حزب الأمة وسيوف الطرور: السيد مبارك الفاضل المهدي نموذجا
بقلم: دهب الخزين مأمون
[email protected]
منذ انسلاخ السيد مبارك الفاضل المهدي من حزب الأمة وقيامه بتأسيس حزب الأمة الإصلاح والتجديد (يونيو 2002م) لم يتعافى حزب الأمة القومي من تداعيات الانسلاخ. الآن و بمرور ما يقارب عام من مؤتمر حزب الأمة السابع المنعقد فى فبراير 2010م ظل الحزب منقسما - علي المستوي التنظيمي - إلى جناحين رئيسيين: جناح الأمانة العامة الذي يقوده الفريق صديق إسماعيل وجناح التيار العام الذي يقوده المحامي محمد عبد الله الدومة ولم يفلح رئيس الحزب طوال هذه الفترة فى لم شمل الجناحين. وبالإضافة إلى الانقسامات التنظيمية ظهرت خلافات عائلية بين كل من أسرة السيد الصادق المهدي رئيس الحزب وأسرة الدكتور آدم موسي مادبو نائب رئيس الحزب أدت – كما هو معروف - إلى جفوة وخصومات بين الأسرتين وصلت إلى المحاكم وقيام الدكتور مادبو بتجميد نشاطه. ولم يقتصر تجميد النشاط علي الدكتور مادبو فحسب بل قام القيادي المخضرم بكري عديل والأستاذ عبد المحمود حاج صالح والأستاذ عبد الرسول النور كذلك بتجميد نشاطهم كما شمل تجميد النشاط قيادات وسيطة علي مستوي المركز والأقاليم والمهجر.
الصادق المهدي والخراف الضالة
بانسلاخ السيد مبارك الفاضل من حزب الأمة القومي وانقسامات قيادات حزب الأمة الإصلاح والتجديد وهجرتها إلى المؤتمر الوطني (نهار ومسار والدكتور الصادق الهادي المهدي والزهاوي ابراهيم مالك) تفرقت القيادات الوسيطة فى حزب الأمة شذر مذر وما تبقى منها لم يجد إلا الإهمال والإقصاء والتهميش التنظيمي حتى أن السيد عبد الرحمن الصادق المهدي قائد جيش الأمة هرب بنفسه (وترك ضباطه وجنوده) ليلتحق برتبة متواضعة فى الجيش القومي وكذلك السيد بشرى الصادق المهدي الذي انضم إلى جهاز الأمن القومي.
حزب الأمة وعدم الفاعلية التنظيمية
خلال فترة رئاسة السيد الصادق المهدي لحزب الأمة التي امتدت لما يزيد عن 45 عاما لم يقم السيد الصادق المهدي بإعداد وتدريب الكوادر والقيادات العليا والوسيطة للتعاقب والإحلال التنظيمي والدليل علي ذلك أن حزب الأمة القومي لم يجد فى المؤتمر السابع مرشحا مؤهلا وذي كاريزما ومهارات قيادية وجاذبية شعبية وقبول جماهيري ليتولي منصب الأمين العام للحزب حيث ترشح للأمانة العامة فى المؤتمر السابع ثلاثة مرشحين خلو الوفاض من هذه الصفات وهم الفريق صديق إسماعيل وهو ضابط شرطة متقاعد (الأمين العام الحالي) والدكتور ابراهيم الأمين وهو باحث أكاديمي ومحمد عبد الله الدومة وهو محامي. كل هؤلاء المرشحين لا يبلغون قامات من سبقهم فى هذا المنصب فى حزب الأمة ولا حتى فى الأحزاب النظيرة.
مبارك المهدي (البلدوزر) وذهنية المؤامرات
كثير من كوادر حزب الأمة (وحتى رئيس حزب الأمة فى لقاء مع الصحفي حسن بركية، صحيفة الحقيقة 21/07/2010م) يقولون إننا لا نخشى من عودة السيد مبارك الفاضل المهدي ولكننا نخشى ذهنية المؤامرات لأنهم يعتقدون بأن السيد مبارك الفاضل يسعي – بأسلوب غير شريف - لوراثة السيد الصادق المهدي فى رئاسة الحزب حسب ما أعلن فى مؤتمره الذي عقده فى سوبا (يونيو 2002م) مدعيا بان السيد الصادق المهدي لا يصلح فى هذا العمر لرئاسة الحزب بل عليه ان يتفرغ لإمامة الأنصار والشئون الإسلامية، وللمفارقة فإن السيد مبارك الفاضل تجاوز الستين من العمر.
إن السيد مبارك الفاضل المهدي شخصية مثيرة للجدل ويتهمه كثير من خصومه بأنه - بعكس السيد الصادق المهدي - مكيافيللي لا تهمه المبادئ والأخلاق السوية حتى أن قادة الجبهة الوطنية عندما كلفوه بشراء شاحنات جديدة للجبهة الوطنية فى عام 1976م لغزو الخرطوم اتهموه بأنه قام بشراء لواري متهالكة واستفاد من فرق الأسعار. وقد طالت السيد مبارك الفاضل التهم بالفساد عندما كان وزيرا للتجارة حيث تداول الشارع السوداني قضية تراخيص الاستيراد ووصل الأمر بالسيد الصادق المهدي – رئيس الوزراء حينذاك - إلى تكوين لجنة تقصي حقائق برئاسة قاضٍ للنظر في الاتهام. وطالت السيد مبارك الفاضل التهم كذلك عندما كان أمينا عاما للتجمع الوطني بأنه تصرف فى أموال الدعم الأمريكي للتجمع (ما يقارب عشرة ملايين دولار أمريكي) وبشراء شقة فاخرة فى القاهرة وبالصرف علي كوادره المقربة فى الحزب التي شارك بها فى الإنقاذ.
عرف عن السيد مبارك الفاضل (البلدوزر) العدوانية والفجور فى الخصومة فعندما كان وزيرا للداخلية استغل منصبه وبدون مسوغات قانونية لسجن وتوقيف الدكتور/عشاري محمود والدكتور سليمان بلدو الذين ألفا ونشرا كتابا عن "مذبحة الضعين والرق فى السودان عام 1987م). خلال فترة الديمقراطية الثالثة كانت الخصومة محتدمة بين السيد مبارك الفاضل والأمير عبد الرحمن نقد الله (أسبغ الله عليه ثوب الصحة والعافية) والسيدة سارة الفاضل (حرم السيد الصادق المهدي) والدكتور آدم موسي مادبو والسيد بكري عديل حتى انه أقال السيد محمد احمد المرضى حاكم إقليم كردفان المحسوب علي قائمة السيد بكري عديل والمحبوب جدا من كوادر الحزب وأبناء كردفان لنزاهته وتجرده الرفيع وأحل محله السيد عبد الرسول النور أحد محاسيب مبارك الفاضل. بعد انقلاب الإنقاذ حاول السيد مبارك الفاضل السيطرة علي مفاصل حزب الأمة وأدعي بأنه مفوض من رئيس الحزب للعمل الخارجي وشن حملة عنيفة علي السيد نصر الدين الهادي المهدي (نائب رئيس حزب الأمة) والبروفسور محمد ابراهيم خليل (القيادي المخضرم بحزب الأمة) و السيد مهدي داود الخليفة (حفيد الخليفة عبد الله التعايشي) لإبعادهما من العمل الخارجي. وعندما تولى السيد مبارك الفاضل الأمانة العامة للتجمع الوطني دخل مع السيد محمد عثمان الميرغني – رئيس التجمع الوطني - فى مناكفات أقعدت بالتجمع ودفعت بحزب الأمة بالانسلاخ من التجمع.
اكبر تهمة طالت السيد مبارك الفاضل هي عمالته لأمريكا حيث يدعي رجالات الإنقاذ (وابن عمه السيد الصادق المهدي) أن مبارك الفاضل هو من سرب معلومات لوكالة المخابرات الأمريكية بخصوص مصنع الشفاء الذي دمرته صورايخ الأمريكان فى عام 1998م.
المحاسبة والحسيب
عندما قامت الجبهة القومية الإسلامية بانقلاب الإنقاذ كان السيد مبارك الفاضل وزيرا للداخلية وكانت هناك إرهاصات بعدة محاولات انقلابية بعد مذكرة الجيش الشهيرة ولكن لعدم كفاءة السيد مبارك الفاضل الذي لم يتخذ الترتيبات الضرورية واللازمة لحماية النظام الديمقراطي وتأمينه باستنفار الضباط الوطنيين الديمقراطيين فى الجيش نجح انقلاب الإنقاذ وفر مبارك الفاضل بشكل مستهجن إلى ليبيا. إن مسئولية مبارك الفاضل فى عدم تأمين وحماية النظام الديمقراطي تستلزم محاسبته لإهماله فى القيام بواجبه كمسئول أول عن الأمن.
دخول الحمام مش ذي خروجه
بعد اتفاق جيبوتي المبرم بين حزب الأمة وحكومة الإنقاذ وانسلاخ حزب الأمة من التجمع الوطني سعي السيد مبارك الفاضل حثيثا بدعم من الدكتور علي حسن تاج الدين، القيادي في حزب الأمَّة, وعضو مجلس رأس الدولة السابق، والأستاذ نجيب الخير عبد الوهاب للمشاركة فى نظام الإنقاذ بعكس رغبة قيادات الداخل: الدكتور آدم موسى مادبو والسيد بكري عديل.
وفى سبيل تحقيق المشاركة انسلخ السيد مبارك الفاضل وبعض من قيادات حزب الأمة وعقدوا مؤتمرا عاما فى سوبا فى يونيو 2002م لإعطاء المشاركة صبغة تنظيمية قانونية وذلك بدون علم رئيس الحزب الذي وصف هذه الخطوة من السيد مبارك باعتبارها جنحة.
فى خطابه المشهور الموجه للسيد الصادق المهدي (الصحافة 05/05/2004) اتهم السيد مبارك الفاضل السيدة سارة الفاضل (شقيقته وحرم السيد الصادق المهدي) بأنها استلمت مليون دولار تعويضات من نظام الإنقاذ عن عربات حزب الأمة، كما اتهم السيد الصادق المهدي بأنه أرسل ابنه السيد عبد الرحمن الصادق إلي رئيس المؤتمر الوطني ليساعده فى تحمل تكاليف ونفقات العودة من القاهرة (تفلحون)، وفى نفس الخطاب هدد السيد مبارك السيد الصادق المهدي بأن لديه "أدق الأسرار وكافة الوثائق الدامغة" وأضاف: "في لقائي المغلق معك بمنزل الأخ السر الكريل ذكرتك بما أعرفه عن علاقاتك الخارجية من أسرار في طيها أسرار وقلت لك في نافلة قولي هل تريدني أن أرد عليك بما أعرف وما أطلعت عليه من خبايا وأسرار"، واستطرد السيد مبارك الفاضل قائلاً: "إن السيد الصادق المهدي قال في اجتماع مُصغر ضمهما والمرحوم صلاح عبد السلام والسيد عبد الرسول النور واللواء (م) فضل الله برمة والدكتور علي حسن تاج الدين وآخرين: "إن هذا حزبي أنا فمن يريد العمل فيه عليه أن يفهم ذلك ومن لا يريد فأمامه الشارع والمؤتمر الوطني".
بناء علي ذلك، علي السيد مبارك الفاضل من ناحية مبدئية وأخلاقية أن يعتذر علنيا للشعب السوداني ولجماهير حزب الأمة – وقبل ذلك لرئيس حزب الأمة وإمام الأنصار - عن الموبقات التي ارتكبها فى حقهم جميعا و لا تكفي المسرحية السمجة بحل حزب الأمة الإصلاح والتجديد وانضمامه لحزب الأمة القومي بدعوى ضرورة الوحدة والعودة التي تستلزمهما الظروف الوطنية وكأن هذه الظروف لم تكن سائدة قبل ثمانية سنوات.
السيد الصادق المهدي وعودة السيد مبارك المهدي
فى ندائه الموجه لكافة جماهير الحزب، فى 4 يناير 2011م، رحب السيد الصادق المهدي بالعائدين لحزب الأمة القومي وناشد كافة الذين ابتعدوا أو جمدوا نشاطهم للإقبال على حزبهم وأضاف: "بأننا كنا وما زلنا وسوف نظل نلتزم بالمؤسسية والديمقراطية فإذا قدروا أن مواقف حزبهم الوطنية صائبة، وأن الظرف الوطني يستوجب توحيد الصفوف من أجل إنقاذ وطن يحتضر فأولى بهم الإقدام على الانخراط في حزبهم الأم ولا معنى للشروط التنظيمية فما دمنا ملتزمون بالمؤسسية والديمقراطية فالقضايا التنظيمية لا ينبغي لها أن تقف حائلا في سبيل خدمة الوطن".
هذا كلام جميل. لكن قبل ذلك نسأل السيد رئيس حزب الأمة وإمام الأنصار عن دفوعاته عن الاتهامات التي كالها لشخصه السيد مبارك الفاضل (وخاصة علاقاته الخارجية المشبوه وفساده المالي الموثق) فهي تقدح فى أهليته وأمانته وصدقيته كرئيس للحزب وإمام للأنصار وتقدح فى كون حزب الأمة حزب يقوم علي المبادئ والأخلاق الفاضلة حيث أنه إذا تمرد فيه الضعيف (بكري عديل ومحمد احمد المرضى) أقاموا عليهم حدود "لجنة المحاسبة والضبط" وإذا انسلخ منه الشريف (السيد مبارك الفاضل) وعاد استقبلوه استقبال الأبطال الفاتحين.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة