سودانياتٌ ما قبل قرار ٍبقابل الأوطان
"وكان كل خطوه وراها شهيد"
من أناشيد الموسيقار محمد الأمين
محجوب التجاني
السبت 8 يناير 2011
إنصبت أقوي حجج آباء السودانيين من أبناء الجنوب الإنفصاليين منذ خمسينيات القرن العشرين إلي ما قبل عصر الزعيم الوحدوي العظيم جون قرنق دي مبيور وبعده في مقاومتهم الثابتة للمظالم واشتراط إزالتها إزالة نهائية. وخلال نصف قرن من الزمان، توحّدت رغبات السودانيين في جنوب القطر في نقاطٍ حيويةٍ عديدة، عزّزها الزعيم قرنق ورفاقه الوحدويون في الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها الشعبي الوفي لمبادئ الحركة، وقيادتها الوطنية الوفية بدورها لوحدة الوطن وتمتعه بكل الحريات والحقوق المرعية. وللزعيم السوداني المحترم، ولكل حركته وجيشه والمخلصين منهم للمبادئ أن يهنأوا بسيرتهم القومية الغيورة، ونضالاتهم الخالدة وتضحياتهم الجسيمة للسودان الوطن الواحد، وثباتهم علي جمر الوحدة الغالية.
هؤلاء الصناديد: "أبقو عشرة للمبادئ"، فأنتم عاضين عليها بنواجذ العهود الثمينة، تنبذون صمتا أم ُنطقا ضغوط الإنفصال وشبق حيازة علم "الوطن الأصغر" ونشيده وشعاره وبذخ سفاراته والتنافس علي مناصبه والتمرغ في "نعمة" الغرب الموعودة "لتنميته" في تراب وطننا الأحمر، الفطرة المظلومة، المحْمّر بدماء شهدائه الموؤدة، وشعبها المكلوم في كل شبر ٍسوداني، بمثلما تمرغ شريك السلام الناقص في "نقمة" الشرق الخروق لأخلاق الوفاء لشعب الحرية والحقوق.
ولحلفائكم ملايين الوحدويين، بقوي الإجماع الوطني، أن يهنأوا جميعا بثقتهم في قدرات شعبنا والد الصناديد، وتمسكهم بوحدته، وفاءا بوفاء، وحرصهم علي جماهيره النيرة بطموحاته وآماله، وتصديهم للظالم، ورفضهم للمظالم، وتسابقهم التاريخي لنيل شرف منازلة الإستبداد والتخلف، وإعلاء الإرادة السودانية التي لا تتراجع جماهيرها ولا تتنازل عن مبادئها، والتي تنتصر عندما تضع أقدامها علي الشارع، القضاء المباشر العادل، فوق شرطة الجيوش، وجيوش الشرطة. ومتي اعتقل حُكمٌ شعبنا في أرضه؟! الحكومات غاز يتبخر، والمجتمع مادة لا ُتقهر.
كان عضل الجنوب الديمقراطي موّرما علي مستوي القطر من ثلاث مظالم ٍرئيسة: أولها حرمان الجنوب من التنمية الإقتصادية والإجتماعية الحديثة. ثانيها، إستئثار الشمال بالسلطة. وثالثها، ممارسة علاقات إستعلائية ذميمة بين ثقافات الشمال الحاكمة وأديانها ونظيراتها في الجنوب التي تعتز بمكوناتها الخاصة، وتطمح طموحا إنسانيا مشروعا في أن تجعل منها أساسا ومنطلقا لتقدمها علي نطاق الأمة السودانية، ومساهمتها في حضارة قارتها الأم، والعالم العريض من حولها.
واضعة في صرصرفكرها وعقر دارها أهمية الإحتفاظ بوحدة القطر وتغليبه علي اعتبارات العدالة التنموية والمساواة الثقافية وتآخيها الإجتماعي والروحي، تفاوتت إستجابة أنظمة الشمال المتسلطة علي مطالب الجنوب المستعصي علي الديكتاتوريات، بداخله وُجدت أم من خارجه، طوال القرن العشرين وفواتح َخلفه الحادي والعشرين. وأنصارالمطالب من بنيه ومن الوطنيين الديمقراطيين المخلصين لوحدة الوطن في شماله، تقاوم في بسالة سياسات المصادرة والإستبداد. هاهنا الوحدة السياسية الرائعة بأصفي معانيها. فقد احتضن الوحدويون في الشمال الإنفصاليين في الجنوب، ولم يؤيدوا قط محاربتهم أو عزلهم. لا يعجز عن طرح هذا التمييز إلا متسلقو السلطة وموظفو الأنظمة الرجعية.
تفهمت حكومة أكتوبر المختارة شعبيا في جبهة الهيئات (1964-1965)، وقوي إنتفاضة مارس/أبريل وحكومتها المنتخبة ديمقراطيا (1985-1989) حاجة البلاد للوحدة الوطنية، متوأمة مع حاجة شعبها للتعايش السلمي، وترقية سبل التفاهم والتعارف بين أقاليم البلد المتحركة. ولكنها أبطأ بها تنازعٌ دون صنع القرار السعيد. أخفقت في تبني برامج الجماهير الديمقراطية المحتشدة خارج مقاعد البرلمان لسودانها الجديد، والإسلاميون الإنقلابيون يعطلونها بكل ما في أيديهم من أموال المصالحة مع الديكتاتورية "المزالة"، وفلاحهم الشرير في التآمر وتعطيل مشاريع السلام والإتحاد. ولم يسرع بها صبر الإنفصاليين الطويل علي ضرورة التوصل إلي إتفاق ٍربما ظلت به الوحدة قائمة فوق كل عائق، بإزالة مظالم الحرمان من التنمية والسلطان قبيل عهدٍ بعيد.
الديمقراطية بإجراءاتها التمحيصية المطولة – مافي السودان وحده؛ في كل حكم ديمقراطي دستوري - كان قدرها في دولتنا النامية أن يتخطاها بشكل ٍرتيبٍ الإنقلابيون المتربصون بالسلطة للإستيلاء علي خططها الناجزة - تلك التي عكفت علي إعدادها بعمر السنين الطوال ألمع عقول الأمة، ومهرتها بدماء الشهداء وأنبل التضحيات أكبر أحزابها وأقوي نقاباتها وأوسع منظماتها وقيادات قواتها المسلحة والنظامية ووحداتها وأفرادها، وحركات أقاليمها المدنية والمسلحة. هذا الوطن مظلوم متجني عليه! ولن تستريح عظام شهدائه مالم يعدل حكامه بالحق أياًًًًً كانوا.
ويالها من فريةٍ كبري في تدارس نضالات السودانيين سبعين عاما تكاد (1956-2011) ومحاولة عرضها بأمانة واستقامة، حين يُنسب لإنقلاب مايو 1969 عبقرية الحكم الذاتي الإقليمي للجنوب، وإسباغ صبغته علي أجزاء القطر الأخري بتحقق نجاحه وإنجازه بديمقراطية "حزب الحكومة الإتحاد الإشتراكي". أو حين يدّعي الإنقلابيون الإسلاميون بإستبدادهم المعلوم فكرة إنقاذ السودان من الحرب والإنفصال بإتفاقية السلام (كذا!) علي يد حزب حكومي آخر، "مؤتمرهم الوطني". أي استهبال تدار به حياة السودانيين! إن أصل الفكرة لا يعود بأي حال إلي زمرة إنقلاب. ولكنها فكر صقلته أحزاب ونفذته إدارات شعبية ودعمته النقابات الحرة المستقلة.
إنبثقت فكرة الحكم الذاتي الإقليمي من تدافق أبناء الوطن الواحد علي شفاء جراح الحرب الأهلية الأولي (أغسطس 1955) في حلقات وطنية عويصة، حريصة علي الوحدة بالحرية والمساواة، وإلا فلن يكون لوحدته مغزي "وليذهب كلٌ إلي حاله". بالتمعن في هذه المعادلة السياسية المتعادلة، لا بد من إيفاء آباء السودانيين الإنفصاليين حقهم في الوطنية، إذ لهم فضلٌ لا يُستهان به في شحذ قرائح الأمة بالحلول الملائمة للمطالب الفتية.
ما فات عدلُ المعادلة علي كتابها وفي مقدمتهم البروفسور الوطني محمد عمر بشير في مؤلفاته عن الصراع، والأديب الدبلوماسي الدولي فرانسيس دينق، ومُعّلم الكُتاب السودانيين جمال محمد أحمد في "ولايات النيل المتحدة"، مشروعه الأدبي السياسي المتفكر؛ ولم يفت علي مفكر الإسلام الشهيد محمود محمد طه الذي تقدح ذكري استشهاده في مثل هذه الأيام الصعبة في حياة أمتنا ذاكرة العارفين في انحاء الأرض بعبقرية العقل المستنير.
وقد بلورالمعادلة الصعبة فكر الشيوعيين السودانيين إعلاناً صاغه مع حزبه مفكر السودان الوحدوي الشهيد جوزيف قرنق. وأسهم في طرحها علي قوي اليمين المتصلب وتحمل تحديات جدّتها الصعيبة والدفاع عنها بشجاعةٍ أدبيةٍ في قلب عرين القوي التقليدية وحكوماتها الزعيم القومي الصادق المهدي. فما كانت معادلة مرغوبة ولا مقبولة في أوساطهم. ثم أضافت إتفاقية الزعيمين الوحدويين الميرغني وقرنق عدل الوحدة وسموها علي الإنفصال بأماني الجنوب والشمال المشتركة في وحدة طوعية راسخة، تطابقت بها معاني إتفاقية السلام السودانية (1986)، ذلك المرجع المتقدم الذي جعلت منه إتفاقات التجمع الوطني الديمقراطي المدروسة الصحيحة حلا صالحا، وقاعدة عريضة لحكم دستوري رشيد في سودان ديمقراطي جديد، بإرتقائها المحسوس بقدرات الفكر السياسي التقدمي، وإمكاناته الخلاقة.
للإسلاميين الإنقلابيين أن يخسأوا في كذبتهم الكبيرة هذه الأيام خاصة، وإعلامهم "ينفخ" بمجيئهم لوحدة السودان وإحضارهم السلام. والله ما جاءوا إلا للإنفصال، وما كتبوا في تاريخ سلامه حرفا! فإذا انفصل الجنوب بقرار ٍعاجل أو قابل، وتواصل نزفُ جراح الأبرياء في دارفور، وعامت في ساحل الأحمر أكواخ البؤساء وطفحت في الأزرق والأبيض، فليخسأ الإنقلابيون بزعمهم إنماء السودان.
وغدا يوم جديد...
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة