سودانياتٌ ما قبل قرار ٍبقابل الأوطان
"يا شعب غرامو الحرية"
من أناشيد الموسيقار محمد الأمين
محجوب التجاني
الإثنين: 10 يناير 2011
الدكتور لينارد مادو، رئيس بان أفريكا كونفرنس في الولايات المتحدة، أرفدنا شاكرا ومقدرا ببيان أصدرته منظمته، عنوانه "جنوب السودان جاهز للتصويت علي الإستقلال" (8 يناير 2011).
منظمة بان ـ أفريكا [إفريقيا الكبري] منظمة طوعية لا تخضع لحكومة أو نظام إفريقي رسمي. تعود جذورها إلي الستينيات الأولي من القرن العشرين أيام حركة التحرر الوطني المجيدة التي إستقلت فيها معظم دول القارة من الإستعمار الأوروبي، وحملت كل حكومة تركته المثقلة، وعلي رأسها تشظي الأفارقة علي أنفسهم عبر الحدود السياسية التي لم يحذق الإستعمار صنعها، ولكنه قطعا أتقن فرضها لتبقي لغما دائما للصراع السياسي والإقتصادي بين أهل الوطن الواحد، كلما انفتح جوف الأرض عن كنوزها.
ولِما نذهب بعيدا، وأبيي عاشت قرونا في محبةٍ وتزاوج وأمان بين الدنكا نجوك والمسيرية. ما شاع خبر النفط بحيرة تجري تحت المراعي حتي طاش صواب السماسرة في المركز ومن خلفهم أو أمامهم المستثمر الأجنبي. ومن وراء الإثنين تداعب شياطين السيطرة والتحكم في النفط الموعود قيادات وجماعات كان المنتظر منها تغليب روابط السكان التاريخية القوية، وما اورثها الحكماء من مودةٍ ورحمة وتعاون علي البر، علي الفرقة والصراع بالسلاح، وزرع الأحقاد وتحصيلها أجيالا حاضرة وأخري قادمة، إلي ما لا تحمد عقباه.
الجنوب علي طريق الإنفصال
كتب رئيس مؤتمر بان أفريكا: "يبدو أن جنوب السودان يُشرف علي الإنشطار عندما يُدلي الجنوبيون بأصواتهم الاحد 9 يناير 2011، إن كانوا يرغبون أو لا يودون ترك الشمال. المتوقع الذائع أن صوتهم سيذهب للإنفصال. فبعد حقبٍ من القتال الذي ُفقد فيه ثلاثة مليون إنسان، ما من خيار للجنوبيين سوي الإنفصال. وقد تعرضوا لتمييز ٍشامل ٍضدهم، وعُوملوا كالعبيد في صّحن دارهم، وأجبروا علي قبول الإسلام ديناً لهم."
النفط نزاع قائم
تقول بان أفريكا "أغلبية الجنوبيين سود السحنة ومسيحيي الديانة، بينما أغلبية الشماليين عرب ومسلمين. أضاف إكتشاف النفط بعدا جديدا للنزاع. معظم إبار "النفط في الجنوب؛ ولكن المصافي وتسهيلات التصدير في الشمال. ويُصر نظام الخرطوم علي استلام 50% من كل عوائد النفط. الإنتاج الحالي حوالي 500000 برميل في اليوم، و98% من دخل الجنوب يجئ من النفط. ومنذ إتفاقية عام 2005، إستلم الجنوب حوالي 10 مليار دولار عوائد نفط. مع ذلك، يظل واحدا من أقل الأماكن تنمية، وأكثرها إفقارا في الارض، بسبب عقود من الإهمال. وبعد الإستقلال، هل يستمر الجنوب في إعطاء الشمال 50% من عائد النفط؟ يبقي الأمر ماثلا."
لقاء مع الوحدوي قرنق
"لإستقلال الجنوب مضامينٌ واسعةٌ لقارة إفريقيا. أصر الرئيس الراحل جون قرنق، في محادثتي معه، علي حكم ٍذاتي للجنوب يكون كاملا وحراً من الأغلال، يستمر فيه الجنوب جزءا من السودان. إن قرنق رجلٌ جذاب الشخصية، ضليع، ولامع الذكاء. وقد تمتع بحس ٍشعبي وُطموح ليحكم كل السودان، ليس الجنوب وحسب. في هذا، يختلف قرنق عن معظم أعضاء الحركة الشعبية وجيشها، بما فيهم سلفا كير ميارديت. وبتشديده علي الحكم الإقليمي الذاتي كاملا في نطاق السودان، مع ذلك، كان قرنق يضع نصب عينيه قيود منظمة الوحدة الإفريقية (الإتحاد الإفريقي حاليا)."
تؤكد مبادئ الوحدة الإفريقية علي حُرمة الحدود التي رسمها الإستعمار وعدم جواز إنتهاكها. ويؤمن قادة إفريقيا بأن الإنفصال في بلدٍ إفريقي سوف يؤدي إلي الإنفصال والمطامع في بلدٍ إفريقي آخر. ومن ثم، عدم استطاعتهم تأييد حركتي بيافرا [نيجريا] وكاتنغا [الكنغو] الإنفصاليتين."
إرتريا حالة شرعية
"عام 1993، إنفصلت إرتريا من إثيوبيا؛ ولكن الإرتريين يمكنهم أن يجادلوا بأنهم كانوا دولة مستقلة تحت الطليان (تبريرا معقولا)، إلي أن انتزعها الإمبراطور هيلاسلاسي بالقوة وجعلها محافظة إثيوبية؛ وبهذا لا تنطبق أحكام الوحدة الإفريقية/الإتحاد الإفريقي [بحُرمة الحدود] عليهم. وربما تطالب بعض الشعوب والأقاليم بالإستقلال تبعا لحالة جنوب السودان كمثال أرض الصومال، إقليم كاسمانك في السنغال، مقطع كابيندا في أنغولا، وأجزاء من جمهورية الكنغو الديمقراطية وفيها كاتنغا (التي تدعي الآن شابا)، وشمال ساحل العاج (تحت سيطرة القوي الجديدة)، والأوقادين في إثيوبيا، وجنوب تشاد، وإقليم دارفور في السودان – ليس حصرا.
الرئيس الليبي معمر القذافي دعا لتقطيع أوصال نيجريا بناءا علي عدم الإنسجام الواقع بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي. إن جمرة الإنفصال لا تزال متقدة وسط الإيبو فيما أطلق عليه آنفا بيافرا. وكمنظمةٍ جديدةٍ تناضل سلميا "الحركة من أجل تأسيس بيافرا دولة ذات سيادة"، بشراسة، لبعث جمهورية بيافرا."
دروس في حالة الجنوب
"أيا بلغ الأمر، لإستقلال جنوب السودان بطانة فضية. لسوف يَرغم قادة إفريقيا علي إعارة تنبههم لمظالم مواطنيهم المقهورين ولطموحاتهم، فإنهم مهمشون، ويُعاملون كالعبيد. علي الرؤساء الأفارقة أن يُدركوا أنهم خدام مواطنيهم الذين يدفعون لهم مرتباتهم، وليسوا أسياداً لهم. إن أولئك الذين يخسرون الإنتخابات لزامٌ عليهم أن يتخلوا عن الحكم، والذين ينهبون الأموال منهم عليهم أن يعيدوها ويجدوا لهم أسّرة في السجن. فهل يسمعون؟ ستبدي لنا الأيام."
بهذا انتهي بيان بان أفريكا. ولنا تعليقٌ عليه مقارناً بإراءٍ في سياسة الغرب نحو قارتنا الأم.
تعليق
نتفق مع ليونارد مادو علي الإجمال في تحليله الأمين لمسببات الإنفصال في وطننا، وفي بلدان القارة الأم من حولنا. يتفق في طرحه مع عددٍ كبير من الساسة والمفكرين في الغرب والقارة والشرق، قالوا إن ماسآة الحكم في البلدان النامي منها والمتردي بلا تنميةٍ واحدة، هي إنفراد الحكام بالسلطة للإستئثار بالمال، والتمرغ الخائب في جاه الدولة علي حساب الشعب والقيم والأخلاق.
علي أننا نري أن رئيس بان أفريكا لم يدقق توصيفه لتركيبة الجنوب العرقية والدينية. فعلينا بها: في الجنوب أقليتان دينيتان هما المسيحيين والمسلمين. أما أغلبية الجنوب الدينية فتتبع دياناتٍ إفريقيةٍ روحانيةٍ قديمة قد يعتنق من طقوسها مسلمون ومسيحيون مع ذويهم في مناسباتٍ مختلفة، لا يجدون غضاضة ًفي التمتع بها.
أما سحنة الجنوبيين ففيها الأسود والأحمر، مثلهم في ذلك مثل إخوتهم الشماليين لأسباب جينيةٍ واضحة. تزاوج الأجداد أياً ما كانت سحنتهم في ديار ما بلغوا من أقطار الأرض، فتكاثروا "صهرا ونسبا". ومن يجسر اليوم فيدّعي عنصرا لم يمتزج بآخر؟ إنها النازية القبيحة التي نبذتها أديان السماء قبل أن ترفضها أفكارالعلمانية. وهي سلوك مشين متي أعلنت خرقا للدستور ومروقا جهولا علي أمر الرّب "وجَعَلناكُم شعُوبَا وقبائل لتعَارَفُوا" [الحجرات:13].
ثم إن علينا ألا نرجم الديمقراطية بالفشل. فهي أعظم ضمان ٍأوجده البشر في عالمنا المعاصر لحرياتهم وحقوقهم. وليسترجع من شاء سنين حكوماتنا المنتخبة، فليحكم بفهم ٍوعدل لأنه في كل مرةٍ أطاحت فيها حركته الجماهيرية بإعداء الحرية ومنتهكي الحقوق، أعادت الديمقراطية كرامة السوداني في كل أنحاء الوطن واعتزازه بنفسه وأهله ومجتمعه ووطنه. فاوضت الديمقراطية بإرادة الشعب متمرديه بالمساواة والأحترام. واحتضنت مطالبهم. ولم يكن لحكم لا ديمقراطي أصلاً مقدرات الحرية وتعظيم حقوق الآخرين ليضمنها لهم.
في العشرين عاما الماضية من دوس الإسلاميين الإنقلابيين علي إرث شعبنا البهي في مقاومة الطغيان بمختلف ألوانه وادعاءاته، ودحره، للسودانيين إنفصاليين ووحدويين أن يفخروا بإضافتهم العالية لهذا الرصيد الكبير علي مستوي القارة والبلدان الشبيهة في قارات العالم.
وغدا يوم جديد...
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة