الشمالي وفن التعايش مع الآخر
محمد خوجلي الكراراوي
[email protected]
الجنوبيون والشماليون مثل أبناء هذا الوطن في شرقه وغربه تعايشوا وانصهروا في سودان ماقبل الإنفصال كأخوة فى دار واحدة اختلفوا وتصالحوا كما يختلف الأخوان فيما بينهم , ومما يثير إعجاب بعض الشعوب الاُخرى في طريقة أسلوب عاداتنا وتقاليدنا وطيبتنا وتسامحنا ومعايشتنا تجاه الآخر.. أحد الأشخاص من الجنسية الآسيوية عبر لي عن دهشته فى طريقة التعامل فيما بيننا، وسألني : كلما تلتقون وفي أي مكان تتصافحون بتلقائية وحميمية نادراً ماتجدها عند بعض الشعوب الاُخرى وأحياناً لايكون بينكم سابق معرفة ؟
مفاتيح الحل السلمي لمشكلاتنا موجودة لدى أبناء هذا الوطن ومنها مفتاح (التعايش) الفطري وهى سمة معروفة لدي السودانيين منذ القدم وتكاد تكون لصيقة فى دواخلهم لافرق عندهم فى العرق أو اللون أو الجنس وخير شاهد على ذلك العلاقات بين أقباط السودان والمسلمين. وجاليات أجنبية أقامت فى أحياء العاصمة المثلثة ومدنى والأبيض وبورتسودان وكسلا وعطبرة وكوستى والقضارف وملكال وجوبا وأغلب مدن البلاد ومن الذين نزحوا أيضا من غرب افريقيا وشرقها وجنوبها الى الداخل فشكلوا تلك الشخصية القومية المعطونة بإهازيج الفرح والمحبة والإلفة .
تلك الشعوب عاشت بيننا وبحكم التقادم صاروا مواطنين سودانيين بالتجنس وبعضهم تزوج من سودانيات .
من هؤلا راميش السوداني من أصل هندي عاشق ام درمان والذى لايبارحها الا لضرورة قصوى ، التقيته ذات نهار صحو من بدايات شهر يناير.وأصر أن يدلي بشهادته للتاريخ
.. حكى لي راميش بأنه أتى من الهند مع والديه وهو طفل صغير وهو الآن في طور الكهولة ولكنه مازال يحتفظ بحيوية الشباب ويؤكد لي بأنه سودانى 100% وقد تزوج من جموعية بنت قبائل وأن أبنائه قد ولدوا فى ام درمان وحكى لي (بدارجية) سودانية كيف أن أبيه هاجر من الهند عام 1938م أثناء الحرب العالمية الثانية الى بورتسودان ومن ثم نزحت العائلة الى كسلا وجبيت وسنكات وبعد إنتهاء الحرب بدأت حركة تجارية مكثفة وبلغت أوج نشاطها وساعد في ذلك وجود جاليات كثيرة من ابناء الهند واليمن واليونان واليهود والمغاربة والأقباط المصريين وسوريين وأرمن واتراك وأن كان بعضهم قد دخل مع الفتح التركي ـ المصري كذلك لاننسى قبائل غرب افريقيا وقد تقبل السوداني الشمالي كل هذه الشعوب بصدر رحب ...الآن حدث الأنفصال وقد حزنت لهذا كثيراًُ لإتهامات من بعض الأخوة الجنوبيون بأن الشمالي عنصري وكيف يكون كذلك وقد عاش بين ظهرانيه الدينكاوي والشلكاوى والنويراوي وغيرهم في بوتقة واحدة داخل امُ درمان.. لقد عشت فى هذا الوطن الذي وسع الكل اتعامل مع كل انسان أياً كان ، هدندوي، غرباوي ، جنوبى أونوباوي ، شايقي ، جعلي وأستمع لعثمان حسين ( فديك بالروح ياموطني ) وزيدان ابراهيم أشجع المريخ احتفل بأعياد الميلاد ورأس السنة الهجرية تهزني ايقاعات الطبول في ساحة حمد النيل ويزداد شجني لموسيقا التراتيل عند قداس كنيسة مارجرجس .. وجباتى المفضلة عصيدة بالروب ومرس وتقلية .. ويعمل معي في المحل أخوة أعزاء أحدهم دينكاوي والآخر جعلي وقد ضربوا لنا مثلاً عن كيفية التعايش مع الآخر. بعض الضغائن التى يعبر عنها جنوبيون أو شماليون تجاه بعضهم لاتشملنا فهم فئة جاهلة فالمولى عز وجل خلق التنوع والشعوب والقبائل للتتعارف ، والتعايش مع الآخر يجري فينا كمجرى الدم في العروق ومايفرقنا يجمعنا .
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة