انفصال الجنوب: شرف يُدعى أم تهمة تُنكر و تُنفى؟ 2/3
الفاضل إحيمر/ أوتاوا
· إن الجنوب لم يُفصل عن الشمال، لكنه، و هو الذي سوف يصوِّت غداً، من فصل الشمال عنه و لفظه.
· لم يستشعر الجنوبيون: "بلادي و إن جارت عليَّ عزيزة" لأنهم لم يشعروا أن السودان بلدهم.
· إن فعلها الجنوبيون و صوتوا لخيار الوحدة، هل نحن كشعبٍ جاهزون لذلك بمعنى الكلمة و كل تفاصيل الأمر؟
*****
في جدالنا العقيم حول من يتحمل وزر فصل الجنوب، إن كان قد فُصِل و كان فصله وزراً، نتعامل معه، أي مع الجنوب، كما لو أنه لا أهل له أو كأن أهله لا حول لهم و لا قوة و لا مشيئة أو إرادة و كأنما الجنوب شأن يهمُّ كل إنسانٍ عداهم. حتى الآن، و قد صار الانفصال أمراً واقعاً لا محالة، نتحدث عن الجنوب و كأنه جلمود صخر دحرجناها بعيداً أو غصن شائك عن دوحنا قطعناه، عضو فاسد من الجسد بترناه أو بعير أجرب عن القطيع أبعدناه. لعلنا ندرك الآن أننا كنا مخطئين في ذلك و غيره و أن ذلك الخطأ و الفهم و التعامل كلفنا الكثير.
إن للجنوب أهلاً فكَّروا و قدَّروا، مهما كانت دوافعهم و أسبابهم، أن من مصلحتهم أن ينفصلوا عن ذلك الكيان القابع إلى الشمال منهم و الذي يتعامل معهم على غير ما يريدون. صار للجنوبيين منذ أمدٍ حلمٌ و رؤى و هدفٌ وضعوه نصب أعينهم و آلوا على أنفسهم ألا يحيدوا عنه و أن يبلغوه مهما كانت المشاق و التضحيات و مهما طال و صعب السفر. من أجل تلك الغاية خاض الجنوبيون ضد الشمال حرباً ضروساً امتدت لعقود طوال بدأوها بالنشاب و الحراب و واصلوها بضراوة إلى أن امتلكوا الدبابات و الراجمات و صاروا، عتاداً و إعداداً، صنواً لـ"عدوهم" في الشمال و صارت الحرب بين الجانبين سجالاً طالما كسبوا معركة من معاركها و أذاقوا "عدوهم" الوبال.
هذا في الداخل أما في الخارج و على صعيد العمل الدبلوماسي و النشاط الإعلامي و كسب الرأي العام العالمي فإن الشمال بكل إمكانياته و علاقاته و ممثلياته في الخارج فشل فشلاً ذريعاً في أن يكون صنواً للجنوب و صارت مراكز القوى و الوزن الدولي و مواقع اتخاذ القرار ساحات يرتع فيها ممثلو الجنوب و المتعاطفون معهم كيفما شاءوا و صار العالم الغربي لا يرى السودان إلا بعيون جنوبية. هذا لا ينفي أن "الغرب" كان متعاطفاً أصلاً مع الجنوب "المسيحي" أو "غير المسلم" و "غير العربي" و جاهزاً لأن يتبنى و يدعم قضيته و لقد وجد الجنوبيون "ريحهم فضروا" و في سبيل كسب المزيد من تعاطف "الغرب" و دعمه غير المحدود ألصقوا بالشمال، ليس في ماضيه فحسب بل حاضره أيضاً، و بكل المحسوبين عليه، بغضِ النظر عن موقعهم في خارطة السودان السياسية الحالية و موقفهم من قضية الجنوب، تُهم النخاسة و الاسترقاق و الاغتصاب و ضاعفوا أضعافَ أضعافٍ أعداد ضحايا الحروب من قتلى و نازحين، و هم و لو كانوا نفساً واحدة كثيرٌ لا سيما إن كانوا ضحايا حرب ما كان يجب أن تكون. هذا لا ينفي أيضاً أن بعض من كنا نتوهم أنهم إخوة أو أصدقاء لنا طعننا من الخلف و قدم للجنوبيين حتى السلاح.
ليس ذاك فحسب، فقد اخترق الجنوبيون بحذق و اقتدار جبهة "عدوهم" الشمالي الداخلية و عاثوا فيها فرقة و شتاتاً و قد سهَّل مهمتهم و بلغَّهم مقاصدهم في إضعاف تلك الجبهة و زعزعتها تكالب "الإنقاذيين" على السلطة و حرصهم المسعور على الانفراد بها و بصنع القرار مهما كان بعده القومي و أهميته و تلهف معارضيهم للسلطة و توقهم للظفر بها "استردادها" و إن استدعى ذلك التحالف مع الشيطان و تهديد مصالح الأوطان و الرقص على ضربات طبول "عرمانٍ" و "باقان". بطبيعة الحال لم يفت علي الجنوبيين أن يستغلوا بل يصعِّدوا قضية "دارفور" و لو نالوا مرادهم و أسعفهم الزمان لأضافوا إليها، بعد "ابيي" و "الإنقسنا" و "جبال النوبة"، "كردفان".
فعل الجنوبيون كل ذلك و حرصت قياداتهم الذكية على أمرٍ في غاية الأهمية هو أن تبقى جذوة كُره كل ما هو شمالي و الحقد الشديد عليه متقدة و حيّة في نفس السواد الأعظم من الجنوبيين لا يهم إن كانوا يعيشون في الشمال أو الجنوب، إن أساء إليهم الشماليون أو احتضنوهم و عاملوهم بما ترتاح له الأنفس و تسر القلوب. في كل هذا دأبت القيادات الجنوبية على ربط الرفض و الكراهية بأمرين: الإسلام و العروبة و ادَّعت أن الشمال سعى لفرضهما على الجنوبيين. صحَّ ذاك الطرح أم أخطأ، يفرض نفسه سؤالٌ: ماذا عن المسيحية و اللغة الإنجليزية؟؟؟
لقد أحسن الجنوبيون إدارة معاركهم العسكرية و الإعلامية و السياسية و الدبلوماسية و النفسية و الإستراتيجية فكسبوا الحرب بجدارة و لقد زادوا على ذلك أن بزَّونا و تفوقوا علينا في موائد المفاوضات فجعلونا نلف بأيدينا حول عنقنا حبل شنق طموحنا في إبقاء السودان موحداً، أيَّاً كانت دوافع ذلك الطموح، و استغفلونا لأن نبصم طائعين على صكِ انسلاخ جنوب السودان عن شماله.
لقد أُبتذل من فرط كثرة ما رُدد شطر بيت الشعر "بلادي و إن جارت عليَّ عزيزة ...." لكنه يبقى ذا قيمة و معنى. غير أن الأمر لا ينطبق على الجنوبيين و السودان القديم حيث أنهم لم يشعروا بأن السودان بلدهم و إلا لكانوا قد صبروا عليه و ضنوا به على التقسيم و واصلوا الكفاح مع غيرهم حتى يصير وطناً للجميع و بالجميع. و لنترك هنا الحكومات جانباً و لنطرح، خاصة في الشمال سؤالاً نجيب عليه بصدقٍ و شجاعةٍ و شفافية: إن فعلها الجنوبيون و صوِّتوا لخيار الوحدة، هل نحن كشعبٍ جاهزون لذلك بمعنى الكلمة و كل تفاصيل الأمر؟
بعد كل ما تقدم نتجادل: مْن فَصَلَ الجنوب. إن الجنوب لم يُفصل، لكنه، و هو الذي سوف يصوِّت غداً، هو من فصل الشمال عنه و لفظه بنضاله و صبره و بذكائه و دهائه و بفضل من يرشدونه و يوجهونه و ترك الشماليين ما بين مصدقً و مكذِّب "يتساءلون عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُون". لنعطِ الجنوبيين و لو مرة واحدة حقهم و نقرَّ بأنهم في هذه، كانت يدهم الأعلى و يدنا السفلى و لعلنا نسعى بعد الإستفتاء لأن يمدَّ كلٌّ منا للآخر يداً بيضاء من غير سوء تحمل غصن زيتون و ليس بندقية.
و للمقال بقية ...
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة