الآن عرفنا !!
خالد محمد أحمد – موسكو
في 30 اكتوبر 1929م كتب محمد عشري صديق في جريدة ( حضارة السودان ) مقالاً تحت عنوان : ماذا وراء الأفق ؟ اقتطعت منه الأتي :-
( الوطن هو بيتنا القديم ، وهو مهد آبائنا وأجدادنا ، وهو قبرهم الذي يضم عظامهم صحبوه في أيام الرخاء وفي أيام البؤس ، وحين كان عظيماً ، وحين حاقت به الضعة و الهوان ، وقد ورثناه عنهم كما ورثنا عاداتهم وآمالهم وآلامهم وقضينا فيه شطر من الحياة ، وألفنا تذكاراته ، وانطبعنا بطباعه ، وخفق قلبنا لخفوق قلبه ، وهو الذكريات المشتركة : العظيمة منها وغير العظيمة ، و المشجية المبكية ، والسارة المفرحة .
أليس من الواجب علينا أن نحب هذا البيت العتيق ؟ ونحترم ماضيه على ما فيه من عيوب ؟ إن الابن البار لا يكره أباه لأنه ليس كاملاً ، بل يحترمه لذلك ، إن الحيوان ليحن إلى وطنه الذي نشأ فيه وترعرع ، وان الطير ليهفو قلبه إلى سكنه ولا يهدأ له بال حتى يرجع اليه .
وهذا وطننا الذي ننعم بالعيش فوق أرضه وتحت سمائه ، ونشرب ماء نيله القديم كقدمه ونأكل نبت أرضه ، ونشقى بما يشقي ضميره ويكرب نفسه الحزينة ، أليس من عرفان الجميل أن نحترم هذا الوطن المقدس ؟ هذا الوطن الجاثي طوال خمسة آلاف سنة ، يرمق شمس سعادته ولما ينشق عنها الشرق ، ودموعه تتحدر على خدوده الكئيبة ، وآلامه تقرح كبده الحري ، يطلبنا في توسل وبكاء أن نزيل ما به من ضير ، وأن نقيمه على قدميه ، إنه عظيم في بؤسه العظيم لأنه غالب كرور الأيام والعصور ، يحتضن أمله الخالد في بنيه الفانين .
إن الانجليزي ليقول (( أحبك يا انكلترا ولا زلت أحبك بالرغم من كل أخطائك )) و الألماني ليقول :(( ألمانيا فوق الجميع )) ألا يحق للسوداني أن يقول :(( إلى بلادي البائسة مني الفداء)) .....
فلا اختلاف أديانه ، ولا اختلاف عاداته ، ولا اختلاف شعوبه ، ولا اختلاف أجوائه وظروف المعاش فيه ، بحائلة دون تحقيق هذه الأمنية العذراء ............) انتهى .
عذراً أستاذي محمد عشري ، الآن عرفنا ماذا وراء الأفق ... بعد التاسع من يناير 2011م لن يكون السودان – هذا البلد الذي لم تهد اليه حياة على قياس أحلامه – بلد المليون ميل ، ولن نغني بعدها ( من حلفا لي نمولي ... من حلفا لي نمولي ) ولن نردد مع الحالمين ... بور و بورتسودان ، عبري و اللا واو ، حاجه مش كويسه ... كل زول براه ) ، وستعاد صياغة الجغرافيا في المنطقة كلها من جديد .
اخوتي الأفاضل ، سيبقى هذا اليوم – شئنا أم أبينا – وصمة عار في جبين من باعونا ( الحلم الوهم ) وكل تجار القضايا الكبيرة ، ولا استثني منهم أحدا !! .
بانفصال الجنوب نكون قد أضعنا قيمة سودانية أصيلة ، هي الحوار و الترفع عن الصغائر في زمان الكتل و التحالفات ، نمضي نحن بوعي - أو بدونه - نحو التشرذم و الانقسام !
لا تحدوثنا يا دعاة الانفصال ( شماليون وجنوبيون ) عن التباين و التنوع العرقي و الثقافي بين شمال البلاد وجنوبها ، لا تحدوثنا عن المرارات القديمة ، فليكن حديثكم اليوم – ليكن اليوم فقط – صادقاً ، واعترفوا أمام محكمة التأريخ التي لا تحابي بأنكم فشلتم في صياغة كيان قومي يسع الجميع ، فشلنا في نسج ثوب سوداني يستر عوراتنا الاجتماعية و الثقافية .
كان بالامكان – إذا صدقت النوايا – جعل هذا التباين تاجاً نزين به هامة هذا الوطن . لما لا فالعروبة رابطة ثقافية لغوية ، والأفريقانية رابطة جغرافية سياسية ، فما المانع إذن من أن نكون عرباً أفارقة ، أو أفارقة مستعربين ، أو فقط سودانيين هوية وثقافة ؟
لتكن مدرسة الغابة والصحراء أو الصحراء والغابة ( حتى و إن كان النبض الأول في الغابات كما قال الراحل / النور عثمان أبكر ) فما العيب في ذلك وأين الضرر ؟
إنها رعونات ساسة يسوس ومكائد أصحاب الغرض و تجار الحروب ، التهمة تطال كل من ولي من أمرنا شيئاً ولم يحرك ساكناً ، فلا تذرفوا دموعكم كالنساء على وطن لم تحافظوا عليه كالرجال . الآن عرفنا ماذا وراء الأفق .
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة