ماذا يجري في الدوحة؟ سؤال ملح يطرح نفسه على كل المهتمين بسير العملية السلمية، تلئم اطرافها في الدوحة حيث تولت شطرها كل الوجوه التي تطمح في ان تشهد نهاية هذا المخاض العسير، وبنهايته يضع حدا فاصلا بين جدية الحركات التي تفاوض نيابة عن اهل دارفور و هزلية نظام المؤتمر الوطني الذي يفاوض اصالة عن نفسه . وبين هذا وذاك، ثمه اشياء كثيره يدفعنا للتنقيب والبحث عن الحقائق الغائبة خلف الهروب المشين للوفد الحكومي من المنبر ، والاعذار التي يسوقها لتبرير ذلك مقابل مبررات حركة التحرير والعدالة في بقائها واستمرارها في الدوحة حتي الشوط الاخير .
قبل الخوض في التفاصيل يتحتم علينا التوقف عند المحطات التي توقفت عندها الاطراف المختلفة ، بعضها آثرت البقاء والسير في درب التفاوض الملتوِ او اعيتها السعي فلاذت بالهروب او تردد بين المضي في الطريق او الخروج منه. فالحكومة السودانية توجست خيفة مما سحمتله الوثيقة التي تزمع الوساطة طرحها، فأدرات ظهر المجن على الدولة الراعية وفرت من الدوحة ، بينما استبشرت التحرير والعدالة خيرا بما سترد بين ضفتي الوثيقة وحسمت امرها بقبول مقترح الوساطة حول القضايا العالقة ثم البقاء حتى النهاية ،اما حركة العدل والمساواة فظلت تراح مكانها بضبابية دون ابداء موقف واضح لما يجري وهو الامر الذي فسره الكثيرون، بأنها لم تفق بعد من أثر الغيبوبة والمفاجئة التي خبئتها لها غريمها حركة التحرير والعدالة بقبولها لذلك المقترح.
ولتخفيف من اثر الغيبوبة الي تغط فيها ،عمدت العدل والمساوآة الي انتهاج سياسة اعلامية مناهضة شرشة على غرار تلك التي انتهجتها عقب التوقيع على اتفاق ابوجا قبل خمسة اعوم، ضد وثيقة لن تستبين بعد جل معالمها، وعلى خصمها اللدود حركة التحرير والعدالة ، ولن تنجو من ضربات لسانها كل من الوساطة أو الدولة المضيفة او المجتمع الدولي ، في حالة يكشف عن خيبة الامل و شعور باليأس وهي تعتقد حتى الامس القريب انها صاحبة الامتياز الوحيد للتنقيب والبحث عن فرص السلام الضائعة بين أروقة منبر الدوحة والوكيل الحصري لادارة صولاتها وجولاتها ولقاءاتها ،حتى بلغ بها الثقة المفرطة بالنفس الي ازدراء والتهكم من الاخرين و رفض اشراكها في المنبر او الجلوس معها في نفس المكان كما ورد الينا وقت انطلاقة جولة المفاوضات ، رفض فيها رئيس الحركة دخول وفد التحرير والعدالة الي المكان المعد لضربة البداية مما استدعى تدخل الرئيس ديبي لحمل خليل الي القبول بدخول وفد سيسي الي القاعة !
لا شك ان التحرير والعدالة وجدت ان الوساطة تفهمت كثير من مخاوفها و عالجت كثير من تحفظاتها ، واقنعت الوسيط على تضمين منصب نائب رئيس للاقليم دارفور ضمن اولويات الوثيقة و مشكلة الاقليم الواحد و صلاحياتها ، لذا استعجلت القبول بالمذكرة التي تقدمت بها الوساطة و بذكاء يستحق الاشادة قطعت الطريق امام مراوغة النظام الذي صب بجام غضبه على الوساطة واتهمه بمهادنة التحرير والعدالة اكثر مما ينبغي والنزول عند رغباتها وبذلك لجأ النظام الي القول بان الوساطة تجاوزات حدودها الممنوحة وكأنه هو من يرسم مساراً يسير فيها الوساطة أويضع حدوداَ لمنتهى تحركاتها.
ان هروب المؤتمر الوطني من المنبر، قدم لكل المهتمين بامر السلام في دارفور وللذين يتشبثون بحبائل الامل في ان يعود هذا النظام الي رشده ، درسا بلغيا مفاده ان النظام مازال في غيه القديم ، وليس له ادني استعداد لدفع ثمن ما اقترقته ايديه في حق اهل دارفور ، وخروجه المشين من الدوحة لدليل على عدم احترامة للذين يحاولون اخراجه من النفق المظلم الذي اوجد فيه نفسه او ابداء ادنى تقدير لما تقوم بها دولة قطر الشقيقة، الصغيرة في مساحتها والكبيرة بانجازتها من اجل اهل السودان عامة ودارفور خاصة . و بهروب وفد النظام من الدوحة جعل اهل دارفور اكثر قربا من قطر واكثر احتراما للقائمين بامرها ، وازال كل المخاوف والشكوك العالقة التي ظلت تساورهم بين حين وآخر حول قدرة قطر في الابحار بالقضية الي شواطئ الامان، وبخروجها من الدوحة قدمت الحكومة هدية ثمينة علي طبق من ذهب لقيادة حركة التحرير والعدالة وألقت عن كاهلها عبء الدفاع عن نفسها ، بل جعلت الحركة مكان ثقة ، ووسادة احلام اهل دارفور الذي ملّ بهم الانتظار والترقب لما تحملها اليها الحركات بختلف مسمياتها من وعود زاهية واحلام وردية لن تتحقق مع طول الانتظار.
في الواقع ان جدية دولة قطر في البحث عن حل لأزمة دارفور ، تجلت منذ إن تقدمت بخطوات واثقة وامسكت بملف الاقليم المضطرب، و في سعيها الحثيث لتشخيص المشكلة ،من خلال جولاتها وصولاتها الي ربوع الاقليم ،وأفراطها من الحديث الي اهل دارفور، بمختلف مشاربهم ومآربهم،وتفهمها الي مخاوفهم ، ووقوفها عند تطلعانهم ، ومشاركتها لهم في آلآمهم واوجاعهم، ووابتعاثها لقوافل الاغاثة في كل ربوع درافور، المترامية الاطراف، لتضع بذلك دعامة صلبة لمخاطبة الازمة من جذورها باقتحامها للجانب الانساني منها ، قبل الانتقال الي جانبها السياسي، حيث القت بكل ثقلها من امكانات مادية ومعنوية مهولة ، ورؤية سياسية ثاقبة , وخبرة دبلوماسية متراكمة في التعامل مع الازمات، وظّفتها في سبيل تحقيق الوحدة بين الحركات كأولي اولوياتها والتي توجت بميلاد التحرير والعدالة كوعاء يحوي بداخله العديد من منها ، هي الوحده المنشودة التي عجزت معها كل المحاولات المحلية الاقلمية والدولية السابقة في اخراجها .. وتلت تلك الجهود بعمل دؤوب قاده سمو الوزير آل محمود بحنكة ودراية حتى شارف الي تحقيق اهدافها في ايجاد حل سلمي عادل وشامل لاعقد قضية تطل برأسها في هذا الحقب من الزمان . إذاً لماذا مقابلة كل تلك الجهود بالجحود والنكران والهروب؟
ختاما، يبدو ان حركة التحرير والعدالة هي المستفيد الاكثر والرابح الاول منذ خروج الحكومة من منبر الدوحة ، وهي رغم تكوينها الحديث ، وخوف الكثيرين عليها من صمودها وتماسكها في وجه رياح الانتقادات العاتية والهجمات الشرسه من قبل منافسيها ، استطاعت ان تفوز بقلوب اهل دارفور و تقنع الكثيرين للتعاطف معها في محنة البحث عن السلام العاثر و الحقوق المسلوبة ، وبنفس القدر خيَبت آمال الكثيرين من منافسيها الذين لا يجدون غير التشهير والتخوين والسب واللعن لتعبير أزاء هذا الوضع الذي يتوجب التعامل معه بشئ من الحكمة والحنكة والصبر والاصرار ذلك لتحقيق مصلحة اهل دارفور
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة