التعددية الثقافية مدخل للوحدة والسلام
(هذا مقال تم نشره الجمعة 30/12/2005 في جريدة (سيتزن ) نعيد نشره اليوم بمناسبة استفتاء تقرير المصير )
بقلم / ابراهبم محمد اسحق
كاتب وباحث
صار اغلب الناس يقرون في هذا العصر بضرورة صون الموارد التراثية وغيرها من الموارد التي تعد ضرورية لبقاء البشرية ، فهناك مناطق ذات جمال طبيعي رائع وقيمة علمية عظيمة ، وهنالك مناطق واثآر تاريخية كانت المصلحة الوطنية العليا تقتضي صونها وتعتبر من التراث العالمي وتسعي مؤسسات علي الصعيد الدولي علي رعايتها ، لان ما يميزها هو خصائص التفرد ، والتراث اي تراث دائما ما يتسم بالتنوع ، فلولا تعدد انواع الحيوانات وتنوع النظم الايكولوجية ولولا ما تقدمه كل ثقافة وشعب من اسهامات متميزة بذاتها لبقيت اللوحة الهائلة ناقصة .
ان دولة مثل السودان بها اكثر من سبعمائة قبيلة وكل قبيلة له لغتها الخاصة بها وتاريخها ومفاهيمها عن الحياة ، فكم هي لوحة جميلة اذا تشكلت هذة اللونيات في اطار من الالفة والمودة والاحترام المتبادل ، والكل سواء وله قيمة ومعني في وجوده كشعب داخل الامة السودانية ويتحقق بذلك مبداء تعزيز الذاتية الثقافية وهو مبداء سامي يعلي من القيمة الشخصية للفرد في مجتمعه ويجعله يفجر طاقاته الكامنة من اجل البناء والتنمية والاستقرار الذي هو دعامة اساسية للسلام .
من اجل ذلك نري انه من الواجب احترام الشعوب الاصلية والاقليات ، ففي العالم توجد الالاف من الجماعات المنفصلة والمستقلة عن بعضها البعض وهي موزعة بحسب لغاتها المحلية واليها ينسب الملايين من الناس ، وهم من الشعوب الاصلية تلك الشعوب التي تتبع سلسلة تحدرها النسبي رجوعا الي الارومة الاولي لسكان البلاد الاصليين ، ولهم علاقة ارتباط خاص بمناطقهم ولهم شعور مبالغ بملكية ما يعتبرون انه ارضهم . ويشمل هذا التعريف تلك الاقليات المرتبطة بمناطقها وهي جماعات ذات تراث ثقافي مديد اقامت في بيئات قومية حيث الاقليات عديدة ومنها جماعات البدو .
ولاشك ان هذة الشعوب قد اجتهدت في المحافظة علي موروثاتها الثقافية وميزاتها اللغوية والحضارية من الاندثار عبر توثيق تاريخها وعادتها وتقاليدها ، وكانت هذة الجزئية وراء اسباب الصراعات في كثير من انحاء العالم .
ان المتأمل في مسارات التاريخ الاجتماعي والسياسي يجدها تترك بصماتها علي النهج الذي تتم به تناول الصراعات والتناقضات فكثير من دول العالم الثالث هي مجتمعات متعددة الاعراق والاجناس ومتباينة الثقافات ، توجد فيها في الغالب الاعم مجموعة عرقية واحدة مسيطرة وعدد من الجماعات اصغر او اقل تابعة واحيانا تكون ذات عدد كبير وهي اقليات اجنبية وافدة واقليات دينية عرقية ، وغالبا ما يكون لهذة المجتمعات نظمهاواعرافها الاجتماعية الخاصة بها ، والتي تمتد الي الانظمة القضائية المحلية أو الزعماء الروحانيين ، وغالبا ما تكون لهذة البناءات والنظم سلطة وسطوة علي الشعب اكثر من اي سلطة وسطوة الدولة .
ان اس المشاكل في الدول النامية ان الشعوب الاصلية قد حملت بالقوة عبر الاستعمار في الماضي القريب علي ترك اراضيها وما زالت تحمل باسم الاكثرية الاخذة في التزايد من خلال مشاريع التنمية عندما تقوم الدولة بتركيز السلطة في يد الاقلية علي اساس عنصري اوعرقي ، وفي هذة الحالة فأن التهديد للسلام والاستقرار يستمر، وان لم يكن من السهل ادراكه .
والواقع ان عدم احترام التعددية الثقافية والدينية هي اسباب مولدة للصراع غالبا ما تعادل جرائم ضد البشر والثقافات، ويجب علي الامم التي التزمت بالتعددية الثقافية احترام انساق القيم والمعرفة التي تتأصل بها ثقافة هذة الشعوب ، وهذا انما يعني في المقام الاول كفالة حقوق هذة الشعوب في العيش والبقاء وتأمين مورد الرزق وايجاده بدعم من الدولة والقانون الدولي .
ولابد من ضمان للانظمة التعليمية والبرامج التربوية التي تجسد ذلك الاحترام ، بما في ذلك حق استخدام لغتهم الخاصة بهم في مستويات التعليم المدرسي خاصة في مرحلة الاساس والنأي عن فرض ثقافة الاخر بالقوة .
ان التعددية ليست مجرد نهاية وغاية في حد ذاتها دون الحوار ،فلا بد ايضا من الاعتراف بالفروق والاختلافات قبل كل شئ كشرط اساسي لاقامة اي حوار ومن ثم فهو مؤشر لبناء ترابط واتحاد اوسع نطاقا بين اناس مختلفين أو متباينين ثقافيا واجتماعيا.
ابراهيم محمد اسحق
كاتب وباحث عضو الاتحاد العام للادباء والكتاب السودانيين
عضو منظمة الكتاب الافريقيين والاسيويين
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة