدوانية التي أمعن فيها الإستبداد بالحكم أن تحصد غير مخاطر الإنفصال.
النفط وحده ليس النزاع القائم
تقول بان أفريكا " إستلم الجنوب حوالي 10 مليار دولار عوائد نفط. مع ذلك، يظل واحدا من أقل الأماكن تنمية، وأكثرها إفقارا في الارض، بسبب عقود من الإهمال. وبعد الإستقلال... يبقي الأمر ماثلا." هذا حاصل. وعلينا أن نتذكر أن الإفقار مستمر بالتشوه الممارس من حكومتي الخرطوم وجوبا لإقتصاديات الوطن وماليته لأن 60% من الميزانية العامة منصرفات مستهلكة في بنود الدفاع والأمن والمرتبات والعلاوات والإمتيازات. والخطوة الأولي للتصحيح هي تنقيص هذه المنصرفات الباهظة، وتقوية المعتمد منها للطرق والزراعة والصناعة والصحة والتعليم والثقافة لإنهاض الشعب وتحسين حياته.
تغليب الإنفاق علي التنمية والتقدم الحياتي علي الصرف الإستهلاكي والإنفاق التفاخري حقٌ أصيلٌ للشعوب علي الحكومات، وسياسة ٌإستراتيجية عظمي، لا مفر من أن يتفق السودانيون في الشمال والجنوب علي فلسفةٍ إنسانيةٍ تأخذ بيدهم في الحكم بحيث تجعل الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية مساوية في الأهمية للحقوق السياسية والحريات المدنية. ضمانات هذه الفلسفة منصوصٌ عنها في وثيقة الحقوق بدستور السودان الإنتقالي الحالي. بيد أن إنفراد الإسلاميين الإنقلابيين بالحكم وإحتكارهم للسلطة، وهي عيب الحكم الأخطل، والإساءة إليها، نتيجتها الأوضح، تآكلت الوثيقة بعدم التطبيق، فأصابها الصدأ، ووُئيدت قبل أن تري الحياة.
واللقاء الوحدوي مع قرنق
" قرنق رجلٌ جذاب الشخصية، ضليع، ولامع الذكاء. وقد تمتع بحس ٍشعبي وُطموح ليحكم كل السودان، ليس الجنوب وحسب. في هذا، يختلف قرنق عن معظم أعضاء الحركة الشعبية وجيشها، بما فيهم سلفا كير ميارديت." هذه شهادة من بان أفريكا للزعيم السوداني الوحدوي الذي ترأس المنظمة في إحدي دوراتها، وشهدت له القارة بألمعية أفكاره، وصدق نضالاته لوحدة وطنه ووحدة القارة. إنه لفخر لكل السودانيين. ولن يرحم التاريخ من يخون المبادئ والتضحيات الجسيمة التي جاد بها الوحديون ليجعل من السودان شراذم مستضعفة تحدق بها جيوش وحشود من كل جانب. وهذه هي مخاوف إفريقيا وصانعي منظمة وحدتها الماضية وأكثر قادة اتحادها بحالته الراهنة.
تؤكد مبادئ الوحدة الإفريقية علي حُرمة الحدود التي رسمها الإستعمار وعدم جواز إنتهاكها. ويؤمن قادة إفريقيا بأن الإنفصال في بلدٍ إفريقي سوف يؤدي إلي الإنفصال والمطامع في بلدٍ إفريقي آخر. ومن ثم، عدم استطاعتهم تأييد حركتي بيافرا [نيجريا] وكاتنغا [الكنغو] الإنفصاليتين." أحسن رئيس منظمة كونفرنس إفريقيا الكبري في الولايات المتحدة تحذير الجميع داخل القارة وخارجها من تمزيق القارة بالإنفصال. ونعود لإكراه الجنوبيين علي الإسلام الذي تعرض له الدكتور لينارد في يومياتٍ قادمة.
وغداً يومٌ جديد...
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة