سودانياتٌ ما قبل قرار ٍبقابل الأوطان
"والمتاريسُ قلوبُ الشهداء"
من أناشيد الموسيقار محمد الأمين
محجوب التجاني
الجمعة 7 يناير 2010
السودانيون ما قبل إستقلال الوطن المجيد، آباء أمتنا اليوم، وأجيالهم الناهضة ما بعد الإستقلال علي تقاليدهم ومعاني حياتهم، أهل وَحدة وانفتاح وانبساط. ومن ثم، ما كفوا يوما عن مناهضة نظام الإسلاميين الإنفصاليين (1989-2010) ومقاومته والتندر عليه والسخرية منه لحظة أعلن أنه ماجاء إلا ليبني "مجتمعا جديدا"، خليفة لمجتمع السودانيين المعروف في الأرض. فما أدرك من تدميره للقديم سوي قطميراً أربدا، وما أنشأ من جديدٍ غير تبديد، وما أفلح في شئ سوي تهريئة ما استطاع من معاني الحياة: أحال وحَدتها انفصاما فانفصال، وانفتاحها انغلاقا علي الحلال وانفتاحا علي الحرام، وانبساطها انكماشا وهواء.
ما من تجن ٍعلي جماعتهم، ولا ضناً عليهم بخير فعلوه. و"كلُ نفس ٍمَعَها سآئقٌ وشهيد" (ق:21). لكنها الحقائق المرة، ليتهم يزدردونها وحدهم؛ فعلقم انتزاعهم من الديمقراطية مركزها الثاني في الجمعية التأسيسية المنتخبة (1986-1989) بقانون انتخاباتٍ إستهبلوا به المجلس العسكري الإنتقالي ونفخوا به مقاعدهم بأصوات ما وراء بحور اللآلي والمرجان، وما أتبعوا "تقريمها" قطعة قطعة لإلتهامها "كجمة" واحدة، أسال أنهارا من الدماء بالحرب الأهلية، وكال للديمقراطية وهال لأهلها، ثم طال ما وراءها من آمال ٍعراض ٍفي وطن ٍجميل ٍحميم ٍتسع سماحته الإنفصالي والوحدوي معا، وتحمي الجميع سودانية كبري.
وما الذي ظنه الإنقلابيون العابثون، وقد أسكرهم نيْل الحكم بغتة، وأطار صوابهم، فتعدي ظنهم كل ظن، وباتوا يطنون: "الآن سودان جديد... ناكل مما نزرع، ونلبس مما نصنع". والحق جلّ وعَلا أعلم بخلقه، "ولكُم في الأرْض ِ ُمسْتقرٌ ومَتاعٌ إلي حِين" (البقرة: 36). وقد جعل عباده السودانيين في بلاد النيل والصحراء مُذ عرفتهم الأرض وخبروها أهل شجاعة وكرم وضيافة؛ عاشوا سودانا عتيقا... يزرعون فيأكلون ويستضيفون، ويلبسون مما ينسجون؛ حتي ليقول فيهم أشقاؤهم في مصر وإرتريا وإثيوبيا ويوغندا وتشاد وليبيا وباقي عنقود القارة السنية، ومَنْ خالطهم بزيارة وحسن سيرة، لا توجد في السودان فنادق، لأن كل بيت فيه إيواءٌ لكل طالب. لله درك أيها السودان الحبيب! كم أذنب في حقك وحق شعبك الواحد إنقلابيون عابثون.
ربما أنها هينة علي بعض ٍفي لعبة السياسة الكدرة: أن ينتقم حزبٌ خسر زعيمه دائرة مركزه لإجماع القوي علي إسقاطه، أو لإنطماس أمانيّه من حزب آخر. ومن الغبن ما قتل. علي أنها هولاً كانت حين ينقم الخاسر علي وطن بأكمله، وشعب يحمله، وجيش أمله؛ فيسرق سلطته وينهب ثروته ويبدد تقاليده وإرثه. ومن المآثر"الطمع ودر ماجمع". وما هي بهينةٍ في حساب شعبٍ ممتليء النفوس والبيوت والشوارع والحواري بالآي الحكيم ومحبة المسيح وتوقير دين داؤد وسليمان وموسي وهارون، شعبا ينتعل الضواري ويلتحف كجوره جلد الفهود والنمور يتوسل بروحانيته لرب السماء لينزل الغيث علي قومه، وعلي رأس محاربيه أصواف الأسود، أن تزج به جماعة في موازين الفراغ في كل شئ: سجنا للحرية، سلبا للحق، وجوعا وغلاءا "لا يزرع به ولا يأكل ولا يلبس ولا يصنع". ذلكم بعد تخريب القواعد، وإن لم تزل راسخة، وتكسيح السواعد، وإن ظلت أغمادها سنينة ًوجاهزة.
شهد علماء السكان أن السودان اليافع لم يصبه كبّرٌ، غير أنه ابتُليّ من الحكم السيئ بشيخوخةٍ مبكرة من دمار الحروب والنزوح والتشريد. والدارسون لتركيبة مجتمعنا الديمغرافية يعلمون أن نسبة المواليد 35 لكل 1000 ونسبة وفياتاتهم 91. وعمر الإناث الإفتراضي 48 عاما. وعمر الذكور 47 عاما. ونسبة الأمية 61% تقريبا في ملفات مصلحة الإحصاء والتعداد وإسقاطاته (2009). أما تفسير الأرقام أكاديميا فيشير إلي تدني أثر التنمية الإقتصادية والإجتماعية وخدمات الصحة والتعليم والأنشطة الثقافية والترويحية التي بإذن الواهب القهار تطيل الأعمار، وتعين علي صلاح الأعمال.
وبنظرةٍ إلي نصيب التنمية السكانية والإجتماعية في ميزانية حكومة السودان يأخذ القارئ العُجاب: نصيب محاربة شعبنا المتمرد من نفقات سلطة الحماقة والإنتقام، ومحصلة تعريضها أبناءه للإبادة والتعذيب والإضطهاد والإعتقال، وتكلفة سخطها عليه وفجور موظفيها ومحاسيبها في خصومته تتعدي 60% سنويا من الميزانية العامة للدولة منذ 1989 إلي اليوم! ومن المتبقي البالغ حوالي 40%، ينعم الفصل الأول من الميزانية (مخصصات مسئولي الحكومة في المركز والولايات وامتيازاتهم) نصيبا وافرا، ثم لتقتات "بقة" الباقي مرتبات الكادحين من عمال وأفندية "ما أمكن"، ونذرا يسيرا للتعليم والصحة والثقافة – أساس حياة الشعوب وتقدمها. وللإيضاح أيضا، لا يقل عجز الميزانية العامة للدولة سنويا عن 3000 مليون دولار، علي زبانية النظام إعتصارها قسرا من هياكل ٍ مفلسة ٍ نخِرة.
الجنوب برزق ٍوفير ٍفي النفط، لم يرث من الإنقلابيين خيرا: ميزانيته مثلهُم بنودا وصرفا. ولن يستقر حال شمال، ولن تنطلق تنمية جنوب، ما لم يتغير هذا التبذير تغييرا شاملا لا رجعة فيه، وتُقلب الميزانية رأسا علي عقب لينال منها الشعب النسبة الأعلي، زراعة وصناعة وطرقا وصحة وتعليما وثقافة، ويُربّي المسؤولون علي أقل القليل مرتبا وعلاوة نظير تمتعهم بالسلطة. في ذلك فلنري كيف أن الإنفصال - بما ينتظر المحكومين فيه من إنفراد الحاكمين - سيضاعف من صعوبات التغيير في غياب سنده السوداني الأكبر، قوي الإجماع الوطني الوحدوي جنوبا وشمالا. وللإنفصاليين إن أرادوا أن يعيدوا النظر ويمعنوا التدقيق، قبل أن يقع فأسهم علي رأس الجميع، فيُسقطهم ويُسقطه، أخضرا كان أم يبوسا عبوس.
والآن نسأل: كيف يُسّد عجز 3 مليار دولار سنويا؟ الإنقلابيون بإنعدام الذوق الحسن والحس السليم، بعد خصم مرتباتهم وإمتيازاتهم وعمولاتهم (غير الخاضعة لمراجعة ديوان المراجع العام بأمر رئاسة جمهوريتهم ووزارت دفاعهم وأمنهم وإستخباراتهم وداخليتهم وخارجيتهم وماليتهم، سرها وعلنها)، يحكمون علي السودانيين - أصحاب البلاد - بغرامات "الدقنية" وإفراغ الإقتصاد من أي رحمةٍ أو دعم. تنفض حكومتهم يدها عن مسؤليات الحكم السياسية والأخلاقية تجاه حاجات الرعية المكتوية بغلاء الأسعار وعجز الدخول وربقة الفقر وذلة الإفقار، ويزداد الناس ضرراً بحرج العجز دون أداء واجبات الضيافة وتقاليد الإكرام. ومن هنا، تستعظم الجماهير جسامة التضييع لتقاليد الحكم الصالح، وتستنكر ضخامة التمييع لإرث النيل والصحراء والغابة والمالح. فما يظن الإسلاميون الإنقلابيون أن السودانيين يفعلون بهم؟!
وغدا ًيومٌ جديد...
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة